الخليج الجديد:
2025-10-16@09:40:30 GMT

العد العكسي في السياسة الدولية

تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT

العد العكسي في السياسة الدولية

العد العكسي في السياسة الدولية

تحذير من أن تصبح فلسطين ضحية الانشغال بمتغيرات وظروف مرحلة بائسة في السياسة الدولية.

أجواء الحرب في السياسة الدولية تسرب إليها التهديد باستعمال أسلحة نووية تكتيكية أو الأشد تدميراً.

إذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن توفير إرادة موحدة لموقف حاد وحاسم فلتتصرف الدول الأعضاء بإرادات متفرقة ولكن حادة وحاسمة.

القطب الأمريكي المهيمن في نظام دولي ثنائي القطبية يستمر مهيمناً لكن منحدراً في نظام دولي أحادي القطبية بعد انفراط الاتحاد السوفياتي.

ردة في كثير من تفاصيل السياسة الدولية بالعقود الأخيرة لها تكلفة باهظة على البشرية تتراوح بين الحرب والمجاعة والهجرة إلى انحسار الحقوق والحريات.

أوروبا الجديدة تتوسع مساحة وتضعف ترابطاً ونفوذاً. فقدت أوروبا بريطانيا وانحدرت هيبتها السياسية كقوة دولية وعادت بنظر العالم مع حرب أوكرانيا تابعة لأمريكا.

دول صناعية غير قليلة العدد شاخت شعوبها إلى حد يمكن أن يعيق انتقالها إلى اقتصاد الذكاء الاصطناعي وغيره مما تحمله الثورة الإلكترونية للبشرية ولم تكشف عنه بعد.

أزمات خطيرة تكاد تشل السلوك السياسي لعدد من الدول العربية لأسباب أغلبها غير مفهوم أو مقبول إلا ضمن جداول العد العكسي لحلول نظام دولي بمعايير وقواعد جديدة.

دولة صغيرة اعتمدت منذ نشأتها على دولة عظمى في حروبها وتسليحها وتصنيعها ستجد مع انحدار الدولة العظمى صعوبة شديدة في استمرار وضعها كقوة صغيرة ومهيمنة إقليميا.

إسرائيل في مرحلة عسيرة بعد: فشل خلق وحدة لجماعات بشرية لم تتوحد من قبل؛ وعلاقتها العضوية بأمريكا في زمن انحدارها المرشح للاستمرار حتى يستقر النظام الدولي الجديد.

* * *

أتفهم الظرف الذي جعل حكومة مصر تطلب الآن أو تقبل الانضمام إلى مجموعة بريكس، بينما لم تطلب وفي الغالب رفضت عرض الانضمام لها قبل أكثر من عشرة أعوام.

أفهم أن هذا الأمر في حد ذاته صار يخضع لظرف لم يكن قائماً وقتها أو كان في المهد ناشئاً. دعونا نطلق على هذا الظرف حالة أو مرحلة عشنا فيها مع عوامل اجتمعت لتعلن أن عصراً اقتربت نهايته وأن العد العكسي لها قد بدأ منذ حين ومستمر.

أولاً: مفردات هذا العد العكسي أراها على النحو التالي:

القطب الأمريكي المهيمن في نظام دولي ثنائي القطبية يستمر مهيمناً ولكن منحدراً في نظام دولي أحادي القطبية بعد انفراط الاتحاد السوفياتي.

أوروبا الجديدة تتوسع مساحة وتضعف ترابطاً ونفوذاً. فقدت أوروبا بريطانيا وانحدرت هيبتها السياسية كقوة دولية وعادت في نظر العالم تابعة لأمريكا في أعقاب حرب أوكرانيا. تكاثرت فيها الشقوق وتعددت مواقع المكانة.

على الناحية الأخرى من الكوكب تألقت في الفترة نفسها صحوات في بعض جوانب حيوية في ثقافات وحضارات دول في آسيا والجنوب الجديد. تألقت في الصين وتتألق في الهند وتنفض التراب عن نفسها جماعات من السكان الأصليين في أمريكا الوسطى والجنوبية.

أتصور أن إسرائيل تجتاز مرحلة عسيرة لسببين على الأقل. السبب الأول يتعلق بفشل القائمين على شؤونها في خلق وحدة في جماعة بشرية بصفات خاصة لم يعرف عنها التوحد إلا نادراً. وقد كشفت الأسابيع الأخيرة عن عمق الخلافات داخل هذا المجتمع واحتمالات الزيادة المطردة في تعمقها. أما السبب الثاني فيتعلق بالعلاقة العضوية التي تربط إسرائيل بأمريكا في زمن انحدار الأخيرة، وبخاصة أن هذا الانحدار مرشح للاستمرار على الأقل لحين أن يستقر أمر وشكل النظام الدولي الجديد.

إن دولة صغيرة اعتمدت منذ نشأتها على دولة عظمى في حروبها وتسليحها وتصنيعها سوف تجد مع حال انحدار هذه الدولة العظمى صعوبة شديدة في استمرار وضعها كقوة صغيرة ولكن مهيمنة في الشرق الأوسط.

البدائل ليست كثيرة ومنها أن توفر لنفسها عناصر قوة ذاتية أو تحالفات إقليمية تعوض بها ما غاب أو تعثر من الدعم الأمريكي، وهو بالفعل ما تحاول عمله الآن وبالسرعة الممكنة.

دول صناعية غير قليلة العدد شاخت شعوبها إلى حد يمكن أن يعيق انتقالها إلى اقتصاد الذكاء الاصطناعي وغيره مما تحمله الثورة الإلكترونية للبشرية ولم تكشف عنه بعد.

ثانياً: لهذه الردة في كثير من تفاصيل السياسة الدولية خلال العقود الأخيرة تكلفة باهظة تحملتها البشرية، وما تزال. تراوحت التكلفة وما تزال تتراوح بين الحرب والمجاعة والهجرة إلى انحسار في التزام الحقوق والحريات.

أتحدث هنا عن حرب أوكرانيا على روسيا وحرب روسيا على أوكرانيا وعن توابعهما مثل الاستعداد لحروب مكملة أو مشتقة في شمال أوروبا تشترك فيها مولدوفا وفنلندا والسويد وليتوانيا وتقودها بولندا ضد بيلاروسيا.

أتحدث أيضاً عن أزمات نقص في المواد الغذائية الضرورية مثل الحبوب واللحوم والزيوت وبخاصة في إفريقيا.

أتحدث عن أن أجواء الحرب في السياسة الدولية تسرب إليها التهديد باستعمال أسلحة نووية تكتيكية أو الأشد تدميراً.

أتحدث هنا أيضاً عن زيادة في عدد الدول الساعية لبناء مفاعلات نووية لأغراض سلمية ولكن مع الإصرار الصريح أو المكتوم على الحق في حرية أوفر في إدارة عمليات وتحديد نسب التخصيب.

أتحدث عن موجة جديدة من الانقلابات العسكرية في إفريقيا والعالم النامي عموماً وعن انسداد متزايد في مسالك الحياة الاقتصادية في دول عديدة.

أتحدث بخاصة عن أزمات خطيرة تكاد تشل السلوك السياسي لعدد من الدول العربية وبالتحديد في اليمن وسوريا والعراق وليبيا والسودان ولبنان لأسباب لم يعد أغلبها مفهوماً ولا مقبولاً إلا إذا وضعناها ضمن جداول العد العكسي لحلول نظام دولي بمعايير وقواعد جديدة.

ثالثاً: لن أكون أول ولا آخر من يحذر من أن تصبح فلسطين ضحية الانشغال بمتغيرات وظروف هذه المرحلة البائسة في السياسة الدولية. إذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن توفير إرادة موحدة لموقف حاد وحاسم فلتتصرف الدول الأعضاء بإرادات متفرقة ولكن حادة وحاسمة.

لهذه الردة في كثير من تفاصيل السياسة الدولية خلال العقود الأخيرة تكلفة باهظة تحملتها البشرية، وما تزال. تراوحت التكلفة وما تزال تتراوح بين الحرب والمجاعة والهجرة إلى انحسار في التزام الحقوق والحريات.

*جميل مطر مفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق

المصدر | الشروق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا أوروبا بريكس إسرائيل الصين روسيا نظام دولي حرب أوكرانيا الذكاء الاصطناعي السياسة الدولية العد العكسي فی السیاسة الدولیة

إقرأ أيضاً:

النظرة الاستعمارية.. من جوهر السياسة إلى توماس براك؟

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

بعد انتهائي من قراءة مقال الدبلوماسي السوري السابق أحمد علي الحريري بعنوان «مفهوم الدولة بين ابن خلدون وتوم براك»، وجدتني مأخوذًا بذلك التناول الذي جمع بين الطرافة الجاذبة في المُقدمة والعمق في التحليل.

لقد كان دافعًا لي لكتابة هذا النص، لا استكمالًا لما طرحه، بل محاولةً لقراءة أوسع في المعنى الكامن خلف تصريحات المبعوث الأمريكي، وفي النظرة التي تختبئ خلف تلك اللغة الاستعلائية، والتي تكشف عن جوهرٍ استعماري أعمق في مفهوم الغرب للآخرين، ولا سيما نحن الذين نعيش في هذا الشرق.

في زيارته إلى المنطقة مؤخرًا، وأمام وسائل الإعلام والصحافة، وفي قصر بعبدا بلبنان، وصف المبعوث الأمريكي توماس براك، الصحفيين اللبنانيين بأنهم "فوضويون وحيوانيون". هذا الوصف ينسجم مع ما كان قد صرح به سابقًا عن أنَّ منطقة الشرق الأوسط لا تضم دولًا؛ بل قرى وقبائل وعشائر. الأمر المؤكد أنها ليست زلة لسان أو نوبة غضب؛ بل إن ما قاله براك، يعكس بوضوح طريقة التفكير السائدة في دوائر وأروقة القرار الغربي، ولا سيما الأمريكي والصهيوني، تجاه شعوب هذه المنطقة. الكلمات التي تبدو في ظاهرها استعلائية ومُهينة، هي ذاتها تلك النظرة وذلك الأسلوب الاستعماري، اللذان يمارس من خلالهما الغرب، ويُدير سياساته تجاه منطقتنا وشعوبها، إنها تُعبّر في عمقها عن رؤية سياسية وفكرية تعتبرنا جميعًا شعوبًا وجغرافيا، فضاءً غير متحضّر، يحتاج دائمًا إلى وصاية، وإلى من يهذّبه ويرشده، ويوجهه، وقد وضعوا أنفسهم في تلك المكانة المرشدة والموجهة والمديرة، لأننا وفقًا لهم، عاجزون عن حكم أنفسنا أو بناء دولنا المستقلة.

هذا الخطاب ليس جديدًا على الذهنية الغربية، إنه امتداد مباشر للفكر الاستعماري الذي ساد أوروبا منذ قرون، حين كانت القوى الاستعمارية الكبرى تبرر احتلالها للشعوب بشعارات من قبيل نشر الحضارة وتمدين البرابرة وأخيرًا نشر الديمقراطية!! واليوم، وإن تبدّلت اللغة وتغيّرت الأدوات، إلا أنَّ الجوهر لم يتبدل؛ فما زالت منطقتنا وشعوبها في نظرهم ميدانًا رحبًا للفوضى والجهل والانقسام، وما زالوا يرون أنفسهم أصحاب رسالة إنقاذية، لحماية النظام العالمي، من ما يُسمى بالاضطراب والغوغاء الشرقي.

ومن هنا فإنَّ الأمر لا يبدو مستغربًا أن يتحدث دبلوماسي أمريكي، لم يستعر هذه العجرفة والوقاحة التي هي امتداد لجذور أجداده، بمثل هذا التبجح، فهو يعبّر عن إحساس متجذر بالغطرسة التي تشعره بالتفوق والهيمنة.

غير أنَّ الأخطر من هذا القول وأمثاله، هو ما يترتب عليه من فعل؛ فالولايات المتحدة ومعها القوى الغربية لم تنظر يومًا إلينا بوصفنا شركاء نِدًّا لها، بل بوصفنا ملعبًا كبيرًا للنفوذ والمصالح، فعندما يرى صانع القرار الأمريكي أن المنطقة مجرد تجمعات عشائرية لا ترقى إلى مستوى الدولة، يصبح من الطبيعي أن يتعامل معها على هذا الأساس، فهو يقيم تحالفاته على أسس طائفية وقبلية، ويغذّي الانقسامات الداخلية، ويفرض وصايته السياسية والاقتصادية والعسكرية، من منطلق أنه "الوصي على هذه التجمعات والقرى المتناحرة".

هذا هو تمامًا ما شهدته وتشهده العديد من الدول العربية بعد ما سُمّي بـ الربيع العربي، وفوضوية كونداليزا رايس الخلاّقة؛ حيث تم تفكيك المؤسسات الوطنية، والتلاعب بالبُنى الاجتماعية وإنشاء الثورات بعد تجميع كل الخارجين عن القانون والمجرمين والمطلوبين للعدالة، لقيامهم بما يخدم استمرار الفوضى وضمان خضوع المنطقة لإرادة الخارج.

وعلى صعيد الصراع العربي الإسرائيلي، فإن هذه النظرة الاستعلائية تمثل الركيزة الأساسية للسياسة الأمريكية في حماية دويلة الكيان المحتل. فعندما يُختزل الشرق الأوسط في مجموعة قبائل، يسهل تبرير دعم دولة الاحتلال باعتبارها الجزيرة المتحضرة وسط بحر من البدائية والتخلف. هذا المنطق يُستخدم لتبرير كل الجرائم الإسرائيلية تحت شعارات براقة مثل الدفاع عن الديمقراطية ومحاربة الإرهاب، فيما يُصوَّر الفلسطينيون والعرب عمومًا على أنهم غير مؤهلين لبناء دولة، ولا يفهمون سوى لغة القوة.

ثم إنَّ هذه النظرة لا تقتصر على الخطاب، بل تتجسد في الممارسة السياسية اليومية: في الدعم العسكري غير المحدود لإسرائيل، وفي التغطية الدبلوماسية على جرائمها في غزة والضفة، وفي تعطيل أي تحرك أممي لمحاسبتها. إنها سياسة قائمة على معادلة راسخة، تتمثل في تفوق "المدني الغربي" مقابل "تخلّف الشرقي"، وعلى أساس هذه المعادلة تُصاغ القرارات وتُبنى المواقف.

لقد أثبتت التجارب أن الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، لا يريد لهذه المنطقة أن تنهض أو تستقر، فالفوضى تخدم مصالحه، والانقسامات تحمي وجود إسرائيل، والضعف السياسي والاقتصادي يفتح الأبواب أمام هيمنته. ومن هنا يمكن فهم تصريحات توماس براك؛ باعتبارها جزء من سياسة إعلامية ودبلوماسية تهدف إلى تكريس صورة العربي ككائن فوضوي لا يعرف الانضباط ولا يستحق السيادة، وبالتالي فهو بحاجة دائمة إلى الوصاية الغربية.

المفارقة أن هذا الخطاب يجد صدى لدى بعض النخب المحلية التي تتبنى المفاهيم الغربية دون وعي بجذورها، فتُعيد إنتاجها داخليًا في شكل جلد للذات وترديد لاتهامات التخلف، متناسية أن جانبًا كبيرًا من هذا الواقع هو نتاج مباشر لتدخلات الغرب نفسه. فالاستعمار القديم رسم حدود الدول بطريقة تُبقي على النزاعات، والسياسة الأمريكية الحديثة دعمت أنظمة استبدادية مقابل ضمان المصالح، ثم عادت لتدين الشعوب حين ثارت على تلك الأنظمة.

إن ما قاله توماس براك ليس إهانة متكررة وكفى- وما أكثر إهاناتنا- بل تلخيص لعقيدة سياسية ترى في منطقتنا حديقة خلفية للمصالح الغربية، وفي شعوبنا أدوات يمكن تحريكها وفق الحاجة. والوعي بهذه الحقيقة هو الخطوة الأولى لمواجهتها، لأنَّ التصدي للهيمنة يبدأ من إدراك آلياتها الفكرية واللغوية. فالمعركة ليست بالسلاح فقط، بل بالكلمة والمعنى؛ إذ إن من ينجح في تصويرك كفوضوي يُبرر لنفسه كل أشكال السيطرة عليك.

إن استعادة الكرامة السياسية تبدأ من إعادة تعريف الذات، من إدراك أن شعوب المنطقة ليست عشائر مُتناحرة، بل أمم تملك تاريخًا عريقًا وثقافة عميقة وذاكرة نضالية لا تنطفئ. أما أولئك الذين يرون فينا قرى بلا دول، فليتذكروا أن تلك القرى أنجبت حضارات غيّرت وجه التاريخ، وأن تلك العشائر قاومت الغزاة عبر القرون.

الغرب اليوم يملك القوة، لكنه لا يملك الحقيقة، والحقيقة أن الشعوب التي تُهان وتُحتقر، تحمل في داخلها بذور ثوراتها المقبلة، تمامًا كما حملت هذه المنطقة عبر تاريخها الطويل وجعها وإصرارها على الحياة. بقي أن نُذّكر بأن على النخب التي لم تنشغل خلال مرحلتنا الكسيحة هذه، أكثر من انشغالها بجلد الذات، أن تستيقظ وأن تقوم بواجباتها الوطنية الحقة، بدلًا من الندب والضرب على الأكف.

مقالات مشابهة

  • نوبل في ظلال السياسة
  • العدّ التنازلي بدأ.. غلق باب الترشح لانتخابات النواب اليوم في الثانية ظهرًا
  • “نايكي” تجمع مو فرح و وينفريد يافي مع عدّائي الإمارات
  • تغيير كبير في نظام دوري أبطال أوروبا وحقوق البث التلفزيوني
  • بدأ العد التنازلي.. موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 في مصر
  • العد التنازلي بدأ.. المتحف المصري الكبير يستعد لإبهار زواره بكنوز الفرعون الذهبي
  • يويفا يغير نظام دوري أبطال أوروبا ويميز البطل
  • يويفا: مباراة افتتاحية وحفل عالمي في ثوب جديد لدوري الأبطال 2027
  • العدّ التنازلي بدأ.. كشف موعد دخول ساركوزي السجن
  • النظرة الاستعمارية.. من جوهر السياسة إلى توماس براك؟