الخبر:
2025-12-05@03:37:10 GMT

سعـي في الخيــر ومسابقـة في الخيـــرات

تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT

سعـي في الخيــر ومسابقـة في الخيـــرات

إن الإسلام خير كله، وإن التدين التزاما بالإسلام واعتصاما بأحكامه واستقامة على مبادئه خير كله. هذا أمر بين يكفي المؤمن أن يتلو القرآن الكريم ليرى ذلك الاحتفال الكبير بالخير وأهله، وذلك الاهتمام الكبير بالترغيب في الخير وفعله.

وهذه آية واحدة ترسم للمسلم سبيله ومنهجه، يقول فيها الحق سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا، واعبدوا ربكم، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} فالخير هو منهج الإسلام، وشيوع الخير وغلبته هو مقصد الإسلام، وفعل الخير هو واجب المسلم، والمقصود بقوله تعالى: {وافعلوا الخير} الأمر بكل خير، مع هذه العبادات، من الإحسان إلى الناس بالقول والعمل، ومن الحكم بين الناس بالعدل، ومن أداء الأمانات إلى أهلها.

. إلى غير ذلك مما هو خير وحسن، ومعروف. وهذه الآية الكريمة ذكرت الواجبات من الأخص إلى الأعم: فقوله تعالى: {اركعوا واسجدوا} المقصود به الصلاة التي هي أم العبادات وركن الدين وعماده، ثم جاء الأمر بالعبادة في شمولها وهي أعم من الصلاة، ثم جاء الأمر بفعل الخير وهذا أعم من الصلاة والعبادة. وهذه معالم سبيل الفلاح: العبادة تصل المسلم بالله سبحانه؛ فتقوم حياته على قاعدة العبودية.

وفعل الخير يؤدي به إلى استقامة سلوكه وخُلقه على قاعدة من الإيمان، وفي هذا الترتيب البديع إشارة مهمة تؤكد المعنى العظيم من معاني التدين الذي نحن بصدد الكلام عليه، وهو أن التدين يبدأ من العبادة صلاة وغيرها كعماد وأساس ويصل إلى فعل الخير، أي أن العبودية الحقة لله عز وجل لا أن تظهر آثارها على المتدين سعيا في الخير وتسابق في الخيرات.
وهذا ما يؤكده الحبيب المصطفى سيد المتدينين وإمامهم وقدوتهم صلّى الله عليه وسلم حيث يقول: «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير؛ فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه» رواه ابن ماجه وغيره؛ فالمتدين الصادق هو من يكون مفتاحا للخير حيثما حل وحيثما ارتحل، يمشي في ركاب الخير ويمشي الخير في ركابه. بل إن الإسلام لا يرضى ممن رضيه دينا إلا المسارعة والمسابقة في الخير، يقول الله تبارك وتعالى: {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير}، {يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}، {..إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنَا خاشعين}.

ومن المعلوم بداهة أنه لا يسارع في الخيرات ولا يسابق فيها إلا من كان من أهل الخير متشبعا بمعانيه، والمراد من ترغيب المسلم في التسابق إلى الخير والمسارعة إليه هو أن يحرص على بلوغ أعلى رتبة ممكنة في الخير كما يبينه قول الإمام ابن باديس رحمه الله وأعلى مقامه: “طلب الرتب العليا، في الخير والكمال، والسبق إليها والتقدم فيها مما يدعونا إليه الله، ويرغبنا بمثل هذه الآية فيه كما قال تعالى: {فاستبقوا الخيرات} لأن طلب الكمال كمال؛ ولأن من كانت غايته الرتب العليا إن لم يصل إلى أعلاها لم ينحط عن أدناها، وإن لم يساو أهلها لم يبعد عنهم. ومن لم يطلب الكمال بقي في النقص، ومن لم تكن له غاية سامية قصر في السعي وتوانى في العمل، فالمؤمن يطلب أسمى الغايات حتى إذا لم يصل لم يبعد، وحتى يكون في مظنة الوصول بصحة القصد وصدق النية”.
وعليه؛ فالمتدين الأصل فيه أن يكون من أهل الخير، يشع الخير في أفعاله، ويشع الخير في أقواله، ويشع الخير في سلوكه، ويشع الخير في حياته كلها.

*إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

المصدر: الخبر

كلمات دلالية: فی الخیر الخیر فی

إقرأ أيضاً:

معنى سمة "ذبح العلماء" الذي عرف على مر العصور.. علي جمعة يوضح

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، إن البشرية عرفت على مرِّ عصورها تصرُّفًا سلبيًّا، وهو «ذبح العلماء»، ولم تختص أمة بذلك، بل كانت سِمَةً جعلت الناس يُنشِئون الأمثالَ السارية كنوعٍ من أنواع التعبير عن الحكمة التي تتصل بالحياة، وقبل ذلك قتلوا النبيين والمرسلين، ولكن الله سبحانه وتعالى نصرهم وأيَّد العلماء، ونفع بهم البشرية عبر العصور.

سمة ذبح العلماء

قال تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة: 87].

وعن ابن عباسٍ قال: «ذُكِر خالدُ بنُ سِنانٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ذاك نبيٌّ ضيَّعَه قومُه» [رواه الطبراني في الكبير].

ذبح العلماء على مر العصور

وأضاف فضيلة الدكتور علي جمعة أننا جميعًا نتذكر ما حدث لـ«جاليليو»؛ حيث أثبت ثباتَ الشمسِ ودورانَ الأرض، فاعتُرِض عليه، ولم يُحسِن حينئذٍ بيانَ بُرهانه التام، حتى إنه وافق على حَرْق كتبه. ولدينا في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة في هذا المعنى؛ فقد ورد أن الإمام البخاري صاحب «الصحيح» ـ الذي وُصف بأنه أصحُّ كتابٍ بعد كتاب الله من حيث الضبط والنقل والتوثيق ـ قد دعا على نفسه قبل أن يموت بأيام، وضاقت عليه الأرض بما رحُبَتْ، في نزاعٍ بينه وبين محمد بن يحيى الذُّهلي؛ حيث كانت قد اشتدت الخصومة بينهما، مما سبَّب له تركَ المدينة.

ولم يكن البخاري رحمه الله تعالى معتادًا على ذلك، فلم يتحمل ـ لشفافيته ورِقَّة قلبه ـ هذا النوعَ من الصدام، وانسحب تاركًا وراءه جهدَه الرصينَ الجبَّار، الذي استمرَّ هذه السنينَ الطوالَ مرجعًا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومثالًا لتطبيق المنهج العلمي، وللنية الخالصة، وللهِمَّة العالية، وأثرِ ذلك في بقاء الأعمال ونفعها لأفراد الناس وجماعاتهم ومجتمعاتهم....(يتبع)

ذبح العلماء قديمًا

وأوضح فضيلته أن في القرن السادس الهجري كان الشيخ عبدُ القادر الجيلاني، وتُنسب إليه بعض القصص الجديرة بالاعتبار ـ وإن كنا لم نحقِّق توثيقها له في ذاتها ـ؛ منها أنه كان يحضر له نحو أربعين ألفًا لسماع موعظته الحسنة التي خالطت القلوب، ورفع بعضُ الواشين أمرَه إلى الحاكم بأن عبد القادر أصبح خطرًا على الناس، فإنه يأتمر بأمره أربعون ألفًا.

وتابع الدكتور علي جمعة: لما استدعاه الخليفةُ في بغداد، وكلَّمه في ذلك، ضحك الشيخ، وقال: «أنا أظنُّ أن معي واحدًا ونصفًا، ولنختبر ذلك يا مولاي؛ فأرسلْ غدًا الشرطةَ أثناء الدرس بعد العصر تطلبني أمام الناس».

ذبح العلماء

وأكمل: فأرسل الخليفةُ رجالَ شرطته، وطلبوا الشيخ بطريقة عنيفة، ففَرَّ معها أكثرُ الحاضرين، وأصرَّ اثنان على أن يُصاحِباه، حتى إذا ما جاؤوا إلى قصر الخليفة تخلَّف أحدهما ينتظر الشيخ عند الباب، ودخل الآخر. فقال له الخليفة: ماذا حدث؟ قال: لم يَبْقَ معي إلا كما قلتُ لك: واحدٌ ونصف؛ هذا واحدٌ معي، والآخر خاف من الدخول فانتظر عند الباب.

واختتم حديثه قائلًا: وذهب الواشون وذهب عصرهم، لا نعرف أسماءهم، وبقي الشيخ عبد القادر عبر القرون؛ قد أذِن اللهُ أن يجعل كلماته نِبراسًا يُستضاء به، وهدايةً في الطريق إلى الله. 

مقالات مشابهة

  • حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية وتهنئة المسيحيين
  • لا تقلق... سيأخذ الله حقك ممن أوجعك
  • علي جمعة: الأديان وخاصة الإسلام دعوا إلى العفاف وغض البصر
  • هل يغفر الله للمنتحر.. وهل الانتحار كفر؟
  • الإسلام دين ودولة
  • دعاء الصباح النبوي.. سنة تمنحك البركة وتفتح لك أبواب الخير
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (بعيداً عن الجِدال… السودان المسلم هو..)
  • الأوقاف: توقير كبار السن أدب نبوي يفتح أبواب الرحمة
  • مفهوم مبدأ التعايش في الإسلام وشموليته لجميع الناس
  • معنى سمة "ذبح العلماء" الذي عرف على مر العصور.. علي جمعة يوضح