مأساة المدنيين في الفاشر.. جوع وحصار
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
د. أسماء حجازي **
في ظل السلام الذي ينادي به العالم أجمع تُعاني دولة السودان من العديد من الانتهاكات الحقوقية؛ سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وسط تعتيم إعلامي كامل للأوضاع والانتهاكات التي تحدث؛ حيث تشهد مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور غربي البلاد، حربًا عدوانيةً تجتاح كل من أمامها من أطفال ونساء وشيوخ؛ ففي 14 أبريل 2024، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة مليط الإستراتيجية شمال شرق الفاشر والتي تربط شمال دارفور مع دولة ليبيا، مما يعني قدرة هذه القوات على شق طريق إلى ليبيا للحصول على الدعم والإمدادات.
وفي ظل تصاعد الأحداث في إقليم دارفور بغرب السودان، أصبحت مدينة الفاشر محورًا للنزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وتجلى حرص قائد هذه القوات، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، على السيطرة على الفاشر خلال الأشهر الماضية بشكل واضح. ويرجع هذا التركيز الشديد على الفاشر إلى كونها واحدة من أبرز المدن التاريخية في السودان؛ حيث تعد مركزًا مُهمًا للحكم في دارفور. كما تلعب المدينة دورًا أساسيًا كنقطة انطلاق لقوافل الإغاثة التي تتوجه إلى ولايات دارفور الخمس، وهي إداريًا عاصمة ولاية شمال دارفور، إضافة إلى احتوائها على المكاتب الحكومية المحلية والمقرات الإدارية. وتستضيف الفاشر أيضًا قيادة الفرقة السادسة للجيش السوداني. وتشكل المدينة مركزًا تعليميًا وصحيًا مُهمًا؛ حيث تحتوي على العديد من المؤسسات التعليمية مثل جامعة الفاشر، وكذلك المرافق الصحية والاجتماعية التي تُلبي احتياجات المجتمع المحلي والنازحين إليها.
وفي مايو 2024، انفجر الصراع حول السيطرة على مدينة الفاشر؛ حيث تبادلت كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني الاتهامات بإشعال فتيل المعركة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى قبل أيام- بعدما أعلنت سيطرتها على المدينة- كانت قوات الدعم السريع تحاصر مدينة الفاشر مانعة دخول المساعدات الإنسانية، ومسببة أزمة غذائية طاحنة وعجزًا في توفير المياه والرعاية الصحية في المدينة التي يقطنها نحو 250 ألف نسمة. وعقب سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم في مارس 2024 صعدت قوات الدعم هجماتها على مواقع الجيش السوداني في الفاشر.
ونتيجة لتدهور الأوضاع واستمرار قوات الدعم السريع في ارتكاب مجازرها، انسحب الجيش وسيطر الدعم السريع على المدينة بشكل كامل، وهذا الانسحاب أدى إلى بقاء أكثر من ربع مليون شخص نصفهم من الأطفال تحت سيطرة قوات الدعم السريع ترتكب فيهم كافة أنواع الجرائم ضد الإنسانية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل استهدفت قوات الدعم السريع المدينة بالمدفعية، وشنت هجمات متكررة بالمسيرات وشملت الغارات أحياءً في المدينة ومخيمات نزوح. وتسببت تلك الهجمات في مقتل وإصابة مئات المدنيين، كما شهدت المدينة انهيارا للخدمات الإنسانية، وتوقفت المطابخ الخيرية (التكايا)، وتأثرت أغلب المستشفيات بالقصف مسجلة نقصًا فادحًا في الأدوية والمستلزمات.
ومع استمرار الحصار والانتهاكات تزايد خطر المجاعة في المدينة وفي مناطق أخرى من شمال دارفور؛ حيث قُتل أكثر من 3000 مدني منذ أغسطس، علاوة على أن أكثر من 600 ألف شخص نزحوا من المدينة، بينما لا يزال 260 ألف شخص محاصرين هناك، من بينهم 130 ألف طفل، محاصرين في ظروف بائسة، معزولين عن المساعدات لأكثر من 16 شهرًا.
ومنذ بدء الحصار، تم التحقق من أكثر من 1100 انتهاكٍ جسيم في الفاشر وحدها؛ بما في ذلك قتل وتشويه أكثر من 1000 طفل، قُتل العديد منهم في منازلهم، أو داخل مخيمات النازحين، أو في الأسواق. وتعرض ما لا يقل عن 23 طفلًا للاغتصاب أو الاغتصاب الجماعي أو الاعتداء الجنسي، بينما اختُطف آخرون أو جُنِّدوا أو استُخدِموا من قبل الجماعات المسلحة. ونظرًا لمحدودية الوصول وصعوبة التحقق، فمن شبه المؤكد أنَّ عدد الأطفال المتضررين أعلى بكثير.
لذلك على جميع أطراف النزاع اتخاذ تدابير ملموسة وفورية لضمان حماية المدنيين؛ بما في ذلك توفير ممر آمن للراغبين في مغادرة المناطق المتضررة من النزاع، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المحتاجين.
المراجع:
1- الأمم المتحدة، "لم يتبق سوى الجوع والقنابل": مأساة الفاشر بين الحصار والمجاعة، متاح على الرابط التالي: https://news.un.org/ar/story/2025/08/1143193
2- العربي الجديد، "الدعم السريع" تعلن السيطرة على الفاشر وسط معارك ضارية، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/1M29B4
3- الجزيرة، لماذا تصر قوات الدعم السريع وحلفاؤها على السيطرة على الفاشر؟، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/VgjcNU
** مدرس مساعد بالبحث العلمي وباحثة متخصصة في حقوق الإنسان والشأن الأفريقي
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«الدعم السريع» تحتجز آلاف الفارين من الفاشر
قوات الدعم السريع اتهمت بارتكاب جرائم مروعة ضد المدنيين في الفاشر عقب سيطرتها على الفرقة السادسة مشاه واجتياح المدينة أمس.
الفاشر: التغيير
كشفت مصادر عن احتجاز قوات الدعم السريع لآلاف المدنيين الذين حاولوا مغادرة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ليل السبت الماضي، في ثلاث مناطق رئيسية قريبة من المدينة وهي قرى شقرات د. ج. ب، وقرية أم جلبوق، ولا تتوفر أي معلومات عنهم حتى الآن.
وسيطرت قوات الدعم السريع أمس الأحد، على مقر قيادة الفرقة السادسة مشاة آخر معاقل الجيش السوداني بإقليم دارفور، بعد حصار طويل ومعارك عنيفة، مؤكدة أنها حققت انتصاراً عظيماً بالاستيلاء على مدينة الفاشر.
وقالت مصادر اليوم الاثنين، إن حوالي 800 مدني كانوا في مرمى نيران القوات المتقاتلة في الفاشر صباح أمس الأحد شمال المستشفى السعودي، انقطع بهم الاتصال ولا يعرف مصيرهم حتى الآن.
وأشارت المصادر، إلى أنه وحتى صباح اليوم لم يصل المدنيون إلى مناطق قرني وطرة وهي مناطق قريبة من الفاشر ومسار مرور للفارين من المدينة إلى منطقة طويلة الخاضعة لسيطرة حركة جيش تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد نور.
وبحسب إحصائيات من مصادر موثوقة، فإن 2 ألف عائلة ظلت موجودة في مدينة الفاشر المحاصرة حتى نهاية أغسطس الماضي.
يأتي ذلك وسط تقارير عن استمرار الاشتباكات في أنحاء المدينة، واتهامات للدعم السريع بارتكاب مجزرة بشعة في الفاشر مساء أمس، وقتل مواطنين عُزّل على أساسٍ إثني في جريمة تطهيرٍ عرقيٍّ، ونهب المستشفيات والمرافق الطبية والصيدليات في المناطق التي اقتحمتها.
الوسومالجيش الدعم السريع السودان الفاشر حركة تحرير السودان دارفور شقرات طويلة عبد الواحد محمد نور