الكوفية الفلسطينية تروي حكاية وطن عبر الموضة
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في زمنٍ تتقاطع فيه السياسة بالفن والجمال، تواصل الكوفية الفلسطينية نسج حضورها على السجادة الحمراء وفي عروض الأزياء العالمية، لتتحول من قطعة تراثية إلى بيان إنساني ورسالة تضامن تعبّر عنها الموضة بطرق مختلفة.
خطفت المنتجة السينمائية أوليفيا غيلوزي الأنظار بإطلالة غير تقليدية في مهرجان الجونة السينمائي الأخير، إذ اختارت زيًّا من مصمم الأزياء المصري محمد نور، استخدم فيه قماش الكوفية بأسلوب فني معاصر منحها طابعًا مختلفًا عن بقية فساتين النجمات على السجادة الحمراء.
كرّست غيلوزي بهذا الظهور حضور الكوفية الفلسطينية في المشهد الفني العالمي، حيث أصبحت ترافق العديد من المشاهير العرب والأجانب في خطواتهم على السجادة الحمراء.
يقول المصمم المصري محمد نور في مقابلة مع موقع CNN بالعربية إنّ "الكوفية ليست مجرد نقشة، بل رمز لصمود شعبٍ وهويةٍ لا يمكن كسرها، وتاريخٍ يجب أن يبقى حيًّا".
ويضيف أن ما ألهمه لدمجها في تصاميمه هو إيمانه بأن "للفن رسالة ودورًا إنسانيًا إذ يجب أن يوصل صوت من يُقمَع، ويوثّق القضايا بأسلوب راقٍ ومعبّر".
View this post on Instagram
ويشير نور إلى أن مجموعته "حُرّة" التي عرضها في 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، كانت ردّ فعل طبيعيًا على ما شهده العالم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول في غزة، فيما حملت مجموعته اللاحقة "حُرّة 25" رؤية متكاملة للهوية الفلسطينية، عبر دمج رموز العمارة والزخارف الإسلامية في القصّات والتكوين الهندسي للملابس، ليعكس الفخر والصلابة بروحٍ معاصرة تحمل تاريخًا وقضية.
ويتابع نور: "الموضة ليست مجرد ذوق أو جَماليات، بل أداة للتعبير السياسي والاجتماعي، ولا يقتصر دور المصمّم على الإبداع الجمالي، بل يمتد إلى إيصال الرسائل، وفتح النقاشات، وإثارة الأسئلة".
View this post on Instagramلم يكن حضور الكوفية محصورًا في الجونة وحده، بل في مناسبات عربية وعالمية متعددة، ففي حفل توزيع جوائز "بياف" في العاصمة اللبنانيّة بيروت، لفتت الممثلة اللبنانية باميلا الكيك الأنظار بفستان طويل من توقيع المصممة السورية نور بندقجي، صُنع بالكامل من قماش الكوفية الأبيض والأسود، في رسالة تضامن واضحة مع القضية الفلسطينية.
View this post on Instagramوارتدت عارضة الأزياء اللبنانية–الأمريكية نور عريضة الكوفية الفلسطينية في أول ظهور لها في شوارع العاصمة الفرنسية، بأسبوع الموضة في باريس، لتصبح الصورة حديث مواقع التواصل.
View this post on Instagram
أما الممثل الإسباني خافيير بارديم، فقد اختار ارتداء الكوفية على السجادة الحمراء خلال الدورة الـ77 من جوائز إيمي، في خطوة رمزية أعلن من خلالها دعمه للشعب الفلسطيني.
أطلّت عارضة الأزياء الأمريكية ذات الأصول الفلسطينية بيلا حديد بفستان أحمر مستوحى من الكوفية الفلسطينية خلال ظهورها في مهرجان كان السينمائي مايو 2024 في لمحة واضحة إلى جذورها وتراثها الفلسطيني.
View this post on Instagramوفي ظهور لاحق، اختارت حديد فستانًا من مجموعة "علبة الزيت" للمصممة الفلسطينية ريما البنا، الذي حمل في رسوماته وتطريزاته بصمة هوية البنا وذكريات طفولتها.
تلفت المصممة الفلسطينية ريما البنّا، التي عُرفت بدمجها التراث بالحداثة، في مقابلة مع موقع CNN بالعربية إلى أنها استكشفت الكوفية بطرق متعددة في أعمالها، لكن ليس بمعناها الحرفي أبدًا، إذ أن جوهرها يحمل قوة أكبر من شكلها، ولهذا أعادت تفسير روحها من خلال خطوط دقيقة تتشابك فيها النجوم والقلوب، تعبيرًا عن الترابط والمقاومة".
View this post on Instagramترى البنّا أن التحوّل الذي شهدته الكوفية جعلها "رمزًا عالميًا مهددًا بفقدان جوهره"، مفسّرة أنّها تُستخدم اليوم بشكل مفرط من علامات تجارية لا تدرك معناها الحقيقي، ما يُفقدها رمزيتها.
View this post on Instagramوتؤكد البنّا: "من خلال الموضة المعاصرة، أؤمن بأن الكوفية يجب أن يُعاد تخيّلها، لا أن تُرتدى فقط. وعلينا أن نجعلها جزءًا من رؤيتنا الخاصة، وأن نحافظ على روحها الأصيلة في عالم سريع التغيّر لتكريمها بحق".
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: أزياء فساتين فلسطين مشاهير موضة نجوم نجوم هوليوود على السجادة الحمراء الکوفیة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة باليمن
يقول الفنان البصري مظهر نزار، أحد أبرز رواد وأعمدة حركة الفن التشكيلي في امتداد الحضور اليمني والعربي، ولحظة التأسيس للفن بمحطات ومواقف النضج والإبداع التي ربطته بجماعة الفن التشكيلي وتكويناته:
"عندما يتعلق الأمر بمدينة صنعاء، فإن أعمالي تجسد ذكريات المدينة الجميلة، مجسدة بألواني المائية، فهذه الوسيلة مثالية للعمل مع الموضوع".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بالصور.. منخفض جوي يضاعف مأساة غزةlist 2 of 2كيف قلب غوستاف لوبون نظرة أوروبا إلى الحضارة العربية الإسلامية؟end of listويستطرد نزار في حوار صريح وحصري للجزيرة نت:
"هنا، أضيف مجددا مشاعري الخاصة بالضوء والظل، مما يجعل العمل أكثر حيوية وجاذبية بصريا للجمهور".
ولا ينسى الفنان اليمني مظهر نزار -حتى وهو في أوج مرسمه ومحترفه وانشغاله الفني- فلسطين وآلامها وشعبها، قائلا:
"عندما أرسم فنا معاصرا لا علاقة له بمدينة صنعاء، فإن ذلك يمثل نهجا مختلفا تماما. هنا، تصور المواضيع نساء عاديات يعشن حياتهن اليومية، في حين تشكل بعض الشظايا التاريخية والأوضاع الراهنة في العالم -مثل شعب فلسطين- جزءا من أعمالي، وكذلك وضعنا الحالي في اليمن، كل ذلك أثناء عملي في مرسمي".
تخرج في الثمانينيات من كلية الفنون بجامعة كلكتا في الهند، وكان في ذروة نشاطه الفني حينما انصهرت تجربته في استلهام حوار الثقافات عبر الفن مبكرا، فعاش ولامس ورأى واستشهد بعلامات وشواهد وثقافات وهويات متعددة، في حين ظلت اليمن هي الرمزية الحضارية الحاضرة والعميقة في أعماله التشكيلية البصرية، ضاربة كمثل الجذور بالنسبة للتربة الطيبة.
وخلال دراسته الأكاديمية ومعرفته بأبجديات الفن، سبقت موهبته الفنية الفصل الدراسي، لتنفرد تجربته التشكيلية منذ 4 عقود وحتى اليوم، بوصفه أحد أبرز رواد حركة الفن التشكيلي في اليمن إلى جانب الفنان المعلم الراحل هاشم علي، وطلال النجار، وحكيم العاقل، وآمنة النصيري، وعبد الجبار نعمان. وهناك أيضا الفنان عادل الماوري من بين الفنانين الذين يمثلون امتدادا حيا لجيل الرواد المؤسسين، وهو من الشباب الذين لا يزالون محافظين على سمات فنية في أعمالهم تحيل بموهبة إلى أصالة التجربة، إلى جانب فنانين آخرين.
تعرف أحد أبرز الفنانين التشكيليين في الهند على رسومات اليمني مظهر نزار مبكرا، وكانت له شهادة محفزة وباكرة في رؤية ألواح نزار الفنية. كما تعرف معظم لوحاته ببصمته الخاصة في الفن، حتى لو لم ير المشاهد توقيعه على أعماله، فهي تحيل إلى بصمة وهوية ومدرسة وأسلوب في الفن البصري.
إعلانإنه "رسام صنعاء القديمة" بامتياز، بألوانه وبورتريهاته عن المكان والأشخاص والحيوات، وبالتفاصيل الدقيقة في معمار صنعاء بزخارف معمارها وخرشاته ومشربياته وجصه ونوافذه الندية بالغيم.
تنسجم أعماله مع روحه المخلصة والمتفاعلة برؤية الفنان وجسارة الموقف عبر الفن، وغير ذلك من الشواهد والوجوه والسمات والتيمات والسرد التشكيلي البصري الذي يشتغل عليه نزار برمزية أو ثنائية (الملكة – المرأة – الهدهد – القبّرة – الملك القَيل أحيانا).
كما يركز فنيا تركيزا دقيقا تحتشد فيه نصوصه اللونية بعناصر الفن في توظيف واستخدام مواضيع خاصة به، ولطخات وأنفاس مائية تنطق بتحليقات وأجنحة ومياه وسماء وأجواء فيروزية، وتقنيات تسرد التراث ومفردات الحضارة اليمنية في سياقات تتحد فيها الأزمنة برؤية المستقبل وأسئلته الحائرة.
وإذا كانت بعض أعماله تحمل طابعا تجريديا محضا، فإن القراءة البصرية المعمقة وفك رموزها وملامسة أبعادها ودلالاتها كأفكار غير مستنسخة، تبرز في تجليات معنى للفن مختلف يكمن خلف الخطاب البصري وعباءة ألوانه ورشات فرشاته الفريدة ومذهباته.
كما تحيل جل أعمال نزار إلى رموز وإشارات ثقافية، وألوان ومفردات نصية بلغة اللون والماء، وتقنيات متعددة مواكبة تميز تجربته بعمق عن سواه، كما امتاز بسمات وجودة الفن والأداء.
وفي حين يتماهى مع لوحاته جيل من الفنانين، يتماثل ويتناص مع فنه بعض محترفي الفن التجاري، من خلال توظيف رمزية بعينها سبقهم إليها الفنان البصري الرسام مظهر نزار.
فإلى الحوار:
كيف تختزن في لوحاتك كل هذا البهاء اللوني حين تستلهم رسوماتك أمكنة وأزقة وأحياء صنعاء القديمة بجماليات تفوق تصور ودهشة الناقد والطبيعة ذاتها؟على مدى الأربعين عاما الماضية، بقي لدي موضوعان أساسيان:
الأول هو الألوان المائية على ورق مدينة صنعاء، والتي ما زلت أحب العمل عليها حتى اليوم وللمستقبل. لقد أتقنت تقنيات الألوان المائية التي يصعب على العديد من الفنانين القيام بها.
أما الموضوع الثاني فهو نهجي المعاصر لموضوع "الملكة والمرأة في اليمن"، وهنا صادفت العديد من التقنيات وطرق استخدام الألوان بطرق مختلفة، إذ إن العمل لفترة طويلة يجعلك تطور توزيع الألوان وفقا لذلك لإنهاء الأعمال الفنية، مع اتباع نهج لوني مختلف في كل عمل فني.
وبشكل عام، يعتمد عملي الفني على مزاجي الذي يسمح لي بابتكار خلطات لونية جديدة بين الحين والآخر لإنهاء العمل الفني الفردي.
كيف يفهم القارئ والمشاهد للوحاتك علاقتك بالمكان؟ وهل لذلك صلة بالحضور العالمي لأعمالك التي تترجم بصريا وفنيا أفق محليتها؟بعد استخدام العديد من الصور المرجعية، أتقنت الإضاءة والظلال في مدينة صنعاء، حتى إنني استخدمت صورا قديمة بالأبيض والأسود، ورسمت لوحة مائية كاملة ومليئة بالألوان.
لكنني في هذه الأيام أصنع الإضاءة والظلال الخاصة بي على الصورة المرجعية، وأحولها إلى لوحة مائية واعدة. كما ترون الآن، فقدت مدينة صنعاء سحرها بسبب عدم تجديدها وإهمالها، لذا أعتبر رسمي المتواصل لها بالألوان المائية لمدة 40 عاما تكريما شخصيا لي ولها في آن واحد.
إعلان ألواحك الفنية تبقى ناطقة بالجمال والخطوط والرموز والألوان، وهو ما قد يستفز عين الناقد للكتابة. هل المكان ذاته يوحي لك بفكرة اللوحة، أم أنه حنين الذاكرة ورصيد التجربة الاحترافية اللصيقة بصنعاء الإنسان والمكان؟إنه المكان الذي يلهمني بالتأكيد، وتاريخه كذلك. لقد ولدت وعشت في الهند خلال شبابي، حيث نشأت في بلد تتعدد فيه الديانات والثقافات، ورأيت هناك تنوعا كبيرا في الحياة. ثم عدت إلى اليمن، أرض أجدادي، التي ألهمتني القيام بأعمال فنية عن أسلوب الحياة التاريخي والتقليدي، وخاصة مدينة صنعاء الجميلة ذات الضوء والظل الذهبي. لم أر مثل هذه الوليمة الجميلة لعيون الفنان الذي يرسم هذه المدينة من وقت لآخر.
نعم، بالتأكيد، كانت فترة الثمانينيات تمثل ذروة الفن والفنان اليمني، وكان الجميع يتقدمون بطريقتهم الخاصة. ويبدو أننا جميعا كنا على طريق تحقيق مستقبل عظيم للفن اليمني المعاصر، لكن بعد ذلك ابتعد الجميع، وانتهى الأمر بالعديد من العيوب والعوائق التي منعت الفنانين من التقدم مرة أخرى حتى اليوم. لم تعد هناك ثقافة فنية حقيقية في المجتمع، باستثناء بعض الأنشطة المحدودة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
بعض المشتغلين بالفن البصري حاليا يحترفون أسلوب الورش الفنية، أو يسعون إلى السفر والمشاركة كخلفية ربما للتعويض أو الحضور الإعلامي، أو لنقص ما كعدم تحققهم كتجارب على صعيد الفن. كيف تنظر إلى واقعية الفن التشكيلي اليوم؟كان الفن في اليمن دائما أكثر واقعية، نظرا للمناظر الطبيعية الخلابة والناس الذين يرتدون الملابس التقليدية. قلة من الفنانين تناولوا الموضوع التاريخي في الرسم كما فعلت أنا. لكن العديد من الفنانين، قبل الحرب وأثناءها، لم يفكروا كثيرا في مضمون أعمالهم. الفنانون اليمنيون المستقرون في الخارج لا يهتمون كثيرا بالحرب في لوحاتهم، ما زالوا يرسمون مناظر عن اليمن، والبعض الآخر بالكاد يرسم أصلا.
حسنا، هل هناك تجارب أو أعمال بعينها جذبتك لجهة انحيازها لفكرة الفن وتيماته داخل اللوحة وأبعادها الفنية؟لم أقابل أي فنان جذبني بأعماله المعاصرة التي تصور الوضع الحالي في اليمن، وقليل جدا من الأعمال التي صادفتها تظهر شعور الحرب مثلا. لكن معظم الفنانين يواصلون الرسم بأسلوبهم المعتاد الذي يظهر الشخصيات والمناظر الطبيعية الملونة.
بصراحة، هناك عدد قليل جدا من الفنانين الذين يمارسون الفن يوميا بسبب غياب المعارض الفنية في البلاد. والآن، بعد اندلاع الحرب ومرور 15 عاما، توقف العديد من الفنانين عن العمل لأنهم لا يرون مستقبلا للفن في اليمن.
يحاول بعض الفنانين القيام بأعمال غريبة للبقاء على قيد الحياة. أشعر أن الفنانين منشغلون برعاية أسرهم، وبالكاد لديهم وقت للرسم. خاصة في اليمن الآن، بعد الحرب المستمرة، أصبح المشهد الفني ميتا تماما بسبب غياب الأنشطة من وزارة الثقافة.
إعلانبشكل عام، كما أرى، سيظهر المزيد من الفنانين الذين يمارسون الفن كأنشطة يومية، لكن الفن في اليمن اليوم يشبه محلا لبيع الزهور، لا يزدهر إلا عندما يكون الوضع الاقتصادي جيدا، وتحصل على دعم من الحكومة لإقامة المعارض داخل البلاد وخارجها.
والحال كذلك، كيف ترى واقع التشكيليين والفن في اليمن إجمالا في ظل ظروف صعبة كهذه؟وضع الفن والفنانين في اليمن سيئ للغاية ومدمر خلال السنوات القليلة الماضية، ومع ذلك لا يزال بعض الفنانين يبدعون أعمالا فنية لأنفسهم عندما يجدون الوقت، ويمكن رؤية أعمالهم على "فيسبوك" و"إنستغرام".
إذا سألتني، فما زلت أعمل في مرسمي كفنان، وأؤمن بأن على المرء ألا يتوقف عن العمل تحت أي ظرف من الظروف، بل أن يستمر في الإبداع. فكما أن التنفس ضروري للحياة، يجب على الفنان أن يرسم باستمرار. هذا ما أشعر به وألاحظه كفنان يمني تجاه الوضع الراهن للفن والفنانين في اليمن.
الفن في زمن الحرب.. هل يصير فعل مقاومة؟كان الفن مزيجا من كل شيء. كفنان يعمل يوما بعد يوم بوعي بالحرب المستمرة، وسماع أصوات القنابل كل يوم، ومعايشة الخوف لدى الأطفال، كنت أواصل الرسم على أمل أن تنتهي الحرب يوما ما.
هل يمكن تغيير الواقع بالفن، أم أن الفن البصري يعيد فقط تأثيث الواقع باللون وبصورة أقل خشونة من الواقع المباشر؟يجدر القول إن الفن لا يغير الواقع، لكنه يؤثر على الفنان ليدركه بطبيعة الحال، ويمنحه القدرة على الشعور والملاحظة، ليرسمه بطريقته الخاصة. أما الباقي، فهو التاريخ.
ما حجم تماهي أعمالك مع الفلسفة العرفانية؟أرى أن الفنان الحقيقي يولد بفلسفة صوفية فطرية، ولذلك فهو موهوب بالشعور بها ومراقبتها وتجسيدها على القماش كقصيدة بصرية.
عندما بدأت أفكار الرسم تتدفق على القماش بخطوطها وألوانها، انغمست فيها للتعبير عن نفسي، فأنا أغوص في العمل الفني بكل ما فيه. مشاعري تجاه الرموز والأشكال والألوان والتناغم والتكوين العام تمثل تجربتي الفنية الممتدة لسنوات. أشعر أنه مع تقدمي في السن، يتجلى وجودي أكثر في أعمالي الفنية، ويتعمق أكثر من أي وقت مضى في أعمالي الأخيرة.
تتنوع مدارس الفن وتقنياته بتنوع رؤى الفنانين وتجاربهم. فهل ما زال للفن التشكيلي حرية أن يكون ذاته ومزاج رؤيته وموقفه المقاوم؟ ومتى يصبح العمل الفني سيرة ذاتية لصاحبه؟نعم، تختلف مدارس الفنون وتقنياتها باختلاف آراء الفنانين ومواقعهم وخبراتهم. ولكن إن لم يكن الأمر كذلك، فما زال بإمكاننا فعل ذلك. نرى العديد من الفنانين، حتى دون الالتحاق بمدرسة فنية، قادرين على التعبير عن أنفسهم من خلال الأعمال الفنية.
تمكنك مدرسة الفنون من إتقان الرسم والتصوير، لكنها لن تحولك إلى فنان معاصر، بل إلى فنان تجاري قادر على العمل في مجال الديكور والإعلان. وأخيرا، لا يصبح فنك سيرة ذاتية إلا عندما يخاطب الجمهور.
يرى بعض النقاد أن لوحاتك "وثيقة بصرية" للثقافة اليمنية والميراث الشعبي، عبر ما تنسجه بخيوط فرشاتك الذهبية من فنون وفتون وأفكار قد لا تعود إلى مجرد فعل تلقائي أو تخطيط يسبق الفكرة في الفن؟عندما يتعلق الأمر بمدينة صنعاء، فإن أعمالي تجسد ذكريات المدينة الجميلة، مجسدة بألواني المائية، فهذه الوسيلة مثالية للعمل مع الموضوع. هنا، أضيف مجددا مشاعري الخاصة بالضوء والظل، مما يجعل العمل أكثر حيوية وجاذبية بصريا للجمهور.
ولكن عندما أرسم فنا معاصرا لا علاقة له بمدينة صنعاء، فإن ذلك يمثل نهجا مختلفا تماما. هنا، تصور المواضيع نساء عاديات يعشن حياتهن اليومية، في حين تشكل بعض الشظايا التاريخية والأوضاع الراهنة في العالم، مثل شعب فلسطين، جزءا من أعمالي، وكذلك وضعنا الحالي في اليمن، كل ذلك أثناء عملي في مرسمي.
شخوصك وأمكنتك المجسدة في لوحاتك: هل عشت معها، وعششت فيك بوعي التجربة كثقافة وميراث أدبي وفني، أم أنك ترسمها كسردية معاصرة للأجيال، وكوجوه وحيوات وأمكنة لها حكايات؟اليوم، بعد أن رسمت لمدة 45 عاما من حياتي، لا أفعل شيئا سوى الرسم يوميا في مرسمي، ولا أستطيع التفكير في أي شيء بدونه. كل يوم، يبدو أنني أعيش حياة فنان معاصر، وأود الاستمرار فيها حتى أعيش بقية حياتي.
إعلان