لماذا تخلت إيران وروسيا عــــــــن بشار؟.. وكواليس اللحظات الأخيرة من حـــــــــــــكم الأسد
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
إيران اعتبرت أنه لا يمكن الاعتماد على بشار بعد الهجمات الإسرائيلية على أصولها فى سوريا
لم يفعل الداعمان الرئيسيان لبشار الأسد–روسيا وإيران–الكثير لمساعدة الرئيس السورى السابق مع اقتراب نهاية اللعبة. فقد انشغلت روسيا بحربها فى أوكرانيا، وانشغلت إيران بصراعها مع إسرائيل الذى تحول من عمليات الظل إلى مواجهة مفتوحة.
وقد ضاعف هذا الصراع مشاكل إيران إلى جانب أكثر من عقد من العقوبات الأمريكية المنهكة التى استنزفت مواردها المالية والعسكرية.
ورغم ذلك فإن كواليس الأيام الأخيرة من حكم الأسد تحمل الكثير من التفاصيل عن العلاقات المتشابكة التى جمعت بين حاكم سوريا وموسكو وطهران، كما تقدم إجابة كافية على السؤال الذى شغل الجميع: لماذا تخلت إيران وروسيا عن الأسد؟
فى الماضى، وفرت روسيا دعمًا دبلوماسيًا كبيرًا للنظام السورى فى المحافل الدولية، بما فى ذلك استخدام حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع قرارات قد تستهدف النظام عسكريا، وبدأت تدخلها المباشر فى سبتمبر ٢٠١٥ بشن ضربات جوية لدعم الجيش السورى، وركزت عملياتها على استعادة المناطق الاستراتيجية من المعارضة المسلحة والجماعات المتطرفة، مثلما حدث مع حلب عام ٢٠١٦، مما قلب موازين الصراع لصالح الأسد. علاوة على ذلك، أقامت روسيا قواعد عسكرية دائمة هناك، مثل قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس، مما يؤكد ارتباطها العميق بالنظام.
ولم يختلف الوضع بالنسبة لإيران، فدعمت طهران النظام السورى باعتباره حليفا استراتيجيا فى المنطقة، ووفرت تمويلا ماليا كبيرا ومستشارين عسكريين من «الحرس الثورى الإيرانى»، كما دعمت مجموعات مثل «حزب الله» اللبنانى للقتال إلى جانب الجيش السورى. وهو ما كان حاسما فى تمكين الأسد من الحفاظ على السلطة وإعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى السورية.
فماذا حدث؟ ولماذا تحول الدعم إلى تخلٍ؟موسكو تنسحبهل تخلت روسيا عن الأسد؟ أجاب الرئيس الأمريكى المنتخب على هذا السؤال، وقال ترامب يوم الأحد الماضى: إن الرئيس السورى بشار الأسد «فر من بلاده» بعد أن فقد دعم روسيا، وأضاف على منصة Truth Social الخاصة به: «لقد رحل الأسد. لم تعد روسيا التى يقودها فلاديمير بوتين، مهتمة بحمايته بعد الآن».
ماذا حدث؟ حسب تقرير وول ستريت جورنال، فى مواجهة انهيار حكمه، طار الأسد فى الأيام الأخيرة إلى موسكو طالبا المساعدة من داعميه العسكريين القدامى.
وقال مسؤولون أمنيون سوريون ومسؤولون عرب آخرون مطلعون على المناقشات: إنه خرج خالى الوفاض. شنت روسيا غارات جوية ولكن بوتيرة أبطأ مما كانت عليه فى السنوات الماضية.
وقال بسام باراباندى، وهو دبلوماسى سورى كبير سابق غادر لدعم المعارضة: «هذه الدائرة المقربة من بشار، لقد اختفوا وغيروا أماكنهم وغيروا أرقام هواتفهم المحمولة».
«لم يعودوا يتواصلون مع أحد بعد الآن».وحسب رواية وول ستريت جورنال، اتصلت زوجة مسؤول استخباراتى كبير بمستشار حكومى هذا الأسبوع وهى تبكى لأنها أرادت الفرار إلى الإمارات العربية المتحدة، ورفض زوجها. وقالت، وفقا للمستشار: «أرجوك أخبره أن علينا المغادرة».
«البلد فى طريقها إلى الانتهاء».
توقفت التدخلات الروسية فى السادس من ديسمبر بعد فشل غارة جوية فى قطع جسر الرستن الرئيسى بين حمص وحماة (وأدت إلى إتلافه فقط) –وبالتالى استولت قوات المعارضة على حمص بسهولة. وفى أعقاب هذا، لم تتمكن روسيا من مساعدة قوات الأسد أكثر من ذلك، وبدأت قواتها فى إجلاء أسطولها العسكرى من القواعد فى غرب سوريا، كما أغلقت السفارة الروسية فى دمشق بعد استيلاء المتمردين على المدينة؛ وأمرت روسيا مواطنيها أيضا بمغادرة البلاد.
لم تكن روسيا تشعر بالقلق من سقوط الأسد، والدليل إعلانها على الفور أن قواعدها العسكرية فى سوريا فى حالة تأهب قصوى، مؤكدة أنه لا يوجد تهديد جدى لها، مع سقوط نظام بشار الأسد، وأضافت وزارة الخارجية الروسية فى بيان لها: «فى هذا الصدد، فإن روسيا الاتحادية على اتصال مع جميع الجماعات فى المعارضة السورية».
وكان مدونون حربيون روس قد حذروا من أن منشأتين عسكريتين روسيتين مهمتين استراتيجيا فى سوريا تتعرضان لتهديد خطير من فصائل المعارضة المسلحة.
بدا الأمر وكأن روسيا كانت مهتمة فقط بتأمين منشآتها العسكرية. لكن يبدو فى نفس الوقت أنها لم تتخل عن بشار الأسد بالكامل، فبعد سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق ظل مكان بشار الأسد مجهولا إلى أن أعلنت روسيا أنه متواجد فى موسكو بعد أن قرر التخلى عن السلطة بشكل سلمى. كما قال المتحدث باسم الكرملين دميترى بيسكوف للصحفيين يوم الإثنين: إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قرر شخصيا منح اللجوء لبشار الأسد وعائلته.
وأضاف بيسكوف: «لا يمكن اتخاذ مثل هذه القرارات بالتأكيد دون رئيس الدولة. كان هذا قراره»، بينما رفض التعليق رسميا على مكان وجود الأسد.
صدمة إيرانبدورها، تخلت إيران عن بشار قبل سقوطه من السلطة، وفقا لمحللين ومطلعين، وأبلغه وزير خارجيتها أن طهران الضعيفة لم تعد قادرة على إرسال المزيد من القوات لدعم نظامه.
وحسب فايننشال تايمز، عندما زار وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى دمشق الأسبوع الماضى، بعد أيام من سقوط حلب ثانى أكبر المدن السورية فى يد الثوار، زعم الرئيس السورى بشار الأسد أن «انسحابه من حلب كان تكتيكيا وأنه لا يزال مسيطرا»، حسب ما قال أحد المطلعين فى حكومة طهران، ورد عراقجى إن إيران لم تعد فى وضع يسمح لها بإرسال قوات لدعمه على أى حال.
وحسب المصدر المطلع فى إيران، أن لا أحدًا لم يكن يتوقع أن يأتى الانهيار بهذه السرعة أو أن ينكشف هذا الخواء فى نظام الأسد، مؤكدا «كان ذلك بمثابة صدمة لنا أيضا».
وقال سعيد ليلاز، وهو محلل مقرب من حكومة الإصلاحى مسعود بيزشكيان: لقد أصبح الأسد عائقا أكثر من كونه حليفا، ما يعنى أن وقته قد انتهى. لم يعد الدفاع عنه مبررا، حتى وإن كان ذلك يمثل انتكاسة كبيرة لإيران.
إن الاستمرار فى دعمه ببساطة لم يكن منطقيا وكان سيؤدى إلى تكاليف لا يمكن تحملها».
لقد ضعف نفوذ إيران فى المنطقة بشكل كبير بسبب الهجمات الإسرائيلية على موظفيها وأصولها فى سوريا وعلى حزب الله، الجماعة المسلحة الموالية لها فى لبنان، مما أدى إلى استنزاف قدرتها على دعم نظام الأسد.
فى الوقت نفسه، اعتبر المسؤولون الإيرانيون أن الأسد لا يمكن الاعتماد عليه بشكل متزايد، إن لم يكن خائنا بشكل صريح، فى حين اتهمه محللون ومطلعون من الداخل بالفشل فى منع الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية فى بلاده.
وقال المطلعون: كان هناك إحباط طويل الأمد من الأسد فى طهران. وأضافوا: «منذ أكثر من عام، كان من الواضح أن وقته قد ولى. لقد أصبح عائقا حتى أن البعض وصفه بالخائن. لقد كلّفنا تقاعسه عن العمل ثمنا باهظا».
وفى أعقاب سقوط الأسد فى أيدى المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، وهى جماعة سنية، تصاعدت الاتهامات داخل قيادة طهران، فقال مصدر مطلع من إيران: «كان أشخاص داخل نظامه يسرّبون معلومات عن مكان وجود القادة الإيرانيين».
وأضاف: «لقد أدار الأسد ظهره لنا عندما كنا فى أمس الحاجة إليه».
ويأتى سقوط الأسد، الذى حكمت عائلته لأكثر من خمسة عقود، كضربة مدمرة للسياسة الخارجية الإيرانية على مدى عقود، رسخت طهران استراتيجيتها على «محور المقاومة» ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، مستفيدة من شبكة من الوكلاء فى جميع أنحاء المنطقة.
وكانت سوريا حلقة حاسمة فى هذه السلسلة، حيث كانت بمثابة بوابة لإيران لإمداد وتمويل حزب الله فى لبنان والميليشيات الشيعية فى العراق والحوثيين فى اليمن.
وقد انقطعت هذه الحلقة الآن، بعد أن استولت هيئة تحرير الشام على دمشق فيما ثبت أنه الفصل الأخير من نظام الأسد. وقد صدمت سرعة الهجوم المراقبين، حيث حققوا فى أقل من أسبوعين ما فشلت قوات المعارضة فى تحقيقه خلال ١٣ عاما من الحرب المدمرة. لطالما سخرت طهران من هيئة تحرير الشام ووصفتها بـ«الإرهابية» المتحالفة مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
والقول بأن إيران تتراجع فى سوريا، أو أن حزب الله يهرب، هو قول سابق لأوانه، كما يؤكد العديد من المحللين.
وقد دفع المتشددون فى إيران باتجاه رد عدوانى. واقترح أحمد نادرى، وهو نائب متشدد، أن على طهران «إحياء جبهة المقاومة الجريحة» وإجراء تجربة أسلحة نووية لإعادة تأكيد مكانتها الإقليمية. وحث آخرون على توخى الحذر.
وقال ليلاز: «لا يمكن لإيران أن تفعل الكثير فى المنطقة فى الوقت الراهن».
«إن إعادة بناء حزب الله وتقييم النظام الشرق أوسطى الجديد سيستغرق وقتا. وحتى ذلك الحين، يجب على إيران أن تخطو بحذر».
ففى سوريا، أدت الغارات الجوية الإسرائيلية خلال العام الماضى إلى مقتل ما لا يقل عن ١٩ قائدا إيرانيا واستهدفت منشآت حيوية لعمليات طهران الإقليمية. أما فى لبنان، فقد تضرر حزب الله -وكيلها الإقليمى الأقوى فى المنطقة- بشدة من الحملة الإسرائيلية التى اغتالت كبار قادته واستهدفت بنيته التحتية وأسلحته وأذرعه المدنية قبل وقف إطلاق النار الذى تم الاتفاق عليه الشهر الماضى. وقد أصر وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى يوم الأحد على أن حزب الله سيبقى صامدا. وقال للتليفزيون الرسمى إن الحزب لديه ما يكفى من الأسلحة ليصمد «لمدة عام أو عامين» بينما يستكشف طرق إمداد بديلة.
وتشعر طهران بنفس القدر بالقلق بشأن الامتداد المحتمل إلى العراق، جارتها الغربية، حيث تظل الميليشيات الشيعية محورا لسياستها الإقليمية. قال أصغر زارعى، المحلل المقرب من النظام، إن الأسد «أساء التصرف» منذ حرب حماس وإسرائيل فى أكتوبر ٢٠٢٣، دون إعطاء تفاصيل.
وأضاف زارعى على التليفزيون الحكومى: «لسوء الحظ، كل ما بنيناه على مدى ٤٠ عاما انهار بين عشية وضحاها». «ستكون إعادة بناء موقفنا صعبة للغاية. يجب أن نضمن عدم حدوث ذلك فى العراق أو اليمن. لقد حان الوقت لشد أحزمتنا فى أماكن أخرى».
ويجادل بعض المحللين الإيرانيين بأن التعاون مع هيئة تحرير الشام، على الرغم من التوجه الإسلامى السنى للجماعة، يمكن أن يساعد إيران فى الحفاظ على بعض النفوذ. ودعا على مطهرى، وهو نائب برلمانى سابق، إلى المشاركة البراغماتية. وقال: «يجب أن نتفاوض مع هيئة تحرير الشام»، مشيرا إلى أن الجماعة المتشددة، رغم معارضتها للشيعة، إلا أنها تشارك إيران معارضتها لإسرائيل.
وفى الوقت الراهن، تتخذ طهران نهجا حذرا بانتظار تقييم نوايا حكام سوريا الجدد. وقد دعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى احترام «وحدة الأراضى السورية» وأبدت استعدادها للعمل مع الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة. وستكون استعادة النفوذ فى سوريا ولبنان مهمة هائلة بالنسبة لطهران.
فى تلك اللحظة من المهم تذكر مقولة رئيس وزراء بريطانيا الأسطورى ونستون تشرشل: «ليس هناك أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون، فقط مصالح دائمة».
هذا الاقتباس يعكس الطبيعة الديناميكية للسياسة الدولية، حيث تتغير التحالفات بناء على المصالح والظروف المتغيرة، وليس بناء على الروابط أو العداوات الثابتة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: ايران روسيا بشار الأسد سقوط نظام الأسد سوريا اسرائيل الغارات الاسرائيلية حزب الله الحرس الثوري الإيراني المعارضة السورية هيئة تحرير الشام مرتفعات الجولان العقوبات الأمريكية الحرب في أوكرانيا المحور الإيراني محور المقاومة موسكو دمشق حزب البعث المصالح الدولية صراع النفوذ الفوضى في الشرق الأوسط الغارات الجوية القوات الروسية التحالفات الإقليمية الازمة السورية الحروب بالوكالة الحوثيون العراق اليمن الانسحاب الروسي السياسة الخارجية الإيرانية الازمة اللبنانية توازن القوى الغارات الجوية الإسرائيلية تقسيم سوريا التطورات الإقليمية معارضة الأسد هیئة تحریر الشام فى المنطقة بشار الأسد حزب الله فى سوریا الأسد فى لا یمکن أکثر من
إقرأ أيضاً:
سوريا ما بعد الأسد.. انقسام نقدي بين الليرة السورية والتركية
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، شهدت سوريا انقسامًا نقديًا بين المناطق التي لا تزال تتعامل بالليرة التركية، مثل إدلب وشمال حلب. والمناطق التي تعتمد الليرة السورية، مثل دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس وحلب المدينة وأجزاء من ريف دمشق والمناطق الوسطى والجنوبية.
ويعكس هذا الانقسام واقعًا اقتصاديًا وسياسيًا معقدًا يفتقر إلى رؤية اقتصادية موحدة، مما أدى إلى تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، تشمل ظهور أسواق سوداء، وتفاوت أسعار السلع، واستغلالًا تجاريًا يؤثر مباشرة على حياة المواطنين، وفق مراقبين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ارتفاع طفيف في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولارlist 2 of 2الصين تتوقع ظهور نظام نقدي عالمي جديد بحضور الرنمينبيend of listوقد بدأ التعامل بالليرة التركية في الشمال منذ عام 2020 بسبب انهيار قيمة نظيرتها السورية، بينما ظلت الأخيرة العملة الرئيسية في المناطق التي كانت تحت سيطرة نظام الأسد، رغم تحسنها النسبي من 16 ألف ليرة للدولار إلى حوالي 9300-9450 ليرة في يونيو/حزيران 2025، بعد رفع بعض العقوبات الغربية.
المناطق التي تتعامل بالليرة السورية والتركية الليرة التركية: تُستخدم بشكل رئيسي في مناطق شمال غرب سوريا، خاصة إدلب، عفرين، أعزاز، شمال حلب.وبدأ التعامل بالليرة التركية منذ عام 2020، مع استبعاد السورية تدريجيًا بسبب انهيار قيمتها وتذبذبها.
الليرة السورية: لا تزال العملة الرسمية في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام سابقًا، مثل دمشق، حمص، اللاذقية، طرطوس، حلب المدينة، أجزاء من ريف دمشق، المناطق الوسطى والجنوبية.وتعاني هذه المناطق من استمرار ضعف الليرة السورية، رغم تحسنها النسبي بعد رفع العقوبات الغربية.
ويعيق الانقسام النقدي التجارة الداخلية، حيث يرفض بعض تجار إدلب وحلب قبول الليرة السورية بسبب تذبذبها، في حين يعتمد السكان الذين يملكون مصالح بمئات ملايين الدولارات على الليرة التركية حصرًا.
وفي المقابل، يواجه سكان دمشق صعوبة في التعامل بالليرة التركية لندرتها، ويرفض العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم والمحال التجارية التعامل بها.
إعلانواجتماعيًا، يزيد الانقسام النقدي من الفجوة بين السكان، إذ يشعر البعض في الجنوب بأن الشمال يتمتع باستقرار اقتصادي نسبي بسبب ارتباطه بالليرة التركية.
ويؤثر تفاوت سعر الصرف بين الليرتين على الحياة اليومية، حيث يتعرض الشمال لتذبذب قيمة التركية مقابل الدولار مما يرفع أسعار السلع، بينما تعاني المناطق الجنوبية من ضعف القدرة الشرائية للسورية.
ويقول أيهم نجمة أحد سكان مدينة حماة، في حديث للجزيرة نت:
سعر ربطة الخبز في إدلب يتراوح بين 5-7 ليرات تركية (0.15-0.20 دولار) وفي دمشق بين 2000-3000 ليرة سورية (0.20-0.30 دولار). لتر البنزين يكلف في الشمال 25-30 ليرة تركية (0.75-0.90 دولار) وفي دمشق 10000-12000 ليرة سورية (1.00-1.30 دولار). الأدوية في إدلب أرخص نسبيًا بسبب الاستيراد من تركيا، لكن في دمشق قد تصل تكلفة علبة دواء إلى 20000-30000 ليرة سورية (2.00-3.00 دولار).وأضاف المواطن "انتشرت أسواق سوداء لتجارة العملات في المناطق الحدودية، حيث يستغل السماسرة تذبذب أسعار الصرف، مما يزيد من الفوضى النقدية ويعيق الاستثمار".
ويلفت إلى أن هناك تجارا "يرفعون الأسعار بشكل مصطنع ويفرضون التعامل بعملة معينة، مثل تجار في إدلب يسعّرون بالدولار ويطالبون بالدفع بالليرة التركية بسعر صرف مرتفع، أو في دمشق حيث يرفض تجار آخرون خفض الأسعار رغم تحسن الليرة السورية".
وتعاني الأسر من انخفاض القدرة الشرائية، إذ يبلغ متوسط الرواتب في القطاع العام بدمشق حوالي 280 ألف ليرة سورية (30 دولارًا) وهي رواتب لا تكفي سوى لتغطية 2% من تكاليف المعيشة.
ويعتمد كثيرون على الحوالات الخارجية، لكن قيمتها تتآكل بسبب التضخم وتكاليف تحويل العملات.
ويقول المواطن أيمن الحداد إنه حمل معه من إدلب قطعًا نقدية من العملة التركية إلى ريف دمشق بعد تحريره، ودخل إلى أحد محال الصرافة، لكنه صُدم بعد أن رفضت جميع المحال بيعه بالعملة التركية، مؤكدًا أنه أُجبر على الذهاب لمحل صرافة.
ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن الليرة التركية الواحدة كانت تساوي 350 ليرة سورية، لكن محل الصرافة احتسبها بـ280. وعند سؤاله عن السبب، قال "إنه وضع هامش ربح بسبب تقلبات أسعار الصرف، ولأنه لا أحد يتعامل بالليرة التركية، أيضا لا يتعرض لخسائر".
وتابع أنه عند شرائه وجبة من الدجاج في أحد أسواق دمشق، لم يقبل البائع في البداية العملة التركية ولا الدولار، لكنه عاد وقبلها بعد أن دفع ثمن الوجبة 3 أضعاف سعرها في إدلب، معتبرًا ذلك بمثابة استغلالا يجب أن ينتهي بشكل سريع.
من جهته، قال مصدر حكومي في مؤسسة النقد إن بعض محال الصرافة استغلوا الفترة التي تلت سقوط النظام، وبدؤوا بتصريف العملات مع وضع هامش كبير للربح، وذلك قبل تفعيل المؤسسات المالية خلال الفترة الماضية.
وقال المصدر -في حديث للجزيرة نت- إنه تم وضع آلية تشمل تراخيص لمحال الصرافة، مع وضع مبلغ تأمين لحماية ودائع الزبائن، ووضع شاشة رقمية في كل محل يتمكن الزبون من خلالها رؤية أسعار الصرف للبيع والشراء.
وأضاف: لا يستطيع صاحب المحل أن يبيع بهامش ربح، حيث يمكن للزبون تقديم شكوى ضده في حال إخلاله بالأسعار الرسمية.
إعلان انقسام نقديوقال الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل في حديث للجزيرة نت "التحول إلى الليرة التركية في مناطق الشمال السوري جاء نتيجة طبيعية لانهيار الليرة السورية، والتضخم المفرط، وغياب الاستقرار النقدي، إلى جانب العلاقات الاقتصادية القوية مع تركيا ورفض السكان التعامل بعملة النظام".
وأضاف "هذا الانقسام النقدي أدى إلى تفكك السوق السورية، وخلف صعوبات في حركة البضائع ورأس المال بين المناطق، كما ساهم في نشوء بيئات اقتصادية متباينة أضعفت فرص التكامل الوطني".
وحذر المغربل من أن هذا الوضع قد يعزز احتمالات حدوث انقسام اقتصادي دائم، خاصة مع نشوء مؤسسات نقدية محلية وهويات اقتصادية مختلفة، رغم أن هذه الخطوة كانت في بدايتها مؤقتة وتهدف إلى احتواء الأزمة، وفق تعبيره.
ولفت إلى أن اختلاف سعر الصرف بين الليرتين التركية والسورية تسبب في تفاوتات واضحة في القوة الشرائية، فسكان الشمال يتأثرون بتقلبات الليرة التركية، بينما يعاني الجنوب من تآكل القدرة الشرائية نتيجة التضخم.
وقال أيضا "غياب الرقابة الاقتصادية الموحدة ساهم في انتشار السوق السوداء، ففي الشمال تنتشر مكاتب صرف غير مرخصة، وفي الجنوب يتحكم السماسرة بأسعار الصرف لتحقيق أرباح سريعة على حساب الاستقرار".
وأضاف أن هناك تجارًا في الشمال "يفرضون التعامل بالليرة التركية أو الدولار لتجنب تقلبات الليرة السورية، وهذه الظاهرة تحتاج إلى ضبط وتنظيم السوق وتعزيز الرقابة القانونية".
وفي ما يخص السيناريوهات الممكنة لمعالجة الوضع، قال المغربل "أبرز الحلول هو توحيد السياسة النقدية والعودة إلى التعامل الموحد بالليرة السورية، وهناك بالفعل مؤشرات قوية نحو إمكانية تحقيق ذلك في المستقبل القريب".
وأضاف أنه لبناء وحدة اقتصادية سورية، يجب:
أولاً ضمان استقرار العملة الوطنية. بناء مؤسسات مالية شفافة. توحيد الأنظمة الضريبية والجمركية. والأهم إعادة الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين في جميع المناطق.ومن جهته يقول الباحث الاقتصادي أسامة العبد الله -للجزيرة نت- إنه لمعالجة هذه الأزمة يجب:
التركيز على توحيد السياسة النقدية والعودة إلى التعامل بالليرة السورية كعملة وطنية موحدة. دعم استقرار العملة الوطنية من خلال تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي وتشديد الرقابة على مكاتب الصرف غير المرخصة، ومكافحة السوق السوداء. بناء مؤسسات مالية شفافة، مثل إنشاء هيئات مالية مستقلة ومحايدة لضمان إدارة نقدية موثوقة وتقليل الفساد. توحيد الأنظمة الضريبية والجمركية لضمان عدالة التوزيع الاقتصادي بين المناطق وتقليل الفوضى الإدارية. إعادة الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين عبر حملات توعية وإصلاحات اقتصادية تشجع التجار والمواطنين على العودة لاستخدام الليرة السورية..وبدوره يقول أسامة سليم الذي يعمل بالمنظمات الدولية -في حديث للجزيرة نت- إن الليرة التركية "تحقق أرباحًا كبيرة جراء تداولها في شمال سوريا، حيث تدخل مبالغ بمئات ملايين الدولارات سنويًا إلى سوريا، ثم يتم صرفها بالليرة التركية وتحويلها في معظم الأحيان إلى الليرة السورية".
ويشير إلى أن الدعم الأوروبي الموجه لتنفيذ مشاريع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحوالات المغتربين يتم إيداعها في البنوك التركية بالدولار ثم تصرف بالليرة التركية.
ويعتقد سليم أن الاستغناء عن الليرة التركية في هذا الوقت قد يواجه برفض شعبي وآخر من جانب التجار بسبب استقرارها.