#مسؤوليات_المؤمن
مقال الإثنين: 17 /11/2025
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
ليس صحيحا قول المكذبين بالدين أن الإيمان شأن شخصي بين العبد وربه، بل هو التزام من العبد وتكليف من الرب.
لقد قدر الله لجميع البشر حياتين، بطبيعتين وبدارين، الدار الأولى للابتلاء والأخرى للجزاء، الحياة الأولى منهما هي تأهيل للحياة الأخرى، وقد جعل الأولى دارا يختلط فيها الشقاء بالنعيم، ليجرب الإنسان الأمرين، ويعرف أن ما سيلاقيه في الحياة الثاني واحد منهما خالصا.
كل فرد عمله في الدنيا سيحدد مآله، فمن آمن بالله وعمل صالحا كان مصيره الى النعيم الأبدي، ومن كفر بالله وكذب بمنهاجه فقد اختار لنفسه مصيراً تعسا وشقاء أبديا.
هذا التباين الشاسع بين المصيرين اللذين لا وسط بينهما، لم تكن رحمة الله بالناس لتدعهم ضحايا لسوء اختيارهم أو جهلهم، فجعل لهم رحمتين: الأولى سماها أمانة، لأنها مختزنة في عمق مكنونات النفس البشرية، وهي فطرة الإيمان، ويعرفها الإنسان حينما يجد نفسه مدفوعاً دفعاً لأن يبحث عمن أوجده ولماذا..هذه هي فطرة البحث عن الله من خلال العقل بالتفكر في بديع خلقه وإحكام تدبيره في كل شيء.
وعززها الإله اللطيف بعباده برحمة أخرى، فأرسل الى أمم البشر وعبر كل الحقب رسالات هادية لمن عجز عقله عن الإهتداء الى معرفة الله بذاته، حملها رسل من البشر مكرمون.
ورغم ذلك فقد غلبت على الناس شقوتهم، وانساق أغلبهم الى الشهوات الحيوانية، وأعرضوا عما يرفع قدرهم عنها، فما آمن مع الرسل إلا قليل: “وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا” [الفرقان:50]، ولم يكتف هؤلاء المعرضين بإعراضهم، بل سعوا جهدهم لرد المهتدين عن هدايتهم، فناصبوا متبعي منهج الله العداء، وحاصروهم وقاتلوهم ليوقفوا نشرهم الهدى.
هكذا تحققت سنة الله في خلقه التي تجلت بخضوع كل شيء في هذا الكون لمبدأ الثنائية الضدية، فبات هنالك فسطاطان فسطاط أهل الحق والهدى، وفسطاط أهل الباطل والضلال، وسيظلان في صراع الى يوم الدين، لتتحقق سٌنة الابتلاء والتمحيص: “مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ” [آل عمران:179].
عدالة الله في خلقه اقتضت أن لا تكون حجة للضالين بالقول يوم الحساب أنهم لم يأتهم من نذير ينبئهم بهذا اليوم الموعود، لذلك فقد عمم الرسالات على كل أمة، سواء أعلمنا بتلك الرسالة أم لم يعلمنا بها، لكنه أكد ذلك بقوله: “وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ” [فاطر:24].
ولما أن قدر الله أن البشر قد وصلوا الى مرحلة معرفية متقدمة، وقدرات على التواصل البيني بين كل بقاع الأرض تمكنهم من استيعاب تشريعاته، عندها أكمل لهم الدين بالرسالة الخاتمة، ليجعله المنهج النهائي الناسخ لكل الشرائع السابقة التي كانت مرحلية تمهيدية لها، بدليل أن المرسلين السابقين بشروا بها ودعوا اتباعهم الى اتباعها عند نزولها.
إن انقطاع الرسالات عن البشر عوضه الله بتكليف هذه الأمة بواجب الدعوة بديلا للأنبياء، ولذلك سماها خير أمة، ليس لانتمائها القومي، بل بمقدار أدائها لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المرتكز على الإيمان.
من هنا نتبين أوجه التكليف التي أوجبها الله على من أكرمه بالهدى واتباع منهجه، وهي على ثلاثة أوجه:
1 – الواجب اتجاه المؤمنيين هو حثهم على الاستقامة والعمل الصالح.
2 – وتجاه اتباع الرسالات السابقة، بهديهم لتوحيد والعودة عن ضلالة الشرك لأنه أكبر الكبائر.
3 – والثالث هو دعوة من لم تصلهم الدعوة، ولا يلمون باللغة العربية حتى يعرفوا الله والدين من خلال القرآن.
إن أدى المؤمنون بالله واتبعوا دينه هذه الأمانات الثلاث، فقد أبرأوا ذمتهم أمام الله، وقطعوا حجة المكذبين بأنهم لم يأتهم نذير.
هذه كلها ممكنة ومتاحة، فلم يكلفهم الله بأن يقاتلوا الناس لفرضها عليهم، بل الدعوة بالحسنى: “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [النحل:125].
هذا هو دور هذه الأمة، وسر اختيارها خير الأمم: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” [البقرة:134]، فيوم القيامة، سيسأل كل فرد عن عمله، وحتى الصادقين عن صدقهم، هم الذين سيستشهد بهم المرسلون جميعا عند الله أنهم بلغوا رسالاته، حين ينكر اقوامهم ذلك.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم المفترس: الأراضي القاحلة قواعد السلسلة؟
في الثمانينيات، وبالتحديد عام 1987، صدر فيلم بعنوان "بريداتور" (Predator) من بطولة نجم الشباك وقتها أرنولد شوارزنيجر، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا ودشن سلسلة سينمائية استمرت لـ8 أفلام وعقود عديدة، حتى بعد غياب الممثل الذي بدأها. وعام 2025، تعود السلسلة مرة أخرى للشاشة الكبيرة، لكن بفيلم يقلب كل ثوابت السلسلة رأسا على عقب.
فيلم "المفترس: الأراضي القاحلة" (Predator: Badlands) هو فيلم خيال علمي وأكشن أميركي يُعد التاسع في سلسلة "بريداتور" الشهيرة، أخرجه دان تراختنبرغ، وكتب السيناريو باتريك آيسون عن قصة من تأليفهما معا. يقوم ببطولته كل من إيل فانينغ وديميتريوس شوستر كولواماتانجي في الأدوار الرئيسية.
View this post on Instagram "بريداتور" رأسا على عقبتدور أحداث الجزء الأول من سلسلة "بريداتور" ومعظم الأجزاء التالية حول صراع بين البشر وكائن فضائي متقدم تكنولوجيًا يُعرف باسم "بريداتور". وفي بعض الأعمال، يتداخل هذا العالم مع سلسلة "الغرباء" (Aliens). لكن فيلم "المفترس: الأراضي القاحلة" يقلب المعادلة، إذ يستبعد البشر تماما، ويصبح حضورهم هامشيا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رسائل سياسية وإنسانية في افتتاح مهرجان القاهرة.. وتكريم مؤثر للراحلينlist 2 of 2فيلم "ذا رَننغ مان".. نبوءة ستيفن كينغ تتحوّل إلى واقع سينمائي في 2025end of listتبدأ القصة في مستقبل غير محدد، على كوكب البريداتور نفسه، حيث نتعرف على ديك (ديميتريوس شوستر كولواماتانجي)، الابن المنبوذ من والده، زعيم العشيرة، بسبب صغر حجمه مقارنة ببقية الفصيلة، وهوما يدفع الأب لإصدار أمر بقتل ابنه على يد شقيقه الأكبر.
لكن ديك ينجو ويهرب إلى كوكب "غينا"، أحد أخطر الكواكب، المليء بكائنات قاتلة، أبرزها الـ"كالسيك". وهناك يقرر ديك مطاردة هذا الوحش تحديدًا، والعودة برأسه ليثبت جدارته.
لكن الواقع لا يسير كما يشتهي، إذ يواجه قسوة الكوكب، ويلتقي بالآلية ثيا (إيل فانينغ)، التي أرسلها البشر مع توأمها تيسا لاستكشاف الكوكب وجمع بياناته. في أثناء إحدى المهام، تفقد ثيا الاتصال بالفريق وساقيها أيضا، لكنها تملك ما يفتقر إليه ديك: معرفة دقيقة بمخاطر الكوكب وسبل النجاة.
إعلانفي "المفترس: الأراضي القاحلة"، يتحول البريداتور من صياد إلى مطارد، مجرد كائن أضعف من بيئته. وتغدو شخصيته لا مركزية، على عكس ما كان في الأجزاء السابقة، إذ تصبح هامشية أمام فوضى الكوكب وعنفه. أما البشر، فيتراجع حضورهم إلى الظل؛ لا كأبطال ولا خصوم، بل كمصدر تقني ومفاهيمي.
تنعكس آثارهم في التكنولوجيا التي تستخدمها ثيا، وفي النظام الذي يتوق إليه كل من ديك وثيا، خاصة مفهوم العائلة، كبديل لعشيرة البريداتور القاسية، أو العلاقات الباردة بين الآليين.
View this post on Instagramالغوص في ثقافة وعشيرة البريداتور
يقدم فيلم "المفترس: الأراضي القاحلة" النسخة ذاتها من الوحش الذي أسر جمهور السلسلة، وغالبًا أكثر من الشخصيات البشرية ذاتها، بدليل استمراريته رغم غيابهم. لكن الفيلم يُحدث تحولا واضحا في تقديم هذا الكائن، إذ يمنحه اسما، وعشيرة، ونظاما حياتيًا واضحا، موسعا بذلك من بناء عالم "يوتجا" (Yautja) أو عشيرة البريداتور وطقوسهم وثقافتهم القتالية.
تدور الأحداث بالكامل على كوكب "غينا" بدلا من الأرض، مما يسمح بعرض بيئة خارجية يتجسد فيها العنف على مستوى الطبيعة والكائنات، وليس فقط في دماء البشر المسفوكة. ورغم الاعتماد على المؤثرات البصرية، فإنها جاءت متناسبة مع عالم الفيلم الخيالي وكائناته غير البشرية، بما في ذلك الآلية ثيا، التي تظهر في معظم المشاهد دون ساقيها بعد حادث في أثناء المهمة التي عزلتها عن فريقها.
من أبرز التغييرات عن الأجزاء السابقة، يأتي التصنيف العمري، فبينما كانت أفلام السلسلة موجهة للبالغين فقط بفعل عنفها الدامي، يخفف هذا الجزء من حدة العنف، مما يسمح بعرضه لفئة عمرية أوسع. فالصراع يدور بين كائنات فضائية وآليين، ما يقلل من تأثير الرعب الدموي المعتاد، ويدعم جدوى الفيلم تجاريًا من خلال شريحة مشاهدين أكبر.
تجسد إيل فانينغ شخصيتين متضادتين: الآلية ثيا التي منحتها مهمتها العلمية صفات إنسانية كالتعاطف، وتوأمتها تيسا، التي تميل للبرود والنفعية. وأظهرت فانينغ براعة في التنقل بين نقيضي الدفء والجفاء حسب سياق المشهد.
ورغم الغياب شبه التام للبشر، استطاعت فانينغ أن تُدخل إلى الفيلم بُعدا إنسانيا عاطفيا مؤثرا، عزز من عمق الحكاية وسط عالم يعج بالغرابة والوحشية.
View this post on Instagram
فيلم "المفترس: الأراضي القاحلة" يقدم منظورا جديدا ومبتكرا لسلسلة بريداتور، إذ يحول المفترس التقليدي من كائن يُرهب البشر إلى شخصية يمكن التعاطف معها، ويتيح استكشاف ثقافة "يوتجا" وعالمها الغني بالتفاصيل. الجمع بين الأكشن والخيال العلمي، مع التركيز على الشخصيات مثل ثيا التي جسدتها إيل فانينغ، يمنح الفيلم عمقا عاطفيا غير معتاد في السلسلة، ورغم بعض الابتعاد عن هوية السلسلة الأصلية في جانب الرعب والوحشية، يظل الفيلم تجربة ممتعة ومثيرة لعشاق السلسلة والجمهور الجديد، مؤكدا قدرة السلسلة على التجدد والابتكار بعد عقود من النجاح.