هل يحمل هوكشتاين خلطة سحرية لوقف الحرب؟
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
عندما يكون المدفع "شغّالًا" تتعطل لغة الحوار. وعندما تُراق الدماء يوميًا على مذبح الوطن لا يُطلب من أهل الضحية المسامحة والغفران. وعندما يكون المصير على المحكّ لا تعود تنفع الوساطات غير العادلة وغير المتكافئة وغير الواقعية وغير "السحرية". وعندما توجّه النصائح إلى الذين يرون أن ما بنوه على مدى سنين طويلة ينهار أمام أعينهم برمشة عين بضرورة التروي والتعاطي مع المعطيات الميدانية بواقعية لا يمكن توقّع أن يصدر عنهم مواقف غير تلك التي يسمعها اللبنانيون كل يوم وقد امتلأت شاشات التلفزة بالمحللين والمنظّرين، الذين ينتمون إلى محوري "المعارضة" و"الممانعة"، وكلٌ منهم يغنّي على ليلاه، فيما الحقيقة غائبة أو مغيّبة لكثرة دخان القذائف الصاروخية الذي يغطي سماء لبنان، من جنوبه إلى بقاعه وضاحيته الجنوبية، والذي يعمي البصر والبصيرة، فتصبح الرؤية مشوشة وغير واضحة المعالم.
وقد تبدو مواقف البعض بعيدة عن الواقع الميداني المغاير لمحاولات التلطي وراء ما يُعتبر تمويها للحقائق أو تشويه مضامينها، مع الإصرار على عدم رؤية ما يمكن أن يحّل بلبنان من كوارث تتعاظم وتتراكم مع كل قذيفة تسقط على رؤوس اللبنانيين، الذين لم تكن لديهم الرغبة في الوصول إلى ما وصلوا إليه. فمع انقضاء كل يوم حرب تزداد معاناة لبنان، وتتكاثر هموم اللبنانيين، وتتلبد الغيوم السوداء، التي تنذر بعواصف قد لا تُبقي حجرًا على حجر، وقد تطيح بكل مبادرات الربع الساعة الأخير، التي تحاول الإدارة الأميركية بنسختها "الديمقراطية" القيام بها قبل تسليم مقاليد الحكم إلى الإدارة "الجمهورية" في الفترة الفاصلة، والتي تُعتبر بالمفهوم الإداري الأميركي الداخلي الحصري "فترة ميتة"، من حيث فاعلية ما يمكن أن يُتخذ من قرارات وإجراءات داخلية أو خارجية، وهي في حكم تصريف الأعمال.
وعلى رغم تسليم الجميع بهذا الواقع الأميركي فإن ثمة معلومات تشير إلى أن موفد الرئيس جو بايدن إلى المنطقة آموس هوكشتاين سيعود إلى تل أبيب في محاولة أخيرة لإيجاد تسوية مغايرة لما تضمنتّه "المسودّة الإسرائيلية" من أفكار لا "تركب على قوس قزح"، ولا يمكن لعاقل أن يقبل بها مهما كانت ظروف الميدان ضاغطة وحرجة.
وفي المعلومات غير الرسمية والمستقاة من تجارب سابقة فإن ما يمكن أن يطرحه هوكشتاين في زيارته المرتقبة وغير المؤكدة حتى الآن، هو "خلطة سحرية" يمكن أن تجمع ما بين القرار 1701 وبعض بنود الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار من العام1949 في رأس الناقورة، وبين القرار 1559 وما ورد في وثيقة اتفاق الطائف لجهة بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها من دون أن يشاركها أحد في تحمّل مسؤولية قرار الحرب والسلم.
فما جاء في المادة الأولى والمادة الثالثة من اتفاقية الهدنة قد يصلح لأن يكون أرضية صالحة للانطلاق منها نحو تسوية شاملة. فقد جاء في المادة الأولى: يتعهد الجانبان اللبناني والإسرائيلي من الآن فصاعداً بالتقيد بدقة بالأمر الصادر عن مجلس الأمن بعدم اللجوء إلى القوة العسكرية لتسوية قضية فلسطين، وبامتناع الجانبين عن اتخاذ أي عمل عدائي ضد شعب الجانب الآخر أو قواته، أو إعداد مثل هذا العمل أو التهديد به. كما تنص على أن يُحترَم احتراما كاملا حق كل طرف في أمنه وحريته من الخوف من هجوم تشنه عليه قوات الجانب الآخر المسلحة.
أمّا ما جاء في المادة الثالثة فهو مكّمل للمادة الأولى، وفيها أن الجانبين يتعهدان بألا يرتكب أي عنصر من القوات البرية أو البحرية أو الجوية العسكرية لكل منهما - بما فيها القوات غير النظامية (وهذا اعتراف بوجود قوات غير نظامية)- عملا من الأعمال الشبيهة بالأعمال الحربية أو عملا عدوانيا ضد قوات الجانب الآخر، أو ضد المدنيين في الأراضي الخاضعة للجانب الآخر، أو يعبر أو يتخطى -لأي سبب من الأسباب- خط الحدود في إطار الهدنة الدائمة، كما هو مبين في المادة الخامسة، أو يدخل المجال الجوي للطرف الآخر، أو يمر عبره أو يدخل أو يمر عبر المياه على مسافة ثلاثة أميال من ساحل الجانب الآخر.
فهذه "الخلطة" وما فيها من سحر كفيلة بوقف الحرب وعدم العودة إليها تحت أي ظرف، خصوصًا أن لبنان لم يكن مهيأ لها ولا يريدها، وقد دفع ثمن توريطه بها أثمانًا باهظة.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الجانب الآخر فی المادة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
خطوات تهيئة الحوار والاتفاق السُوداني لوقف الحرب لصالِح السُودان والسُودانيين «1»
خطوات تهيئة الحوار والاتفاق السُوداني لوقف الحرب لصالِح السُودان والسُودانيين «1»
نضال عبد الوهاب
لن يختلف “عاقلان” أن استمرار الحرب الحالية وبعد كُل ما خلفته من إبادة للشعب السُوداني وانهيار ودمار وتشريد وجراحات ومآسي وأمراض وجوع وعطش وتوقف للإنتاج والتعليم والخدمات وانهيار بيئي وصحي وفي كافة المجالات ومناحي الحياة، ولاتزال تحصد في المزيد كُل يوم، ويموت السُودانيون في طرفي الحرب ومن بين الأبرياء والمدنيين، وكذلك الانقسامات العميّقة التي صنعتها الحرب في النسيج الاجتماعي والمجتمعات المختلفة والتي بلا شك أن تأثيرها أضعاف أضعاف القتال المُباشر، والخطر الحقيقي الذي بات يُهدد وحدة الدولة والسُودانيين كنتيجة لكل هذا، مقروناً بمحاولات أعداء البلاد والمُستفيدين من جراء الحرب وداعميها في فرض واقع تقسيّمي أو التكالب والأطمّاع المؤدية لإعادة احتلال بلادنا وإضعافها وسرقتها، في ظل خطر التدخلات الدولية العسكرية الدولية أو الإقليميّة أو الأممية، خاصة بعد التطورات في مسار الحرب نفسها ووصولها منطقة البحر الأحمر، والصرّاع الإقليمي والدولي المعلوم ودوائر النفوذ في هذه المنطقة الحساسة، غير التحولات في كامل المنطقة وإعادة فرز موازين القوى فيها وإعادة تشكيلها وفقاً لهذا، كُل هذه الأسباب أعلاه تجعل من استمرار الحرب وفق كُل سيناريوهاتها أمر كارثي وشديد الخطورة علي حاضر ومستقبل السُودان والسُودانيّين، ويتطلب هذا “الفوقان” و”الاستيقاظ” من حالة التعنت والتطرف والتوهان واللامبالاة وحتى قصر النظر التي يعيشها الكثيرون سواء من داخل أطراف الحرب وحلفاؤهم أو من كافة القوى السياسِية والمدنيّة والثورية والديمُقراطية والفصائل والحركات وعامة السُودانيين بكل كياناتهم ومجموعاتهم الإثنية والقبلية والجغرافية….
لم يعد من الرُشد والصحيح بأي حال استمرار هذا الموت وهذه الإبادة وهذه الدماء التي ظلّت تسيل والأنفس التي تُزهق، وتعطّل حياة السُودانيين وانتظارهم للموت والمجهول في أي لحظة.
إن الانتقال من هذه الحالة إلى خطوات جديّة وعملية تؤدي إلى السَلام وتوقف الحرب والصرّاع وتنهيه أصبح أمر مُقدَّم على كُل شئ ويلّزم الالتفاف حوله والمُضي فيه بلا أي تباطؤ أو حسابات، خُطوات تفتح طريق آمن للسُودانيين يستعيدوا فيه حياتهم الطبيعية وبلادهم وأشغالهم وتدور فيه عجلة الحياة من جديد بلا خوف أو تهديّد لحياتهم وما يمتلكون في كافة أرجاء السُودان ومناطق الحرب به، ويُساعد كُل هذا في المُحافظة على كيان الدولة ووجودها ويضمن وحدتها واستقرارها ومستقبل أفضل.
أي حديث عن أي حلول أو جهود لا تستوعب هذا الواقع الذي يعيشه كُل السُودان والسُودانيين حالياً واحتمالات الخطر الأكبر عليهم جميّعاً إن لم يتم التدارك سيكون بلا فائدة ولن يثمر خير لبلادنا وشعبها لا قدر الله،،،
الذي نحتاجه الآن إذن هو السيّر في طريق يجمّع كُل السُودانيين بكُل قواهم وتنوعهم، يوقف الحرب ويوحد البلاد، بوابة هذا الطريق هو التنازل للوطن وليس التضحية به، وحدته وليسا تقسيّمه، الحوار المسؤول وليس البندقية والإقصاء والصرّاع على الحُكم والسُلطة، المصلحة الجماعيّة وليست الفردية ولا الانتهازية، العمل للوطن وأجندته وليس لأجندة أعدائه.
نحتاج إلى جهود وطنية “خالِصة” وحوار مُباشر يتفق على مبدأ إعلاء قيّمة البلاد ومصلحتها.
خطوة تمهيدية أولية:تتمثل في:
* وحدة القوى السياسِية والمدنية في حدها الذي يسمح بالقبول بالحوار لوقف الحرب والعمل في هذا الإتجاه دون الذهاب لخلافات الماضي التي أعاقت العمل المشترك وأفشلت الوصول لرؤية مشتركة لوقف الحرب، في ظل تمسك أطرافها ومكوناتها على قضايا ومواقف وأجندة لم توقف الصرّاع أو الحرب بل أسهمت فيه وعمقته في تقديري، وهذا كما قلت في البداية يحتاج للتنازل لصالح المصلحة الوطنية العُليا في وقف الحرب ووحدة البلاد والقبول بالآخرين دون إقصاء كشُركاء في الوطن.
ونسبةً لأهميّة عامل الزمن وظروف البلاد فإن العمل على توحيد الخطاب السياسِي والعمل المشترك لكافة القوى السياسِية والمدنية يحتاج لزيادة سرعة الإيقاع والأخذ بالجانب التنسيقي والمُبادرات وطريق تلاقي مسارات هذه القوى على تعدّدها وتنوعها في هذا الجانب لتقريب وجهات النظر وعقد لقاءات حاسمة في إتجاه دفع جهود الحُوار في قضايا لا خلاف عليها في وحدة البلاد ووقف الحرب والتحول الديمُقراطي والحوار الشامل السُوداني السُوداني لأساس المُشكلات وعدم العودة لأخطاء الماضي والوصول لطريقة وكيفية حُكم البلاد والتداول السلمّي للسُلطة فيها.
الخطوات التمهيّدية الأخرى والاستباقية:١/ القبول بالجميّع كشركاء في الوطن
٢/ وقف كافة الأعمال العدائية والتصعيدية التي تُعيق التلاقي والحوار وتوقف أو تحِد من خطابات الكراهيّة والعُنف.
٣/ شطب كافة البلاغات السياسِية والكيديّة ضد منسوبي قوي الثورة والقوى المدنية من قيادة الجيش الحالية ومن أعملوها، وإعلان عفو عام غير مشروط.
٤/ إطلاق سراح كافة المعتقليّن من قوى الأحزاب والثورة والقوى المدنية ومن أُخذوا بالشُبهات أو بالخلفية السياسِية.
٥/ ترتيب حوار مُباشر ما بين مُمثلين للقوى السياسِية المدنية والثورية وما بين أصحاب قرار الحرب من الإسلاميين سواء في المؤتمر الوطني وفاعليه وقيادته أو مجموعاتهم السياسِية الداعمة للحرب لصالح مصالح السُودانيين في وقف الحرب والإبادة ووحدة البلاد ووجودها.
الحوار مع الإسلاميين الداعميّن للحرب والقوى المدنية والثورية والديمُقراطية ليس انتصاراً لطرف أو كيان أو هزيمة لأي أحد يُشارك فيه، وإنما هذا ما تقتضيه الضرورة الوطنية وفق مصلحة البلد وجميّع شعبه، والقبول بذلك هو امتثالاً لشراكة الجميّع فيه، وليس له علاقة بقسمة سُلطة أو الصرّاع عليها أو تصفيّة حسابات.
في حال الوصول لهذه الخُطوات العمليّة نكون ذهبنا درجات وأشواط هامة، والتي قطعاً تحتاج لخطوات لاحقة لها أو مُتزامنة معها.
في المقال القادّم نكتب عن الخطوات الأخرى التي ستُسهم في رأيي في وقف الحرب ووقف إطلاق النار الشامل، ولعمليات التفاوض في الجانب العسكري بين أطرافها، وسنتطرق للدور الخارجي الذي يمكن أن يتكامل مع الجهود الوطنية ودور العمل الدبلوماسِي والوساطة وأطرافها في مواجهة اللاعبين الأساسين في الصرّاع وداعمي استمرار الحرب منهم وكيفية التعامل مع هذا الملف المُعقّد لصالح السُودان وشعبه بإذن الله.
الوسومالإسلاميين الجيش الحرب السودان القوى السياسية قوى الثورة نضال عبد الوهاب