سقوط الفاشر حدث كبير و مؤثر و هذا سبب كاف للنظر إليه و التعامل معه بالكثير من الجدية و التعقل و الحزم .
وصلت أعداد كبيرة من نازحي الفاشر إلي الدبة و تم إستقبالهم معززين مكرمين و ليس في هذا غرابة و لا شئ جديد إنما الجديد هو أن الشمالية ستصبح أقرب إلي دائرة الأزمة و الحرب و لا مجال بعد الفاشر لتقع مأساة جديدة .
الدبة و كثير من مدن و قرى الشمال التي استقبلت من نزح إليها أصبحت حالياً مهبطاً للعديد من أعين و جواسيس التمرد .
نقلت شهادات متعددة عن مظاهر جديدة في المنطقة و ما حولها إذ تفشت ظاهرة وفود أشكال غريبة و جديدة و زادت أعداد الذين يعملون في مهن هامشية تسمح لمن يعمل فيها التحرك بين المناطق و البشر بل كان ثمة أئمة في مساجد عيون ترصد حركة الناس و ترسل القوائم بأسماء الضباط و الأثرياء و الـ (كيزان).
تعودنا من التمرد أن يتهم الحكومة و الشمال بالعمل بما يسمونه كذباُ بقانون (الوجوه الغريبة) و ليس هنالك من قانون بهذا المسمى و لم يحاكم به سوداني واحد لسبب بديهي هو أنه غير موجود و هو قانون مزعوم هدفه تخويف الحكومة و أجهزتها ليسهل بث العيون و الجواسيس.
لم تعد بلادنا تحتمل التساهل مع مكامن الخطر و عندما تساهلنا مع الدعم السريع من قبل كانت النتيجة الحرب و ما نعيشه الآن .
أحكام بالعشرات و المئات صدرت بإعدام مَن تجسسوا ضد الدولة و الجيش و لم تنفذ لأن البلاد مرهونة لتشكيل المحكمة الدستورية و التي عين رئيسها قبل ثلاثة أشهر و لم تستكمل عضويتها حتي اليوم و لا يزال من يحكم بإعدامه يفرح و يحتفي.
الفاشر مدينة كبيرة و بها مرافق مهمة و قريبة من شمال السودان و وسطه و تأخير حسمها يعني أن نسمح ببناء أخطار حقيقية .
الحرب لا تحسم فقط بالسلاح و إنما أشياء عدة من بينها و من أهمها المال و الذي يعني أن نكون دولة إقتصادها قوي و لكن حكومتنا ضيعت أكثر من خمسة أشهر و لم يظهر لها ناتج إقتصادي بل لم تخطو نحو إصلاح يؤمن إحتياجات الحرب و العتاد و حاجات الناس و ما سمعناه من أرقام لإنتاج و عائدات لا يزال طي الغيب يتكلم به الوزراء و لا نراه و نريده زراعة منتجة و لحوماً مصدرة و صناعة يكفي ناتجها لا أرقاماً تؤمن الكراسي و المناصب.
رغم جهود اللجنة المعينة لإعداد العاصمة لعودة الحكومة إلي الخرطوم إلا أنها لم تعد و في الإمكان أن يباشر رئيس الوزراء عمله إن كان له عمل من الخرطوم حتى يشجع غيره و لكنه لم يفعل.
العالم الخارجي لن ييأس و يتوقف عن تحركه تجاه السودان رغم قرار مجلس الدفاع و الأمن السوداني باستمرار الإعداد لحسم التمرد.
ستكون الهدنة ورقة مسلطة علينا و أقل ما يمكن أن تفعله أن تشغلنا عن مهام كبيرة .
مرحلة ما بعد الفاشر تعني إعداد حصوننا الداخلية من حكومة و أمن و إقتصاد و أيضا إعداد القوة لنحرر الفاشر و السودان كله.
العالم اليوم مع السودان و هذا مكسب إذا لم نستفد منه ضاع و نحتاج لأن ندخل مرحلة جديدة يكون فيها الجميع قد علموا ما هو مطلوب منهم .
السفارات التي تحركت و السفراء آن لهم إن يتحركوا بإستمرار و دون إنتظار عصا الوزارة و الوزير التي تدفع للعمل .
إعلامنا المضطرب لا بد له من ضبط نواشزه التي يخرج منها كشف تحركات الجيش و العمليات و أن تنشط مؤسساته الرسمية حتي تكون مؤسسات وزارة الإعلام هي الناشر الأول لأخبارنا داخليا و خارجيا وفق متطلبات النشر.
كثير من المتابعين نظروا في صورة الرئيس البرهان و هو ممسك برأس نازحة مسنة متأثرا بمأساتها و يرون في تعابير وجهه أسى علي ما جرى لها و لمدينتها و يقرأون من خلال وجهه و أعينه عزماً علي الحسم و نرجو ألا يخيب الرئيس أحلام شعبه التي إنبنت من حزن يحكي حال السودان كله .
راشد عبد الرحيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت
كتب حاكم إقليم دارفور “مني أركو مناوي”:
الفاشر كانت يوماً عاصمة للسلام و العزة ، فصارت اليوم شاهدة على أبشع صور الخراب والدمار والتطهير العرقي ، البيوت سويت بالأرض ، الأسواق أحرقت و المستشفيات خلت من الأطباء و الدواء ، نصف سكانها من الأبطال رحلوا شهداء ، وبعضهم دفن تحت الركام و بعضهم هرب نازحآ و البعض الآخر ما زال يقاتل الجوع و الخوف ، في كل زاوية منها قصة مقاومة و في كل شارع دمعة أم ودعاء أب و صوت طفل يبحث عن الحياة ، سلام على الفاشر و أهلها و على شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة و عار على من دمرها و قتل أبناءها وأطفأ أنوارها.
لكنها ستنهض و سنعود لأن المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت و الفاشر ستبقى رمز الثبات والنضال مهما طال ليل الخراب .
رصد – “النيلين”
إنضم لقناة النيلين على واتساب