د. أحمد بن علي العمري

 

سلطنة عُمان… بلد الأمن والأمان والسلام والإسلام والاعتدال والحياد والأعراف والعادات والتقاليد وحسن التعامل والتسامح، حيث إن الأعراف والتقاليد لدى العُماني أقوى من أي قانون؛ الأمر الذي جعلها محل ثقة وتقدير واحترام العالم أجمع دون استثناء.
ومع ذلك؛ فالرأي مفتوح للجميع، وسقف الحرية مرتفع بحكم القانون العُماني.

ولقد لفت انتباهي الانطباع الذي خرج به المشاركون في معرض مسقط الدولي للكتاب من زوار ومؤلفين وناشرين؛ حيث عبّروا عن الحرية التي وجدوها؛ فهناك الكثير من الكتب التي يُمنع نشرها في العديد من الدول وجدت حريتها في عُمان تنتظرها، وأكدوا أن في عُمان مجالًا رحبًا للرأي والرأي الآخر، وأفقًا للرأي الواسع، كما أشاروا إلى حفظ الحقوق واحترام وتقدير الآخرين.
لقد وجدوا التطبيق الفعلي لعدم مصادرة الفكر؛ بل حمايته وتهيئة الجو المناسب له، فقد قالها السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -: "إننا لا نصادر الفكر.. أبدًا"، وأتت النهضة المتجددة لتؤكد على استمرارها ونموها وتوسعها؛ فأضحت عُمان بلا منازع محل تقدير ومركز تسامح وموقعًا لثقة الجميع.
المعروف أن الودق هو المطر الذي يُنهي الجفاف ويحيي الأرض، وفي السياق الأدبي أو الثقافي يُستخدم كرمز للخير والسلام، وعندما نقول إنه يطفئ الحروب، فهو تعبير مجازي عن دور عُمان التاريخيّ في إخماد النزاعات بالحكمة والدبلوماسية، كما فعلت عبر تاريخها في الوساطة بين الأطراف المتنازعة.
إن سلطنة عُمان معروفة بسياسة الاعتدال والحوار؛ سواء كان ذلك في محيطها الخليجي أو العربي أو على المستوى الدولي، مما جعلها صانعة للسلام بامتياز. وهكذا فإن الودق العُماني ليس مجرد مطر مادي، وإنما هو إشارة للغيث الأخلاقي في البوتقة السياسية الذي تقدمه عُمان لتهدئة الصراعات ومسبباتها ووأد الفتنة في مهدها.
لقد وقفت السلطنة كعادتها الدائمة والثابتة والراسخة على الحياد؛ فلم تقطع العلاقات مع جمهورية مصر العربية إبان اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك الحياد في اتفاقيات مدريد وأوسلو ووادي عربة، وبقيت محايدة في الحرب العراقية الإيرانية، ولم تتدخل في الحروب التي تستعر هنا وهناك من حينٍ لآخر؛ فلم تتدخل في حرب ليبيا، ولا الصومال، ولا اليمن، ولا السودان؛ بل أغلقت أجواءها أمام الاستخدام العسكري لأي من الطرفين المتنازعين.
وقد كانت الوسيط لإطلاق عدد كبير من المحتجزين للعديد من الدول، كما إنها كانت وسيط الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وحاليًا تقوم بالوساطة ذاتها بين أمريكا وإيران للوصول إلى اتفاقية ثابتة وملزمة ومحكمة.
ومؤخرًا تدخلت السلطنة لإطفاء الحرب الملتهبة بين أمريكا واليمن، والتوصل للاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهي حرب بالغة في التعقيد، لكن الدبلوماسية العُمانية المعهودة كان لها التأثير السلس الذي يتواصل مع الفرقاء برقة النسيم، وعذوبة الودق، وشذى الياسمين.
كل ذلك بهدوء ودون صخب إعلامي أو ضجيج القنوات الفضائية أو جعجعة الحناجر، كعادتها عُمان تبتعد عن المنّ والأذى.
إن الطائر الميمون الذي يقلّ المقام السامي لحضرة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بين العديد من عواصم العالم بين الحين والآخر، إنما يحمل على جناحيه غصن الزيتون ومرتكزاته وأهدافه، هو نشر السلام والتسامح؛ فعُمان تلتقي ولا تودع، وتجمع ولا تفرّق، وتلمّ ولا تشتّت، وتمُدّ يد السلام والوئام والتسامح والأُلفة للجميع.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المدن الذكية في عُمان .. تجسيد للتوافق بين التراث والحداثة

العُمانية: تسعى سلطنة عُمان إلى إيجاد مدن ذكية تتوافق ومتطلبات العصر، مع تحقيق الترابط بين الماضي والحاضر وما يجسد الهوية الوطنية ومقتضياتها وتعريفها كمسار في سياق التحول العمراني.

وتتجسد الرؤية الرامية في قطاع البناء إلى تعزيز التوافق بين التراث والحداثة في إيجاد سياقات مبتكرة نوعية ومتفردة وهذا ما يظهر جليًّا في انعكاس التكامل لتعزيز استدامة المُدن وأنسنتها، إذ تتشكل المدن الذكية وفق رؤى واستراتيجيات ترسم تشكيل العلاقة بين الإنسان والمكان، وتعمل على تحسين البنية الأساسية وحياة الأفراد وتسريع التنمية الاقتصادية.

وتبرز الهوية الوطنية ومقتضياتها من خلال مشاريع تحقق أهداف "رؤية عُمان 2040"، حيث تعد مدينة السلطان هيثم خير مثال على المدن الذكية ليشكل المشروع التوازن بين الحداثة والخصوصية ونموذجًا للمدن المستقبلية، ووجهة استثمارية واعدة.

في هذا السياق يقول الحسن بن علي الشكيري – مُهندس معماري بالمكتب التنفيذي لمشاريع المُدن الذكية بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني: "إن المُدن الذكية في سلطنة عُمان ليست مجرّد بُنى أساسية رقمية، وإنما أدوات لتجديد الهُوية وتحسين جودة الحياة، بمرجعية مُستمدة من العمارة العُمانية التقليدية وفهمها العميق للبيئة والسلوك المُجتمعي، كما تلتزم سلطنة عُمان بمبادئ أصيلة وثابتة في العمارة تتكامل بسهولة مع التقنيات الحديثة، مثل أنظمة الاستشعار الذكية، والتحكم في الإضاءة، والمحاكاة المناخية.

وأضاف الشكيري أن العمارة العُمانية التقليدية تقدم نموذجًا وظيفيًّا متقدمًا من حيث مواد البناء المحلية التي تقلّل من الانبعاثات وتوفّر عزلاً حراريًّا طبيعيًّا، كما أن النوافذ والمشربيات تنظّم التهوية والإضاءة بذكاء بيئي، ويضمن التخطيط المُتراص الذي يوجد مسارات مُظللة استفادة للمشي والتقليل من حرارة الشوارع؛ موضحًا أن المدينة الذكية في سلطنة عُمان تستلهم من التاريخ لتصوغ مستقبلًا متجذرًا في بيئة الناس وثقافتهم، وتعمل على تحويل المفاهيم التُراثية إلى حلول عملية مستدامة؛ فالتراث العُماني، بما يشمله من أنظمة كالأفلاج، والمباني الطينية، والممرات الضيقة، يوفر قاعدة تصميمية قابلة للتطوير ضمن مفاهيم المُدن الذكية، وهذه المكوّنات تتحول إلى أدوات فعالة في تقليل استهلاك الطاقة، وتحسين جودة الهواء، وتوجيه حركة المشاة، وتعزيز الانسجام البصري والعُمراني.

وأوضح أنه من أُسس العمارة العُمانية التي يجب أن تستمر في المُدن الذكية، التكيف مع البيئة والبناء المُستدام والتناغم مع التضاريس، وإدارة الموارد بذكاء، ولهذا تستطيع سلطنة عُمان ترجمة هذا العمل في المُدن الذكية من خلال المزج بين القديم والجديد، حيث مبدأ المجتمع قبل التكنولوجيا والسياحة الذكية المرتبطة بالهوية.

أما الدكتور هيثم بن نجيم العبري – معماري وباحث مُختص في العمارة والمُدن العُمانية فأشار إلى أن سلطنة عُمان تمتلك خُصوصية فريدة في فنون البناء والتخطيط العُمراني، تعكس عبقرية العُمانيين في التوافق مع الطبيعة واحترام الموارد، حيث شكّلت حكمة الأجداد ومهاراتهم أساسًا متينًا استمر عبر الأجيال، مبينًا أن العُمانيين أدركوا منذ القدم كيف يبنون مُدنًا تتكيف مع التنوع التضاريسي من الجبال إلى السواحل، ومن الصحراء إلى الواحات، مع الحفاظ على الهوية والاستدامة.

وذكر في سياق حديثه أن المُدن الذكية ليست مُجرد نسخ من مُدن ذكية أخرى في العالم، بل هي امتدادًا لعبقرية الأجداد حيثُ التكنولوجيا تُغذي الهوية لا تطمسها، والأجيال الجديدة من المُهندسين العُمانيين مدعوون ليكونوا حُراس هذا الإرث، بابتكارات تُثبت أن سلطنة عُمان تدرك كيف تبني مستقبلها دون أن تنسى ماضيها، فالمدينة الذكية العُمانية ليست مدينة منبثقة من العدم، بل هي مدينة متجددة حيث السياقات التاريخية.

وقال العبري إنه في خضم السباق العالمي نحو التحوّل الرقمي، ثمة تحديات حقيقية على المستوى المحلي من أجل الحفاظ على الهوية المعمارية والثقافية ضمن المُدن الذكية، لكن تلك التحديات قابلة للتحول إلى فرص باتباع نهج متوازن.

وأوضح أن التحديات الرئيسة تتلخّص في الاستيراد النمطي للنماذج العالمية، وضعف التوثيق الرقمي للتراث المعماري، وتعارض التقنيات مع القيم الاجتماعية، وندرة الكوادر المحلية المتخصصة بين المعرفة التراثية وإتقان تقنيات المُدن الذكية، والتكلفة الاقتصادية.

ولمُواجهة هذه التحديات، ذكر أن الحلول المقترحة تتلخّص في توطين الابتكار، والتوثيق الرقمي الشامل للعمارة العُمانية، وإيجاد تشريعات تلزم دمج الهُوية في التصميم، والتعليم الهجين بين الهوية والتراث والتكنولوجيا، والشراكات الذكية، وفي هذا الجانب تمتلك سلطنة عُمان مقومات التوفيق بين الأصالة والابتكار.

أما عبد العزيز بن محمد البلوشي، وهو مالك عقار بمدينة السلطان هيثم فيشير إلى أن مُستوى دمج القيم التراثية في البُنى الأساسية التقنية في المدن الذكية، يمزج بين التقنية الحديثة والقيم العُمانية الأصيلة، فنرى احترامًا واضحًا للخصوصية من خلال تصميم الأحياء والمنازل؛ بحيث تبقى المساحات العائلية محمية، ويُراعي أيضًا النسيج الاجتماعي من خلال وجود مساجد، ومجالس، وحدائق تُشجع على التواصل المجتمعي.

ويضيف قائلًا: إن الطابع البصري والتصميمي للمدن الذكية العُمانية، يمثل وسيلة لتكوين تجربة معيشية متجذرة في الأصالة ومنفتحة على الابتكار، فاللغة البصرية في المدن الذكية تركّز على إبراز الهويّة العُمانية من خلال المعمار المستوحى من التاريخ المحلي، مثل الأقواس والنقوش التقليدية، لكن في الوقت نفسه يتم دمج عناصر التصميم الحديث مثل الإضاءة الذكية، والمساحات الخضراء المترابطة، والمسارات الذكيّة للمشاة والدراجات، وهذا الدمج يوجِد تجربة معيشية يشعر فيها الفرد بانتمائه للبيئة العُمانية، مع الاستفادة من تسهيلات العصر الحديث.

مقالات مشابهة

  • إعلام تحت القصف.. صالون الشئون العربية بالصحفيين يناقش أثر الحروب على مهنية الفضائيات الإخبارية
  • وقفة تضامنية امام نقابة الصحفيين تنديدا باغتيال الصحفيين الفلسطينيين في غزة
  • 28.5 مليون ريال عُماني إجمالي قيمة أذون الخزانة الحكومية المخصصة لهذا الأسبوع
  • كاتبة إسرائيلية: هكذا تغذي المساعدات الإنسانية الحروب
  • البنك الوطني العُماني ينظم "كرنفال الأطفال السنوي"
  • المدن الذكية في عُمان .. تجسيد للتوافق بين التراث والحداثة
  • ظاهرة فلكية نادرة تزيّن سماء سلطنة عُمان هذا الأسبوع
  • إنجاز عالمي جديد لموسيقى سلاح الجو السلطاني العُماني
  • ماني يخرج من حسابات جيسوس
  • نمو أرباح "أسياد للنقل البحري" 31%.. والأصول تسجل مليار ريال عُماني