المطورون العقاريون وسبوبة العصر
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
كيف تحول حلم الكومباوند إلى فخ عقود الإذعان واستنزاف المدخرات والاستغلال والاحتيال على المواطنين بأسعار خرافية لا تمثل القيمة الحقيقية! شهدت السوق العقارية تحولاً مثيراً للقلق؛ فقد تضخمت المشاريع لتصبح «سبوبة العصر» بامتياز. والمطور العقارى، الذى استفاد من آلاف الأفدنة التى حصل عليها بأثمان زهيدة بعيداً عن المزادات العلنية، يمارس اليوم استغلالاً منظماً لمدخرات المواطنين فى غياب تام من الرقابة والمتابعة وهل تم سداد قيمة الأرض كاملة من عدمه وهل التزم بنسبة المبانى من عدمه، وهل التزم بما جاء فى تراخيص البناء أم هناك مخالفات جسيمة وهل عقد الأرض خالص ومسجل من عدمه.
تعتمد اللعبة على حملة إعلانية مشوقة يصرف عليها المقاول ببذخ لاصطياد الزبون. ويتم إغراؤه بدفعة أولى بسيطة لا تتجاوز ١٠٪ وأقساط ممتدة تصل إلى ٨ سنوات. لكن حقيقة الصفقة تتضح عند التوقيع على ما يسمى بعقود إذعان. يجد المشترى نفسه يوقع على حجز وحدة على الورق (مسلسل اللونش)، وهو يدفع ثمن شقة فى الهواء، بينما يستغل المطور هذه الأموال ليبنى بها المشروع، مع تسليم مؤجل أربع سنوات، وكمان على الطوب الأحمر وهو ما قد لا يحدث أبداً، ما يهدد بخطر هروب المطور بفلوس الحاجزين.
العمود الفقرى لهذه السبوبة هو وديعة الصيانة، التى تتراوح بين ٨ إلى ١٠٪ من قيمة الوحدة. وفى كومباوند يضم ٥٠٠ وحدة بمتوسط ٦ ملايين جنيه، تصل الوديعة إلى ٣٠٠ مليون، وهى مبالغ ضخمة تدفع لوحدة لم تبنَ أصلاً. هذه الوديعة، بفرض عائد بنكى ٢٧٪، تدر ٨١ مليون سنوياً. والأدهى هو النص فى العقد على أن المطور هو المسئول الوحيد عن الإدارة، ويعين هو المراجع القانونى، ويمنع إنشاء اتحاد شاغلين. وبطبيعة الحال، يقر المراجع دائماً بأن العائد لا يغطى المصروفات، ليطالب المالك بفروق صيانة سنوية تتصاعد بلا نهاية، ليصبح هذا ربحه الأساسى الثانى، بينما هو فى الواقع يشغل أموال الوديعة فى مشاريعه الخاصة.
الوضع يتحول إلى شراكة استغلال وليست بيعاً. فالمطور يضع بنوداً تسمح له بفسخ العقد وضياع فلوسك وشقتك إذا تأخرت عن سداد قسط واحد. كما أنه يتحكم فى عملية إعادة البيع، ويحمل المشترى الجديد بمئات الآلاف كرسوم تنازل مخالفة للقانون.
الذى يمنع حصول المطور على رسوم تنازل بناءً على نص المادة 15 من قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018 فى مصر، وتنص على بطلان أى شرط فى العقد يفرض على المشترى دفع نسبة أو رسوم أو عمولة للبائع أو خلفه من ثمن تصرف المشترى فى الوحدة العقارية.
لابد للدولة والحكومة من التدخل الفورى وحماية الشعب والاقتصاد. ويجب إلزام المطورين بتطبيق القانون الذى كان يشترط الانتهاء من ٧٠٪ من الإنشاءات قبل بدء البيع، ووضع قوانين صارمة للحد من بيع الهواء. وعلى الدولة تجميد منح الأراضى، والتحقق من سداد المطورين لقيمة الأراضى المستحوذ عليها. والالتزام بنسبة المبانى وشروط التراخيص وسداد كامل قيمة الأرض للدولة وتقنينها. وحماية المواطن واجب، والسكوت هو تمكين لهذه البلطجة العقارية.
رسالة أخيرة: لا تشترى أى عقار على الورق. ادفع واستلم فوراً. السوق العقارى بحاجة إلى يقظة ورقابة حازمة لضبط الأسعار العادلة وإنهاء عصر عقود الإذعان واستغلال الشعب بأسعار خرافية لا يقدر عليها الشعب المصرى. هذا بخلاف الازعاج عبر التسويق التليفونى بما يعادل أكثر من 50 مكالمة تسويقية يومية ما جعل حياتنا جحيماً من الازعاج والاستفزاز بالأسعار المستفزة التى يعرضونها ولا تمثل قيمة حقيقية بل الاستغلال بشتى الطرق.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: شريف جبر القيمة الحقيقية السوق العقارية
إقرأ أيضاً:
شيخ البلد
الهدوء والسلام والثقة من سمات التصالح مع النفس، والوصول إلى درجة الرضا عن الذات لا يمتلكها كثيرون.. محبة الآخرين لا تصدأ ويظل بريقها دائما فى النفوس، لأنها الراحة الكبرى، فى كلامه وتصرفاته مع الآخرين هو خادم لهم، كانت ملامحه تعكس رقيًّا داخليًا، وكأن الحياة اختارته ليكون طبيبًا للنفوس قبل أن يصبح رقيب.. أراد الطب، لكن الأقدار رسمت له دربًا آخر، ومع ذلك ظل يحمل قلب الطبيب أينما ذهب، فما أجمل أن تكون شخصًا كلما يذكرك الآخرون يبتسمون وللمحبة دائما أساس.. هكذا كان الدكتور سيد عبدالفضيل الذى ظل سنوات طويلة رئيسا للإدارة المركزية بالرقابة المالية، قبل أن يكون نائبا لرئيس قطاع الإشراف والرقابة على التمويل غير المصرفى.
عرفته منذ أكثر من اثنين وعشرين عامًا، مع عملى فى سوق المال، كان متفانيًا فى عمله، محبًا للنظام، حريصًا على تطوير منظومة الرقابة، مخلصًا فى كل تفصيل. كان مكتبه يعجّ بالوجوه الباحثة عن مشورته، كأنه منبر علم أو محراب إخلاص، ولا عجب أن أطلق عليه زملاؤه لقب «شيخ البلد»، فالجميع قصده كما يُقصد الحكماء فى الشدائد.
لم يكن طريقه مفروشًا بالورود. كان يحلم بدراسة الطب، وكاد أن يحقق حلمه، لكن والده والقدر اختارا له طريق التجارة. فاحتضن هذا المسار بكل شغف حتى نال درجة الدكتوراه. وعندما تخرّج فى كلية التجارة الخارجية بتفوق، تقدّم للعمل فى هيئة سوق المال مطلع التسعينيات، غير أن الأبواب أوصدت فى وجهه، بفعل الواسطة، رغم تفوقه وكفاءته. لكنه لم يستسلم. كتب تلغرافًا إلى رئيس سوق المال آنذاك، محمد فج النور، بكلمات لا تُنسى: «أنا الأحق».. وعلى استعداد لمناظرة أى من المتقدمين. كانت كلماته صادقة لدرجة جعلت الردّ يأتى سريعًا، فتصدر قائمة المقبولين.
بدأ رحلته فى عالم سوق المال الذى لطالما اعتبره بيته الأول، فكان الانطلاقة من شغفٍ حقيقى بالعمل، ترجمَهُ إلى مسيرة مهنية حافلة بالخبرات والإنجازات. ومع مرور السنوات، تراكم لديه خبرة واسعة أهلته لأن يتولى رئاسة الإدارة المركزية للتمويل، ليواصل من موقعه هذا مسيرة النجاح، ويقود مع زملائه رؤية استراتيجية متكاملة ارتكزت على التطوير والتحديث والابتكار، من بينها تطوير قاعدة بيانات متكاملة، وحفظ المعلومات إلكترونيًا لضمان أعلى درجات الكفاءة والشفافية، إلى جانب المساهمة فى صياغة تشريعات السندات المتنوعة، سواء المصنفة أو سندات الإيرادات وغيرها من الأدوات المالية الحديثة.
ولم يتوقف شغفه عند هذا الحد، إذ كان من أكثر الداعمين لفكرة إنشاء إدارة متخصصة بالصكوك، ذلك الملف الذى شكّل بالنسبة له قضية عمره ومجال إبداعه الحقيقى. وبفضل جهوده المتواصلة وإيمانه الراسخ بأهمية هذا القطاع، نجح فى أن يرى أحلامه تتحقق واقعًا، ليكون شاهدًا على إنجاز طالما حلم به وسعى لتحقيقه، جامعًا بين الرؤية والخبرة والإصرار على التطوير.