يمانيون:
2025-05-14@02:15:32 GMT

“إسرائيل”.. من الفكرةِ إلى الزوال

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

“إسرائيل”.. من الفكرةِ إلى الزوال

يمانيون – متابعات
“إسرائيلُ” مشروعٌ غربيُّ -فكرةً وتأسيساً وبقاءً-، جاءت في سِياقِ انبعاثِ القومياتِ في أُورُوبا، وحيثُ لا قوميةَ للجماعاتِ اليهوديةِ هناك؛ فقد جعلوا “اليهوديةَ” قوميةً تجمَعُ شتاتَها، وذلك بعد أن جعلوا من الحركةِ الصهيونيةِ ناطقاً باسمِ “اليهود”..

وهكذا نقل الصهيونيون الغربيون “الصهيونية المسيحية” عبءَ حَـلِّ المسألة اليهودية على عاتقِ الصهيونية اليهودية الذين غرسوا وطنَهم المُتخيَّل في قلب اليهودية؛ باعتبارهم الممثّلَ الحصريَّ لليهود، واستطاعوا بذلك تأميم خُلاصات التاريخ بأن جعلوا من فلسطين “أرضَ إسرائيل” مع احتفاظ الغرب الاستعماري بدورِ الراعي لهذا المشروع الوظيفي.

مع الاعتراف بأنّ شريحةً كبيرةً من اليهود في ذلك الوقت لم تنسجم مع هذا الطرح، وظلّت على موقفها المتوافق مع اليهودية الدينية من عدم شرعية “إسرائيل”، حَيثُ لا أَسَاسَ قانونيًّا أَو شرعيًّا وفقَ (العهد القديم) لهذا المشروع، في حين تحدّث البعض من أنّ “إسرائيل” مُجَـرّد (بلاد مَلاذٍ) ليس أكثر، وقد جاءت في سياق حَـلِّ المسألة اليهودية وهي القضية التي شغلت المجتمعات الأُورُوبية في حينه، والتي تزامنت مع ما عُرف بـ (المسألة الشرقية) المتعلّقة بالدولة العثمانية، فجاء حَـلّ المسألتين في سياق واحد.

واعتبارُ (الدين) قوميةً بدعةٌ ألبسها الصهاينة؛ كي يتمَّ اختراعُ شعبٍ اسمُه (الشعب اليهودي) علماً بأنّ الدين يصنع أُمَّـة ولا يصنع شعباً، ولكنها الصهيونية التي تأسست على مجموعة الأساطير والأكاذيب.

هذا المشروع الغربي لإنتاج الصهيونية ومن ثَمَّ قيام “إسرائيل” لم يأتِ من فراغ، وإنّما هو حصيلة أفكار وجهود بذلها الغرب الاستعماري منذ القرن السادس عشر الميلادي منذ محاولة مؤسِّس المذهبُ البروتستانتي (مارتن لوثر) في ألمانيا استيعاب اليهود وضمّهم إلى مشروعه في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية، ومن ثمّ جاء البريطاني (أوليفر كرومويل) الذي أرَادَ استغلالَ اليهودَ في حروبِه التجاريةِ ضد البرتغال وهولندا وإسبانيا، وجاء اللورد شافتسبري كرومويل صاحب مقولة: “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وكانت دعوة نابليون اليهودَ للعودة والقتال معه.

وكانت أمريكا على الدوام هي النموذجَ الذي يُرادُ تكرارُه في (فلسطين)، حَيثُ كانت أمريكا في الوعي البروتستانتي بمثابة “صهيون الجديدة”، وكان الخروج من بريطانيا يمثّل بخروج الإسرائيليين من مصرَ؛ هرباً من فرعون الذي هو الملك هنري الثامن… إلخ..

ثم كان مؤتمر كامبل بانرمان في لندن (1905-1907) الذي وضع حجرَ الأَسَاس لوجود الكيان الصهيوني بعد أن أقرّ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا 1897 اعتماد فلسطين كوطن قومي لليهود، وجاء تقسيم سايكس بيكو 1916 وَ(وعد بلفور) 1917 ومن ثمّ الانتداب البريطاني على فلسطين كخطوات عملية وظّفت نتائج الحربَين العالميتَّين: الأولى والثانية لصالح إنجاز هذا المشروع..

علماً بأنّ بواكير الاستيطان اليهودي في فلسطين قد بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، حين كانت فلسطين ولاية عثمانية، حَيثُ اشترى اللورد (مورس مونتيفيوري) مساحة خارج أسوار القدس وبنى حيّاً لليهود هناك، وسمّى هذا الحي باسمه، ولم يأتِ عام 1897 وهو العام الذي عُقد فيه أولُ مؤتمر صهيوني في مدينة (بازل) بسويسرا إلّا وقد صار عدد المستوطنات اليهودية في فلسطين /17/ مستوطنة مساحتها حوالي /140/ ألف دونم.

قراءةٌ في واقع الكيان ومعطيات زواله:

الحديثُ عن نهاية “إسرائيل” بات هاجساً ولربمّا كان كابوساً؛ وهو كان كذلك منذ بدايات نشأة هذه الدولة الطارئة، وبناءً على هذا الهاجس الوجودي صاغ (بن غوريون) نظرية الأمن القومي الإسرائيلي التي قامت على أربعة ركائزَ استراتيجية وأربعة ركائزَ عسكرية وأمنية.

الركائزُ الاستراتيجية:

أمّا الركائزُ الاستراتيجية لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي فهي:

التفوُّقُ على المحيط العربي والإسلامي.
محاكاةُ الرّدع النووي.
العلاقاتُ الدولية مع الدول العظمى، ولا سيّما الدول الراعية لإسرائيل وهي: (بريطانيا ثم أمريكا).
العلاقةُ مع (الشعب اليهودي) خارج فلسطين المحتلّة.

الركائزُ الأمنية العسكرية:

وأمّا الركائز الأمنية العسكرية لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي فهي:

الأعمالُ القتاليةُ التي تعتمد على معادلة الردع والإنذار المبكّر والحسم.
جيشُ الشعب القائمُ على التجنيد الإلزامي والخِدمة الاحتياطية.
تبنِّي نظرية قتال هجومية، مع استبعاد الخطة الدفاعية أَو تحويلها إلى الهجومية؛ وذلكَ بسَببِ قيود الجغرافيا ومحدوديتها، ومحدودية الطاقة البشرية.
تبنّي الحرب الوقائية أَو الاستباقية.
ولذا فَــإنَّ (الدفاع عن كُـلّ شيء من أي شيء) في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي مفهومٌ مطلَقٌ، حَيثُ أمن “إسرائيل” لا يزال مبهماً؛ لعدم اكتمال عناصر ومقوّمات الدولة -إنْ لجهة الدستور الذي يجسّد هُــوِيَّةَ الدولة وطبيعة نظامها السياسي وحقوق المواطَنة والجنسية، أَو لجهة الحدود والسيادة على الأرض-؛ ممّا يجعل أمن إسرائيل أقرب إلى أمن المشروع منه إلى أمن الدولة، وهو يرتكز على:

استمرار عملية التهويد والضمّ للأرض الفلسطينية.
تأمين المجال الحيوي على حساب أمن المنطقة.
استقطاب اليهود (عبر الهجرة).
ضمان استمرار التفوّق (البحثي والعلمي والعسكري والاقتصادي… إلخ).
استمرار علاقة التحالف مع الدولة الراعية (الولايات المتحدة).
إنهاك المحيط وتدمير الجيوش المركَزية العربية في مصر وسورية والعراق.
اختراق الأنظمة العربية وبناء علاقات معها (اتّفاقية إبراهام نموذجاً).
وعلى الرغم من حرص إسرائيل على الاحتفاظ بهذه الركائز وتفعيلها، إلّا أنّ عوامل التآكل في بِنيتها أخذت تفعَلُ فعلَها دونَ قُدرة الكيان على وقفها أَو الحد منها، فضلاً عن قدرته عن استعادتها، ومن هذه العوامل:

الكيانُ الصهيوني كيانٌ وظيفي أنشأته القوى الاستعماريةِ؛ للقيام بوظائف تخصّها، وعبر التاريخ فَــإنَّ الكيانات الوظيفية لا تعمّر طويلاً، وتظل رهينة لأداء الوظائف المناطة بها.
ومن علامات تراجع إسرائيل عن أداء وظيفتها أنّها لم تعد قادرة على حسم أية معركة مع أعدائها، ومنذ العام 2000 وحتى اليوم وعبر كُـلّ المعارك التي شنّتها “إسرائيل” فقد فشلت في معادلة الحسم، وكل يوم يمر تتراجع القدرات الإسرائيلية، ولا سيّما في نمط الحروب أَو المعارك الّلا متناظِرة مع قوى المقاوَمة.

سقوطُ الإجماع الصهيوني حول مقولة (فلسطين أرض بلا شعب) واكتشاف الخديعة الكبرى التي حملتها هذه المقولة، حَيثُ الوجود الفلسطيني المتجذِّر في أرضه والمستعد للتضحية في سبيل تحريرها؛ وهذه هي عُقدةُ الديموغرافيا التي تعيشُها إسرائيل.
فشلُ مشروع صهر مكوّنات المجتمع الإسرائيلي، حَيثُ كان الجيش الإسرائيلي هو الوعاءَ الذي أُعدَّ لعملية الصهر هذه، ولعلّه في مراحل انتصاراته كان قادراً على إنجاز هذه العملية المعقَّدة، أمّا وأنّه منذ أكثر من أربعة عقود لم يُسجّل لصالحه ولا انتصارٌ واحد، فَــإنَّه تراجع كَثيراً عن قدرته على مهمة صهر المجتمع وعلى قدر فقدانه القدرة على ذلك على قدر تفكك المجتمع الإسرائيلي.
الانقسام المجتمعي الإسرائيلي بين ما هو علماني وما هو ديني؛ بحيث بات هناك مجتمعان: مجتمع علماني يتطلّع إلى الحياة الغربية وفاقد لدوافع الولاء لإسرائيل، بعكس ما كانت عليه المجاميع العلمانية المؤسّسة، ومجتمع متديّن يرفض نمط حياة المجتمع الأول، ويتّهمه باللّا دينية، وبعدم قدرته على فرض الهيمنة الإسرائيلية على كامل فلسطين وبالأخص على مدينة القدس.
إسرائيل دولة استيطانية إحلالية تعتمد في ذك على أمرَين:
الأول: استمرار تدفق المهاجرين اليهود؛ لسد العجر في القدرة البشرية.

الثاني: الاستمرار في القدرة على شنّ الحروب وإلحاق الهزيمة بالعدوّ.

وما هو حاصل اليوم هو أن “إسرائيل” فقدت أَو على طريق فقدان هذَين الأمرَينِ؛ فالهجرة إليها تكادُ تكون متوقّفةً أَو مقتصرةً على بضع ألوف في السنة، بينما الهجرة المعاكسة في تصاعد مُستمرّ وتصل إلى عشرات الألوف؛ ذلك أنّ دوافع الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلّة لم تعد قائمة وفي هذا ما فيه من فشل عميق للعنوان الأهم في المشروع الصهيوني وهو إقامة دولة لكل اليهود ونقيّة من غيرهم.

وأمّا قدرة الجيش على الحرب والانتصار الحاسم فهنا بات من الأمور الممتنعة، وهنالك ما يشبه الإجماع في إسرائيل على تآكل قدرة الجيش وهيبته، ومن مظاهر ذلك رفض الخدمة الاحتياطية والتهرّب من الخدمة الإلزامية، وظاهرة الجيش المردوع التي يعيشُها قادة هذا الجيش وجنوده، وكذلك الغموض والضبابية في أهداف هذا الجيش من وراء كُـلّ معركة، وهي ضبابية متعمّدة؛ هروباً من النتائج وما يترتّب عليها من مساءلة، ومعلوم أنّه، حَيثُ لا تنتصر في معركة فَــإنَّك تكون إلى الهزيمة أقربَ، وحيث لا تنكسرُ فَــإنَّك تكونُ إلى الانتصار أقرب.

عدم اليقين في المستقبل: وحيثُ إن إسرائيل مجتمع مصنَّعٌ وطارئ فَــإنَّه مسكونٌ بالشعور بعدم الانتماء للأرض التي يقيم عليها، والحقيقة أنّ فلسطين بالنسبة لليهودي كما هي في صُلب عقيدته أرضُ غُربة، وبالتالي فَــإنَّ الشتات في هذه العقيدة هو قَدَرٌ مقدَّس، ومن هنا فَــإنَّ العلاقة النفسية التي تربط الإسرائيلي بفلسطين علاقة قلقة غير مستقرة، وكأنّها أرض ممر لا أرض مستقر، وهذا ما يُفسّر أنّ أكثرَ من /20 %/ من الإسرائيليين يحملون الجنسية المزدوجة، ينتظرون اللحظةَ التي يحزمون فيها حقائبَهم ويغادرون، وهذا آتٍ لا ريب، ونحن نسمعُ ما يُردّده الإسرائيليون عن الخروج الثاني، حَيثُ كان الخروج الأول من مصر زمنَ موسى (عليه السلام) وفرعون، وسيكون الخروج الثاني من إسرائيل نفسها في زماننا هذا.
خلاصـــات:

أَوَّلاً: “إسرائيل” كما تُصنّف من قبل (المجتمع الدولي) تُعدّ (دولة) وهذا التصنيف والتعريف إنّما فُرض فرضاً بالترغيب والترهيب حين اعتُرف بها في المنظمة الدولية على ثلاث مراحل: مرّةً من “عُصبة الأمم” حين أدرجت وعد بلفور في قرار الانتداب الذي مهّد لقيامِ إسرائيل، ومرّةً من منظمة “الأمم المتحدة” في قرار التقسيم 29/11/1947، وثالثة من “الأمم المتحدة” بعد في 11/05/1948 قبل إعلان (بن غوريون) قيام دولة إسرائيل في 15/05/1948 وقبل حرب 1948، وقبل هذه التواريخ لم تعرف المنطقة شيئاً اسمُه “إسرائيل” كدولةٍ أَو حتى كأرض.
ولذا فهي (دولةٌ) مستزرعةٌ قَسْراً في المنطقة ولا تمُتُّ لها بصلة، وبالتالي فهي جسم غريب مرفوض.

ثانياً: “إسرائيل” دولةُ مهاجرين يهود أَو (جَلَبْ).. جُلبوا إليها من أركان الأرض الأربعة وليس من رابطٍ يربطُهم بالأرض سوى أنّهم جزءٌ من المشروع الذي جاء بهم؛ لغرض وظيفي يخدم أصحاب المشروع، ولذا فَــإنَّ بقاءَها مرتهَنٌ لــــ:
استمرارها وقدرتها في أداء دورها الوظيفي دون أن يشكّلَ هذا عبئاً على أصحاب المشروع.
رضوخ محيطها وهو هنا العرب لها، وفقدان الممانَعة لوجودها.
استمرار دوافع إنشائها لدى المنشئين، سواءٌ أكانت دوافعَ استعمارية (اقتصادية وغيرها) أَو دوافعَ دينية أَو دوافعَ ذاتية غربية لها علاقة بحل المسألة اليهودية التي تعني التخلُّصَ أَو التخفُّفَ من الوجود اليهودي في الغرب؛ باعتباره وجوداً خطراً وسيِّءَ السُّمعة في الوعي والوجدان الغربي.
استمرار تدفق الهجرة اليهودية إليها: وهذا له علاقة بـ:
دوافع الهِجرة (الاقتصادية – الدينية).
العامل الأمني وتوفيره وقدرة “إسرائيل” على ذلك.
وهنا يأتي دور المقاومة في إسقاط هذا الشرط، وهذا ما نراه اليوم من هِجرةٍ عكسية من الكيان مقابلَ تراجُعٍ كبيرٍ في نسبة المهاجرين إلى “إسرائيل”.

ثالثاً: “إسرائيل” تعيشُ أزمةَ هُــوِيَّة: هُــوِيَّة الدولة – وهُــوِيَّة المجتمع.
ورغم قانونِ يهودية الدولة وإصرار إسرائيل على الاعتراف بها كدولة يهودية من قبل المجتمع الدولي إلّا أنها تعيش أزمةَ انقسام الهُــوِيَّة.

ويزيدُ الحديثُ عن العلمانية والدين من أزمة الهُــوِيَّة، حَيثُ أغلب المهاجرين من الغرب يرَون ضرورةَ فصل الدين عن الدولة، بينما تحاولُ الأرثوذكسية اليهودية تأكيدَ دور الدين كدورٍ أَسَاسيّ في حياة الفرد الخَاصَّة والعامة وفي مؤسّسات الدولة.
وقد فشلت الصهيونيةُ حتى الآن في تعريفِ من هو اليهودي، وهو إخفاقٌ يضرِبُ في صميم الشرعية الصهيونية والديباجة لاعتبار أنها تدّعي بأنّها دولةٌ يهوديةٌ أَو دولة اليهود.

أمرٌ آخرُ في أزمة الهُــوِيَّة اليهودية وهو فشلُ الدولة في تحرير الشخصية اليهودية من فكرة (الغيتو) وكل ما في الأمر هو الانتقالُ من غيتو صغير إلى غيتو أكبر، حَيثُ إسرائيل تحيط نفسَها بأسوار وجدران إسمنتية وحديدية.
“إسرائيل” هي “دولة” الأقلية اليهودية..، حَيثُ غالبية اليهود أَو أكثرُ من نصف يهود العالم يعيشون خارج إسرائيل، ونسبة 20 % ممن يقيمون في إسرائيل يملكون جنسيةً مزدوجة، طبعاً مع ملاحظة الهجرة المعاكسة الآخذة في التصاعد.
رابعاً: “إسرائيل” كيانٌ (تجمُّعي) وليس مجتمعيًّا.
بمعنى: أنّ الكيانَ الصهيوني هو ملجأٌ مكانيٌّ (أرض ملاذ) اختير له سُكَّانٌ (مستوطنون) وليس مكان له ذاكرة وعي جمعي عميقة، وأنّه لا يملك ذاكرة إسرائيلية عن حركة تاريخية، بل ذاكرة لجوء، وأنّ الثقافة في إسرائيل لا تزال ما دون الذاكرة الوطنية، بل إنّ ذاكرته لا تزالُ في المكان الذي هاجر منه (وهذه هي علاقةُ الاغتراب بين اليهودي والإسرائيلي) وهذه من أهم نقاط ضعف بِنيته المجتمعية.

خامساً: إسرائيل “تجمُّعٌ” يفتقدُ إلى قيادةٍ روحية سياسية جامعة، ويفتقد إلى مؤسّسة نموذجية يُقتدى بها كما كانت مؤسّسة الجيش في الأربعينيات والخمسينيات، وهذا الفراغ يشيرُ إلى شيخوخة هذا الكيان.
سادساً: إسرائيل تجد نفسَها أمام تحدِّي المواءمة بين شقَّي المشروع الصهيوني:
الشق اليهودي بحسب المنطلقات الصهيونية؛ وهو أنّ أرضَ فلسطين هي ملك الشعب اليهودي، والوجود الفلسطيني يمنعُ ذلك ويحولُ دون تحقيقه.
والشق الوظيفي، بما يعني قدرتها على لعب دور محوري في المنطقة يمكِّنُها من تأمين مصالح الغرب وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة؛ لكي تظل قائمةً بدور الرعاية لهذا المشروع، وهذا الشّق لم يعد موجوداً.
سابعاً: المقاومة تمثّل التهديدَ الاستراتيجيَّ للكيان الصهيوني، من خلال امتلاكها أوراقَ قوّة نوعيّة ومتعدّدة لم تجد إسرائيل سبيلاً فعَّالاً لمواجهتها، وهي تعتمد على:
أيديولوجية متماسكة وقوية وعميقه ذات مرجعية إسلامية مبدئية ترتكز إلى القرآن وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله).
مقوّمات قوّة متنوعة وخَاصَّة في الحرب اللّا متناظِرة أَو اللّا متماثلة كما في فلسطين وحزب الله وكذلك في امتلاك الأسلحة الاستراتيجية، إضافة إلى الأسلحة التكتيكية.
العمل من داخل الأرض المحتلّة؛ وهي النقطةُ الأضعفُ في منظومة الأمن القومي الإسرائيلي.
حاضنة شعبيّة كبيرة ولائية مستعدةٌ للتضحية.
درجة عالية من التنسيق بين مكوّنات محور المقاومة وجبهتها العريضة.
إعلام مقاوم فعّال ومقتدر رغم فوارق الإمْكَانات مع إعلام العدوّ.
عمق استراتيجي وتحالفات دولية ترفُضُ مشاريعَ الهيمنة الأمريكية وتؤمنُ بحق الشعوب في الحرية والاستقلال والسيادة.

المسيرة – د. محمد اليحيصي

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الأمن القومی الإسرائیلی هذا المشروع ة الیهودیة ف ــإن

إقرأ أيضاً:

إرادة المقاومة سلاح فلسطين الأبدي

تبرز في قلب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، المقاومة الفلسطينية كظاهرة سياسية وأيديولوجية معقدة، تتشابك فيها الأبعاد التاريخية والإنسانية مع الروايات الإعلامية.

اختارت المقاومة لأكثر من سبعة عقود، الاحتفاظ بسلاحها كخيار استراتيجي للدفاع عن الأرض والكرامة، في مواجهة احتلال متفوق عسكريا وسياسيا. يُثير موضوع تسليم السلاح جدلا عميقا: هل هو بوابة للسلام أم تنازل قد يُطيح بالقضية الفلسطينية؟

سأحاول أن أقوم بعرض معمق من الناحية السياسية والأيديولوجية والصحفية، لنكشف معا كيف يُشكل صمود المقاومة وعدم تسليم سلاحها للصهاينة سر قوتها، ولماذا يُمثل التخلي عنه تهديدا وجوديا للنضال الفلسطيني، ومخاطر التنازل، لنختتم بتأكيد أهمية الصمود كضرورة استراتيجية.

فلنبدأ معا هذه الرحلة مع:

1- الجذور التاريخية: بناء صمود المقاومة

لنفهم صمود المقاومة الفلسطينية، يجب أن نعود إلى نقطة البداية مع ظهور خطورة المشروع الصهيوني والتي نادى به قادة الرأي في العالم العربي، نتج عن هذا الوعي ثورة البراق والثورة الفلسطينية في عام 1936 وجهود الكثير من قادة العمل الميداني مثل الشيخ عز الدين القسام ومن تلاه من قادة الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، ثم أتت النكبة عام 1948 وتهجير أكثر من 700,000 فلسطيني وإعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على أراضيهم، وهذا وضع الأساس لنضال طويل. منذ ذلك الحين، تطورت المقاومة من احتجاجات شعبية إلى حركة مسلحة منظمة، مُثبتة قدرتها على الصمود في وجه تحديات هائلة، وهناك الكثير من الكتب التي تحدثت عن المقاومة التي أحدثت أثر في القضية الفلسطينية، مثل كتائب المتطوعين من الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والعراق والأردن تحت قيادة أحمد عبد العزيز ومصطفي السباعي ومحمد الصواف ومصطفي الزرقا، مع حفظ الالقاب لهؤلاء القامات.

- تأسيس منظمة التحرير (1964):

أعلنت المقاومة الفلسطينية حمل السلاح كاستراتيجية لتحرير الأرض، مما جعل السلاح جزءا من الهوية النضالية.

- حرب 1967 (النكسة):

دفع احتلال الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية المقاومة لتكثيف عملياتها النوعية على ساحات الأراضي الفلسطينية المحتلة.

- الانتفاضتان (1987 و2000):

تجسدت انتفاضة الحجارة في عام 1987 وانتفاضة الأقصى في عام 2000 في مقاومة شعبية وعسكرية، وأكدتا أن السلاح ليس خيارا عابرا بل ضرورة مستمرة، كما نتج عن الأولى تأسيس حركة حماس وجهازها العسكري، والثانية بكثرة الأعمال النوعية التي أجبرت الاحتلال لأول مرة الانسحاب من قطاع غزة في عام 2005.

التحديات

لم تنثن المقاومة أو تحيد عن مسارها رغم التفوق العسكري للاحتلال والحصار الاقتصادي على غزة منذ 2007، والضغوط الدولية.

هذا الصمود ليس مجرد رد فعل، بل استراتيجية متجذرة في إرادة شعب يرفض النسيان والتفريط في أرضه عبر عقود من الزمن تقترب الآن من العقد الثامن للاحتلال.

2- البعد السياسي: السلاح كورقة قوة

يشكل السلاح في المشهد السياسي أداة تفاوضية لا غنى عنها، وفي عالم تحكمه توازن القوى، يمنح السلاح المقاومة حضورا لا يُمكن تجاهله، مما يجعلها لاعبا رئيسا في أي حوار سياسي، حيث إن هذا العالم لا يعرف إلا لغة القوة وما المقاومة في فيتنام والصومال وجنوب أفريقيا عنا ببعيد.

المفاوضات: دروس من التاريخ

تظهر مخاطر اتفاقية أوسلو (1993) في التنازل دون ضمانات، حيث وافقت السلطة الفلسطينية على الاعتراف بإسرائيل مقابل وعود بإقامة دولة، فتنازلت منظمة التحرير أولا عن سلاحها ثم عن 77 في المئة من الأرض مقابل 23 في المئة، فتفاجأت بتفاوض الاحتلال على المساحة التي رضيت بها منظمة التحرير وأبو عمار ياسر عرفات حينها بالإضافة إلى مواصلة الاحتلال في التوسع الاستيطاني. هذا الواقع يُبرز أن السلاح يُعزز الموقف التفاوضي، بينما غيابه قد يُحول الفلسطينيين إلى طرف ضعيف يسهل تهميشه، وهذا ما حدث فيما يسمى باتفاقية أوسلو.

الضغوط الدولية

تضغط الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، على المقاومة لنزع سلاحها، وهذا ما تظهره وسائل الإعلام العربية والعالمية إنهاء الحرب مقابل السلاح وإدخال المساعدات الإنسانية وفتح المعابر، لكن هذه الضغوط تُقابل برفض فلسطيني بغض النظر عن موقف السلطة الفلسطينية المخزي المتمثل في التنسيق الأمني مع أجهزة الاحتلال وتتبع المقاومين في الضفة.

ويعد السلاح آخر خطوط الدفاع في مواجهة الاحتلال المدعوم عالميا بكل سبل الدفاع وأحدثها.

سياسيا، يُعد الاحتفاظ بالسلاح ردا على اختلال موازين القوى، وتأكيدا على أن السلام لا يُمكن أن يُبنى على الاستسلام.

استراتيجية الردع

لا يعد إطلاق الصواريخ من غزة، كما في حروب 2008 و2014، وما تلاها من حروب على القطاع حتى الطوفان، مجرد عمل عسكري، بل رسالة سياسية فحواها أن أي عدوان إسرائيلي سيكون له ثمن. هذا الردع يُجبر إسرائيل على التفكير مرتين قبل كل هجوم، مما يُعزز من مرونة المقاومة في المفاوضات غير المباشرة.

3- البعد الأيديولوجي: السلاح كرمز للكرامة

يتجاوز السلاح دوره العسكري أيديولوجيا ليُصبح رمزا للهوية والكرامة، في ظل مساعي احتلال يسعى دائما إلى طمس الوجود الفلسطيني، فيأتي هنا دور السلاح فيمثل تعبيرا عن الرفض والأمل.

السلاح في الوعي الجمعي

يُمجَد السلاح في الثقافة الفلسطينية، كأداة للتحرير والدفاع عن الأرض والعرض، فتجد في الأغاني "موئيل الهوارة" والشعارات الشعبية تُصور المقاومين كرموز للعزة. هذا البعد الأيديولوجي يُغذي الروح المعنوية، مُلهما الأجيال لمواصلة النضال.

رفض التنازل: مسألة مبدأ

تتفق فصائل المقاومة، سواء القومية كفتح أو الإسلامية كحماس والجهاد، على أن تسليم السلاح يُعادل الخيانة. أيديولوجيا، السلاح ليس مجرد خيار تكتيكي، بل تجسيد لمبدأ "المقاومة حتى التحرير". التخلي عنه قد يُفسر كتخلٍ عن الحلم بفلسطين المستقلة من النهر الى البحر.

الصراع على الهوية

تسعى إسرائيل لفرض رواية تُلغي الهوية والرواية الفلسطينية مع محاولة الاحتلال فرض سردية منافسة للسردية الفلسطينية التي نجحت في فرض نفسها بعد بداية الطوفان.

يشكل السلاح درعا ضد هذا المسعى، ويعزز الاحتفاظ به الإحساس بالسيادة، حتى في ظل الاحتلال، ويُرسخ فكرة أن الفلسطينيين ليسوا ضحايا فقط، بل مقاتلون من أجل حقهم.

4- البعد الإعلامي: الإعلام وتشكيل الرواية

يلعب الإعلام دورا محوريا في الصراع، حيث تتصارع الروايات على كسب الرأي العام. والتغطية الصحفية للمقاومة تتراوح بين الشيطنة والتمجيد، مما يؤثر على صورتها ودعمها.

الرواية الغربية

يركز الإعلام الغربي، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، على العمليات المسلحة للمقاومة دون سياقها، مُصورا إياها كـ"إرهاب"، في حين أنه يتجاهل الوجه الآخر للاحتلال فيتجاهل آلة القتل والتنكيل والحصار في حق الشعب الفلسطيني.

هذا التحيز يتجاهل جذور الصراع -الاحتلال والنكبة- ويُبرر الدعم الغربي لإسرائيل. على سبيل المثال، تغطية حرب 2014 ركزت على الصواريخ الفلسطينية، بينما قللت من تأثير القصف الإسرائيلي على المدنيين.

الرواية العربية

في المقابل، يُظهر الإعلام العربي تعاطفا مع المقاومة، مُبرزا صمودها كرمز للنضال العربي. قنوات مثل "الجزيرة" والقنوات الأخرى التي تُسلط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية وفضح الاحتلال وممارساته ضد الشعب الفلسطيني المحتل على مدار ما يقرب من 8 عقود من الزمن.

التأثير على الدعم الدولي

تشكل التغطية الصحفية الرأي العام، وبالتالي السياسات الدولية. فالرواية الغربية تُضعف التعاطف مع الفلسطينيين، بينما الرواية العربية تُعزز التضامن الإقليمي. لكن غياب تغطية متوازنة يُعيق فهم الصراع بعمق، مما يُقلل من فرص الضغط لإيجاد حل عادل.

الحاجة إلى صحافة موضوعية

نحتاج إلى صحافة تلك التي تتجاوز الاستقطاب، مُقدمة تحليلا يُبرز تعقيدات الصراع: لماذا تحتفظ المقاومة بالسلاح؟ ما هي مخاطر التخلي عنه؟ هذا النهج قد يُساهم في تغيير النظرة العالمية للقضية.

5- تسليم السلاح: تهديد سياسي وأيديولوجي

تسليم السلاح للصهاينة قد يكون كارثة وجودية للقضية الفلسطينية، سياسيا وأيديولوجيا.

الضعف السياسي

تفقد المقاومة بدون سلاحها القدرة على المواجهة، مما يُعزز سيطرة الاحتلال. يظهر التاريخ أن إسرائيل لا تُقدم تنازلات إلا تحت الضغط، كما في انسحابها من لبنان عام 2000. فتسليم السلاح يُتيح لإسرائيل فرض حلول تُلغي الحلم بالدولة الفلسطينية.

الانهيار الأيديولوجي

يمثل السلاح شعبيا شعورا بالأمل والتخلي عنه قد يُشعر الفلسطينيين بالعجز، مُهددا التضامن الداخلي.

أيديولوجيا، سيُنظر إليه كاستسلام يُناقض مبادئ النضال، مما قد يُضعف الروح المعنوية ويُلهم الانقسامات.

التأثير الدولي

يعتمد الدعم الإقليمي من دول مثل إيران ولبنان واليمن على صورة المقاومة كقوة صامدة. ويعد تسليم السلاح تقليلا من هذا الدعم، مُعرضا الفلسطينيين لمواجهة أحادية في مواجهة إسرائيل وحلفائها.

6- الدعم الدولي والإقليمي: شبكة الصمود

يشكل الدعم الخارجي رافعة للمقاومة، لكنه يعتمد على قوتها المسلحة.

- إيران: تُقدم دعما عسكريا لحماس والجهاد، مُعززة قدراتها في مواجهة إسرائيل.

- تركيا والشعوب العربية: تُظهر تضامنا سياسيا وشعبيا، يتغذى على صورة المقاومة الصامدة.

تسليم السلاح قد يُضعف هذه الشبكة، حيث ستفقد المقاومة جاذبيتها كقوة نضالية.

7- الصمود كضرورة حتمية

في النهاية، صمود المقاومة الفلسطينية وعدم تسليم سلاحها للصهاينة ليس خيارا، التنازل عنه دون السعي لاستراتيجيات سياسية تُكمل هذا المسار لتحقيق العدالة والحرية؛ قد يُنهي النضال.

مقالات مشابهة

  • الحل المُرضي للجميع في فلسطين
  • تسريب يكشف مخاوف غوغل من التبعات الأخلاقية والقانونية لمشروعها مع إسرائيل
  • إسرائيل وواشنطن على مفترق طرق بعد الإفراج عن الجندي الأمريكي الإسرائيلي
  • فلسطين: رابط الأسماء التي تم فرزها بقرعة مكرمة الحج 2025 - قطاع غزة
  • من اليمن إلى فلسطين: المشروع القرآني يفرض معادلاته
  • إرادة المقاومة سلاح فلسطين الأبدي
  • الشيباني: إسرائيل تستمر باعتداءاتها على أراضينا وتصعد الوضع ما أسفر عن سقوط ضحايا، ونطالبها الالتزام بتنفيذ القرارات الدولية والانسحاب من الأراضي التي تحتلها في الجنوب
  • ‏إذاعة الجيش الإسرائيلي: صاروخ أُطلق من اليمن باتجاه إسرائيل وسقط قبل وصوله
  • المتهمون بالنصب على راغبى الزواج اون لاين: استوحينا الفكرة من مسلسل 100 وش
  • بدلاً من عزل اليمن عن فلسطين.. اليمن يعزل أمريكا عن كيان العدو الإسرائيلي