الحوثيون يحاولون تبييض جرائمهم بتزييف مأساة الصيادين في كمران
تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT
في مشهدٍ يعكس أقصى درجات القسوة واللاإنسانية، تحوّل يوم الصيد المعتاد لعددٍ من أبناء جزيرة كمران في محافظة الحديدة إلى فاجعة مأساوية، حين دوّى انفجار مفاجئ في عرض البحر، أنهى حياة ثلاثة صيادين من أسرة واحدة، كانوا يسعون لتأمين قوت يومهم.
الأمواج أعادت جثثهم الهامدة إلى الشاطئ، لكنّ آلة التضليل الحوثية لم تكتفِ بقتلهم، بل سعت إلى طمس معالم الجريمة وتزوير الحقيقة، عبر نشر صورهم وهم يرتدون زيًّا عسكريًا في محاولة لإيهام الرأي العام بأنهم قُتلوا في القتال لا في صيد السمك.
هذه الحادثة المؤلمة تلخص مأساة اليمنيين العالقين بين الألغام والدعاية، إذ يجد المدني نفسه هدفًا مزدوجًا: مرةً لانفجارٍ لا يميّز بين جندي وصياد، ومرةً أخرى لتزييفٍ يُحوّله من ضحية إلى متهم.
أكد وكيل أول محافظة الحديدة، وليد القديمي، أن الصيادين الذين استشهدوا يوم الخميس في جزيرة كمران نتيجة انفجار ألغام بحرية زرعتها ميليشيا الحوثي، مدنيون أبرياء وليسوا مقاتلين كما زعمت المليشيا.
وقال القديمي، في تدوينة على منصة "إكس"، إن المليشيا نشرت صور الضحايا بعد أن ألبستهم الزي العسكري لتبرير الجريمة وتسويق رواية كاذبة بأنهم قتلوا في المعارك، مشيراً إلى أن هذا الأسلوب الدعائي يعكس فشل الحوثيين في التغطية على مسؤوليتهم المباشرة عن زرع الألغام البحرية التي تفتك بحياة الصيادين وتدمّر مصدر رزقهم الوحيد.
وأوضح القديمي أن ما حدث في كمران ليس حادثًا عرضيًا، بل جزء من منهج ممنهج تتبعه المليشيا لترويع السكان وتهجيرهم من مناطق الساحل، مؤكداً أن استمرار زرع الألغام البحرية يمثل جريمة حرب ضد المدنيين وتهديدًا مباشرًا لحياتهم ومعيشتهم.
وأضاف أن هذه الممارسات تأتي ضمن سياسة الحوثيين القائمة على التهرب من تبعات جرائمهم وتضليل الرأي العام المحلي والدولي، عبر روايات مفبركة تُخفي حقيقة ما يجري في المناطق الساحلية من انتهاكات جسيمة.
ودعا وكيل أول محافظة الحديدة المنظمات الحقوقية والإعلامية المحلية والدولية إلى توثيق الجريمة والتحقق من المزاعم الحوثية، مؤكداً ضرورة محاسبة المليشيا على انتهاكاتها المتكررة ضد الصيادين والمدنيين في الساحل الغربي.
وطالب المجتمع الدولي بالضغط الجاد لإلزام المليشيا بوقف زرع الألغام البحرية، وإتاحة المجال أمام فرق نزع الألغام لممارسة عملها دون عوائق، حفاظاً على أرواح المدنيين الذين يعيشون في رعبٍ دائمٍ من خطر الانفجار في أي لحظة.
وبحسب مصادر محلية، فقد استشهد ثلاثة صيادين من أسرة واحدة أثناء مزاولتهم مهنة الصيد في شاطئ مهبّ الريح بجزيرة كمران، بعد أن اصطدمت قاربهم بألغام بحرية زرعتها المليشيا مسبقًا وربطتها بأجهزة تفجير عن بُعد.
المشهد ترك خلفه عائلات مكلومة، وأطفالاً بلا معيل، وأمهاتٍ يندبن أبناءهن الذين خرجوا بحثًا عن رزقٍ فعادوا في أكفانٍ بيضاء.
حادثة كمران ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة الجرائم الحوثية التي تطال الأبرياء، حيث لا يقتصر القتل على الألغام، بل يمتد إلى تشويه الحقيقة وسرقة رواية الضحايا. في بلدٍ أنهكته الحرب، تحاول المليشيا تحويل المأساة إلى دعاية، فيما تبقى الحقيقة جثةً هامدة على شاطئ الجزيرة، تصرخ في وجه العالم: "هنا مات الصيادون مرتين.. مرة بانفجار، ومرة بالكذب."
المصدر: نيوزيمن
إقرأ أيضاً:
الرواية غير الرسمية لما يحدث في غزة
في الأحداث والحروب الكبرى تتجه الأنظار نحو تصريحات السياسيين لمعرفة مؤشرات ما يجري، بعدها يلتقط الصحفيون خيوط الرأي العام لينقلوا نبضه للناس. ولكن حين تصبح الأحداث أكبر من السياسيين وحين يصبح الصحفيون ضحايا وشهداء، فإن جوانب كثيرة تبقى غامضة في فهم ما يجري، وتصبح الرواية غير مكتملة. وهذا بالضبط ما يحدث في غزة حاليا، فمن يملك مفاتيح هذه الرواية غير الرسمية؟
للإجابة عن هذه السؤال نجد في ثنايا الأخبار ما يدلنا على أن الاحتلال لا يزال يريد التعتيم على ما يجري في غزة، وإلا فلِمَ تستمر إسرائيل في منع الصحفيين الأجانب من الدخول إلى غزة حتى الآن رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار؟
خبرنا كاميرات الصحفيين الغزيين بأن ثمة دمارا هائلا ومعاناة إنسانية كبيرة، ومن المؤكد أن تحت هذا الدمار هناك عدد لا نهائي من القصص المأساوية؛ يكافح الصحفيون في غزة في نقل جزء منها لنا عبر وسائل الإعلام والمنصات المختلفة، تحت هذا الدمار هناك عدد لا نهائي من القصص المأساوية؛ يكافح الصحفيون في غزة في نقل جزء منها لنا عبر وسائل الإعلام والمنصات المختلفة، لكن المهمة أصعب وأعقد لكن المهمة أصعب وأعقد وتحتاج لجيش من الصحفيين لتوثيق ونقل ما جري ويجري. تدرك إسرائيل ذلك جيدا، لهذا تتحايل لاستمرار منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة، لأنها تعلم شناعة ما ارتكبه جنودها.
قرأت قبل قليل خبرا عن أن القطاع مليء بالألغام التي زرعها الاحتلال، هذا بخلاف القنابل التي لم تنفجر. ذكرني هذا بالألغام التي تركها الاستعمار البريطاني في منطقة العلمين شمال مصر إبان وجوده أثناء الحرب العالمية الثانية؛ نحو 22 مليون لغم تغطي ما يقرب من 22 في المئة من مساحة البلاد، أي ربع مساحة مصر تقريبا، خارج نطاق الاستخدام سبب هذه الألغام، وهو الملف الذي طوته السنون والأيام ولم يطوه الواقع والتأثير السلبي على صحة السكان وإعاقة إمكانية استخدام الأرض في السكن والاقتصاد.
حضرت ندوة منذ سنوات في مجلس العموم البريطاني تناقش هذه القضية، ودعت الدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى لتضطلع بمسؤوليتها عن هذه الألغام، ومنها تسليم مصر خرائط هذه الألغام. قدمت بريطانيا بعض هذه الخرائط، لكن تقول مصر إنها خرائط بدائية والألغام لا تزال موجودة في مناطق لم تكن مراكز للقوات البريطانية.
ملف الألغام في قطاع غزة هو واحد من الملفات الشائكة التي قد يطويها النسيان مع الزمن. والفارق بين الألغام المزروعة في مصر وفي غزة أن ألغام مصر كانت وما زالت في مناطق بعيدة عن وادي النيل؛ حيث التكدس السكاني رغم تأثيراتها السلبية. دخول طواقم متخصصة وصحفيين من مؤسسات مختلفة سيكشف مزيدا من الأرقام الصادمة التي خلفتها حرب الإبادة على مدار عامينأما في غزة فإن مساحة الرقعة الجغرافية لا تسمح للسكان بتجنب هذه الألغام، ومن ثم تصبح المطالبة بالحصول على خرائطها من إسرائيل مطلبا إنسانيا ملحا.
الأمر الآخر هو تقدير حجم الأضرار والخسائر البشرية وفي الممتلكات والبنية التحتية. فمعظم الأرقام والإحصاءات المنشورة مبنية إما على استخدام خرائط غوغل والمصادر المفتوحة أو على جهود الأجهزة المحلية في غزة، وهي المنهكة أصلا جراء الاستهداف الإسرائيلي ومحاولات توفير بعض مقومات الحياة للسكان في فترات الهدوء النسبي بعد وقف إطلاق النار.
ومن المؤكد أن دخول طواقم متخصصة وصحفيين من مؤسسات مختلفة سيكشف مزيدا من الأرقام الصادمة التي خلفتها حرب الإبادة على مدار عامين. كما ستكشف الرواية غير الرسمية قدرة المجتمع الفلسطيني تحت هذه الحرب على تحقيق التكافل ودور المبادرات المدنية في الإغاثة والإيواء. فشُحّ الموارد وتفشي المجاعة يشكل حافزا للصراع الأهلي في كثير من المجتمعات المبنية على الأنا والثقافة الفردانية؛ بخلاف المجتمع العربي المسلم في غزة. وهي تفاصيل قد تبدو عادية وسط المجتمع الغزاوي، لكنها ليست عادية وتحتاج لتوثيق.
x.com/HanyBeshr