منير شفيق: الأنظمة العربية لديها أوراق كثيرة ولكنها خذلت غزة
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
دعا الكاتب والمفكر الفلسطيني، منير شفيق -في مقابلة مع قناة الجزيرة- الفلسطينيين إلى مواجهة الإجرام الإسرائيلي في قطاع غزة بقوة وليس بضعف، وقال إن لجوء الاحتلال إلى تجويع وتعطيش الغزيين سببه صمودهم وصمود المقاومة.
ورأى أن الخط الصحيح هو أن يفضح الفلسطينيون الاحتلال، وأن يواصلوا الحفاظ على قوتهم وتصميمهم على دعم المقاومة في الميدان، وأشار إلى أن المقاومة "تقوم بعمليات عسكرية مذهلة داخل غزة وتهز الاحتلال هزا، فضلا عما تقوم به المقاومة في لبنان".
وقال إن ما يجري في غزة جريمة كبرى وأعمال مخالفة للقوانين الدولية، ويجب أن يدان الاحتلال الإسرائيلي الذي يرتكبها، ويدان الذين يسكتون عنها وهم قادرون على إيقافها، سواء من الدول الغربية أو من الدول العربية والإسلامية.
وعن الدور العربي أمام المأساة الإنسانية في غزة، قال المفكر الفلسطيني إن العرب والمسلمين لديهم أوراق كثيرة يمكنهم استخدامها، "لكن للأسف هناك ضعف وهزال وعجز.." وقال أيضا إن "هذه الأنظمة ستدفع ثمنا غاليا بسبب سكوتها والتواطؤ بالنسبة للمتواطئين".
وأوضح أن الحد الأدنى أن تقوم الدول التي لديها معاهدات واتفاقات مع إسرائيل بالتهديد بقطعها، وحتى بقطعها مع الولايات المتحدة الأميركية، وتخفيف قبضتهم عن الجماهير العربية لتخرج إلى الشوارع من أجل الضغط.
ووصف موقف معظم الأنظمة العربية بأنه مخزي جدا، وقال إن على الفلسطينيين أن يحرجوا هذه الأنظمة بصمودهم وانتصارهم، "وكلما طالت المعركة دفعوا الثمن أكثر".
وفي حال نُفذت بعض قرارات القمة العربية التي عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن في قطاع غزة، كما يقول المفكر الفلسطيني، الذي أشاد في ذات السياق بالجماهير العربية واعتبر أن قلبها مع غزة، لكنها لم تجد أمامها الفرصة لتنتفض.
وشدد المفكر الفلسطيني -في مقابلته مع الجزيرة- على "أن المقاومة في غزة ستنتصر والشعب الفلسطيني لن يركع، والمنتصر في المعركة هو الذي سيحدد مصير غزة".
واعتبر أن المعركة التي يخوضها الفلسطينيون في غزة تحرك الضمير العالمي وتؤثر عليه، وهي "معركة وضعت الحضارة والحداثة الغربية أمام امتحان عسير، لأنها تشهد جرائم وإبادة ولا تستطيع توقيفها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات فی غزة
إقرأ أيضاً:
السبيل الحاسم لإحياء الدول العربية من جديد
لم تعد تخفى على أحد تلك الحيرة التي ترتسم على وجوه المسؤولين السياسيين في بعض البلدان العربية، وهم يقفون أمام المشاكل المتراكمة المتعلقة بالشباب. بل كثيرا ما يظهر كما لو أن الطرفين يفتقدان إلى لغة مشتركة، وأن العلاقة الوحيدة الممكنة، هي سوء فهم مستمر.
ولعل العزوف الكبير للشباب اليوم عن السياسة تعبير صارخ عن هذا التطور الدراماتيكي الذي ينبئ بسقوط قطاعات واسعة من المجتمع بين براثن العدمية، والانعزالية.
ولا ريب أنه ستكون للأمر تبعات سياسية وخيمة، وذلك على الرغم من الاستثمار المفرط في "الحل الأمني".
طبعا، يمكن العودة بهذا المشكل إلى أسباب مختلفة، ومنها تبني الدولة العربية المعاصرة أجندة نيوليبرالية دون اعتبار للخصوصية الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية لبلدانها، فاصلة بذلك قدرها عن قدر المجتمع، لكن ما يُعمق أكثر من هذه الأزمة، التي تقترب في بعض البلدان العربية من حرب أهلية غير معلنة، هو غياب شبه تام للدور التربوي للدولة.
لا تنحصر التربية في المجال الخاص، وذلك حتى وإن جاء تدخل الدولة في التربية متأخرا في السياق الغربي.
تُقدم ألمانيا نموذجا مركزيا في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ كان عليها أن تنقل المجتمع من نظام ثقافي وعقدي نازي إلى تبني قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان- ما اصطلح عليه المؤرخ الفرنسي دنيس غولديل بـ "المنعطف الغربي لألمانيا"- والخروج من إرث وسحر "المسار الخاص"، الذي جعل منها، في لغة الفيلسوف الألماني، هيلموت بليسنر، "أمة متأخرة".
ولعب الحلفاء، وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية، دورا مركزيا في السنوات الأولى التي أعقبت الحرب في هذه العملية التربوية، وهو الدور الذي لن تلعبه، مثلا، في العراق، ومناطق أخرى من العالم، رغم كل الضجيج الإعلامي حول دمقرطة الشرق الأوسط.
يتعرض المجتمع الحديث لهزات قوية، تُعبر عن نفسها في سياق عربي وثالثيّ بشكل متطرف، ويحدث ذلك لأسباب:
إعلان أولا، حين تختل العلاقة بين الجماعة أو الجماعات والمجتمع (الطائفية في المشرق العربي). وثانيا، بين الفرد والمجتمع، فلا يشعر الأفراد بانتماء إلى مجتمع يحرمهم من تحقيق ذواتهم، فيطرقون باب الهجرة، الواقعية منها والرمزية، كما الحال مع عديد من النخب المتعلمة في شمال أفريقيا، التي باتت تفضل البرد الكندي على بلدان ما برحت تزداد ضيقا بالفرد وحرياته. وثالثا، حين تغترب الدولة عن المجتمع، كما يُفرز ذلك النموذج النيوليبرالي.يكتب إيمانويل كانط في محاضرته حول التربية: "إن الإنسان لا يمكنه أن يصبح إنسانا إلا عبر التربية"، ويمكننا أن نواصل، وهذه المرة مع جون ديوي، بأنه لا يمكنه أن يُصبح مواطنا إلا من خلال التربية، وأن وحده الإنسان الحر يمكنه الدفاع عن الحرية.
وتلعب الدولة في التربية على المواطنة دورا محوريا، لا يتوقف عند أبواب المؤسسات التعليمية، أو ينتهي بتوزيع شهادات جامعية، بل الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي متكامل، يُعبر عن نفسه في السياسات العمومية للدولة، في مؤسسات المجتمع المدني، في القيم التي تسود المجتمع والثقافة التي يتبناها، بل ويُعبر عن نفسه أيضا، فيما يصطلح عليه ريتشارد سينيت في كتاب يحمل العنوان نفسه: في "البناء والسكن".
إذ التربية على المواطنة شرط أساسي لبناء "مدينة مفتوحة"، يشعر المواطن بالانتماء إليها، ولا يشعر بالاغتراب أمام مؤسساتها، ويُقبل بمسؤولية على فضائها العام.
وهنا، يجب ألا نترك التربية لأيدٍ أجنبية، غريبة عن الثقافة والقيم المحلية، أو نسارع- في عُقد نقص مستحكمة- إلى الاحتفاء بالوافد الجديد، ونبذ القديم.
إن التربية على المواطنة منفتحة على العالم، ولكنه انفتاح في ظل التقاليد، يسمح بإغناء هذه التقاليد وتحويلها بشكل يخدم الفرد والجماعة، ويأخذ بعين الاعتبار حاجات الثقافات المحلية، إذ كثيرا ما ننجرّ إلى "مشاريع ثقافية" كبيرة في العناوين التي تطرحها، ولكنها صغيرة وضئيلة التأثير في نتائجها.
وذلك على الرغم من كل الضجيج الإعلامي والأكاديمي الذي يحيط بها، بل وسنجدها تقف حجر عثرة أمام حوار مجتمعي صحي، وهي تصطف إلى جانب طائفيات معينة، أو تنخرط في الحروب القبلية للأنظمة السياسية، أو تكتفي بنقل أجوف، وفي مازوخية، للموضات الغربية.
لا غرو أننا نحتاج إلى تربية تؤهل الشباب العربي للحياة في القرن الـ21، والتأقلم مع تحديات "التسارع" المختلفة، وهذا لا يرتبط بنقل موضات تعليمية غربية، أو تبني أسلوب حياة غربي، أثبت فشله في عقر داره، بل يجب أن نهدف إلى بناء نموذج تعليمي وتربوي مستقل، دون أن تعني استقلاليته انغلاقه أمام التجارب الأخرى، فهو سيظل في حوار مستمر مع تلك التجارب، ولكن انطلاقا وفي ارتباط بحاجات ولغات وأسئلة سياقاته.
تحمي التربية البناء المجتمعي، وتحافظ على لحمته وتحصنه أمام التأثيرات الخارجية، وترافق تحولاته في وعي بهذه التحولات ومتطلباتها، ولا يمكن للاعب رئيس مثل الدولة، وكما يكتب أحد كبار المتخصصين الألمان في عمليات الإصلاح التربوي، إنغو ريشتر: " أن يغفل البتة التربية. إن ذلك يعني أن تغمض الدولة عينيها أمام واقع التربية"، ومن خلال ذلك أمام واقع المجتمع.
إعلانولكن دور الدولة هنا لا يقوم على تربية مجتمع يقول فقط نعم للدولة، بل مجتمع يقول نعم للحريات العامة، ومستعد للعب دور المعارضة المسؤولة متى اقتضت الظروف ذلك.
فالأمر لا يتعلق بتربية توتاليتارية ترسم حركات وسكنات المجتمع، وتعطل التقسيم الاجتماعي، وتُكمم الأفواه، وتُلغي لعبة الأجيال، ولكن بتربية حرة ومُحررة.
وهذا ما تُعبر عنه مختلف الاحتجاجات التي تعرفها الدول الديمقراطية اليوم، ومنها تلك التي أضحت تتوجه إلى النظام الديمقراطي نفسه، والتي يمكن تلخيصها فيما تصطلح عليه بعض الأصوات في ألمانيا بـ "ديمقراطية الطقس الجميل"، وهي تلك الديمقراطية التي لا تستطيع الصمود أمام الأزمات الحقيقية التي تضرب المجتمع.
ولكن، إذا عدنا إلى سياقنا العربي، فإنه من شروط نُضج الدولة وتحولها من مجرد سلطة متسلطة على المجتمع إلى دولة تمثل طموحاته الأساسية- وهو ما نعدمه في كتابات المنظرين للدولة في سياق عربي- تحمل الدولة مسؤولياتها التربوية تجاه المجتمع، مثلا من خلال تبني حياد تام تجاه وجهات النظر المختلفة إلى العالم، أو تأسيس معاهد للتعليم المستمر أو تعليم الكبار.
وكذلك أيضا من خلال إحياء الأحزاب التقليدية، وتفعيل دورها التربوي، وتعميم نوادي الشباب، والتشجيع على تأسيس جمعيات تهتم بصورة المدينة والحياة بداخلها، فلا بد من استعادة المجتمع قبل فوات الأوان، وذلك خصوصا بالنظر إلى التحديات الخارجية الكبرى التي تواجهها الدول العربية اليوم، والتي لا ينفع معها الهروب إلى الأمام.
نعيش اليوم، في سياق عربي، في "دولة غير مكتملة" بلغة القانوني التونسي علي المزغني، والتي هي- لا ريب- امتداد لما أسميه بالمجتمع غير المكتمل، ومن هنا فالحاجة ملحة إلى اقتراح تربوي جديد، يؤسس لعلاقة مبدعة بالتقاليد، وهو ما يشترط الاعتراف بحقوق الأجيال الجديدة في إغناء هذه التقاليد.
يقول ابن القيم الجوزية: "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم". وهو اقتراح سيطالب بانفتاح نقدي على الحداثة ومنجزها التربوي، وبضرورة الالتزام بالقضايا الكبرى للمجتمع.
يعتقد عالم النفس النمساوي، زيغفريد برنفيلد في كتابه الشهير: "سيزيف أو حدود التربية"، بأن التربية تقوم على المحافظة، وأنها لم تسهم يوما في تغيير بنية المجتمع، وغالبا ما اقتصر دورها على شرعنة النظام الاجتماعي القائم.
وهو هنا يتحدث عن وجه واحد للتربية، وهو لا ريب وجه ضروري، فلا بد من الحفاظ على المجتمع وليس تخريبه، ولكن إلى تلك المحافظة ينتمي، لا شك، أيضا الدور النقدي للتربية، والمتمثل في ذلك الطموح المستمر إلى مجتمع أفضل، وأكثر قدرة على الإبداع والتواصل مع العصر. فيجب ألا ننسى أن تاريخ التربية في الغرب، هو بالأحرى تاريخ نقدها للمجتمع أكثر منه تاريخ محافظتها عليه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline