لم تتوقف التهديدات الإسرائيلية باستئناف القتال منذ بداية الهدنة التي جرى الاحتفاء بإنجازها في شرم الشيخ، والتي اعتبرها الموقعون عليها حدثًا تاريخيًا هندسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
بعد استلام الأسرى الإسرائيليين الأحياء، ارتفعت وتيرة التهديدات باستئناف القتال، ورافقت هذه التهديدات غارات وقصف وإطلاق نار أدى إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين، من بينهم أطفال.
الحجة هي “التأخر والمماطلة في تسليم جثث الأسرى الإسرائيليين”، علمًا أن الأمر كان واضحًا ويعرفه الوسطاء والعالم، وهو أن المقاومة تحتاج إلى وقت طويل لمعرفة مكان دفن كل جثة، ومن ثم رفع الأنقاض لإخراجها، ربما من أماكن على عمق كبير داخل أنفاق جرى تفجيرها، وتحتاج إلى عتاد ثقيل. حتى ترامب نفسه أعلن أن هذا قد يستغرق وقتًا.
بلا شكّ أن المقاومة معنيّة أكثر من الاحتلال باستمرار وقف إطلاق النار، وذلك نتيجة لاختلال توازن القوى الهائل في العتاد والدعم الخارجي.
فالمقاومة ليس لديها أي دعم خارجي من أي طرف معلن، وهي محاصرة منذ سنوات، بينما يحظى الاحتلال بدعم غير محدود بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، إضافة إلى سلاح التجويع المحرّم بحسب القانون الدولي، الذي استخدم وما زال يُستخدم للضغط على الجماهير المحاصَرة، لتحريضها وتثويرها على المقاومة.
يشعر نتنياهو بأنه لم يحقق الأهداف المعلنة وغير المعلنة للحرب، رغم الدمار الهائل وجرائم الإبادة التي مارسها الاحتلال، فهو يطمح إلى أكثر من ذلك. أما الاحتفال في شرم الشيخ الذي لم يحضره، وقيل إن رجب طيب أردوغان هدّد بعدم الحضور إذا حضر نتنياهو، فالأرجح أن نتنياهو نفسه لم يُرِد الحضور كي لا يظهر ضعيفًا ينفّذ إملاءات ترامب أمام الجمهور اليميني المتطرف.
من ناحيته، هدّد ترامب المقاومة بأنه يمتلك معلومات تفيد بأن حماس تستعد لمهاجمة فلسطينيين مدنيين في قطاع غزة، وبأنه لن يسمح لهذا الأمر أن يحدث، وسيردّ عليه.
يقصد بهذا عملاء الاحتلال الذين سلّحهم الاحتلال بهدف زعزعة النظام العام، وإحداث الفوضى في قطاع غزة، ونهب المساعدات قبل وصولها إلى مستحقيها، وبالتالي زيادة الضغط على المقاومة وإرباكها والتربّح على حساب الجياع.
تصريح ترامب يعني أن المخطط المرسوم هو أن تتسلّم تصريف الأمور في قطاع غزة قوى عميلة لإسرائيل بعد نزع سلاح المقاومة، وهذا كما يبدو باتفاق أطراف عربية، وهو تمهيد للموافقة على استئناف القتال في حال رفضت حماس نزع سلاحها.
إلا أن استئناف القتال لن يكون على صورة الحرب الشاملة كما كانت، بل يسعى نتنياهو لأن يجعلها على نموذج الهجمات في جنوب لبنان، حيث تجري عمليات اغتيال انتقائية من خلال الغارات أو التوغلات المحدودة وإقامة نقاط تمركز جديدة. بمعنى أنه لن يتيح للمقاومة أن تعيد بناء قوتها وقبضتها على القطاع كما كانت قبل الحرب، وفي الوقت ذاته يريد أن يبدو ملتزمًا – ولو شكليًا – بوقف القتال، خصوصًا بعد المظاهرات التي اجتاحت العالم ضد الحرب، وأعادت فلسطين، رغم أنفه، إلى جدول الأعمال العالمي بعدما ظنّ أنها فرصته لإنهائها إلى الأبد، إضافة إلى مظاهرات في أقطار عربية مثل المغرب باتت تهدّد استقرار أنظمة التطبيع وما يسمى باتفاقات أبراهام.
نتنياهو يريد أن يربح الدارين: أن يواصل حربه على المقاومة حتى استسلامها ونزع سلاحها وتدمير ما لم يُدمّر بعد، وأن ينصّب عملاء لإدارة القطاع، وفي الوقت ذاته يريد الظهور أمام العالم، وخصوصًا الحلفاء الواضحين مثل نظام السيسي، والمتخفّين وراء الأقنعة والمطبّعين، ودول صديقة مثل فرنسا وبريطانيا، بأنه لم يبادر إلى خرق الاتفاق الذي احتفوا به كإنجاز تاريخي عظيم.
لن تكون هدنة بالمعنى التقليدي الذي يعني وقف إطلاق نار شامل حتى النهاية، بل يريدها هدنة من طرف واحد؛ أن ينفّذ عمليات اغتيال، ويواصل التحكّم بالمعابر والمساعدات، وفي الوقت نفسه يظهر كملتزم برغبة ترامب وحلفائه العرب بعدم استئناف الحرب الشاملة. يأمل من خلال تلاعبه هذا أن يخفّف من الحملات الدولية المؤيدة لفلسطين، وأن يوقف الزحف الأممي الذي تجلّى في “أساطيل الحرية والصمود” لكسر الحصار على قطاع غزة، وأن يحقّق حالة من الاسترخاء ووقف الموجة العظيمة من التضامن الأممي مع الشعب الفلسطيني.
إلا أن المقاومة لن تستطيع تحمّل الاعتداءات بلا نهاية، رغم محاولتها المداراة، ومن المرجّح أنها ستضطر إلى الرد على الاعتداءات لتحفيز الوسطاء على القيام بدورهم في إلزام الاحتلال بوقف اعتداءاته، وهذا ما يبقي الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات.
كاتب فلسطيني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بن غفير يطالب نتنياهو باستئناف الحرب فورًا على غزة
طالب وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الأحد، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإصدار توجيه إلى جيش الاحتلال باستئناف كامل للقتال في قطاع غزة.
وقال بن غفير، على حسابه في منصة "إكس": "أدعو رئيس الوزراء أن يأمر الجيش الإسرائيلي باستئناف كامل للقتال في القطاع بكامل شدته".
وزعم: "الأوهام الزائفة بأن حماس ستغير جلدها، أو أنها حتى ستلتزم بالاتفاق الذي وقّعته، تتبيّن، كما كان متوقعا، بأنها خطيرة على أمننا".