ألقى خالد البلشي نقيب الصحفيين، اليوم الثلاثاء، كلمة خلال مشاركته في مؤتمر القاهرة السابع للإعلام بالجامعة الأمريكية.

نقيب الصحفيين يتضامن مع المحامين بشأن تعديل المادة (105) من قانون الإجراءات الجنائية نقيب الصحفيين يدين اتهام BBC للزميل مهاد الشرقاوي بـ"معاداة السامية" وفصله

وجاء نص الكلمة كالتالي:

‎الحضور الكرام

‎زميلاتي وزملائي أبناء مهنة الصحافة العظيمة

الدكتورة نائلة رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر

‎الدكتورة رشا علام رئيس قسم الصحافة والإعلام بالجامعة

أقف بينكم اليوم للعام الثالث على التوالي على منصة هذا المؤتمر المهم، لكنها المرة الأولى التي نتحدث فيها وقد تجاوزنا أصوات المدافع، التي حكمت المشهد لعامين، وبينما لا تزال تثقلنا جراح عامين من ألم مذبحة هي الأبشع فيما عايشناه من عمرنا بحق مواطنين عزل.

. مذبحة تابعناها بفعل التطور التكنولوجي لحظةً بلحظة، لكنها لم ترحم زملاءنا من ناقلي الحقيقة، ومستخدمي هذا التطور لإخبارنا بما يحدث؛ مذبحة تخللها جريمة هي الأكبر في التاريخ الإنساني بحق الصحافة والصحفيين، إلا أن صمود الشعب الفلسطيني وبطولة الصحفيين الفلسطينيين، الذين ضربوا أروع المثل في التضحية والمهنية، واتفاق وقف المذبحة الذي عُقد في شرم الشيخ بينما تتواصل جهود تثبيته الآن، وما أعقبه من صور طوفان العودة، منح أرواحنا أملًا وإرادةً؛ لنقف هنا من جديد نناقش معًا صنع مستقبل يليق بنا وبهم، ويتجاوز عقبات وآلام الواقع الصعب، الذي عشناه بعد عامين سلبتهما منا ومن تقويمنا الإنساني آلة الحرب الصهيونية.. عامان من الدماء والشهداء، عامان من المعاناة، التي تحولت بقوة الشعب الفلسطيني والصحافة الفلسطينية إلى وقود لإرادة وإدارة الحياة والبناء من جديد.

لقد تجاوز عدد شهداء الحقيقة من زملائنا 250 صحفيًا وصحفية، ودُمِّرت أكثر من 150 مؤسسة إعلامية في عملية منهجية تهدف إلى إسكات الصوت وطمس الحقيقة.

هذه ليست أرقامًا نرددها، بل هي تجربة لن نتجاوزها إلا بمحاسبة القتلة، وتفعيل الآليات لعدم تكرار ما جرى، فالأرقام تمثل أعمارًا سُلبت، وأرواحًا وحياة فقدناها، وأحلامًا توقفت لزملاء كانوا شهودًا على الحقيقة، ومدافعين من أجل الحرية، حملوا كاميراتهم وقلمهم؛ ليخبروا العالم بقصة صمود شعب، فتعقبتهم أسلحة القتل والتدمير.

أقف بينكم اليوم للعام الثالث على التوالي، ونحن نحلم للمرة الأولى ليس بتجاوز المقتلة، ولكن بالعودة للحياة نستعيد معها رتابة أيامنا العادية، التي اشتقنا لها وقت القتل، ونواجه تحدياتنا الحقيقية لا تحديات أن نتجاوز صور وعبء المقتلة، نحلم باستعادة أرواح قادرة على البناء والاستمرار. فبينما ما زلنا ننعي زملاءنا في غزة، الذين سقطوا شهداءً للحقيقة، لا خيار أمامنا إلا أن نعدّ أنفسنا لمعاركنا الحياتية، نستعيد أيامنا العادية، ونناقش تحدياتنا المؤجلة بفعل الحرب، ونطرح من جديد قضايا مستقبلنا، وفي مقدمتها: معركة وجود مهنتنا في عصر الذكاء الاصطناعي.

وهكذا، فإن السؤال الذي يواجهنا اليوم لم يعد: كيف ننجو؟ بل: كيف ننتصر في معركة المهنة والحقيقة، ونواجه ونستفيد من خوارزميات القمع والتقدم؟

إن إعادة اختيار سؤال الذكاء الاصطناعي عنوانًا مرة أخرى لمؤتمر العام الحالي بعد اختياره في المؤتمر الخامس، قبل أن تجرنا تبعات العدوان الصهيوني لمناقشة ما خلّف استخدامه من جرائم، حملت رسالة لي تقول:

تعالوا نبدأ من جديد، تعالوا نستعيد ما فاتنا، ونستفيد من التجربة الصعبة في آنٍ، ونحن ندرك في الوقت نفسه أننا أمام تحول تاريخي، وعلينا ونحن نستعيد معركتنا من أجل مستقبل الصحافة وحريتها، وما يواجه التعبير الحر ونقل الحقيقة من تحديات، وبينما نستعيد أيضًا مطالبنا التي تتعلق بالواقع، علينا أن نبدأ في رسم خريطة طريق للمستقبل، نناقش فيها تحدياتنا المستمرة والمتجددة، وفي مقدمتها معركة وجود مهنتنا في عصر الذكاء الاصطناعي.

لقد رأينا كيف يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة للتطور إلى سلاح في حرب التضليل، كيف تستخدم الصور المزيفة والروايات المفبركة لتبرير جرائم الحرب. وهذا يضعنا أمام مسئولية أخلاقية ومهنية جسيمة، لا بد أن نواجهها بشجاعة.

لكن.. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل تكفي الشجاعة وحدها لمواجهة المستقبل؟

لقد شهدنا خلال العامين الماضيين كيف تحولت كاميرات الصحفيين إلى شهود على جريمة العصر، لقد رأينا كيف استُخدم الذكاء الاصطناعي لصنع أكاذيب تبرر القتل، وكيف استُخدمت الصور المزيفة بالذكاء الاصطناعي لتبرير جرائم الحرب في غزة، وكيف أصبح التزييف العميق (Deepfake) سلاحًا في أيدي مجرمي الحرب.

* صورٌ مزيفة لأطفال محروقين تم تداولها على أعلى المستويات.

* مدن خيام وهمية أنشئت digitally لخدمة الرواية الصهيونية.

* أخبارٌ مفبركة أصبحت جزءًا من التغطية الإعلامية الدولية.

لكننا اليوم أمام مفترق طرق تاريخي: إما أن نكون ضحايا لهذا التحول، أو أن نكون قادته، مدركين أن تحدياتنا لم تعد تقتصر على القناصة والصواريخ، بل امتدت إلى خوارزميات باردة تنتحل الحقيقة، وإلى أدوات ذكاء اصطناعي تُستخدم كأسلحة جديدة في حرب التضليل.

دعوني أستعير ما منحنا به زملاؤنا من قوة؛ لأؤكد أننا لن نسمح بأن نكون ضحايا لهذا التحول، وأن واجبنا أن نكون فرسانه.

فالذكاء الاصطناعي رغم مخاطره يحمل في طياته فرصًا هائلة لتطوير مهنتنا، إذا أحسنا ترويضه، ووضعنا له الضوابط الأخلاقية. وهو ليس ترفًا فكريًا، بل أصبح ضرورة حتمية لمواكبة العصر.

من هذا المنطلق، أطرح بين أيديكم اليوم رؤية تقوم على مجموعة محاور أساسية:

أولًا: من ضحايا التزييف إلى حراس الحقيقة.. (الذكاء المهني والأخلاقي فوق الذكاء الاصطناعي)

لقد آن الأوان لنتحول من مجرد متلقين سلبيين لتقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى شركاء فاعلين في تطويرها وضبطها. فلا يمكن أن نسمح لأداة تقنية أن تتحول إلى سلاح ضد إنسانيتنا.. وهو ما شددت عليه مخرجات المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين المصريين، مشددة على مجموعة من الأهداف والضرورات وهي:

· ضرورة وضع دليل معايير وإرشادات للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في غرف التحرير، وأن نعمل معًا على وضع ميثاق شرف لهذا الاستخدام في العمل الصحفي، يجعل القيم المهنية هي الحَكم الأول والأخير.

· تدريب الصحفيين على مهارات كشف المحتوى المزيف، والتمييز بين الأدلة الحقيقية والمفبركة.

· الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لتعزيز الصحافة الاستقصائية وتحليل البيانات الضخمة، لا لتقويضها.

ثانيًا: نحو صحافة متجددة.. لا مستبدلة.. (من مستخدم إلى فاعل)

إن الخوف من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الصحفيين هو خوف مشروع، لكن المواجهة الحقيقية تكون بتحويل هذا التحدي إلى فرصة. لن نكون مجرد مستخدمين سلبيين لهذه التقنيات، بل سنشارك في تطويرها. وسنبدأ ببرامج تدريبية متخصصة؛ لتمكين الصحفيين من أدوات كشف التزييف، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تعزيز الصحافة الاستقصائية، وهذا يتطلب:

· إعادة هيكلة المناهج التدريبية في كليات الإعلام لدمج التقنيات الرقمية مع الأصول المهنية الراسخة، تحت عنوان "صحافة المستقبل".

· وضع دليل معايير للتحقق من المحتوى، والاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لخدمة الحقيقة لا لتزييفها.

· تطوير "الدليل الإرشادي" لضبط معايير المحتوى في زمن الذكاء الاصطناعي.

· تعزيز التكامل بين الخبرة الإنسانية والآلية، حيث يظل التحقق والتقصي والتحليل النقدي من اختصاص الصحفي المحترف.

ثالثًا: حرية الصحافة في العصر الرقمي.. معركة على جبهتين

ما زلنا نناضل على جبهة حرية التعبير، وما يتضمنه ذلك من مطالب وآليات للخروج من مأزق الواقع، وبدايتها هي نزع الخوف ومواجهة الرقيب الفعلي والذاتي الذي فُرِض علينا، والإفراج عن الصحفيين المحبوسين، ووضع التشريعات والقواعد، التي تضمن للمهنة تحررها وتطورها. والآن نواجه جبهة جديدة: الخطر الخفي الذي تمثله خوارزميات التحكم في المحتوى والرقابة الآلية، التي تمارسها المنصات الكبرى، ولا سبيل أمامنا إلا مواجهتها من خلال تعاون محلي ودولي من أجل الحقيقة، على أن يضم نقابات الصحفيين والجامعات وشركات التكنولوجيا؛ لوضع معايير عالمية تحمي الحقيقة في الفضاء الرقمي، وتضمن ألا تتحول المنصات الرقمية من ساحات للحوار إلى أدوات للقمع والاستغلال، وفرض ديكتاتورية جديدة تتحكم فيها الشركات وملاك التقنيات.

رابعًا: العدالة والمساءلة شرط الاستمرار

فلا حديث عن مستقبل للمهنة طالما أن قتلة الصحفيين يفلتون من العقاب. وسنظل نطالب بمحاسبة الجناة ومنع تكرار الجريمة، كما أن الإفراج عن الصحفيين المحتجزين يظل مطلبًا نقابيًا أساسيًا لا تنازل عنه.

الزميلات والزملاء،

إن دماء زملائنا، التي سالت خلال العامين الماضيين تذكّرنا بأن الحقيقة ثمينة وتستحق الثمن. لكن هذه التضحيات تفرض علينا مسئولية مضاعفة: مسئولية الحفاظ على مهنيتنا في مواجهة تحديات الواقع، ومسئولية تحديث أدواتنا في زمن التكنولوجيا.

لن نسمح لأنفسنا أن نُحاصر بين مطرقة الاستبدال، وسندان التخلف التقني، فلنعمل معًا على بناء صحافة المستقبل.. صحافة تحترم الماضي، ولكن لا تقع أسيرة له، صحافة تواجه تحديات الواقع وترسم خطوط الخروج منها، صحافة تستعد للمستقبل، ولكن لا تخضع لآليات تطويرها، بل تمتلكها وتطورها.

الحضور الكريم،

إن الدماء التي سالت في فلسطين لن تذهب هدرًا إذا استطعنا تحويلها إلى دافع للتغيير.

لقد كان الأمس مريرًا، ولكن الغد سيكون مختلفًا إذا تعلمنا من دروس الألم لصنع الأمل.

إن التحدي الذي نواجهه اليوم ليس تقنيًا بحتًا، بل هو تحدٍ قيمي وأخلاقي لمهنة كانت ولا تزال حارسًا للحرية وضمير الإنسانية.

فلنكن معًا.. من الاضطراب نصنع الأمل، ومن التحديات نصنع المستقبل.

ولتكن كلمتنا واحدة.. صحافة تحمي الإنسان، وتغذي الآلة بآليات إنسانيتها وقيمها.

شكرًا لكم،،،

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نقيب الصحفيين خالد البلشي الجامعة الأمريكية البلشى الذکاء الاصطناعی نقیب الصحفیین من جدید أن نکون

إقرأ أيضاً:

خريطة صادمة .. صحة الأمريكيين في خطر بسبب الذكاء الاصطناعي

خريطة صادمة .. صحة الأمريكيين في خطر بسبب الذكاء الاصطناعي

مقالات مشابهة

  • القاضي يلتقي نقيب وأعضاء مجلس نقابة الصحفيين ويؤكد الانفتاح على وسائل الإعلام
  • وزير السياحة السابق يناقش التحديات التي تواجه الأسواق الناشئة بالجامعة اليابانية بالإسكندرية
  • مؤتمر يناقش إدماج الذكاء الاصطناعي في تعليم الطب
  • أڤيڤا تسلّط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في تمكين المؤسسات من تحقيق أهداف الحياد المناخي خلال مشاركتها في مؤتمر ومعرض أبوظبي الدولي للبترول “أديبك 2025”
  • خريطة صادمة .. صحة الأمريكيين في خطر بسبب الذكاء الاصطناعي
  • منتدى الإعلاميين الفلسطينيين: العدو الإسرائيلي يمنع دخول الصحفيين الأجانب لغزة لأنهم سينقلون الحقيقة
  • نقيب التمريض: كلمة الرئيس في احتفالية وطن السلام جسدت رؤية مصر الثابتة
  • إتاحة شهادات المشاركة بمؤتمر الذكاء الاصطناعي على موقع جامعة القاهرة
  • انطلاق مؤتمر "مستقبل التعليم في ضوء مستحدثات الذكاء الاصطناعي" بتربية المنصورة