جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-28@18:34:07 GMT

الباحثون والتسريح.. أزمة وطنية

تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT

الباحثون والتسريح.. أزمة وطنية

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

منذ سنوات الدراسة الأولى تربّينا- نحن وأجيال كاملة- على معادلة مألوفة: «اجتهد في دراستك، تتخرج، تتوظف، تستقر»، جملة كانت أشبه بوعدٍ اجتماعي غير مكتوب، لكنها اليوم لم تعد تصمد أمام واقع جديد؛ فالشهادة لم تعد ضمانة لوظيفة، والوظيفة- إن وُجدت- لم تعد كفيلة بتأمين استقرار دائم.

وهكذا، بتنا أمام مشهد مزدوج: عشرات الآلاف من الباحثين عن عمل في طوابير الانتظار، يقابلهم آلاف المسرّحين الذين فقدوا وظائفهم في خضم التحولات الاقتصادية وتقلبات السوق.

وتتصاعد في الآونة الأخيرة أصوات الباحثين عن عمل، وسط تزايد حالات التسريح في عدد من القطاعات، ما أعاد إلى الواجهة سؤالًا وطنيًا مقلقًا:

هل نحن أمام أزمة مؤقتة، أم أمام اختلالٍ هيكلي يحتاج إلى مراجعة شاملة؟

تشير البيانات الرسمية إلى أن عدد الباحثين عن عمل في عُمان تجاوز 90 ألفًا مطلع عام 2025، فيما يبلغ معدل البطالة العام 3.6، وترتفع بطالة الشباب إلى نحو 14% وفقًا لتقديرات البنك الدولي لعام 2023.

أما وزارة العمل فقد أعلنت أنها وفرت أكثر من 35800 فرصة عمل خلال النصف الأول من 2025، ضمن خطتها للوصول إلى 45 ألف وظيفة سنويًا؛ وهي أرقام مقدّرة، لكنها لا تزال تواجه تحديات تتعلق بالاستدامة ونوعية الفرص.

عند المقارنة خليجيًا، نجد أن السعودية تسجل نسبة بطالة تبلغ 7.8%، والكويت 5%، والبحرين 7%، وفق الهيئات الإحصائية الخليجية. وهذا التقارب يكشف أن البطالة باتت تحديًا مشتركًا، لا يُعالج بالحلول الجزئية أو الموسمية.

وفي المقابل، نجحت دول خليجية مثل السعودية والإمارات في تخفيف معدلات البطالة عبر خطط وطنية واضحة المعالم؛ فالمملكة العربية السعودية- وفقًا لتقرير هيئة الإحصاء لعام 2024- خفّضت معدل البطالة بين المواطنين إلى نحو 7.7% بعد أن تجاوز 12% في 2020، مستفيدة من برامج “نطاقات” و“تمهير” والتحفيز الواسع لريادة الأعمال.

وفي الإمارات، بلغ المعدل نحو 2.8%؛ بفضل سياسات مرنة في سوق العمل وتوسيع مجالات التوظيف في الاقتصاد الرقمي والسياحي.

أما في وطننا العزيز، فإن رؤية "عُمان 2040" وضعت التشغيل في صميم أهدافها، لكنّ الطريق إلى التنفيذ لا يزال يحتاج إلى تسريع وتنسيق أكبر بين الجهات المعنية، وتحفيز القطاع الخاص للقيام بدوره الوطني في التشغيل.

مؤخرًا، أعلن مجلس الوزراء مضاعفة الدعم الموجه لبرامج التشغيل إلى 100 مليون ريال عُماني سنويًا، وتوسيع برامج التدريب، إلى جانب تطوير منصة توطين التي تجاوز عدد مستخدميها 100 ألف باحث، وأكثر من 3 آلاف مؤسسة مسجلة.

ومع ذلك، يبقى السؤال الجوهري: هل تكفي هذه المبادرات أمام أعداد تتزايد عامًا بعد عام؟

 

وزير العمل نفسه أقرّ بأن الاقتصاد الوطني يخلق وظائف بوتيرة أبطأ من نمو القوى العاملة، وأن الاعتماد المفرط على القطاع الحكومي لم يعد خيارًا مستدامًا؛ وهو تشخيص واقعي يضعنا أمام حقيقة واضحة: الأزمة هيكلية وليست رقمية فقط.

وتُظهر التجارب العالمية أن الحلول الجذرية ممكنة متى ما ارتبطت بالرؤية والتعليم؛ ففي سنغافورة مثلًا، نجح صانعو القرار في ربط التعليم مباشرةً باحتياجات السوق، وألزموا القطاع الخاص بتشغيل المواطنين عبر آليات واضحة وحوافز مدروسة.

التجربة مختلفة بالطبع، لكنها تذكّرنا أن الإصلاح لا يتحقق إلا برؤية شاملة متواصلة.

وبحسب ما اطلعت عليه من مقترحات، ومنها ما طرحه الدكتور محمد الوردي، يمكن تلخيص أبرز الحلول في أربع نقاط رئيسية:

1. إصلاح بيئة العمل عبر تشريعات تحقق عدالة التوظيف وتكافؤ الفرص، وتحد من الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة منخفضة التكلفة.

2. إعادة توجيه التعليم بحيث ترتبط التخصصات والمناهج فعليًا باحتياجات السوق، مع تعزيز التعليم التقني والمهني.

3. تمكين المبادرات الفردية من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بتسهيلات مالية وتشريعية، لتحويل الباحث عن عمل إلى صاحب مشروع منتج.

4. تحفيز القطاع الخاص على استيعاب الكفاءات الوطنية من خلال حزم حوافز ضريبية وتشغيلية، بدل الاكتفاء بالدور الحكومي.

وكما أشار الكاتب سيف النوفلي، فإن العدالة الاجتماعية تبقى ركيزة أساسية لأي معالجة حقيقية؛ ففي بلدٍ تتضاعف فيه أرباح البنوك والشركات الكبرى؛ إذ تجاوزت أرباح أحد البنوك وحده في النصف الأول من 2025 أكثر من 125 مليون ريال عُماني- بينما يقف آلاف الشباب في طوابير الانتظار، يصبح من المشروع التساؤل: لماذا يُطلب من الموظف البسيط أن يُقتطع من راتبه لصناديق الضمان، بينما لا تُفرض نسبة عادلة على أرباح تلك المؤسسات؟

ومن المقترحات العملية فرض نسبة 10% على أرباح البنوك وشركات الاتصالات والتأمين والمؤسسات النفطية، تُخصص لدعم الباحثين عن عمل.

ولو طُبّق هذا المقترح على بنك واحد فقط، لوفّر أكثر من 12.5 مليون ريال خلال ستة أشهر، وهو مبلغ كافٍ لتخصيص راتب شهري لا يقل عن (150 ريالًا) لدعم كل باحث عن عمل. وهذا الدعم ليس رفاهية؛ بل حدٌّ أدنى من الكرامة يخفف عن الأسر المثقلة بالفواتير ويعزز الاستقرار الاجتماعي.

وفي سياقٍ اجتماعي موازٍ، يبرز أثر التحولات الفكرية التي اجتاحت العالم، ومنها الفكر النسوي بصيغته الغربية، الذي وإن حمل شعارات المساواة، إلا أنه في بعض تطبيقاته أدى إلى اختلالٍ في التوازن الطبيعي بين أدوار الرجل والمرأة.

فدخول أعداد متزايدة من النساء إلى سوق العمل في مجالات محدودة الاستيعاب، دون تخطيط متوازن، ساهم- من حيث لا يُقصد- في تقليص فرص الشباب الباحثين عن عمل، وخلق منافسة غير عادلة في بعض القطاعات.

ولا يعني هذا معارضة تمكين المرأة؛ بل الدعوة إلى تنظيمٍ أكثر عدالة وتكاملًا بين الجنسين، بحيث يكون حضور المرأة إضافة تنموية حقيقية لا عاملًا يزيد من حدة البطالة أو يضعف استقرار الأسرة؛ فنجاح المجتمع مرهون بتكامل أدواره لا بتنازُعها.

إن تجاهل هذه الأزمة أو تأجيل معالجتها يحمل تبعات خطيرة؛ فالشباب العاطل عن العمل ليس رقمًا في إحصائية؛ بل طاقة معطّلة قد تتحول مع الوقت إلى حالة من الإحباط وفقدان الثقة بالمؤسسات، وهو ما ينعكس على الاستقرار الاجتماعي والأمني.

وكل يوم تأخير يعني مزيدًا من الهدر في الكفاءات الوطنية، ومزيدًا من الضغط على الأسر والمجتمع.

وقد أظهرت تجارب عديدة أن ارتفاع البطالة بين الشباب كان أحد أبرز أسباب الاحتقان الاجتماعي في عدد من الدول؛ بل ومقدمة لتحولات غير متوقعة في بنية المجتمعات.

إن تأجيل معالجة هذه الأزمة لا يقتصر أثره على الاقتصاد، بل يمتد إلى البنية الاجتماعية ذاتها.

فكل عام يقضيه الشاب بلا عمل يعني تأخرًا في بناء أسرته واستقراره النفسي، وتراجعًا في شعوره بالانتماء والإنتاج.

ومع تزايد الإحباط، قد يلجأ بعضهم- مدفوعين بالضيق واليأس- إلى سلوكيات غير مأمونة أو أعمال هامشية ومخالفة للنظام والعرف، ما يفتح الباب أمام ظواهر خطيرة كالتعاطي أو الاتجار بالمحظورات.

وهنا تتحول البطالة من مشكلة معيشية إلى تهديدٍ لقيم المجتمع وأمنه واستقراره.

إن معالجة قضية التشغيل ليست مجرد مطلب اقتصادي؛ بل ضرورة وطنية لضمان الأمن والاستقرار وحماية النسيج الاجتماعي من التآكل البطيء؛ فالمواطن العُماني لم يعد يطلب وعودًا جديدة، بقدر ما ينتظر أثرًا ملموسًا في حياته اليومية: وظيفة تحفظ كرامته، ودخل يكفيه، ومسار مهني يبني له مستقبلًا.

ولم تعد المعالجة ممكنة من خلال الحلول التقليدية؛ بل نحتاج إلى تجديد في الفكر والسياسات، وإعادة رسم العلاقة بين التعليم وسوق العمل، وتحويل التحديات إلى فرص، ليصبح العمل الكريم حقًا متاحًا لا حلمًا بعيد المنال.

الأمل قائم، فالإصلاح ممكن إذا توفرت الرؤية والإرادة. وحينها تنتقل عُمان من طوابير الانتظار إلى ميادين الإنتاج، ومن الوعود إلى واقعٍ ملموس يرتقي بمستوى حياة كل عُماني.

وعلى الدولة أن تعزز مسار الإصلاح بروحٍ شجاعة، وعلى القطاع الخاص أن ينهض بدوره، وعلى الشباب أن يثبتوا قدرتهم على المبادرة والجدية.

وبالإرادة يمكن أن يتحول الحلم إلى واقع.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشباب العُماني.. طاقة وطنية تتألق في قطاع الطيران

كتب - خليل بن أحمد الكلباني -

يشكل الشباب العماني اليوم جزءا أساسيا من القوى العاملة في قطاع الطيران المدني بسلطنة عُمان، حيث تتواصل الجهود الوطنية لتأهيل الكفاءات الشابة للقيام بأدوار تشغيلية وفنية وإدارية متنوعة، وتعمل الجهات المعنية على توفير برامج تدريبية ومبادرات تأهيل مهني متخصصة، بما يتوافق مع مستهدفات «رؤية عُمان 2040» لتعزيز التنافسية وبناء اقتصاد قائم على المعرفة.

وقد ساهمت هذه البرامج في إكساب الشباب المهارات اللازمة للعمل في مجالات الأمن والسلامة وإدارة المطارات، حيث تمكن العديد منهم من إثبات قدرتهم على الابتكار وتحمل المسؤولية في بيئة عمل تتطلب الدقة والانضباط، وتبرز هذه التجارب قدرة الكفاءات العُمانية على التكيف مع متطلبات العمل الاحترافي وتطوير مهاراتهم ضمن أطر مؤسسية منظمة.

برامج تدريبية متخصصة لتعزيز مهارات الشباب

وقالت راوية بنت ناصر العدوية مدير عام تنظيم الطيران المدني بالتكليف: «تولي هيئة الطيران المدني اهتماما كبيرا بتأهيل وتمكين الشباب العُماني ليكونوا قادة المستقبل في قطاع الطيران، انطلاقا من إيمانها بأن الشباب هم طاقة التطوير والابتكار في مسيرة هذا القطاع الحيوي».

وأضافت: تعمل الهيئة على تنفيذ برامج تدريبية ومبادرات نوعية في مجالات السلامة الجوية والملاحة وإدارة المطارات والأمن، من بينها برنامج «انطلاقة» لتطوير الكفاءات الوطنية وورش القيادة والتأهيل الفني ودورات الأمن والسلامة بالتعاون مع الأكاديمية العُمانية للطيران، كما تحرص على إتاحة فرص المشاركة في المؤتمرات والمنتديات الدولية لاكتساب الخبرات وتعزيز التمثيل العُماني في المحافل المتخصصة.

وأكدت أن الهيئة في إطار «رؤية عُمان 2040»، تسعى إلى بناء بيئة عمل محفزة تشجع الإبداع وتفتح آفاق البحث والتطوير أمام الكفاءات الشابة، لتكون شريكة فاعلة في تحقيق الاستدامة وريادة القطاع على المستويين الإقليمي والدولي.

من جانبه قال ظافر بن صقر القاسمي (مرحل جوي): تولي أكاديمية عُمان للطيران اهتماما كبيرا بتأهيل وتمكين الشباب العُماني في قطاع الطيران من خلال برامج تدريبية معتمدة من قبل هيئة الطيران المدني (CAA) ووكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA)، تشمل برنامج رخصة الطيران التجاري المتكامل (ATPL)، كما تسعى الأكاديمية إلى تمكين الكفاءات الوطنية وتعزيز دور الشباب العُماني لتولي مناصب قيادية بالأكاديمية، من خلال تطوير مهاراتهم الفنية والإدارية، وتزويدهم بالمعرفة والخبرة العملية اللازمة للتميز في قطاع الطيران.

من جانب آخر قال فارس بن علي الهادي مسؤول أول تطوير أعمال في الشرقية للطيران: لقد كان لانضمامي إلى الشرقية للطيران أثر بالغ في صقل مهاراتي وتعزيز قدراتي في مجال قيادة وتطوير الأعمال، فقد أتاح لي العمل ضمن منظومة احترافية متكاملة فرصة الاطلاع على أفضل الممارسات الإدارية والاستراتيجية، وأسهم في توسيع مداركي في مجالات التخطيط وإدارة المشاريع وتحليل الأسواق، كما اكتسبت خبرة عملية في تطوير الخطط التشغيلية وتحقيق الأهداف المؤسسية بما يتوافق مع رؤية الشركة ورسالتها، الأمر الذي عزز من قدرتي على الإسهام الفعال في مسيرة نجاحها ونموها المستدام.

كما قال نابغ بن ناصر المقبالي مدير الموارد البشرية بالشرقية للطيران: "يتميز عملي في الشرقية للطيران بالتنوع الثقافي والمهني، ما أتاح لي التعاون والتفاعل مع فريق من محترفين ينتمون إلى خلفيات وثقافات مختلفة، وقد كان توحيد هذه الرؤى لتعزيز العمل الجماعي وضمان الانسجام المؤسسي تحديا مجزيًا ومثمرا. وأضاف: أركز على تحقيق التوازن بين الأداء المؤسسي وإدارة رأس المال البشري، بما يضمن رضا الموظفين ويعزز الكفاءة التشغيلية ويرسخ الأداء المالي المستدام للشركة، كما ألتزم بتطوير القيادات المستقبلية ونقل المعرفة والخبرات والقيم المكتسبة للأجيال القادمة، بما يتماشى مع أهداف «رؤية عُمان 2040» في تعزيز القدرات القيادية على جميع مستويات المؤسسة.

يُجسد حضور الشباب في قطاع الطيران المدني رؤية وطنية طموحة تؤمن بأن الاستثمار في العقول هو الطريق الأضمن للتحليق بمستقبل عُمان نحو آفاق الريادة، حيث يواصل الشباب العُماني اليوم كتابة قصص نجاح جديدة تُضاف إلى سجل الإنجازات الوطنية.

مقالات مشابهة

  • تحذير طبي صادم.. زيادة كبيرة في تعاطي المواد الأفيونية بين طلاب كندا خلال عامين
  • أزمة في مودرن سبورت بعد الخسارة أمام المقاولون
  • محافظ الدقهلية يتابع تنفيذ مبادرة دعم الشباب لإقامة المشروعات
  • وزير العمل يشارك بملتقى هواوي للتوظيف ويؤكد: الاستثمار في الإنسان أولوية وطنية
  • الشباب العُماني.. طاقة وطنية تتألق في قطاع الطيران
  • البطالة في تركيا تسجل 8.6%
  • الدقهلية: تنفيذ مبادرة دعم الشباب لإقامة المشروعات وتشجيع العمل الحر للحد من البطالة
  • ما علاقة العمل الدائم في النوبات الليلية بـ «القولون العصبي»؟.. دراسة تجيب
  • وظائف خالية في هذه الأماكن.. اعرف الشروط