منذ بداية الحديث عن "ترتيبات اليوم التالي" للحرب على غزة، تحوّل النظر تدريجيا نحو الضفة الغربية، بوصفها الجبهة التالية في مشروع إعادة تشكيل المشهد الفلسطيني. فبينما تنشغل الأطراف الدولية بخطط إعادة إعمار القطاع، يجري على الأرض في الضفة ما يبدو أنه إعادة هندسة أمنية وسياسية تمهّد لواقع جديد.

الضمّ الزاحف بلا إعلان

مصادقة الكنيست الإسرائيلي مؤخرا على مشروع قانون لضمّ أجزاء من الضفة وفرض السيادة على مستوطنة معاليه أدوميم ليست حدثا معزولا، بل حلقة في مسار متدرّج من "الضمّ الزاحف".

فإسرائيل تدرك أن لحظة ما بعد غزة هي فرصة ذهبية لتكريس وقائع جديدة في الضفة، مستفيدة من انشغال العالم بالقطاع ومن ضعف الموقف الفلسطيني الرسمي. فالجيش الإسرائيلي أعلن بالتزامن عن نشر كتائب نظامية إضافية في الضفة "بدلا من قوات الاحتياط"، في إشارة إلى نية ترسيخ الوجود العسكري الدائم وتوسيع الحماية للمستوطنات. الحديث عن "سلطة فلسطينية مُجددة" و"إصلاحات" لا يُفهم إلا في سياق ضمان السيطرة على الضفة، ومنع تمدد أي نموذج مقاوم قد يخرج من غزةتصريحات رئيس الأركان إيال زامير بأن "الحرب لم تنته بعد، والتحديات الكبرى في الضفة" تكشف بوضوح أن جبهة غزة لا تُفصل عن جبهة الضفة، بل تُدار ضمن رؤية أمنية موحّدة.

"اليوم التالي".. بأجندة أمنية

في الخطاب الدولي، يتكرّر مصطلح "اليوم التالي لغزة" بوصفه إطارا إنسانيا وسياسيا لإعادة الإعمار، لكن خلف اللغة الناعمة تختبئ أجندة أمنية تسعى لضبط الفلسطينيين لا لتمكينهم. فالحديث عن "سلطة فلسطينية مُجددة" و"إصلاحات" لا يُفهم إلا في سياق ضمان السيطرة على الضفة، ومنع تمدد أي نموذج مقاوم قد يخرج من غزة. فالولايات المتحدة وبعض الدول العربية تتحرك ضمن مقاربة "الترتيب بدل التفاوض"، أي فرض أمر واقع إداري وأمني يُمكّن السلطة الفلسطينية من أداء دور وظيفي، دون منحها سيادة حقيقية. وهكذا يتحوّل مشروع "إعادة الإعمار" إلى أداة سياسية لترويض الكيان الفلسطيني وإعادة إنتاجه.

الضفة في مرمى الهندسة الجديدة

التحولات الميدانية في الضفة تسير بخطى متسارعة: توسع استيطاني غير مسبوق، ومصادرة أراضٍ، وإنشاء شوارع التفافية تقطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها. كل ذلك يجري بينما يضعف الحضور السياسي الفلسطيني، وتنشغل القيادة في رام الله بالردّ الدبلوماسي دون امتلاك أدوات فعل ميداني. نجاح إسرائيل في فرض ترتيباتها الأمنية في القطاع سيعني عمليا نهاية فكرة الدولة الفلسطينية الواحدة، وتكريس نموذج "الإدارة المحلية" بدل السيادة الوطنيةإن ما يجري ليس مجرد "ضبط أمني"، بل تحويل تدريجي للضفة إلى مناطق إدارية متناثرة تُدار عبر ترتيبات أمنية مزدوجة؛ إسرائيلية- فلسطينية، وربما عربية، في بعض المناطق الحساسة مثل أريحا أو شمال الخليل.

وهْم الفصل بين غزة والضفة

تسعى إسرائيل إلى تكريس "وهم غزة"، أي جعل القطاع بؤرة الانتباه الدائمة، بحيث تغيب الضفة عن الرادار السياسي والإعلامي. غير أن هذا الفصل غير واقعي، لأن مصير غزة والضفة مترابط وجوديا: فنجاح إسرائيل في فرض ترتيباتها الأمنية في القطاع سيعني عمليا نهاية فكرة الدولة الفلسطينية الواحدة، وتكريس نموذج "الإدارة المحلية" بدل السيادة الوطنية.

خاتمة: ما بعد الحرب ليس سلاما

الضفة الغربية اليوم تدخل مرحلة إعادة تعريف شاملة، لا بفعل اتفاق سياسي بل بفعل سياسة الأمر الواقع. وإذا لم ينبثق من الداخل الفلسطيني مشروع وطني جديد يربط بين غزة والضفة كجبهة واحدة، فإن "اليوم التالي" لن يكون سوى استمرار للحرب بوسائل أخرى؛ حرب على الأرض والهوية والذاكرة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة الضفة الفلسطيني الإسرائيلي إسرائيل فلسطين غزة الضفة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الیوم التالی فی الضفة

إقرأ أيضاً:

رمز الهوية والصمود.. الزيتون الفلسطيني في مرمى الاستيطان الإسرائيلي

تتصاعد وتيرة اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين ضد المزارعين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، خاصة مع انطلاق موسم قطف الزيتون، الذي يُعدّ رمزًا راسخًا للهوية والصمود الفلسطينيين، حسبما أفادت وكالة "رويترز".

158 اعتداءً من قبل المستوطنين على بساتين الزيتون والمزارعين

ووفقًا لبيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية، سجلت الضفة الغربية منذ مطلع أكتوبر 158 اعتداءً من قبل المستوطنين، استهدفت بساتين الزيتون والمزارعين في مختلف المناطق. 

وتشير أرقام مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى زيادة بنسبة 13% في هجمات المستوطنين خلال الأسبوعين الأولين من موسم الحصاد لعام 2025 مقارنة بالعام الماضي.

وتُعد الضفة الغربية موطنًا لنحو 2.7 مليون فلسطيني، وكانت على مدى عقود محورًا أساسيًا في خطط إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. إلا أن التوسع الاستيطاني المتسارع أدى إلى تفتيت الأراضي الفلسطينية وتقويض فرص الحل السياسي، في وقت تعتبر فيه معظم الدول المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو ما تنفيه إسرائيل باستمرار.

ويقول ناشطون ومزارعون إن الهجمات على المزارعين وأشجار الزيتون ازدادت حدّة منذ اندلاع الحرب على غزة قبل عامين.

ويؤكد أدهم الربيعة، أحد النشطاء في شمال الضفة، أن "شجرة الزيتون ليست مجرد مصدر رزق، بل رمزٌ للصمود الفلسطيني والتشبث بالأرض".

وفي بلدة ترمسعيا، شمال رام الله، فقدت عشرات العائلات بساتينها بعد قيام المستوطنين بقطع مئات أشجار الزيتون. وتروي عفاف أبوعليا، البالغة من العمر 55 عامًا، كيف أُجبرت عائلتها على مغادرة قريتها المغير بعد أن دمّر المستوطنون بستانهم الذي يضم أكثر من 500 شجرة. 

وتقول إنهم اضطروا للعمل في أراضٍ أخرى مقابل الحصول على جزء من المحصول لتعويض خسائرهم.

من جهته، أوضح مرزوق أبونعيم، عضو المجلس المحلي، أن "الأوامر العسكرية الإسرائيلية إلى جانب اعتداءات المستوطنين أغلقت معظم الطرق المؤدية إلى بساتين الزيتون"، ما حرم المزارعين من جني محصولهم السنوي. 

وأضاف أن هذا الوضع تسبب في خسائر اقتصادية كبيرة، وأدى إلى "تأجيل بعض الشباب دراستهم الجامعية، فيما أصبحت اللحوم ترفًا نادرًا على موائد العديد من الأسر".

وحسب وزارة الزراعة الفلسطينية، ارتفعت الخسائر المالية لمزارعي الضفة الغربية بنسبة 17% منذ بداية عام 2025 وحتى منتصف أكتوبر مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في حين تقول هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إن أكثر من 15 ألف شجرة تعرضت للاعتداء منذ أكتوبر 2024.

أما الجيش الإسرائيلي فقد برر قطع آلاف الأشجار بـ"أسباب أمنية"، مدعيًا أنه أزال نحو 3000 شجرة "لتحسين الدفاعات"، في حين يؤكد السكان أن الرقم أكبر بكثير.

وفي تقريره الأخير، قال أجيث سونغاي، رئيس مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، إن "المستوطنين نفذوا اعتداءات ممنهجة تشمل حرق البساتين وتدمير المنازل والبنية التحتية الزراعية"، مؤكدًا أن الاعتداءات تجري غالبًا بموافقة ودعم من قوات الأمن الإسرائيلية، وأحيانًا بمشاركتها المباشرة، دون أي محاسبة.

ورغم إعلان مجلس ماتي بنيامين الإقليمي، المشرف على المستوطنات الإسرائيلية في منطقة ترمسعيا، إدانته العنف "بكل أشكاله"، فإن المزارعين الفلسطينيين يرون في هذه التصريحات محاولة لتجميل الواقع، مؤكدين أن الهجمات اليومية تهدد موسم الزيتون، الركيزة الأساسية للزراعة الفلسطينية التي تمثل 8% من الناتج المحلي الإجمالي وتؤمّن أكثر من 60 ألف وظيفة في الضفة الغربية.

مقالات مشابهة

  • رمز الهوية والصمود.. الزيتون الفلسطيني في مرمى الاستيطان الإسرائيلي
  • رئيس المخابرات العامة وأمين المبادرة الوطنية الفلسطينية يبحثان جهود مصر للتوافق الفلسطيني.. وترامب: إسرائيل ستفقد كل الدعم الأمريكي إذا ضمت الضفة الغربية| أخبار التوك شو
  • كحدث مميز.. مناقشة القضية الفلسطينية في مجلس الأمن اليوم (تفاصيل)
  • شفيق التلولي: الدبلوماسية الفلسطينية والعربية أعادت صياغة الوعي العالمي
  • هل تنجح زيارة مبعوثي ترامب في تثبيت وقف إطلاق النار؟ | خبير يجيب
  • مستشار رئيس الإمارات محذرا الاحتلال: أي ضم للأراضي الفلسطينية خط أحمر
  • مجلس الأمن يناقش الأوضاع السياسية والإنسانية في سوريا اليوم
  • وزارة التعليم الفلسطينية: مقتل 20 ألف طالب منذ 7 أكتوبر
  • الاحتلال يكبّد الزراعة الفلسطينية خسائر باهظة