مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

صدر عن دار الفارابي اللبنانية كتاب بعنوان "فلسطين في الفكر السياسي لحركة القوميين العرب" للمناضل الفلسطيني البارز صلاح صلاح عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المكتب السياسي السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

قدَّم للكتاب القيادي الفلسطيني جميل مزهر نائب الأمين العام للجبهة الشعبية، قائلًا: "تبرز حركة القوميين العرب كواحدة من حركات التحرُّر التي ساهمت في تشكيل مسار النضال العربي ضد الاستعمار الغربي والصهيونية، وكانت مصدر إلهام للشباب العربي، ومن رحمها خرجت حركات ثورية فلسطينية وعربية".

ويتناول الكتاب مسيرة تأسيس حركة القوميين العرب، مع تركيز خاص على فرعها الفلسطيني. ورغم أن تاريخ الحركة معروف نسبيًا، فإن فرعها الفلسطيني- كما يشير المؤلف- لم يحظ بما يكفي من البحث والدراسة، ربما لأن قيادة هذا الفرع كانت تشكل في الوقت ذاته القيادة المركزية للحركة. ومن هنا تتجلى أهمية هذا الكتاب الذي يُعد إضافة نوعية للمكتبة السياسية العربية؛ إذ يتتبّع نشأة الفرع الفلسطيني وأسباب ظهوره ودوره التاريخي.

يُظهر الكتاب أن تأخر تأسيس الفرع الفلسطيني يعود إلى تركيز مؤسسي الحركة على تثوير الواقع العربي، معتبرين الوحدة العربية طريقًا للتحرير. غير أن انفصال الوحدة المصرية السورية وجَّه ضربة قاسية لتلك الأحلام القومية، وفرض معطيات جديدة كان أبرزها تبلوُر الدور الفلسطيني الخاص في معركة التحرر الوطني ضمن الإطار القومي الأشمل. ويقدِّم المؤلف معلومات جديدة وإضاءات فكرية وتنظيمية نادرة، تُعبِّر عن رؤية الفرع الفلسطيني لطبيعة دوره ومهامه المباشرة في النضال الوطني، مع بداية محاولات تجاوز الاستراتيجية التي صاغتها القيادة تحت شعار "فوق الصفر وتحت التوريط"؛ وهو الشعار الذي أثار نقاشات واسعة حول جدواه. ويكشف الكتاب- ربما للمرة الأولى- بعض الحقائق غير المتداولة؛ منها: رفض القيادة اقتراح أبو ماهر اليماني بإعلان استشهاد خالد أبو عيشة في 2 نوفمبر 1964 كنقطة انطلاق للكفاح المسلح، وأخذها برأي وديع حداد الذي دعا إلى إبقاء العمل سريًا لتجنب الصدام مع الأجهزة الأمنية اللبنانية. ورغم وجاهة هذا الموقف الذي راعى الظروف الواقعية آنذاك، فإنه حرم الحركة شرف السبق في إطلاق الكفاح المسلح الفلسطيني. وبعد نكسة يونيو 1967، تغيَّرت المعطيات جذريًا، فعقدت اللجنة التنفيذية للحركة في أواخر يوليو من العام نفسه دورة استثنائية أصدرت خلالها وثيقتين: البيان السياسي وتعميمًا داخليًا تضمن نقدًا للأوضاع الفكرية والتنظيمية، مؤكدًا أن الهزيمة لم تكن عسكرية فحسب؛ بل كانت أيضًا هزيمة للخط الاقتصادي والطبقي والأيديولوجي السائد.

وعلى أرضية هذا التحليل تبنَّت الحركة المنهج الماركسي، وأعلنت التزامها العنف الثوري والكفاح الشعبي المسلح، وسعت إلى تجديد حركة التحرر الوطني على ضوء التناقض الأساسي بين مجمل الحركة الوطنية من جهة، والعدو الإسرائيلي والقوى الاستعمارية الداعمة له من جهة أخرى. وفي هذا السياق، برز الفرع الفلسطيني بصيغة جديدة؛ إذ يُشير الكتاب إلى الجهود الكبيرة التي بُذلت لتأمين مقومات نجاح هذا الإطار الثوري، ومحاولات بناء جبهة قومية فلسطينية واسعة تضم مختلف القوى السياسية. غير أن تلك المحاولات لم تُكلل بالنجاح، واقتصر العمل الوحدوي على عدد محدود من التنظيمات الفاعلة آنذاك. ومع ذلك، أعطى فرع الحركة الفلسطيني أولوية للصيغة الجبهوية بين القوى الثورية، انطلاقًا من فهمه العلمي للماركسية بوصفها منهجًا للتغيير الثوري لا عقيدة جامدة. لكن التطورات السياسية والتنظيمية أدت في النهاية إلى تفكك الحركة من جهة، وانهيار فكرة الجبهة الوطنية الواسعة من جهة أخرى، ما مهَّد لتحوُّل الفرع الفلسطيني إلى حزب ماركسي- لينيني واضح المعالم، هو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

يعرض الكتاب هذه التحولات بأسلوب تحليلي موضوعي يمنح القارئ تصورًا دقيقًا لمسار تطور الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب، ويبرز الجهود المبذولة لتوثيق نشأة هذا الفصيل الثوري والظروف التي أحاطت بظهوره، فضلًا عن رؤيته الفكرية والتنظيمية لتطوير العمل الوطني الفلسطيني. ومن خلال هذا المسار، يتجلى الإخلاص الفكري والتنظيمي في النظرة إلى العلاقة بين القومي والوطني، وهي فلسفة عملية ونظرية أسهمت بفاعلية في دفع مسيرته النضالية، ومنحت الجبهة مكانة مرموقة بين حركات التحرر الوطني عربيًا ودوليًا. ويستخلص القارئ من هذا العرض دروسًا مهمة، أبرزها أن الثورة الفلسطينية لو اعتمدت الرؤية الأيديولوجية والتنظيمية التي طرحها الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب، لكان وضعها اليوم أفضل بكثير. فكل تفكير جاد في قضية الثورة والتحرر الوطني يقتضي استحضار تلك الأسس الجدلية والثورية التي ما زالت تحتفظ براهنيتها؛ سواء في تأكيد وحدة الأداة الثورية، أو في الربط بين البعدين الوطني والقومي وأفقهما الأممي، أو في تناول المسألة الطبقية ودور الطبقات الشعبية، وأهمية الحزب البروليتاري الثوري وصيغ التحالفات الواسعة في مرحلة الثورة والتحرر الوطني الديمقراطي، وهي الشروط ذاتها التي أثبتت صحتها تجارب حركات التحرر الوطني في العالم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فى الشارقة.. الكتاب بطل الحكاية

فى كل مرة أزور فيها إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، أثناء إقامة معرض الشارقة الدولى للكتاب وعلى مدار ما يزيد على العشر سنوات يتأكد لى أن الرهان على الثقافة والمعرفة لا يخسر حتى لو تغيرت ظروف المجتمعات وتغير بالطبع إيقاع الحياة بها، فالثقافة يمكن اعتبارها مشروعا قوميا بامتياز، مشروعا لا يتقادم، ويسهل مواكبته لأى تحديث تقنى يطرأ على المجتمعات، الثقافة بإمكانها أن تبنى أمة وتكسبها طابعها الخاص، وهذا ما يتحقق بالفعل فى إمارة الشارقة لما يزيد على النصف قرن من الزمان على يد حاكمها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، الرجل الحكيم المحب للعلم والثقافة، والذى اتخذ من المعرفة طريقا للنهوض بإمارته وآمن بأن الكتاب هو البطل الحقيقى فى كل الحكايات، منه نتعلم وبه نرتقى، لذلك اعتبر المكتبة فى البيت أساس التنشئة وتأتى قبل قطع الأثاث المعيشية المتعارف عليها، والشارقيون الذين يبدأون حياتهم يتسلمون بيتا به مكتبة مجهزة، فالآن لا نبالغ لو قلنا إن معظم بيوت الشارقة بها مكتبات عامرة بالكتب، فالكتاب صار فردا من أفراد الأسرة الكل يتواصل معه وبه، فلم يعد (بينك وبين الكتاب) من مسافة سوى أن تفتحه، مع الإشارة إلى أن الكلمات بين القوسين هى شعار هذا العام من معرض الشارقة الدولى للكتاب الذى يعد الآن أكبر معرض للكتاب فى العالم وقد انطلقت دورته الـ ٤٤ قبل أيام قليلة، وهو المعرض الذى يعتبره أهل الشارقة بوجه خاص وأهل الإمارات عموما احتفالية قومية معرفية، فيها كل الأعمار والفئات والطبقات، الآن أوجدت فى الشارقة ثقافة اقتناء الكتاب، والصغار يقتطعون من مصروفهم طوال العام حتى يأتى معرض الشارقة ليشتروا الكتب، صار المعرض (فسحة محببة) تعطى فسحة من الأمل للأجيال الجديدة. 

على مدار ما يزيد على نصف قرن من الزمان أنجزت الشارقة مشاريع كبيرة ومهمة فى دروب المعرفة وإن شئنا دقة التوصيف فنقول مشاريع عالمية باللغة العربية، كلها تؤكد عظمة وروعة اللغة العربية وآدابها وفنونها وتميزها عن سائر اللغات بديمومتها، وعمق التراث العربى والإسلامي، ففى معرض الشارقة هذا العام على سبيل المثال أعلن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الانتهاء من المرحلة الأولى للموسوعة العربية الشاملة فى العلوم والآداب والفنون والإعلام، بعدد 44 مجلّداً، ومبشرا بأنه بإذن الله ستنتهى المرحلة الثانية فى نوفمبر 2026، والثالثة فى نوفمبر 2027، والرابعة فى نوفمبر 2028، لتكتمل بالكامل وتربط الجيل المعاصر بتاريخ أسلافهم، الموسوعة تهدف إلى التعريف بالعلوم والآداب وجميع الفروع العلمية المتعلقة باللغة العربية والعلوم الشرعية والعلوم الإنسانية وفيها عرض لتراجم وسير كل العلماء والفلاسفة والأدباء والشعرء واللغويين والمفسرين والخلفاء والملوك وغيرهم منذ نشأة تاريخ العرب مروراً بالحضارة الإسلامية وعلمائها وفلاسفتها وأعلامها الذين أغنوا المكتبة المعرفية الإنسانية بشتى المصنفات والكتب بمختلف المعارف والعلوم والآداب.

سبق هذه الموسوعة فى دورات سابقة لمعرض الشارقة للكتاب إنجاز المعجم التاريخيّ للغة العربية حيث اكتملت أجزاؤه ال ١٥٠.. وفى كل دورة من المعرض هناك مفاجأة عبارة عن إنجاز جديد.

فى الشارقة ستكتشف أنك حقا من تصنع الخبر فيما يخص اللغة العربية وفنونها، فإذا كنت من سكان الشارقة فأنت دائما فى جملة عربية مفيدة سواء كانت جملة فعلية أو اسمية، ستكون أنت دائما المبتدأ والخبر.

من الأخبار المفرحة فى النسخة الـ44 من معرض الشارقة الدولى للكتاب، اختيار الكاتب المصرى الكبير محمد سلماوى شخصية العام الثقافية والاحتفاء به وبإبداعه وتجربته وتاريخه ورحلته، واختيار دولة اليونان ضيف شرف المعرض الذى يقام بمشاركة 2350 دار نشر و250 مبدعاً وأديباً ومفكراً من 66 دولة، يقدمون 120 فعالية ثقافية وإبداعية وفنية.

المشاريع الثقافية التى تشهدها إمارة الشارقة حالياً هى تكملة لمشوار طويل بدأ منذ عشرات السنين، يكفى مثلا أن نتذكر أن هذا العام ستحتفل الشارقة بمئوية المكتبة، حيث مر قرن من الزمان على تأسيس أول مكتبة عامة فى الشارقة فى العام 1925

أثبت الشيخ الدكتور سلطان القاسمى أن كلمة مشاريع ليست قاصرة على التشييد والبناء الحجرى أو حتى الاستثمار فى الاقتصاد وحديث المال.

الرجل أثبت أن الاستثمار فى العقول وبناء الإنسان وتشييد المشاريع الثقافية تحقق ربحا لا يقدر بثمن، ربحا يقاس بمقاييس من نور وبه تعلو حسابات الإنسان الحقيقية وترتفع.

مقالات مشابهة

  • زيارة لمنتسبي هيئة الموارد المائية في إب للمعرض للشهداء
  • ندوة علمية بكلية التربية حول «دور الأزهر في مكافحة وتفكيك الفكر المتطرف»
  • الوطني الفلسطيني": الاعتداء على قرية "أم الخير" نهج استيطاني وتطهير عرقي
  • إعلان قائمة المنتخب الوطني لمواجهتي ساحل العاج والجزائر
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 349 (محمد درابيه)
  • فى الشارقة.. الكتاب بطل الحكاية
  • المنتخب الوطني يواجه نظيره الموريتاني وديا في 15 نوفمبر بملعب بنغازي الدولي
  • محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء وتجهيز الفرع الثاني للسوق
  • الاطلاع على سير العمل في فرع هيئة رفع المظالم في حجة