البيانات القوية التى صدرت من عدة دول عربية ضد تصريحات بنيامين نتنياهو, رئيس وزراء الكيان الإسرائيلى عن «إسرائيل الكبرى» جاءت قوية وحاسمة, لكنها تحتاج إلى خطوات قانونية ودبلوماسية حتى لا تتكرر مثل هذه الأوهام.
لقد كشفت تصريحات «نتنياهو» عن طريقة تفكير العقلية التوسعية التى تتحكم فى سياسات الاحتلال الإسرائيلى, وتستند إلى نصوص توراتية وأساطير قديمة لا أساس لها فى التاريخ ولا سند لها فى الواقع.
إن فكرة «إسرائيل الكبرى» التى يتحدث عنها «نتنياهو» هى مجرد شعار يهدف إلى تكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان, عبر إحياء أسطورة توراتية تزعم أن الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات هى «أرض الميعاد». وينسف التاريخ هذه الادعاءات من جذورها; لأن «الدولة العبرية» الحديثة لم تنشأ إلا قبل أقل من ثمانية عقود, على أنقاض شعب فلسطين الذى جرى اقتلاعه بالقوة من أرضه, أما التصورات التوراتية فليست سوى جزء من خطاب استعمارى قديم يعيد إنتاج نفسه بوجه جديد, ولا قيمة له فى ميزان السياسة الدولية.
ردود الفعل العربية جاءت واضحة وقوية. فقد أصدرت مصر بياناً رسمياً أعربت فيه عن رفضها التام لهذه التصريحات, مؤكدة أن مثل هذه الأوهام التوسعية تهدد الاستقرار الإقليمى وتتناقض مع قواعد القانون الدولى. موقف مصر, التى تمثل رمانة الميزان فى المنطقة, كان رسالة بأن القاهرة لن تسمح بتمرير خطابات توسعية تصب الزيت على النار. كما أعلنت الأردن رفضها القاطع, ووصفت التصريحات بأنها استفزازية وخطيرة, مشيرة إلى أنها تتعارض مع كل مساعى السلام. أما المملكة العربية السعودية فقد انضمت إلى هذا الموقف ببيان حاد اللهجة, أكدت فيه أن أى محاولة لإحياء أوهام «إسرائيل الكبرى» لن تلقى سوى الفشل, وأن الأمن الإقليمى لن يكون رهينة لرؤية متطرفة ومعزولة عن الواقع. كما توالت بيانات الرفض من عواصم عربية عدة, من المغرب إلى العراق, فى مشهد يؤكد أن الموقف العربى الموحد لا يزال قوياً رغم كل التحديات.
لكن, ورغم أهمية هذه البيانات, فإن الخطوة المقبلة يجب أن تتجاوز حدود الاستنكار اللفظى. إن التصدى لمثل هذه التصريحات يجب أن يكون عبر مسارات قانونية دولية, من خلال تحريك دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية, خاصة أن «نتنياهو» نفسه متهم بجرائم حرب ومطلوب للمساءلة الدولية, كما أن توظيف الأدوات الدبلوماسية العربية داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بات ضرورة قصوى, حتى لا تتحول هذه الأوهام إلى سياسات عملية تفرض الأمر الواقع على حساب الحقوق العربية والفلسطينية.
المجتمع الدولى أيضاً مدعو إلى التوقف عن التعامل مع هذه التصريحات على أساس أنها «شأن داخلى إسرائيلي», فحين يتحدث رئيس وزراء الاحتلال عن ارتباطه بمفهوم توسعى يستند إلى نصوص دينية, فهو يفتح الباب أمام تبرير العدوان على دول عربية ذات سيادة. إن الصمت الدولى على مثل هذه التصريحات هو مشاركة فى تكريس الاحتلال وتغذية نزعة الاستعمار الجديد التى يسعى «نتنياهو» إلى إعادة إحيائها; لذلك فإن الرد يجب أن يكون سياسياً وقانونياً واقتصادياً, من خلال فرض عقوبات وردع دبلوماسى حقيقى.
ما قاله «نتنياهو» ليس جديداً, لكنه خطير فى توقيته, لأنه يأتى بينما يعيش الفلسطينيون واحدة من أقسى مراحل العدوان والحصار. لقد أراد أن يرسل رسالة لمؤيديه داخل الكيان بأنه متمسك بالخطاب التوراتى المتشدد, وأنه يواصل «حلم الآباء المؤسسين», على حد تعبيره, غير أنه فى الواقع يكشف مأزق المشروع الصهيونى كله, ويثبت أنه مشروع يقوم على أساطير متداعية وأطماع لا سقف لها, ويصطدم بحقائق التاريخ والجغرافيا وبإرادة الشعوب العربية التى ترفض أن تُمحى هويتها أو تُصادر أرضها.
أخيراً, إن تصريحات «نتنياهو» عن «إسرائيل الكبرى» ليست إلا «إعادة تدوير» لوهم توراتى قديم, يفتقر لأى أساس تاريخى أو واقعى. الرد العربى الرافض خطوة أولى مهمة, لكنه يجب أن يتعزز بتحركات قانونية جادة فى أروقة مؤسسات العدالة الدولية. أمام هذه الأطماع, ليس مطلوباً من العرب الانفعال أو التهويل, بل الهدوء الصارم المبنى على الحق والعدل, والتشبث بأن هذه المنطقة لها شعوبها وهويتها وتاريخها, ولن تكون يوماً ساحة مفتوحة لأوهام توسعية عابرة. إن أطماع العدو الصهيونى ستظل أوهاماً فى كتب التاريخ, بينما تظل الأرض لأصحابها مهما طال الاحتلال, ومهما كثرت الأساطير.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البيانات القوية تصريحات بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي العقلية التوسعية السياسة الدولية
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يبدِي ارتباطه بـ“إسرائيل الكبرى” ويثير غضب الدول العربية
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / متابعة خاصه
أدلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مؤخرًا بتصريح اعتبره كثيرون مثيرًا للجدل، أعلن فيه أنه يشعر بارتباط قوي “تاريخياً وروحياً” بـ”رؤية إسرائيل الكبرى” (Greater Israel). ورافق هذا التصريح ظهور خريطة نُشرت في خطاب أو مقابلة أمس، تُظهر ما يُعرف بـ”إسرائيل الكبرى” والتي تشمل جزءًا كبيرًا من الأراضي العربية المجاورة.
لاحقًا أكد في تصريحات إعلامية أنه “مرتبط بشدة” بـ”رؤية إسرائيل الكبرى” التي تتعدى حدود فلسطين وتطال أراضٍ عربية أخرى .
ردود الفعل العربية والدولية
توالت ردود الفعل العربية الغاضبة على هذا التصريح، واعتبرته تهديدًا صريحًا لسيادة الدول:
الأردن وصفته بأنه “تصعيد خطير ومُستفز، وتهديد للسيادة وخرق للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
السعودية، قطر، مصر، اليمن، ومنظمة التعاون الإسلامي أصدرت بيانات تضمنت توضيحات تجدد التزامها بالسلام ورفض “أوهام التوسع الإسرائيلي”.
السلطة الفلسطينية انتقدت التصريح واعتبرته “استهانة بحق الشعب الفلسطيني وتصعيدًا خطيرًا يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي”.
الخارجية اليمنية وصفت التصريحات بأنها “انتهاك صارخ لقرارات الشرعية الدولية”.
خلفية تاريخية (رؤية إسرائيل الكبرى)
المصطلح “إسرائيل الكبرى” يُستخدم منذ عقود في السرديات الصهيونية التوسعية، ويشير أحيانًا إلى السيطرة على أراضٍ تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات، تشمل أجزاء من مصر وسوريا ولبنان والعراق وغيرها .
وكان وزراء إسرائيليون متطرفون مثل بزيلييل سموتريتش قد عبّروا سابقًا عن دعمهم لأشكال متطرفة من هذه الرؤية، بما في ذلك ضم أراضٍ من الأردن وسوريا ومصر والعراق إلى حدود إسرائيل .