الجزيرة:
2025-10-20@00:20:28 GMT

هل ستنقل إسرائيل الحرب إلى سوريا؟

تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT

هل ستنقل إسرائيل الحرب إلى سوريا؟

مع نهاية الحرب على غزة، يتطلع العالم إلى بزوغ فجر جديد في المنطقة يقوم على السلام والاستقرار، وهذا ما عبر عنه الرئيس الأميركي صراحة في خطابه في شرم الشيخ، وعبّر عنه زعماء المنطقة والعالم عبر حضورهم التوقيع على اتفاق إنهاء الحرب.

لكن الأمور قد لا تبدو على هذه الدرجة من التفاؤل، في ظل حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل، تحاول الهروب إلى الأمام دائما من استحقاقات داخلية عديدة تنتظرها، وتعتقد أنها أمام فرصة قوية لتغيير البيئة الإستراتيجية للمنطقة، بعد فشلها الذريع على المستوى الإستراتيجي في غزة، حيث انتهت الحرب بعد عامين بخسائر سياسية واقتصادية وجيوسياسية كبيرة، لن يعوضها دمار غزة ولا قتل عشرات آلاف الفلسطينيين، إذ على عكس ما أرادت إسرائيل، لم تشكل حرب السنتين أية قيمة إضافية على المستوى الجيوسياسي، بقدر ما خصمت من أرصدة إسرائيل ووزنها الإقليمي والعالمي.

يضاعف هذا الوضع من طاقة الجنون لدى النخبة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، ويدفعها للبحث عن جولات عنف جديدة في المنطقة، وتصريف فائض القوّة، أو توظيفه لتحقيق منجز إستراتيجي ملموس، وتبدو سوريا واحدة من أهم الساحات في نظر قادة التطرف الإسرائيلي، التي لديها القابلية لتفريغ شحنات التطرف الصهيوني.

لماذا سوريا؟

أثبتت المرحلة الماضية مركزية سوريا في التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي لأسباب عديدة.

أولا: تشكّل سوريا قلب مشروع إسرائيل الجيوسياسي القائم على أساس تغيير الشرق الأوسط، فالتغيير الذي تقصده إسرائيل، من خلال تصريحات مسؤوليها، يقوم على أساس تفكيك دول المنطقة وخلق كيانات صغيرة على أسس عرقية وطائفية.

وتعتبر سوريا حالة مثالية لتطبيق الرؤية الإسرائيلية، نظرا لترابطها الاجتماعي والجغرافي مع العراق وتركيا، وتشبهها إيران إلى حد بعيد في الفسيفساء العرقية والطائفية، وبالتالي فإن ديناميكيات التغيير في سوريا ستنتقل تداعياتها إلى باقي دول المنطقة المذكورة، التي تشكل ركائز أساسية في الشرق الأوسط.

إعلان

ثانيا: تجتمع مشاريع إسرائيل العملانية في سوريا دون سواها من دول المنطقة، مثل ممر داود، والممر الإنساني لمحافظة السويداء، والمنطقة العازلة في الجنوب.

هذه المشاريع، إما أن إسرائيل بدأت بتنفيذها على أرض الواقع مثل مشروع المنطقة العازلة في جنوب سوريا، وخصصت موارد عسكرية لتحقيقها، أو أنها ما زالت في طور التصميم النظري، وتنتظر إسرائيل الفرصة لتحقيقها على أرض الواقع، مثل "ممر داود" و" إسرائيل الكبرى".

ثالثا: رخاوة الساحة السورية وهشاشتها تشكل محفزا للتدخل، إذ لا تزال سوريا مرشحة لاحتمالات كثيرة، على الأقل في تقدير المؤسسة الإسرائيلية، ولم تغادر ذهنية قادة إسرائيل فكرة أن سوريا تشكّل مختبرا لموازين القوى في المنطقة، وأرضا صالحة لبناء المعادلات الجديدة، إذ ما زالت تحت سيطرة أربعة جيوش تتنافس جميعها على أن يكون لها دور في الترتيبات القادمة على مستوى المنطقة، ولا تزال الأوضاع في سوريا تنطوي على قابلية للتفجّر جراء التصدع الحاصل بين مكوناتها، وحالة الاستعصاء السياسي المقيمة بين الفاعلين المحليين.

رابعا: ذريعة الفراغ، فقد صنعت إسرائيل الفراغ في جنوب سوريا، عبر منعها سلطات دمشق من إعادة تمركزها لضبط وإدارة المنطقة،  وتستخدم إسرائيل ذريعة الفراغ الأمني لبقائها، وتطوير عملياتها باتجاه تنفيذ مشاريعها في اللحظة المناسبة.

الطريق إلى الحرب

صمّمت إسرائيل وضعا استثنائيا في سوريا يقوم على خيارين لا ثالث لهما، إما الحرب أو الاستسلام المهين إلى أبعد درجة، بما يتضمنه ليس من تنازل على الجولان فحسب، بل ومناطق واسعة من الجنوب السوري، اعتمادا على قاعدتين: قدرة إسرائيل وضعف سوريا، وأن إسرائيل هي التي هندست الوضع الحالي عبر إسقاطها نظام الأسد وتدمير أذرع إيران في سوريا، يُضاف لذلك ادعاؤها أن قبضة السلطة الحالية على الأوضاع الأمنية هشّة إلى حد بعيد ما يجعل من إمكانية عودة النفوذ الإيراني إلى جنوب سوريا أمرا محتملا بدرجة كبيرة، ومن ثم فإن إسرائيل ليست على استعداد للجلوس وانتظار تشكّل المخاطر في جنوب سوريا.

شكّلت تلك الذرائع أثقالا كبلت الموقف التفاوضي الإسرائيلي وأفقدته المرونة اللازمة للتوصل إلى اتفاق أمني مع سوريا، طالما تم التبشير به في الآونة الأخيرة، وقد كان اختراع مسألة فتح معبر للسويداء مخرجا لإسرائيل للهرب من توقيع الاتفاق مع دمشق.

وقد بدا هذا الأمر ملحوظا من خلال تصريحات ضباط الموساد السابقين وبعض جنرالات الجيش المتقاعدين، الذين يستطيعون قول أشياء لا يستطيع من ما زالوا في الخدمة قولها؛ لأنها ستصبح تصريحات رسمية تعبر عن موقف الحكومة.

وقد أكد جميع هؤلاء أن ليس لإسرائيل مصلحة في التوصل لاتفاق أمني مع سوريا في هذه المرحلة؛ لأنه سيكبل يديها في الحركة، كما أنه سيدفعها إلى تقديم تعهدات بالانسحاب من الشريط الحدودي دون الحصول على مكاسب موازية، ومن نفس وزن سيطرتها على قطاع واسع من جنوب سوريا، ووضعها العاصمة دمشق تحت تهديد النيران الإسرائيلية، والسيطرة على خزان مائي كبير في القنيطرة، ودرعا، مقابل ندرة المخاطر ضد إسرائيل، في ظل سحب الأسلحة وتفكيك الأطر الفصائلية، وبالتالي فليست هناك أي ضرورة عملياتية للتنازل عن مكاسب جيوسياسية ثمينة.

إعلان

لكن هذا التقدير الإسرائيلي، وإن كان مبنيا على معطيات، الجزء الأكبر منها صحيح، لكنها تبقى معطيات راهنية ولا يجوز على ضوئها تأسيس وضع عسكري في جنوب سوريا، بل إن استمرار هذا الوضع من شأنه أن يولّد ديناميكيات تقاوم المعادلة التي تحاول إسرائيل تثبيتها.

كما أن أي نظام في دمشق، ومهما كانت توجهاته، سيجد نفسه مضطرا لخيارات قاسية إن لم يتمكن عبر التفاوض والوساطة من الخروج من هذا الوضع، حيث يزداد إطباق إسرائيل على العاصمة، عبر قضم الريف المحيط بها، ما يضعف بشكل كبير مرونة القيادة السورية ويطيح ببراغماتيتها على الأرض، لتصبح الحرب حينها الخيار الوحيد والإجباري إذا استمرت إسرائيل على هذا المسار.

هل يمكن المراهنة على خطط ترامب؟

تسعى إدارة ترامب إلى تشكيل نظام أمني جديد في الشرق الأوسط، مدفوعة باعتبارات جيوسياسية فرضتها تصورات استمرار الهيمنة على مفاصل العالم، وسيحل النظام الأمني الجديد مكان النظام السابق الذي تأسس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، وانتهت مفاعيله، بل وصل إلى مأزق بعد الحروب الإسرائيلية الأخيرة في المنطقة.

ويظهر من خلال التسهيلات التي تقدمها إدارة ترامب للنظام السوري الجديد، أن سوريا جزء من هذا النظام، سواء نتيجة رغبة الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة، أو لحسابات أميركية تتعلق بتحييد التأثيرات الإيرانية والروسية عن سوريا.

لكن، لا يمكن أخذ تودّد واشنطن لدول المنطقة كضامن لردع إسرائيل عن سوريا، في النهاية جميع الأطراف الحليفة لواشنطن ترتبط معها بتفاهمات أمنية وسياسية عميقة، كما لا يمكن الاتكال على حماسة ترامب في وقف الحرب الإسرائيلية على غزة وإدراجها على الواقع السوري، فالحرب على غزة، على الأقل في نظر إدارة ترامب لم تعد ذات أهمية كبيرة، بل بالعكس باتت خسائرها على الأميركيين والإسرائيليين أكبر من مكاسبها.

بالإضافة لذلك، فإن واشنطن تؤيد شكل ومضمون الاتفاق الأمني بين إسرائيل وسوريا بالشروط التي تريدها إسرائيل، وليس وفقا للمنطق السياسي وقواعد القانون الدولي، وبالتالي لن تُعارض الضغط الإسرائيلي على النظام السوري الجديد، بدليل أن واشنطن لم تعترض، حتى لو بالكلام، على انتهاك السيادة السورية رغم انتفاء المبررات، ما يعني أن واشنطن تفصل بين مسار إنشاء النظام الأمني الشرق أوسطي، وبين مصالح إسرائيل الأمنية في سوريا.

يكمن الخطر الأساسي على سوريا في استمرار التركيبة اليمينية المتطرفة في حكم إسرائيل، ومنذ سيطرتها على الحكومة، لم تخفِ أنها تتعاطى السياسة انطلاقا من النهج التوراتي.

وفي ظل اكتساح الفكر الإنجيلي وسيطرته على مراكز القرار الأميركية، لا يمكن الركون لأحلام ترامب الوردية، ولا سيما تجاه سوريا، ما دامت كل مشاريع حكومة اليمين المتطرف في سوريا تقوم على أساطير توراتية مثل" ممر داود" و" جبل باشان" و"إسرائيل الكبرى" التي ترى في السيطرة على دمشق مهمة دينية مقدسة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات فی جنوب سوریا فی المنطقة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

سوريا تتفاوض على قواعد روسية وتسعى لاتفاق أمني مع إسرائيل

صراحة نيوز- قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أمس السبت، إن القواعد الروسية في سوريا يجري التفاوض بشأنها حالياً، مؤكداً رغبة بلاده في التوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل «يراعي هواجسها الأمنية» دون التفريط في أي شبر من أراضيها.

وأضاف خلال مقابلة تلفزيونية أن الجانبين السوري والروسي ناقشا جميع الملفات، بما في ذلك مصير الرئيس السابق بشار الأسد والضباط الهاربين، خلال زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو، إلى جانب العلاقات المستقبلية وآفاق التعاون بعد تجاوز النقاط الخلافية.

وشدد الشيباني على رفض سوريا لأي شكل من أشكال التقسيم أو الفيدرالية، معرباً عن أسفه لغياب «قوات سوريا الديمقراطية» عن مؤسسات الدولة، معتبراً أن ذلك «يعمّق الشرخ» بينها وبين الحكومة.

وتطرق إلى الممارسات الإسرائيلية، مؤكداً أن إسرائيل حاولت فرض واقع جديد ومشروع توسعي مستغلة التغيير في سوريا، ووصفها بأنها «تعزّز عدم استقرار البلاد»، مشدداً على تمسك دمشق بانسحاب القوات الإسرائيلية لما قبل الثامن من ديسمبر الماضي.

وأشار الشيباني إلى أن سوريا تسعى لاتفاقية أمنية تحترم السيادة الوطنية، تراعي الهواجس الأمنية للطرفين، معرباً عن أمله في تخفيف التوتر مع إسرائيل بما يسهّل عملية إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في البلاد.

مقالات مشابهة

  • قوة للعدو الإسرائيلي تتوغل في ريف القنيطرة جنوبي سوريا وتستجوب المدنيين
  • قوة إسرائيلية تتوغل في القنيطرة السورية
  • الاحتلال يحبط تهريب أسلحة في منطقة جبل الشيخ على الحدود بين سوريا ولبنان
  • سوريا تتفاوض على قواعد روسية وتسعى لاتفاق أمني مع إسرائيل
  • نتنياهو: سنبقى في سوريا ونريد الجنوب مجردا من السلاح
  • العدو الإسرائيلي يواصل عمليات التجريف والتوغل جنوبي سوريا
  • العدو الإسرائيلي يدشن عربدته الميدانية جنوب سوريا
  • الجيش الإسرائيلي يعلن قتل قادة في جنوب لبنان
  • حزب الله عاد إلى سوريا؟ إقرأوا آخر تقرير إسرائيلي!