يمانيون../
أكد الباحث الجزائري المختص في شؤون مواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، الأستاذ الدكتور نور الدين أبو لحية أن المشروع القرآني -الذي أسس مداميكه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه- يُعَدُّ المشروع الأمثل والحقيقي للأمة الإسلامية والمنقذ لها.

وأوضح -في حوار خاص لموقع أنصار الله- أن المشروع القرآني يتميز عن غيره من مشاريع المقاومة -بالرغم من أنها تصب في اتجاه واحد- في كونه يجعل القرآن الكريم المنطلق الأساسَ لكل تحركاته، كونَ القرآن الكريم النقطة المشتركة لمختلف الطوائف والمذاهب والجماعات الإسلامية.

الدكتور أبولحية ذكر العديد من التفاصيل حول العدوان الإسرائيلي على غزة، والواقع المأساوي للأمة الإسلامية، وغيرها من المستجدات. في ما يلي نَصُّ الحوار:

* بداية كيف تقرؤون الوضع في فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص بعد اتفاق وقف إطلاق النار، وهل تتوقعون عودة المواجهات مجدداً؛ لا سيما في ظل دعوات ترامب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟

** بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة نستطيع القول إن المقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد من محور المقاومة انتصرت على الكيان الصهيوني وحلفائه، وذلك كونهم نجحوا في منع العدو الصهيوني من تحقيق أهدافه التي أعلنها منذ بدء طوفان الأقصى. ونستطيع القول إن الأمة الإسلامية دخلت دورة جديدة ومرحلة جديدة بخلاف السابق.

في الطور السابق كانت الأمة الإسلامية كلها تهتف باسم فلسطين والقدس، وتدعي أنها تناصر قضايا الأمة الإسلامية ونحو ذلك، لكن عندما جاء طوفان الأقصى وحصلت كربلاء جديدة وحصلت ملحمة جديدة، تميز هنا الخبيث من الطيب، وتميز أصناف الأمة، ولم يبق فيها إلا الصالحون المجاهدون الأوفياء لكلماتهم، وبرز الدور الحقيقي لمحور الجهاد والمقاومة.

والشيء الأبرز هو ظهور اليمن في هذه الأحداث المفصلية، وتصدره الساحة في مناصرة غزة، وهي مرحلة ما قبل النصر، لأنه لا يمكن أن يثمر الربيع من دون الشتاء. صحيح أنه حصل ابتلاء وتمحيص ومصائب في شكلها الظاهري، ولكن النتيجة الحتمية هي النصر المؤزر.

بالنسبة لعودة المواجهات في ظل دعوة ترمب، ربما يستبعد ذلك، بسبب عدم جدوائية المعركة في تحقيق أهدافهم التي لم ينجحوا طيلة المواجهة لعام كامل ونيف، وربما السبب الأكبر يكمن في الدور اليمني الفاعل والمؤثر جدا على الكيان الصهيوني.

* الجبهة اليمنية المساندة لغزة كانت مفاجئة للكثيرين. كيف تقرؤون حجم التدخل اليمني بالاستناد إلى رصيد اليمن القيمي والإيماني؟

** اليمن كان لها دور كبير جداً في هذا الأمر. طبعا حزب الله أبلى بلاء حسنا وأدى كل ما عليه، لكن للأسف، بعد سقوط سوريا في يد الإرهابيين حصل حصار شديد للبنانيين.

وطبعا لبيئة لبنان أو ما يسمى الوسط الذي فيه المقاومة اللبنانية ليس كاليمن، فلذلك لم يستطيعوا إكمال المساندة. وكذا الوضع في العراق، الوضع متأزم جداً، والمقاومة العراقية تعاني من ضغوط مشددة من بعض النافذين في الداخل العراقي، والجمهورية الإسلامية في إيران أيضا لها ظروفها الخاصة، وبالتالي الجبهة الوحيدة التي بقيت واستمرت ولها أيضا ظروفها المناسبة هي جبهة الإسناد اليمنية.

اليمن كان لها دور بارز جدا في تضييق الخناق على الكيان الصهيوني في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والأبيض المتوسط والمحيط الهندي، ووقف إطلاق النار بغزة يعود الفضل فيه بعد الله إلى صمود المقاومة الفلسطينية والدور القوي لجبهة الإسناد اليمنية. ولذلك تحدث الناطق العسكري لكتائب القاسم أبو عبيدة وكذلك القيادي بحركة حماس خالد الحية أن اليمن إخوان الصدق، وفعلا فاليمن يمثلون أحفاد أجدادهم الأنصار الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه واله وثبتوا معه، والصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة اليمنية هي التي ستحافظ على قرار وقف إطلاق النار.

اليمنيون طبعا كانوا أولي بأس شديد وأصحاب إيمان وأصحاب حكمة كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ولكن كانت السياسة التي تحكم اليمن خاضعة للأمريكان والإسرائيليين وعملائهم من آل سعود، ولذلك خفت دور اليمني في الفترة الماضية، ومع بزوغ ثورة 21سبتمبر وتحرر اليمن واستقلاله برز الدور الحقيقي لليمن ليكون عنصرا فاعلا على المستوى المحلي والدولي، وهي ثمرة من ثمار المشروع القرآني العظيم الذي أسس مداميكه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه.

لليمن موقع استراتيجي فريد يجعل دورها محوريا على المستوى العالمي، ولذلك يُجمِع المسلمون أن تحرير فلسطين وإزالة الغدة السرطانية من المنطقة مرهون باليمن، وهي من سيؤهلها الله لتحقيق النصر الموعود.

* البعض يطرح أن “إسرائيل” انتصرت في هذه المعركة من خلال تنفيذ عمليات اغتيالات واسعة طالت قادة كبارا، أبرزهم إسماعيل هنية وشهيد الأمة السيد حسن نصر الله. كيف تردون على ذلك؟

** من يظن أن استشهاد القادة سيسهم في انتصار الكيان الصهيوني فهو واهم وغير منطقي وبعيد عن المعنى الحقيقي للمفهوم القرآني، فالشهداء القادة هم امتداد للنصر، هم مطر ينزل على الأرض الظمأى لتنبت من جديد، وخير دليل وشاهد على صدق ما طرحه شهيد القرآن السيد حسين الحوثي رضوان الله عليه أنه جاء بعد استشهاده انتصارات عظيمة ومتراكمة وصلت للمواجهة المباشرة مع قوى الهيمنة والاستكبار العالمي أمريكا و”إسرائيل”، وكل ذلك ببركة المشروع القرآني والقائد الرباني السيد عبد الملك الحوثي يحفظه الله.

في لبنان استشهد عباس الموسوي وخلفه السيد حسن نصر الله. في فلسطين استشهد إسماعيل هنية والسنوار وغيرهم من القادة. هكذا هي السنن الإلهية؛ يستشهد قائد ويخلفه قائد يكمل مسيرته، ثم يصبح أولئك الشهداء رموزاً وأيقونات تؤثر في من بعدهم.

لماذا لا نرى جهات أخرى تُغتال؟ لماذا لم تقتل أمريكا الجولاني مع أنه كان ضمن قوائم الإرهاب التي وضعتها أمريكا؟ لأنهم يخدمون قضيتها. ولذلك وقوع شهداء وخاصة من القادة هذا يدل على أن المسار صحيح.

مثل ما كان الانتصار شهادة الإمام الحسين عليه السلام، في شهادة الإمام زيد عليه السلام، وهكذا كثير من شهداء العترة الطاهرة، كما يقال الدم يغلب السيف، بعد ذلك انتصرت ونشطت.

وطبعا الانتصار في الحقيقة هو انتصار المفهوم، عندما تبقى مواجهة، مجرد بقاء مواجهة مع أعداء الله هذا وحده يكفي. لأنه عندما نرى الآن في الساحة تيارات السلفية والتيارات الحركية كلها سقطت في العمالة، وصارت متخاذلة، بل صارت تطبع مع الكيان الصهيوني وتدعو الأمة إلى التطبيع. في نفس الوقت نرى من هم القادة الذين يمثلون الأمة، هم هؤلاء، وعلامة صدقهم أنهم استشهدوا، واستشهدوا على يد أمريكا.

السيد حسن نصر الله أرسلت عليه 80 طناً من المتفجرات، يعني كأنهم أرادوا أن يغتالوا دولة ويقتلوا دولة وشعبا وليس شخصا واحدا؛ طبعا مثل ما حصل للإمام الحسين عليه السلام، وهذا يدل على مصداقية هذا الشخص.

وبالتالي ظهور المؤمنين الصادقين؛ هذي علامة انهزام “إسرائيل” وهي تعرف ذلك. كذلك “إسرائيل” فضحت في العالم أجمع؛ التي كانت تدعي الإنسانية وتدعي الديموقراطية، وكذا أمريكا، بل هكذا الحضارة الغربية ظهرت بصورتها الحقيقية.

ولذلك ما حصل في الحقيقة هو انتصار كبير للأمة الإسلامية، وأشرف ما حصل فيه هو تميز الدين الحقيقي عن الدين الوهابي، الدين الحقيقي الإسلامي القرآني، دين محمد الأصيل الذي تتبناه المقاومة عن غيره من أنواع الإسلام التي دجنت، والتي هي للأسف الفئة الباغية، وتتبنى الطلقاء وتتبنى مفاهيم لا علاقة لها بالدين.

وبالتالي هذا الانتصار ليس انتصارا فقط كما يقال عسكريا، هو انتصار ثقافي، انتصار ديني. والآن، هذا الوضع الجديد أصبح الكل يستحي، الإخوان المسلمون يستحون من الحديث عن فلسطين؛ حزب الإصلاح يستحي، حركات سلفية تستحي، الجهة الوحيدة التي تتكلم عن فلسطين وتتكلم عن قضايا الأمة هي هذه الجهة المؤمنة، التي توالي العترة الطاهرة، التي تحب نبيها، تجعل قرآنها هو قائدها وبالتالي هذا انتصار كبير.

* بعد استشهاد السيد حسن نصر الله أدرك الجميع مدى التأثير الكبير الذي كان يلعبه نصر الله في مختلف الملفات. كيف استطاع أن يلعب كل هذا الدور المؤثر؟

** السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه قائد كبير واستثنائي وتاريخي، ونموذج تاريخي إيماني، بكلماته، جاذبيته، بطريقة إدارته، بحكمته، ولذلك أثنى عليه الجميع بدءاً من السيد حسين رضوان الله عليه، والسيد عبد الملك كثيراً ما أثنى عليه، والعلاقة بينهما علاقة متينة وصلبة، وأنا في الحقيقة أراهما كما يقال وجهان لعملة واحدة.

أرى السيد حسن نصر الله كأنه السيد عبد الملك والسيد عبد الملك كأنه السيد نصر الله. لذلك حينما استشهد السيد حسن نصر الله بالرغم من هول الفاجعة وأثرها في نفوس جماهير المقاومة، غير أن الله تعالى عوّض ذلك العزاء بالحضور المواكب والدوري للسيد القائد عبد الملك الحوثي يحفظه الله طيلة معركة طوفان الأقصى.

* أصدرتم عدة مؤلفات قيمة. ما أبرز ما يركز عليه الدكتور أبو لحية؟

** سأوردها باختصار: السلسلة الأولى التنزيل والتأويل. هذه السلسلة تحاول أن تقرب وجهات النظر. طبعا معظم هذه السلاسل قرآنية تتعلق بالقرآن أو تتبنى الرؤية القرآنية. ولذلك كثيرا، ربما ما أطرحه كأنها شروح وتفصيلات لهذا الأمر.

والبداية أنا لدي سلسلة سبعة كتب بعنوان “مسيرة وقيم”، هي تعرض ما ذكره السيد عبدالملك والسيد حسين حول القضايا المختلفة، والمسيرة القرآنية، وقيم الإيمان بالله، وقيم الإيمان بالمعاد إلى آخره. آخرها -وهو مهم جدا- المسيرة القرآنية وقيم المشروع الحضاري، والذي تحدثت فيه عن مشروع المسيرة القرآنية، وهو مشروع يشمل كل قضايا الأمة الإسلامية .

من السلاسل -كما قلت- “التنزيل والتأويل” وهي سلسلة تفسيرية ولكن بطريقة ربما مختلفة، بشكل روائي كأنه شخص يحاول أن يرحل ويتعرف على القضايا القرآنية.

وطبعا -بالمناسبة- أنا كنت مصنِّفا صنفين: هناك كتب أكاديمية طريقة علمية عادية، وهناك كتب أصيغها بطريقة الرواية. أحيانا نفس الفكرة أعرضها بالطريقتين.

السلسلة الثامنة “الدين والدجل”. هذه سلسلة عمومية، الرد على التيارات المختلفة إسلاميا طبعا، خصوصا تيارات السلفية. أولها كتاب “اعترافات هارب لسجون وهابية”. وهو أيضا كتاب روائي نشر على شكل حلقات في المجلات الإسبانية. ثم نشر بعد ذلك كتاب مستقلا، أيضا أبيّن فيه أفكار الوهابية وكيف هي حقيقتها والردود عليها، ولكن بطريقة كما قلت قصصية روائية.

“لحوم مسمومة” رواية نصبت أيضا في مصر على شكل كتاب، وأيضا على شكل حلقات. تنوعت العنوانين بين القرآن، والأيدي الآثمة، ودعاة على أبواب جهنم. كل هذه أيضا قصص، وكلها في ردود على التيارات السلفية.

هناك كتب من تأليفي بعنوان: (السلفية والنبوة المدنسة، السلفية والوطنية المقدسة، التراث السلفي تحت المجهر، كلكم كفر) وفيها إثبات أن التيارات السلفية تكّفر الأمة جميعا، ورواية “شيخ الإسلام في قفص الاتهام” تتكلم عن ابن تيمية وتأثيره في مدرسة السلفية وأفكاره المختلفة التي جاء بها.

أما سلسلة “العرفان بين التصوف والقرآن” ففي هذه السلسلة أحاول أن أوضح الأفكار الدخيلة على الإسلام، سواء من حيث الأسانيد والرجال؛ مثل عبد الله بن أبي ومعاوية، أو من حيث الأفكار المختلفة، وكذلك سلسلة “الإلحاد والدجل” وهي سلسلة متخصصة للرد على أطروحات الملحدين.

من أبرز مؤلفاتي كتب بعنوان الحضارة الإسلامية الجديدة للأمام الخميني والخامنئي وكذا للسيد القائد عبد الملك الحوثي يحفظه الله .

* تفتقر الأمة إلى المشاريع الإسلامية البارزة، لكن في اليمن ظهر المشروع القرآني للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي. ما رؤيتكم حول هذا المشروع؟

** لدي شرح طويل عريض وسلسلة طويلة من المقالات والكتيبات حول المشروع القرآني تبثه إذاعة سام أف أم وإذاعة صنعاء وإذاعات أخرى.

المشروع القرآني اليمني الأصيل هو المشروع الحقيقي للأمة الإسلامية، والمنقذ لها في مرحلتنا الراهنة، وهو يتميز عن غيره من مشاريع المقاومة بالرغم أنها تصب في مصب واحد، غير أن ميزة المشروع اليمني يكمن في تركيزه الكبير على القرآن الكريم وجعله المنطلق الأساس لتحركات المشروع، وهي الأساس المشترك للأمة الإسلامية قاطبة بمختلف مذاهبها ومكوناتها.

موقع أنصار الله – حاوره محمد المطري

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: السید حسن نصر الله للأمة الإسلامیة الأمة الإسلامیة المشروع القرآنی الکیان الصهیونی رضوان الله علیه السید عبد الملک إطلاق النار السید حسین

إقرأ أيضاً:

باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي!

اليوم سأحدثكم عن قصة حصول باكستان على السلاح النووي وإحداثها لمعجزة سياسية-علمية في العالم الإسلامي، فدولة التي لم تكن تملك شيئا بل حتى لا تستطيع صناعة مسامير وبراغي كيف لها أن تصنع سلاحا نوويا معقدا جدا في فترة قصيرة جدا، حتى الغرب لم يستطع مجاراتها؟ لا بد أن يكون وراء ذلك سر عظيم جدا ألا وهي الإرادة والعزيمة التي صنعت المستحيل.

بدأ كل شيء عام 1971 عندما تعرضت باكستان لهزيمة قاسية ومذلة أمام الهند، العدو الأول والأزلي، انتهت بانفصال بنغلادش عن باكستان، وبعد ثلاث سنوات فجّرت الهند أول قنبلة نووية له بمساعدة الكيان وخرجت للعالم تتبجح وصرّح الهنود: "نحن الآن صرنا قوة نووية".

في تلك اللحظة المفصلية في التاريخ كانت باكستان تراقب الوضع وشعرت بأن عدوها قد اكتسب ما سيمكنه من التفوق عليها، وهذا ما استفز كبرياء الشعب والحكومة هناك، حينها وقف رئيس وزراء باكستان ذو الفقار علي بوتو وقال عبارته الشهيرة: "لو اضطررنا لأكل العشب أو التراب، سنصنع قنبلة نووية". لم يأخذه الغرب ولا حتى الهند على محمل الجد، وظن الكل أنه مجرد هرطقة سياسية فقط وشعبوية معتادة للإلهاب حماس الجماهير هناك.. لكن تأكد لا حقا أن الرجل كان يعني ما يقوله بالحرف الواحد!

وبدأ التخطيط الفعلي لامتلاك برنامج نووي سري دون أن يثيروا ريبة أعين الغرب والعدو الأزلي الحاقدة.. وانطلق جمع المعلومات من طرف أجهزة المخابرات الباكستانية باحثة عن كل من يستطيع أن يقدم لهم يد العون من دول وحكومات ومنظمات سرية وجماعات تهريب وقبل ذلك البحث عن علماء نووي موثوقين ومستعدين للتضحية من أجل ذلك، وكان الاختيار على أحد الرجال الذين صنعوا المعجزة بأتم معنى الكلمة، ألا وهو الدكتور عبد القدير خان، وهو عالم الباكستاني شاب كان يعمل حينها في منشأة تخصيب أوروبية (URENCO – هولندا). اتصلت به المخابرات الباكستانية وقالت له بالحرف الواحد: "سيد عبد القدير أنت مستدعى في مهمة وطنية نبيلة هل ستلبي الدعاء أم نذهب لخيارات أخرى؟".

وكان الجواب: "لا مجال للتردد أمام نداء الوطن!" لم يتردد هذا الرجل الوطني المخلص للحظة في تلبية نداء الواجب، وترك كل الامتيازات الممنوحة له والرفاهية وجودة الحياة وحقول الورود والياسمين في هولندا؛ البلد الساحر من حيث الطبيعة الخلابة وجودة الحياة، وعاد متخفيا ليعمل في ظروف قاسية في مناطق وعرة غير موصولة حتى بطرق معبدة وبعيدة كل البعد عن المدن في باكستان. كل هذه التضحية من أجل هدف واحد ونبيل ألا وهو أن تمتلك بلده سلاحا نوويا يمكنها من استعاده التوازن أمام عدو أزلي يتربص على الحدود في كشمير..

استغل هذا الرجل الذكي منصبه هناك لجمع كل ما يمكنه من معلومات حول تقنية الطرد المركزي، ونجح في نسخ تصاميمها وخزنها في ذاكرته في عام 1975. وكما سبق وذكرت، عاد إلى باكستان سرّا حاملا مخططات علمية وتقنية ثمينة، ومعه حتى قائمة موردين دوليين وأسرار لا تُقدّر بثمن.

أسّس "مختبرات خان" في منطقة كاهوتا، وبدأ العمل بصمت رفقة علماء آخرين قام هو بنفسه بإقناعهم في العمل معه وكفاءات وطنية كوّنها هو بنفسه. وفي الخفاء تم إنشاء منشآت التخصيب الذي هو أصعب شيء في أي برنامج نووي، واستُخدمت شبكة تهريب دولية لاقتناء القطع والتكنولوجيا من أوروبا وماليزيا والصين، وكل ذلك تم بسرّية مذهلة وبمساعدة جزئية من الصين التي زوّدت باكستان ببعض التصاميم والمكونات النووية والتي فيما بعد تحولت إلى الحليف الأول للباكستان. والآن 80 في المئة من واردات السلاح إلى باكستان هي من التنين الصيني، مستغلة وبذكاء خلاف الصين الحدودي مع الهند مما قرب تلقائيا بينهما وفق المعادلة الشهيرة "عدو عدوي صديقي"، أضف إلى ذلك أن الظروف الإقليمية آنذاك خدمت المشروع النووي بطريقة غير مباشرة، ففي الوقت الذي كانت فيه أمريكا مشغولة بدعم باكستان في حربها ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، غضّت الطرف عن تقدمها النووي، أو لنقل أن واشنطن لم تكن تتصور أن باكستان بلغت أشواطا متقدمة جدا في الحصول على سلاح نووي كامل.

في عام 1998 فجّرت الهند سلسلة تجارب نووية وبعد أقل من ثلاثة أسابيع، وفي يوم 28 أيار/ أمايو ردّت باكستان بتفجير خمس قنابل نووية دفعة واحدة في جبال بلوشستان. وهنا كان العالم مذهولا، والغرب في حالة صدمة واضحة، ولعل الصدمة الأكبر كانت في نيودلهي حين علم الهنود أن تفوقهم النوعي على عدوهم الأزلي قد زال وحدث التوازن بين القوى!

دخلت باكستان رسميا نادي القوى النووية إلى جانب القوى العظمى في العالم، وأصبحت أول دولة إسلامية تمتلك السلاح النووي. حاول شرطي العالم تدارك الأمر، ففرضت أمريكا عقوبات اقتصادية علها تثنيها عن ذلك، لكن يبدو أن الرجال فعلوها أخيرا والردع النووي قد تحقّق، فالبرنامج اكتمل ورسالة رئيس الوزراء قد وصلت فعلا، كل كلمة قالها كان يعنيها، لا شيء سيثني باكستان عن امتلاك سلاح نووي.

أما بالعودة للحديث عن البطل القومي عبد القدير خان الذي قام عليه المشروع، فقد وُضع لاحقا تحت الإقامة الجبرية بعد اتهامه بتهريب تكنولوجيا نووية إلى دول أخرى ككوريا الشمالية وإيران وليبيا، ومع ذلك بقي في أعين شعبه "أبو القنبلة الإسلامية".

قصة المشروع النووي في دولة باكستان تظهر مدى حجم التأثير حين تجتمع الإرادة والعزيمة السياسية مع إرادة الشعب، ومدى أهمية العقول العلمية وحب الوطن الخالص الذي يمكن أن يغير موازين القوى بشكل كامل وإحداث المعجزات!

مقالات مشابهة

  • مديريات حجة تُحيي ذكرى رحيل السيد بدر الدين الحوثي
  • محافظة صنعاء تحيي ذكرى رحيل العلامة السيد بدر الدين الحوثي بفعاليات ثقافية
  • باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي!
  • فعاليات خطابية في عدد من مديريات حجة بالذكرى السنوية لرحيل العالم الرباني السيد بدر الدين الحوثي
  • اللجنة العليا للانتخابات تُحيي ذكرى الولاية وسنوية العلامة بدر الدين الحوثي
  • السيد الخامنئي: نحذر أمريكا من عواقب الانخراط في الحرب
  • الحرب على القنبلة النووية الإسلامية
  • فعالية خطابية في حجة بالذكرى السنوية لرحيل العالم الرباني السيد بدر الدين الحوثي
  • الرهوي يشارك في فعالية الذكرى السنوية لرحيل العلامة السيد بدر الدين الحوثي
  • اليمن يمثل سيف الإمام علي عليه السلام في هذا العصر