مقابر سقارة.. دراسة أثرية حديثة تميط اللثام عن تطور العمارة الجنائزية للمصري القديم
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
اكتسبت منطقة سقارة الأثرية بمحافظة الجيزة شهرة واسعة، لما تزخر به من مقابر ومعالم أثرية جذبت اهتمام علماء المصريات والآثاريين، إلى جانب السياح المهتمين بالسياحة الثقافية من مختلف أنحاء العالم.
كانت سقارة منذ العصور القديمة وحتى العصر الروماني مقبرة لمدينة منف عاصمة مصر القديمة، ولهذا تميزت بضمها قبورا شُيّدت لمختلف فئات المجتمع، من الملوك والحكام إلى الوزراء والنبلاء ورؤساء الكهنة، وصولا إلى أفراد الطبقة المتوسطة والفقراء.
ومن أبرز الاكتشافات في سقارة، مقابر ملوك الأسرات الأولى والثانية، وأهرامات تعود إلى الأسرات الثالثة والخامسة والسادسة، فضلا عن عدد من مقابر كبار رجال الدولة.
ومنذ اكتشاف آثار سقارة، تتواصل الدراسات التي يجريها علماء المصريات والباحثون المصريون والأجانب، بهدف كشف مزيد من أسرار هذه المنطقة، والتعرف على تفاصيل عمارتها وهندستها وفنونها، إضافة إلى طقوس الدفن والعادات الجنائزية التي ارتبطت بها، مما يسهم في فهم أعمق للحضارة المصرية القديمة.
تسلط دراسة أكاديمية حديثة للباحث المصري الدكتور علي محمد أحمد علي، الضوء على الطرز المعمارية لمقابر سقارة، وعادات دفن الموتى في المنطقة، من خلال نشر علمي للمصاطب ذات الأرقام 3537 و3540 و3541. وتتناول الدراسة، العلاقة بين التصميم الهندسي لهذه المصاطب ومقابر أخرى في مصر القديمة، مثل حضارة نقادة ومقابر حلوان وأبيدوس وأبو رواش.
قدمت الدراسة تحليلا تفصيليا للطراز المعماري للمصاطب الثلاث، متضمنة وصفا أثريا ومعماريا لها، بالإضافة إلى مقارنتها بمثيلاتها في المنطقة، إلى جانب دراسة اللُّقي الأثرية المكتشفة بداخلها. ووفقا لما أوضحته الدراسة، فإن المصطبة هي نوع من المقابر ذات البناء العلوي، الذي قد يكون مصمتا أو مدرجا، ويُشيد من الطوب اللبن أو الحجر.
إعلانويشير الباحث إلى أن منطقة شمال سقارة تُعدّ من أقدم المناطق الأثرية في مصر، إذ يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل الأسرات، ورغم ذلك لم تحظَ بدراسة متكاملة تتناول مقابرها (المصاطب)، وطرز عمارتها، وعادات الدفن فيها. كما لم يُوثق بشكل وافٍ ما أسفرت عنه الحفائر من اكتشافات أثرية، كان من أبرزها العثور على المصاطب 3537 و3540 و3541، التي تعود إلى عصر الأسرة الثانية.
ومن هنا جاءت الدراسة لتقديم وصف تحليلي للطرازات المعمارية لمقابر تلك الفترة، مع إجراء مقارنة بينها وبين المصاطب المكتشفة حديثا. وقد كشفت عن مجموعة من اللُّقي الأثرية، شملت لوحات حجرية، وتماثيل من الحجر الجيري والخشب، وتوابيت آدمية، بالإضافة إلى مجموعة من الأقنعة الجنائزية وتماثيل الأوشابتي، التي تم نشرها علميا للمرة الأولى.
كما قدمت الدراسة ملخصا لتاريخ منطقة سقارة، والتطورات التي شهدتها عبر العصور المصرية القديمة، مع رصد أحدث الاكتشافات الأثرية فيها، لتسهم في إثراء المعرفة بتاريخ هذه المنطقة، وتسليط الضوء على ما تخفيه من أسرار ما زالت تنتظر الكشف عنها.
رصدت الدراسة مراحل تطور الشكل المتدرج للمصطبة الذي بدأ في عصر الأسرة الأولى، والذي كان يُعتقد أنه يُستخدم كوسيلة لصعود الملك إلى السماء. وقد تزامن هذا التطور مع التغيرات الهيكلية في تصميم المقابر، وهو ما ظهر بوضوح في مقبرة الملكة نيت حتب في نقادة، إحدى ملكات الأسرة الأولى. فعلى غير العادة، عُثر على غرفة دفنها في البنية الفوقية للمقبرة، بينما كانت التقاليد المتبعة آنذاك تقتضي أن تكون غرف الدفن في البنية التحتية. ويبدو أن هذا التغيير كان له مغزى ديني، ربما ليتيح لروح الملكة الصعود إلى السماء عبر المصطبة.
إعلانوخلصت الدراسة إلى أن مصاطب عصر الأسرة الأولى في شمال سقارة شكّلت النموذج الأولي لهرم زوسر المدرج (من الأسرة الثالثة) وما تبعه من تطورات في العمارة الهرمية. ففي هذه الفترة، برع المهندسون المعماريون في تقديم أساليب هندسية جديدة، ليكونوا بذلك أول من أبدع الشكل المدرج في المعمار المصري القديم.
كما توصلت الدراسة إلى أن مصاطب سقارة استلهمت زخرفة مداخلها ومخارجها من حضارة نقادة الثالثة، وذلك بهدف تعزيز مكانة أصحاب المقابر وإبراز ارتباطهم بالحاكم، حيث كانت هذه الزخارف رموزا للملكية والسلطة، امتدادا لمظاهر الفخامة التي ظهرت في مقابر جبانة أبيدوس ومصطبة نقادة.
وفي فصول دراسته، أشار الدكتور علي محمد أحمد علي إلى ظهور نمطين معماريين للمقابر خلال العصر المتأخر: الأول يتمثل في حجرات الدفن ذات الشكل المقبب، والتي بدأت إرهاصاتها منذ بداية الأسرة الأولى، والثاني هو آبار دفن تحتوي على بئر رئيسي يتصل بحجرة جانبية مخصصة للدفن. كما كشف الباحث عن إعادة استخدام مقابر عصور بداية الأسرات للدفن مجددا خلال عصري الدولة الحديثة والعصر المتأخر.
وفي حديثه لوكالة الأنباء الألمانية، أوضح الدكتور علي أن الجمع بين مناظر التطهير في اللوحات الجنائزية، حيث تظهر الإلهة التي تسكن شجرة النخيل المقدسة مع الإلهة التي تسكن شجرة الجميز المقدسة، يُعد من المناظر النادرة في مصر القديمة. وأشار إلى أن هذا الجمع لم يُسجل سوى في مشهدين فقط: الأول على لوحة مكتشفة في سقارة محفوظة في المتحف المصري، والثاني على لوحة بارزة تعود لفترة حكم الملك حور محب. وأضاف أن دراسته تضمنت نشرا علميا لإحدى هذه اللوحات، في إطار بحثه حول المصاطب 3537 و3540 و3541.
إعلانكما لفت الباحث إلى أن المصري القديم كان ينظر إلى المقبرة باعتبارها امتدادا لمنزله، ولذلك استحدث فكرة المرحاض وأحواض التطهير داخل المقابر، ليتمكن المتوفى من التطهر يوميا من الذنوب التي ارتكبها في حياته الدنيوية.
وتطرقت الدراسة إلى عادات الدفن في مصاطب شمال سقارة، موضحة كيف تطور موضع الدفن من غرف تحت الأرض، تُحاط بالقرابين الجنائزية، مما أدى إلى توسيع مساحة المقابر. وأشارت الدراسة إلى اختلاف وضعيات الدفن، حيث عُثر على بعض المومياوات موضوعة داخل صناديق خشبية مستطيلة، وُجهت وجوهها نحو الشرق مع امتداد الأيدي على الجسد.
كما تناولت الدراسة مقابر الطبقة العليا، التي لعبت دورا محوريا في تأسيس الدولة المصرية خلال عصر بداية الأسرات، وشاركت في بناء أسس الحكم، وهو ما منح أفرادها مكانة سياسية واجتماعية بارزة، مكّنتهم من تشييد مقابر ضخمة تعكس صلتهم الوثيقة بالسلطة الملكية.
وأخيرا، استعرضت الدراسة ما شهدته منطقة شمال سقارة من أعمال حفائر كشفت عن مئات المقابر الضخمة، فضلا عن الجهود البحثية التي استهدفت إبراز المشهد التاريخي والثقافي للمنطقة، التي جذبت اهتمام المستكشفين وعلماء الآثار منذ عام 1910 وحتى اليوم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأسرة الأولى الدراسة إلى عصر الأسرة الدفن فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
دراسة: استعادة الأراضي الرطبة حل مستدام ضد تغير المناخ
أشارت دراسة جديدة إلى أن الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة تلعب دورا إيجابيا وحاسما في دورة الكربون العالمية، كما توفر وظائف بيئية حيوية أخرى، بما في ذلك دورة المغذيات وإصلاحها، وتوفير الموائل للأنواع الأصلية والمهددة بالانقراض.
وكشفت هذه الدراسة أن إعادة الحياة إلى الأراضي الرطبة في السهول الفيضية قللت انبعاثات الكربون بنسبة كبيرة، كما استعادت الأراضي عافيتها بسرعة، محققة فوائد بيئية متعددة.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4"حذاء النيل الأبيض".. طائر فريد يتهدده الانقراضlist 2 of 4ما الغازات المسببة للاحتباس الحراري؟list 3 of 4كيف يؤثر تغير المناخ على التنوع البيولوجي؟list 4 of 4دراسة: الأراضي الرطبة بأفريقيا من الأكثر تدهورا عالمياend of listكما ركزت على الأراضي الرطبة النهرية، أو ما يُعرف بالأراضي الرطبة الواقعة بجوار الأنهار والجداول. وقد قارن الباحثون بين 3 أراض رطبة مُستعادة و3 أراضٍ متدهورة على امتداد نهر لودون في ولاية فيكتوريا الأسترالية.
وأسفرت عمليات إعادة الري والتشجير في المواقع المستعادة عن خفض انبعاثات الكربون بنسبة 39% خلال عام، في حين ارتفعت الانبعاثات في المواقع المتدهورة بنسبة 169%.
كما زادت نسبة الكربون في التربة المحفوظة بالجذور والمادة العضوية بنسبة 12%، بينما انخفضت بنسبة 10% في المواقع المتدهورة. وظلت نسبة الرطوبة في التربة بالمواقع المستعادة حتى بعد جفافها أعلى بنسبة 55%، مما يُشير إلى قدرة كبيرة على الاحتفاظ بالمياه ومقاومة الجفاف.
وقال الدكتور لوكاس شوستر من مركز الحلول الطبيعية الإيجابية بجامعة "رميت" الأسترالية وأحد مؤلفي الدراسة "لاحظنا ارتباطا وثيقا بين ديناميكيات الكربون ووظائف النظام البيئي. فالأراضي الرطبة تُعد نظام تنقية طبيعيا، تُزيل النيتروجين من المياه والكربون من الغلاف الجوي".
وتغطي الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة، مثل مستنقعات المياه العذبة والمستنقعات والأراضي الخثية أقل من 10% من سطح الأرض، ويصدر منها ما بين 20 و25% من انبعاثات الميثان العالمية.
ورغم ذلك، فإن الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة لديها القدرة على أن تكون بمثابة مصارف مهمة للكربون على المدى الطويل، ويشكل الكربون المخزن في تربتها ثلث إجمالي مخزونات الكربون في التربة بالعالم.
إعلانوحسب الدراسة، فإن أحد المواقع التي خضعت للاستعادة والمراقبة -طوال 6 سنوات بعد إعادة تدفق المياه إليه- سجلت زيادة بنسبة 53% في مخزون الكربون على سطح التربة، مما يدل على فوائد مستدامة طويلة الأجل.
بالإضافة إلى قدرتها على عزل الكربون وتخزينه، تلعب الأراضي الرطبة دورا محوريا في التخفيف من آثار تغير المناخ، مثل الجفاف والفيضانات، كما توفر وظائف بيئية حيوية أخرى، بما في ذلك الحفاظ على دورة المغذيات وإصلاحها، وتوفير الموائل للأنواع الأصلية والمهددة بالانقراض.
وفي القرون الأخيرة، فُقد جزء كبير من الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة في العالم بسبب الاستغلال من أجل زراعة الأرز والمحاصيل الأخرى، وتدهور التربة.
وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن المساحة العالمية للأراضي الرطبة الطبيعية قد انخفضت بمقدار 3.4 مليونات كيلومتر مربع منذ عام 1700، وهو ما يعادل 21% منها.
ويمكن أن يؤدي فقدان الأراضي الرطبة الطبيعية إلى إطلاق كميات كبيرة من الكربون المخزن سابقا في تربتها على شكل ثاني أكسيد الكربون، وبدرجة أقل الميثان، مما يحولها فعليا من أحواض للكربون إلى مصادر له.
وتشير الدراسة إلى أنه نظرا لأن الكتلة الحيوية النباتية وبقايا الأوراق عنصران أساسيان في استعادة قدرة امتصاص الكربون وتخزينه، بالإضافة إلى تجديد المغذيات، فإن الاستعادة من خلال إعادة الترطيب (ضخ المياه) قد تكون أكثر فعالية عند دمجها مع إعادة التشجير النشط، والذي يتضمن زراعة بذور أو أنابيب من أنواع نباتية محلية.
والأهم من ذلك -حسب الدراسة- أن وظائف النظام البيئي يرجح أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بديناميكيات الكربون داخل الأراضي الرطبة، حيث تزداد قدرة التربة على امتصاص وتخزين المياه (أي قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه) بشكل عام مع زيادة محتويات الكربون العضوي في التربة.
وبالتالي، فإن إدارة الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة المتدهورة لتعظيم فوائد الكربون، وخاصة عزل الكربون وتخزينه في التربة، قد لا تخفف فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ولكن أيضا تسرع عملية إعادة إنشاء وظائف بيئية حيوية أخرى.
وتشير الدراسة إلى أنه مع تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري، بات استصلاح الأراضي الرطبة المتدهورة شديد الأهمية في التخفيف من تغير المناخ وآثاره، إذ يقدم حلا بيئيا ومناخيا متكاملا، يشمل حجز الكربون وخفض الانبعاثات، وعادة إنشاء وظائف بيئية حيوية أخرى.