قالت صحيفة ليبراسيون إن المؤرخ كريستوف لافاي والصحفية كلير بييه كشفا، خلال وثائقي جديد، عن أن قرار استخدام الجيش الفرنسي الأسلحة الكيميائية المحظورة دوليا خلال حرب الجزائر كان متخذا على أعلى مستويات الدولة الفرنسية.

وأوضحت الصحيفة -في حوار مع المؤرخ والصحفية أعدته ليا ميسيغين- أن الوثائقي، رغم إلغائه المفاجئ، أثار ردود فعل قوية على جانبي البحر الأبيض المتوسط، لكشفه النقاب عن محرم ظل مدفونا لأكثر من 6 عقود، عندما استخدم الجيش الفرنسي الأسلحة الكيميائية للقضاء على الثوار الجزائريين المتحصنين في الكهوف.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: "حملة مدمرة" تطال التعليم الجامعي في أميركاlist 2 of 2جدعون ليفي: أنى لرئيس الشاباك أن يقدم دروسا في الأخلاق حتى لنتنياهو؟end of list

وتحدث لافاي عن نقطة البداية التي جمعت بينه وبين بييه في مجال التحقيق التاريخي، وذلك في أثناء دراسته وحدات الجيش الفرنسي في أفغانستان، واكتشافه أن بعض الأساليب المستخدمة مستوحاة من حرب الجزائر، مما قاده للبحث في تاريخ وحدات الأسلحة الكيميائية، ليفتح لقاء له مع جندي فرنسي سابق -تعرض لأضرار صحية نتيجة الغازات- الباب على شهادات الجنود وأرشيفات خاصة.

أما كلير بييه، فقالت إن إخبار لافاي لها بهذه الحقيقة كان بمنزلة صدمة كبيرة، لأنها لم تكن تعلم -بصفتها صحفية فرنسية- عن استخدام بلادها الأسلحة الكيميائية في الجزائر، وقد دفعها ذلك لإجراء بحث مكثف لتوثيق شهادات نادرة وصادمة من الناجين والجنود المشاركين.

إعلان صدمة لا يمكن التغلب عليها

وأشار لافاي إلى أن الحصول على شهادات الجنود كان تحديا كبيرا بسبب الخوف والشعور بالذنب والعار، حتى إن كثيرين رفضوا الحديث بسبب التجارب المروّعة التي واجهوها، خاصة أن بعض الكهوف التي استهدفتها هذه الأسلحة كانت ملجأ للسكان المدنيين.

وقال المؤرخ إن مقاتلا سابقا تراجع بعد أن وافق على لقائه قائلا "في الـ20 من عمري، كانت لديّ الشجاعة للنزول إلى الكهف، ولكنني اليوم لا أملك حتى الشجاعة للحديث عنه"، ووصف آخرون حروب الكهوف بأنها صدمة لا يمكن التغلب عليها.

وواجه الباحثان عقبات قانونية وسياسية حالت دون الوصول الكامل إلى الوثائق الرسمية، رغم رفع الحظر عنها بقرار من مجلس الدولة الفرنسي، لأن وزارة الدفاع استمرت في تقييد الوصول إلى الوثائق الحساسة بحجج أمنية، مما يعوق رسم صورة شاملة عن هذه الجريمة.

ورغم إغلاق أرشيف وزارة الدفاع، "تمكنا -كما يقول لافاي- من تتبع هذه القصة بفضل وثائق شخصية وشهادات قدامى المحاربين (..)، وثبت لدينا أن استخدام الأسلحة الكيميائية لم يكن مجرد قرار عسكري، بل كان مدعوما من أعلى مستويات الدولة الفرنسية"، إذ تشير الوثائق إلى توقيع وزير الدفاع في الجمهورية الرابعة موريس بورجيس ماونوري على قرارات تسمح باستخدام هذه الأسلحة في الجزائر.

وسلطت الأبحاث الضوء على خطورة الغازات التي استخدمتها فرنسا، مثل مركب "سي إن 2 دي" (CN2D)، الذي كان فعالا بشكل مميت في الأماكن المغلقة كالكهوف، وقد أدى هذا الغاز إلى إصابة المقاتلين الجزائريين بحالات اختناق حادة كما تسبب في تدمير الكهوف بالمتفجرات، ومن ثم دفن عديد من الجثث تحت الأنقاض.

كما أدى تعرض الجنود الذين تعاملوا مع هذه الغازات على الجانب الفرنسي إلى مضاعفات صحية طويلة الأمد، ولا يزال بعضهم يسعى للاعتراف القانوني بما لحقهم من أضرار.

إعلان

فتح الأرشيف ضرورة ملحة

وفي ظل الأزمة الدبلوماسية المستمرة بين الجزائر وفرنسا، يخشى الباحثان أن تقود هذه التوترات إلى زيادة القيود على الأبحاث المتعلقة بحرب الجزائر، ويؤكدان أن فتح الأرشيف ضرورة ملحة لإنقاذ التاريخ من التعتيم.

وحسب لافاي، فإن الأرشيفات "ملك للشعب" وليس لأولئك الذين يحجبونها لأغراض سياسية، ويوضح أن حجب الوثائق انتهاك للديمقراطية ويمنع من استيعاب الماضي بصورة عادلة، مما يُبقي الجراح مفتوحة.

ومن جانبها، تؤكد بييه على أهمية مواجهة الإرث الاستعماري الفرنسي بشجاعة، مشددة على أن الكشف الكامل عن الحقيقة ضروري لأجيال المستقبل، وأن المجتمعات المدنية قد تكون المفتاح لتجاوز الخلافات بين الدول.

وختم المؤرخ والصحفية بدعوة السلطات الفرنسية إلى اتخاذ خطوات جريئة لفتح الأرشيف، ورفع الحواجز أمام البحث التاريخي، ومواجهة سياسات التعتيم التي تبقينا في دوامة من الصراعات السياسية والذاكرة المؤلمة، وخلصا إلى أن كشف الحقيقة ليس فقط حقا إنسانيا، بل شرطا أساسيا لبناء علاقات صحية بين فرنسا والجزائر في المستقبل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان ترجمات الأسلحة الکیمیائیة

إقرأ أيضاً:

تركيا تحذر من استخدام «لغة الانفصال السياسي» في المرحلة الحالية

حذر محمد أوتشوم، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حزب المساواة الشعبية والديمقراطية الكردي من استخدام لغة انفصالية قد تعرقل جهود الدولة في تنفيذ عملية “تركيا خالية من الإرهاب”.

وأكد أوتشوم في مقال نشره أن السماح بتخريب الفكر والعمل عبر خطاب الانفصال “أمر غير مقبول على الإطلاق”، واصفًا المرحلة الحالية بأنها “واحدة من أهم التحولات التاريخية في تاريخ الجمهورية”، مشبهًا إياها بالخطوات التي أعقبت حرب الاستقلال وتأسيس الجمهورية التركية.

وأشار المستشار الرئاسي إلى أن تركيا تمر اليوم بـ”فترة قفزات ثورية بدأت بهزيمة محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016، ثم الانتقال إلى النظام الرئاسي عام 2018، وها هي اليوم على أعتاب إكمال اندماج جميع فئات الشعب التركي مع الدولة والأمة عبر القضاء النهائي على الإرهاب المنظم”.

وشدد أوتشوم على أن بيان 27 فبراير 2025 الصادر عن عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المحكوم بالسجن المؤبد، “يبقى النص الملزم الوحيد” لكل عناصر التنظيم المنحل، محذرًا من أي خروج عن هذا المنظور أو استخدام خطاب انفصالي أو تفوقي يركز على الانقسام بدلاً من الوحدة.

وأضاف المستشار أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق “عناصر التنظيم المنحل والجهات القانونية التابعة له في المجال السياسي”، داعيًا إياهم إلى “أقصى درجات الحذر في صياغة الخطاب”، ومؤكدًا أن أي محاولة لاستغلال السياسة الديمقراطية عبر “الإقليمية الجهوية أو إنتاج سياسات قائمة على الهوية الانفصالية مرفوضة تماما”.

وتأتي تحذيرات محمد أوتشوم في إطار جهود تركيا المستمرة لمكافحة الإرهاب والانفصالية، خصوصًا في سياق الصراع الطويل مع حزب العمال الكردستاني.

وشهدت تركيا تحولات كبيرة بعد محاولة الانقلاب عام 2016، وتطبيق النظام الرئاسي عام 2018، مع تعزيز جهود الدولة لدمج جميع الفئات الاجتماعية تحت مظلة وطنية واحدة، في مسعى لتقليص أي خطاب انفصالي أو تحرك سياسي يهدد وحدة الدولة.

آخر تحديث: 1 ديسمبر 2025 - 19:57

مقالات مشابهة

  • الجزائر.. محكمة الاستئناف تؤيّد حكمًا بالسجن سبع سنوات على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز
  • الرئيس الفرنسي يصل الصين في زيارة رسمية
  • رئيس جمهورية بيلاروسيا يحل بالجزائر
  • الأردن يشارك بندوة دولية في الجزائر حول التنوع البيولوجي
  • أهم الأسلحة القوية التي تصنعها مصر.. هشام الحلبي يكشف عنها
  • تركيا تحذر من استخدام «لغة الانفصال السياسي» في المرحلة الحالية
  • وزير الداخلية الفرنسي يحذر: حظر الحجاب وصيام رمضان يسيء لمواطنينا المسلمين
  • ثمانية عقود على مجزرة ثياروي.. تقارير سنغالية تكشف المخطط الفرنسي
  • مدينة عراقية تسجل أعلى مستويات غاز الأوزون وأوكسيد الكبريت
  • أكد أنها تؤمن بتحقيق الأمن والسلم الدوليين.. الخريجي: المملكة تهتم بخلو العالم من الأسلحة الكيميائية