تهافت السلفية الأمنية في مصر والخليج
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
الفيديو المنشور للدكتور ياسر برهامي، أحد أبرز علماء الدعوة السلفية في مصر، عن المقاومة في فلسطين والدعوة إلى الجهاد التي أطلقها اتحاد علماء المسلمين قبل أيام، أثار ولا يزال يثير جدلا وسخطا كبيرا في الأوساط العربية والإسلامية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية بشكل عام ومع أهلنا في غزة بشكل خاص.
لم يكن برهامي متفردا في موقفه من الحرب العدوانية على غزة ولم يختلف موقفه كثيرا عن أقرانه فيما يعرف بالتيار السلفي في دول الخليج، وربما تأخر برهامي في رأيه الذي منع أو عطل بمقتضاه فريضة الجهاد بزعم أن بين مصر والكيان الصهيوني معاهدة تجعل من المستحيل نصرة أهلنا في غزة، مستشهدا بقول الله تعالى "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق"، ونسي برهامي أن بني إسرائيل قد خانوا الاتفاقيات وخرقوها غير مرة، وأنهم احتلوا ممر صلاح الدين المعروف بممر فيلادلفيا، وهذا في حد ذاته خرق للاتفاق المعدل بين مصر والكيان الصهيوني، ونسي برهامي أن الخيانة التي حذر منها القرآن قد وقعت، فهؤلاء لا عهد لهم ولا أيمان لهم، "فإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين"، وقد بدت الخيانة واتضحت لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
عموما هذه ليست قصتنا، فالموضوع الذي تتنظر الشعوب الفتوى فيه ليس مشاركة الجيوش العربية في الجهاد في فلسطين، فهذه الجيوش أجبن وأضعف من أن تقاتل عدوا، فما جُعلت هذه الجيوش إلا لمحاربة الشعوب والتضييق عليها إن هي خرجت عن الصراط الذي رسمه الغرب لها، وهذا يجعلني أسأل برهامي وغيره" لماذا لم تتحدث عن وجوب نصرة المظلومين؟ وعن رفع الحصار عن المحاصرين؟ ولماذا لم تفتي بوجوب فتح المعابر لكي يغاث أهل فلسطين؟ لماذا لم يأمر أو يفتي برهامي وغيره بضرورة الدعوة للتبرع من أجل إغاثة أهل فلسطين أو علاج المصابين والجرحى؟ أو الدعوة لإرسال مستشفيات جاهزة ومتنقلة وإرسال وفود طبية للمشاركة في علاج المرضى وخصوصا الأطفال والنساء وكبار السن؛ في ما تبقى من مستشفيات غزة التي أتى عليها العدوان؟ أو حتى الدعوة لترميم المساجد التي قصفت والمآذن التي دمرت؟
لا شيء من كل هذا دعا إليه أو طالب به مفتي الدعوة السلفية في مصر، ولكنه ركز على القول بأن بين مصر والكيان معاهدة وأن مصر لا تستطيع نقضها، ونسي أن مصر ليست السلطة فحسب بل هي دولة عريقة وعظيمة، ونسي أن السلطة التي تحاصر الدين وتحارب المسلمين وتقتلهم في داخلها لا ترحم من هم خارجها هي سلطة لا بيعة لها ولا طاعة لها في معصية الله، وهل هناك أكبر إثما وذنبا من قتل النفس البشرية أو المشاركة في حصارها وتجويعها حتى الموت؟
لقد حمل برهامي ذنب كل ما يجري للمقاومة ولم يأت على ذكر المعتدي ولم يتهمه بشيء، وفرغ كل طاقته لإدانة المقاومة تماما كما فعل سلفي آخر من السعودية هو الشيخ صالح السحيمي؛ الذي ادعى أن حماس قد جنت على نفسها وأن ما يجري هو بما كسبت أيديهم، وأن حماس فقدت أهم شرط للنصرة وهو التوحيد، وأن الهتافات التي ترفعها حماس وأنصارها مثل أين أنت يا صلاح الدين؟ هي نوع من الشرك بالله، فكيف ينصرهم الله؟
هذا التهافت الكبير من التيار السلفي المصري الذي أراه تيارا أمنيا بامتياز بعد سقوطه في عدة محطات مفصلية في تاريخ الأمة المسلمة عموما وفي تاريخ مصر تحديدا خصوصا، بعد أن اصطف إلى جانب الانقلاب العسكري ضد الرئيس المنعقدة بيعته الشرعية والواجبة النفاذ الشهيد مرسي عليه رحمة الله، واليوم يخرج قادة هذا التيار عن إجماع العلماء بوجوب النصرة لإخوتنا في فلسطين وهي البقعة المحتلة من أرض المسلمين.
تعالوا أحكي لكم قصة قصيرة عن موقف ياسر برهامي من المقاومة في عام 2004، يقول برهامي نسخة عام 2004 حين سئل عن نصرة غزة وأهلها: "نقول أولا إن نصرة المسلمين في غزة وفي فلسطين كلها وفي كل مكان يُستضعف فيه المسلمون واجب على كل مسلم، بحسب قدرته واستطاعته بالنفس والمال والجاه والدعاء وإصلاح النفس وإعداد لبِنات صالحة لأمة الاسلام للدفاع عن الدين ونصرته في كل مكان، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، إن نصرة اليهودي على المسلمين ومعاونتهم على قتالهم الظالم ضد المسلمين ممن ينتسبوا إلى الإسلام هو النفاق الأكبر بل هو الردة عن الإسلام، خاصة بعدما أبدوا أو أظهروا العداوة الصريحة لهذا الدين وهذه الأمة، وأولياؤهم في الغرب يستهزئون بالإسلام وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم أئمة الكفر (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) ويقول الله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)".
ويواصل برهامي في فتواه المنشورة على المواقع الاجتماعية ويوتيوب بالصوت والصورة: "لا يجوز لمسلم أن يقول ماذا أفعل وأنا عبد المأمور، فلا توجد اتفاقيات ولا معاهدات تقول لك اقتل الجائع العاري المسكين، لا توجد اتفاقيات تسمح بقتل المسلمين وأنت ساكت".
كان هذا كلام ياسر برهامي ممثلا للدعوة السلفية في مصر قبل عقدين من الزمان، فما الذي تغير أيتها الدعوة السلفية الكريمة؟
هل تغير في الواقع شيء؟ وهل جد جديد على الساحة؟ أوَ ليست هذه هي اتفاقيات كامب ديفيد نفسها أم تم تعديلها لتتضمن فقرات عن ضرورة محاربة المقاومة والتنازل عن الجهاد أو الدفاع عن فسلطين؟
هل تطورت الحركة السلفية وأصبح شعارها "السلفية في خدمة النظام"، مثلما جرى في السعودية وبعض دول الخليج العربي، بعد أن كانت تزعم أنها الحارس الأمين على العقيدة وفي خدمة الدين؟
لا شيء تغير، والذي حدث هو أن البعض كان مخدوعا بهذا التيار الذي لم يخدعني يوما في حياتي منذ أن تفتح وعيي على الحركة الإسلامية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كنت أقول إن هناك مستودعا في أجهزة الأمن لبعض منتسبي التيار الإسلامي يتم إعداد من فيه لمواجهة الإسلاميين الحقيقيين، وهذا المستودع يضم كل الخبث والإفرازات السيئة للحركة الإسلامية ويعاد تصنيعها وتغليفها لكي تدخل السوق من جديد بعد "الصنفرة والدهان" تحت راية الإسلام. وقد كان هذا الإفراز الأمني الذي يرى أوامر الحاكم فوق أوامر الله، وتعليمات المسئول فوق أحاديث الرسول، وأن الجهاد في فلسطين لا يجوز إلا بإذن ولي أمر الحاكم في السعودية أو قائد الانقلاب في مصر.
الحقيقة المؤلمة ذكرتها لبعض الشباب المتحمس في لقاء معهم في صيف عام 2006، حين شن العدو حربه على جنوب لبنان وثارت فتاوى ترتدي ثوب السلفية بعدم جواز الدعاء لحزب الله لأنه خارج عن الملة لأنه شيعي، وأذكر ساعتها أنني قلت: لا تدعُ للحزب بالنصر وادعُ على الكيان بالهزيمة.. وأدركت ساعتها أن السلفية التي تدّعون الانتساب إليها هي سلفية أمنية عابرة للحدود، جاءت من السعودية لموقفها السياسي من إيران وليست مبنية على موقف شرعي حقيقي، وأنه لو خاضت المقاومة السنية يوما ما حربا مع الكيان فلن تقف هذه السلفية مع المقاومين السنّة ولن ينصروها. وللأسف فقد تحقق ما توقعته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء السلفية مصر المقاومة غزة مصر مقاومة غزة سلفية قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلفیة فی فی فلسطین فی مصر
إقرأ أيضاً:
مسؤول في حزب الله يشارك بمؤتمر حول فلسطين في إسطنبول.. ما علاقة سوريا؟
شارك مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله، عمار الموسوي، السبت في مؤتمر حول فلسطين بإسطنبول.
ونقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية أن الموسوي وقيادات أخرى من حزب الله أجروا سابقاً زيارات لتركيا، حيث عقدوا لقاءات مع المسؤولين الأتراك الذين يعملون على نقل رسائل بين الحزب والقيادة الجديدة في سوريا، بهدف تخفيف التوتر وطمأنة الطرفين، ومنع أحدهما من تهديد الآخر.
وجاءت مشاركة الموسوي على رأس وفد من الحزب في مؤتمر «العهد للقدس»، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لسقوط بشار الأسد في دمشق، وكان وقتها الجانبان على طرفي نقيض، فأنقرة كانت داعمة بارزة للمعارضة السورية ضد الأسد، بينما الحزب اللبناني وخلفه إيران دعما الرئيس السوري المخلوع حتى الساعات الأخيرة لسقوط نظامه. وتعتبر تركيا أن مصلحتها ومصلحة إيران والدول العربية، خصوصاً السعودية، تقتضي ضرورة نسج تفاهمات إسلامية لمواجهة التغول الإسرائيلي، ووضع حد لمطامع تل أبيب ومحاولاتها للتوسع وزعزعة الاستقرار في العديد من الدول وتخريبها أو إضعافها.
وذكرت الصحيفة، أن أنقرة تحركت أكثر من مرة بين دمشق وحزب الله، وبين سوريا وإيران، ونقلت رسائل حول ضرورة وجود التنسيق بين الجانبين، وعدم تورط أحدهما في أي عمل ضد الآخر، لأن ذلك سيفيد إسرائيل حصراً.
ومن الأولويات بالنسبة لأنقرة هو ألا يكون لإيران أو حزب الله أي دور في الساحل السوري أو حمص أو أي منطقة قد تكون حاضنة لزعزعة حكم الرئيس السوري أحمد الشرع بحسب الصحيفة.
وشهدت مدينة إسطنبول مشاركة نحو 300 شخصية من أكثر من ثلاثين دولة ضمن فعاليات مؤتمر "العهد للقدس" الذي احتضن الإعلان وثيقة لدعم القضية الفلسطينية، في سياق سعي أوسع لإعادة توحيد الإرادة العربية والإسلامية في مواجهة التصفية والجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.
وأعلن المشاركون تبني وثيقة شعبية جديدة بعنوان "عهد وقف وتجريم الإبادة الصهيونية في غزة وملاحقة مرتكبيها"، في خطوة تهدف إلى توحيد الجهود الشعبية والقانونية والإعلامية لوقف الجرائم المرتكبة بحق سكان القطاع، وملاحقة المسؤولين عنها أمام الهيئات الدولية.
وجاء الإعلان خلال ندوة حملت عنوان "نحو تجديد إرادة الأمة في مواجهة التصفية والإبادة"، ضمن فاعليات مؤتمر "العهد للقدس" نحو تجديد إرادة الأمة في مواجهة التصفية والإبادة، حيث أكد المنظمون أن الوثيقة مفتوحة لانضمام الهيئات والأفراد الراغبين في المشاركة في تنفيذ بنودها.
وقدم نص الوثيقة نقيب المحامين الأردنيين يحيى أبو عبود، موضحا أنها تستند إلى حقيقة أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يتعرض منذ نحو عامين لعملية إبادة جماعية مكتملة الأركان، نفذها الاحتلال عبر قصف واسع النطاق، وحصار مُحكم أدى إلى التجويع ومنع العلاج، إضافة إلى تدمير شامل للبنية المدنية، وارتكاب انتهاكات موثقة بحق النساء والأطفال والأسرى. وأكد أن الجرائم ارتُكبت علنًا وعلى مرأى العالم، بما يجعل دوافعها الإبادية واضحة ومباشرة.
ودعت الوثيقة إلى تصعيد التحرك الشعبي لإعادة وضع غزة على رأس أولويات المجتمع الدولي، وتعزيز المبادرات الهادفة إلى كسر الحصار وتسيير القوافل البحرية والبرية حتى إنهائه بالكامل. كما تشدد على أهمية توسيع حملات التوثيق والضغط الإعلامي لفضح الجريمة وتجريد الاحتلال من الشرعية، بالتوازي مع مواجهة خطاب إنكار الإبادة الذي يروج له بعض الأطراف الإسرائيلية والغربية.