تخفيضات ترامب للمساعدات تقتل من المسيحيين أكثر مما يقتل الإرهابيون
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
عندي خبر عظيم للرئيس ترامب.
لقد أعلن الرئيس عن غضبه العارم بسبب الهجمات التي يتعرض لها المسيحيون في نيجيريا، حتى أنه هدد بالتدخل العسكري هناك. وما كان من البنتاجون إلا أن أطاعه واستعد بخطط للهجوم. ولا شك في أن قلق ترامب على النيجيريين موضع ترحيب؛ ولكن الخلل يكمن في أن تخفيضات ترامب للمساعدة تقتل من المسيحيين النيجيريين عددًا يفوق كثيرًا من قتل الإرهابيون المسلمون منهم.
فلو أن ترامب يريد أن ينقذ حياة المسيحيين النيجيريين، فالخبر الجيد هو أنه ليس مضطرًا إلى إنفاق مليارات الدولارات على شن هجوم جنوني على تلك الدولة التي باتت الآن مخزية (على حد تعبيره)؛ بل إن كل ما يجب عليه هو أن يعيد المساعدات الأمريكية التي كانت التقديرات تشير إلى أنها تنقذ حياة أكثر من ربع مليون نيجيري في كل عام.
لقد بدا أن تهديد الرئيس بمهاجمة نيجيريا ردٌّ على الحديث الملتهب الجاري أخيرا في دوائر معنية بشأن قتل المسيحيين في نيجيريا أو حتى إبادتهم جماعيا؛ إذ أدان تيد كروز، السناتور عن ولاية تكساس، «القتل الجماعي للمسيحيين» في نيجيريا، وزعم بيل ماهر أن أكثر من مائة ألف مسيحي لقوا مصرعهم منذ عام 2009.
وقال بيل ماهر «لو أنكم لا تعرفون ما يجري في نيجيريا، فيا لوضاعة مصادركم الإعلامية».
لكن لا يبدو أن بيل ماهر نفسه يعرف ما يجري في نيجيريا، ولا وزير الدفاع بيت هيجسيث الذي أعلن أن البنتاجون «يتأهب للعمل» في نيجيريا.
فالحق أن قتل المسيحيين (والمسلمين على السواء) في نيجيريا قد جرى على أيدي الجماعات الجهادية الدموية من قبيل بوكو حرام والدولة الإسلامية. وانعدام الأمن بصفة أعم يمثل مشكلة هائلة في نيجيريا، في ظل قتل ثمانية آلاف من المنتمين إلى شتى العقائد خلال العام الحالي. وصحيح أيضا أن ولايات عديدة في شمال نيجيريا لديها قوانين تجديف يمكن استعمالها لإرهاب المسيحيين والمسلمين غير المتدينين.
وسيكون اهتمام ترامب بكل هذه المشكلات موضع ترحيب عظيم؛ ولكن وصف وضع معين بالإبادة الجماعية يمثل استخفافًا بضحايا الإبادات الجماعية الحقيقية.
ويبدو أن مزاعم اليمين بوجود عشرات آلاف القتلى من المسيحيين تجانب الصواب كثيرا؛ إذ إن تقارير دقيقة صادرة عن مشروع بيانات الأحداث ومواقع النزاعات المسلحة (ACLED)، وهي مجموعة مراقبة مستقلة، تشير إلى وجود ثلاث وثلاثين حالة وفاة حتى الآن خلال العام الحالي في هجمات ضد المسيحيين. كما أفادت التقارير أن الدين كان له دور في هذه الوفيات. بينما الرقم المقابل للمسلمين أعلى، إذ إنه يبلغ ثمان وثمانين حالة وفاة.
ومنذ يناير 2020، أحصت مبادرة جمع البيانات مقتل أربعمائة وخمسة وسبعين شخصا في هجمات استهدفت المسيحيين، وأربعمائة وأربعة أشخاص في هجمات استهدفت المسلمين.
ومن المحتمل أن تكون هذه الأرقام أقل بكثير من الأعداد الحقيقية؛ لأنه في الغالب لا يكون واضحًا ما إذا كان دين الضحية عاملًا في عملية القتل. فبعض أعمال القتل تشمل رعاة من قبيلة الفولاني المسلمة ممن لديهم صراعات مع المزارعين المسيحيين المستقرين. ويصعب أن نعرف متى يكون قتلٌ معينٌ ضاربًا بجذوره في الدين أو متى يكون نزاعًا على رعي بقرة من قطيع في محصول أحد المزارعين.
كما أنه ليس واضحًا أيضًا إذا كان المسلمون أم المسيحيون هم أكثر الضحايا. فقد قالت اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية في تقريرها العام الماضي إن «العنف يؤثر على أعداد كبيرة من المسيحيين والمسلمين على حد سواء».
وأيضا من الأسباب التي تدعو إلى التشكيك في مزاعم الإبادة الجماعية للمسيحيين في نيجيريا أن كثيرا من كبار المسؤولين النيجيريين مسيحيون، بل أن السيدة الأولى هناك ليست مسيحية فقط ولكنها كاهنة في كنيسة.
على أي حال، يتضاءل عدد القتلى في نيجيريا -وإن يكن مأساويا- بجانب أربعمائة ألف يعتقد أنهم ماتوا في حرب السودان الأهلية على مدار السنتين ونصف السنة الماضية. فلو أن ترامب يبالي بالأعمال الوحشية في أفريقيا، فيجدر به أن يتصل بأصدقائه وشركائه ويطلب وقف تمويل قوات الدعم السريع المسؤولة عن القتل الجماعي والاغتصاب الجماعي في السودان.
وثمة أمر آخر أراه مسيئًا في صياح ترامب وهيسجيث بشأن نيجيريا: لو أنكما تباليان بأمر القمع الديني لطائفتكما فقط، فما أنتما مباليان بالقمع الديني؛ فقمع المسيحيين والمسلمين والبهائيين والأحمديين وغيرهم آفة عالمية تستحق مزيدا من الاهتمام؛ لكن بعض الحالات الأشد إلحاحا اليوم تتعلق بمسلمي الروهينجا في ميانمار ومسلمي الأويجور في الصين.
لقد كان من الثيمات الراديكالية في تعاليم المسيح، كما يوضح الباحث بارت إهرام في كتابه وشيك الصدور وعنوانه «أحبوا غرباءكم»، تأكيده أمر التعاطف مع جميع الناس، بمن فيهم الغرباء عن دائرة المرء ومجتمعه. وبعض المبشرين والراهبات وعمال الإغاثة يعيشون على هذا المبدأ، حتى أن أحد أولئك الأبطال -وهو عامل إغاثة تبشيري يدعى كيفين ريدوت- قد تعرض للاختطاف أخيرا في النيجر التي أفنى فيها تسعة عشرا عاما من عمره لتحسين حياة الناس. أما المغالاة في أمر إبادة جماعية غير قائمة للمسحيين فيبدو لي عملًا استعراضيًّا صبيانيًّا.
لقد كتبت زميلتي هيلين كوبر في نيويورك تايمز أن الجيش الأمريكي، استجابة لتهديد ترامب، وضع ثلاثة بدائل للتدخل في نيجيريا: الخفيف والمتوسط والثقيل. ولا يبدو مرجحًا لأي منها أن يحقق الكثير عدا إهدار المال، وذلك شبيه تمامًا بحملة ترامب المنسية على اليمن في الربيع إذ أهدرت مليار دولار في شهرها الأول وحده ولم تحقق شيئًا واضحًا.
قد يفكر ترامب أيضا أنه في حين عجز الجهاديون عن قتل عشرات آلاف المسيحيين النيجيريين، فإن إدارته تفعل ذلك بالضبط. فحسب مركز التنمية العالمية في واشنطن في مطلع العام الحالي أن المساعدات الإنسانية الأمريكية قبل تولي ترامب السلطة كانت تنقذ حياة مائتين وسبعين ألف نفس في نيجيريا سنويا.
ومن المبكر للغاية أن نتنبأ بثقة بعدد الأطفال المسيحيين النيجيريين الذين سيموتون بسبب قطع ترامب اللقاحات عنهم، وأدوية الإيدز، والمساعدة الغذائية، وغيرها من الضروريات. ولكن المرجح كثيرًا أن يتضاءل عدد من قتلهم الإرهابيون قياسًا إلى عدد من يموتون بقطع ترامب المعونة. فلو أن ترامب يبالي بالمسيحيين أو بأي أحد غيرهم في نيجيريا، فكل ما ينبغي عليه هو أن يعيد المساعدة فيتيح للأطفال أسباب الحياة.
نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ 2001
الترجمة عن ذي نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من المسیحیین فی نیجیریا
إقرأ أيضاً:
ألمانيا تسرّع تأشيرات النيجيريين لجذب الكفاءات
كشفت الحكومة الألمانية عن نيتها تسريع وتبسيط إجراءات الحصول على التأشيرات للمواطنين النيجيريين، وذلك في إطار سياسة جديدة تهدف إلى جذب المزيد من الكفاءات من أفريقيا.
وأكدت وزارة الخارجية الألمانية، أن هذه الخطوة تأتي استجابة للطلب المتزايد على العمالة في السوق الألمانية، خاصة في قطاعات الصحة والهندسة والتكنولوجيا.
وبحسب التصريحات الرسمية، تخطط برلين لرفع عدد التأشيرات الممنوحة للنيجيريين إلى أكثر من 10 آلاف سنويا، مع التركيز على تسهيل الإجراءات الإدارية وتقليص فترات الانتظار التي كانت تشكل عائقا لكثير من المتقدمين.
وتأتي هذه الخطوة في سياق سعي ألمانيا إلى معالجة النقص الحاد في اليد العاملة، والذي يُعد من أبرز التحديات لاقتصادها المتقدم.
نيجيريا شريك إستراتيجي لألمانياتعتبر نيجيريا أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان وأحد أهم شركاء ألمانيا في القارة.
ويُنظر إلى هذه التسهيلات على أنها رسالة سياسية واقتصادية تعكس رغبة برلين في تعزيز العلاقات الثنائية، ليس فقط على مستوى العمالة، بل أيضا في مجالات الاستثمار والتعاون التنموي.
ويرى مراقبون أن هذه السياسة قد تفتح الباب لموجة جديدة من الهجرة النظامية، بما يضمن مصالح الطرفين: ألمانيا التي تبحث عن اليد العاملة، ونيجيريا التي تسعى إلى توفير فرص أفضل لمواطنيها في الخارج.
تأتي هذه المبادرة في وقت تتزايد فيه المنافسة بين الدول الأوروبية على استقطاب الكفاءات من أفريقيا وآسيا، حيث تسعى الحكومات إلى مواجهة شيخوخة السكان ونقص العمالة.
وبالنسبة لنيجيريا، فإن هذه السياسة قد تمثل فرصة لتعزيز حضورها في أوروبا بأبنائها المهاجرين، الذين يُتوقع أن يسهموا في تحويلات مالية مهمة للاقتصاد المحلي.
إعلان