مراكش ـ تقترب شمس سبتمبر/أيلول الدافئة من المغيب عن ساحة جانبية قرب مدينة صغيرة على الطريق إلى أمزميز، بينما يحاول المواطن حسين تنان (63 عاما) أن يتم عمله، بعد حوالي 10 ساعات قضاها في ورشة لتلحيم عدد من القضبان الحديدية.

يضع حسين نظارة واقية من الشرر المنبعث من آلة التلحيم، وما أن يزيلها حتى يظهر على ملامح وجهه بعض التعب الذي يصفه بـ"اللذيذ"، و"ابتسامة الرضا" لا تفارق محياه.

يقول حسين -وهو لحام متقاعد قادم من مدينة الدار البيضاء- للجزيرة نت "سارعت إلى تلبية نداء أطلقه شاب متطوع على شبكات التواصل الاجتماعي، قدمت إلى هنا بكل مستلزمات العمل، ولن أدخر من جهدي وخبرتي من أجل إنجاح هذه المبادرة التضامنية، والتي تعبر عن "تمغرابيت" حقيقية (عبارة للتعبير عن قيم أخلاقية مغربية أصيلة).

الخيام المنتجة بجهود المتطوعين استخدمت كوسيلة أساسية للمساعدة بسبب نقص الخيام الجاهزة (الجزيرة)

ويقود ناشطون مدنيون بمدينة مراكش مبادرة لصنع خيام، في ورشة شملت عددا من الحرفيين لصنع خيام جديدة، في محاولة منهم لتغطية بعض النقص الذي تعرفه بعض المناطق المتضررة.

ويقول الشاب إسماعيل طاهر المتطوع بجمعية أفتاس للتنمية والتضامن، والتي تتبنى المبادرة "بعد واقعة الزلزال، قمنا بمبادرات لتوزيع المؤن الغذائية، والأفرشة والأغطية، ويبدو أنه أصبح هناك اكتفاء ذاتي عند السكان، فاستقر بنا الأمر الآن في مبادرة تطوعية تخص الخيام".

ويضيف في حديث للجزيرة نت "فوجئنا بالتجاوب الكبير من المواطنين بعد إطلاق نداء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن الفكرة نضجت إلى أن وصلت إلى صنع تلك الخيام من قبل حرفيين ومهنيين متطوعين، بعد توفير الأثواب والحديد والمساند الخشبية للأفرشة من قبل ممولين، إضافة إلى آلات التلحيم والخياطة".

بعض المتطوعين أسهموا بتوفير معدات حدادة وخياطة لدعم جهود صناعة الخيام (الجزيرة)

ويعاني عددٌ من القرى المتضررة نقصا ظاهرا في الخيام، فيما يقطن متضررون خياما غير صالحة، وهو ما يؤكد عليه مشرفون على مبادرات تنسيقية لمساعدة المتضررين، بالرغم من جهود بعض المبادرات التطوعية المميزة والمتواصلة، والتي أقدمت عليها جمعيات مدنية.

وكانت السلطة المحلية والهلال الأحمر المغربي ومؤسسة محمد الخامس للتضامن قد وزعوا خياما وصلت إلى مناطق أعالي الجبال، فيما نصبت القوات المساعدة مخيمات متكاملة بأمزميز، يصل عددها إلى حوالي 250 خيمة، وتأوي كل خيمة 12 فردا، علاوة على مخيمات مماثلة أقيمت في أسني وويرغان وتلات نيعقوب (مناطق جبلية متضررة ضواحي مراكش).

المساعدات تتوالى بتوفير المواد المساندة للخيام، مثل الأخشاب والأقمشة (الجزيرة) تلبية النداء

لم يكن الحسين وحده من لبّى النداء، بل أيضا عدد من الحرفيين الذين قدموا من مدن مختلفة لتقديم المساعدة، في ورشة أصبحت مثل "خلية نحل" لا يتوقف عملها.

يقول الشاب عادل الزعاري للجزيرة نت، وهو صباغ متطوع قادم من مدينة القنيطرة، إنه جاء إلى المدينة الحمراء (مراكش)، ملبيا النداء لتوفير حاجيات المتضررين، وترك خلفه زوجته وأولاده، فهو يعتبر أن عمله بمثابة بذل الجهد في ساحة "جهاد ضد الحرمان"، ومواساة لمن فقدوا أهاليهم ومنازلهم في الزلزال المدمر.

ويؤكد الشاب عبد الصمد من مدينة مراكش في تصريح مماثل، وهو خياط بدأ للتو مشروعا صناعيا، أنه وضع رهن المتطوعين آلتي خياطة، كان هو نفسه يستخدمهما في بعض الأحيان في عمله.

ويضيف أنه بعد تضمين رقم هاتفه ضمن نداءات الاستغاثة، تواصل معه عدد من المواطنين، يعبرون عن تضامنهم واستعدادهم للمساعدة، وأنه فوجئ بالزخم الذي أحدثته المبادرة، وفق تعبيره.

المتطوعون يضعون جهودهم وخبراتهم وآلياتهم رهن تعويض المتضررين من الزلزال (الجزيرة) صدقة مخفية

بدوره، يروي الشاب إسماعيل أوخيرا كيف أنه بات متعلقا بهذا العمل، ويقضي جل يومه في الورشة، مساعدا وموجها للمبادرة.

ويضيف أوخيرا، وهو مقاول شاب بمدينة الداخلة، أن الزلزال صادفه وهو بالمدينة الحمراء، لكنه لم يستطع أن يبرحها ويعود إلى عمله، بعدما قدر له أن يشارك بمبادرات ومساعدات تطوعية متعددة، إلى أن شارك في هذه المبادرة التي التصق بها ويعطيها كل جهده ووقته.

تصل شاحنة محملة بالأثواب قادمة من مدينة العيون جنوب المغرب، تضع حمولتها بسرعة كبيرة بمساعدة متطوعين، حاولت الجزيرة نت أن تأخذ تصريحا من صاحب الشاحنة، إلاّ أنه فضل عدم الإدلاء بأي تصريح قائلا إنه يريدها "صدقة مخفية" يجد جزاءها عند الله، حاله مثل حال عدد من الحرفيين المتطوعين في الورشة.

ويواصل الناشط المدني إسماعيل طاهر حديثه للجزيرة نت قائلاً إن هناك شاحنات أخرى قادمة، وإن تحدي المبادرة كان يكمن في صنع 500 خيمة في بداية الأمر، لكنه مع توالي وصول المساعدات والمتطوعين، تمكنوا من صنع حوالي 1500 خيمة، حسب حاجيات المتضررين في السكن، وخصصت بعض منها كمساجد ومدارس ودورات للمياه، وتوزع مجانا حسب الأولويات، خاصة الأماكن البعيدة والنائية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: للجزیرة نت من مدینة عدد من

إقرأ أيضاً:

بعد وثائقي الجزيرة.. كوثر بن هنية تحوّل مأساة هند رجب إلى فيلم عالمي

المخرجة التونسية كوثر بن هنية بصدد إنجاز فيلم روائي جديد يجسد قصة الطفلة الفلسطينية هند رجب، التي قُتلت في غزة وهي في الخامسة من عمرها، في حادثة هزّت الرأي العام وأثارت استنكارا واسعا على المستوى الدولي.

يُصوَّر الفيلم في تونس ويُشرف على إنتاجه نديم شيخ روحه، المنتج المعروف بفيلم "بنات ألفة" (Four Daughters)، إلى جانب أوديسا راي، منتجة الفيلم الحائز أوسكار "نافالني" (Navalny)، وجيمس ويلسون، منتج "منطقة الاهتمام" (The Zone of Interest). ويحظى المشروع بدعم من شركة "فيلم 4" البريطانية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2محكمة الطفل تقرر إيداع نجل محمد رمضان إحدى دور الرعاية على خلفية واقعة اعتداءlist 2 of 2افتتاح كان السينمائي.. دي نيرو يهاجم ترامب والمصورة فاطمة حسونة حاضرة بعد استشهادهاend of list

ويرصد الفيلم تفاصيل استشهاد الطفلة الفلسطينية، حيث ظلت محاصرة داخل السيارة التي كانت تقلها وعائلتها لساعات، وهي تحاول التواصل مع الهلال الأحمر الفلسطيني طلبا للمساعدة، قبل أن يعثر عليها بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي.

كيف أصبحت هند رجب رمزا لمأساة الحرب في غزة؟

تحولت الطفلة الفلسطينية هند رجب إلى رمز إنساني مؤلم لتبعات الحرب في غزة، بعدما قُتلت خلال محاولة عائلتها الفرار من المدينة، في واحدة من أكثر الحوادث التي جسدت قسوة الصراع المتواصل منذ عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

في 29 يناير/كانون الثاني 2024، تعرضت سيارة هند لإطلاق نار أثناء الفرار، مما أسفر عن مقتل عمّها وعمّتها و3 من أبناء عمومتها، في حين بقيت هند عالقة داخل السيارة لساعات، تحاول النجاة وتتواصل مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عبر الهاتف، بينما كان المسعفون يسابقون الزمن للوصول إليها.

إعلان

لكن في 10 فبراير/شباط، وبعد انسحاب قوات الاحتلال من المنطقة، عُثر على جثة هند إلى جانب أفراد عائلتها والمسعفين الذين قُتلوا أثناء محاولتهم إنقاذها.

وعلى الرغم من نفي إسرائيل المسؤولية في البداية، فقد كشفت تحقيقات أجرتها عدة جهات مستقلة بما فيها صحف دولية ومنظمة بحثية أن دبابات إسرائيلية كانت في المنطقة ومن المرجح أنها أطلقت النار على السيارة، كما استهدفت سيارة الإسعاف التي جاءت لإنقاذ الطفلة.

وقد أثارت مأساة هند غضبا دوليا واسعا، حيث قامت مجموعة من الطلاب في جامعة كولومبيا بإعادة تسمية مبان جامعية باسمها، في إشارة إلى الألم الذي تعكسه قصتها على الكثيرين حول العالم.

الجزيرة توثق اللحظات الأخيرة من حياة هند رجب

وثّقت قناة الجزيرة القطرية القصة المؤلمة لمقتل الطفلة الفلسطينية هند رجب في فيلم وثائقي بعنوان "الليل لن ينتهي" (The Night Won’t End)، ضمن سلسلة التحقيقات "Fault Lines". يتناول الفيلم جرائم الحرب في غزة من خلال روايات 4 عائلات فلسطينية، من بينها عائلة هند، التي فقدت طفلتها البالغة من العمر 6 سنوات في يناير/كانون الثاني 2024 خلال العدوان الإسرائيلي.

يركز الوثائقي على اللحظات الأخيرة من حياة هند، التي بقيت محاصرة داخل سيارة عائلتها بين جثث أقاربها، ويوثق مكالمتها الهاتفية المؤثرة مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث كانت تستغيث ببراءة. كما يكشف الفيلم عن الصعوبات التي واجهها طاقم الإسعاف أثناء محاولتهم الوصول إليها، إذ تعرضوا لإطلاق نار مباشر من قبل الجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى استشهادهم وترك الجثث في الموقع من دون أن تُنتشل لأيام.

كما يتضمن الفيلم شهادات حية من والدتها وموظفين في الهلال الأحمر، إضافة إلى تحليلات الحقوقيين الذين أكدوا انهيار القانون الدولي في ظل الأحداث المأساوية التي وقعت في غزة. وقد أصبح هذا العمل الوثائقي مرجعا هاما لفهم التداعيات الإنسانية للصراع في المنطقة.

إعلان كوثر بن هنية.. صوت إنساني يتجدد في السينما العالمية

في عملها الروائي الجديد، تسلّط المخرجة التونسية كوثر بن هنية الضوء على مأساة الطفلة الفلسطينية هند رجب، التي قُتلت في غزة، مقدّمة قصتها في إطار سينمائي عالمي. هذا المشروع يمثل محطة جديدة في مسيرة بن هنية، التي تُعد من أبرز الأصوات السينمائية في العالم العربي، والمعروفة بإثارتها للقضايا الإنسانية العميقة.

لمع نجم بن هنية عربيا ودوليا من خلال فيلم "على كف عفريت" (Beauty and the Dogs) الذي مثّل تونس في جوائز الأوسكار لعام 2018، واستند إلى قصة حقيقية لفتاة تواجه منظومة قمعية بعد تعرضها للاغتصاب.

ثم واصلت تألقها بفيلم "الرجل الذي باع ظهره" (The Man Who Sold His Skin) عام 2020، الذي حظي بترشيح رسمي لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي، محققا نجاحا غير مسبوق للسينما التونسية والعربية.

أما في فيلمها الوثائقي "بنات ألفة" (Four Daughters)، فقد تناولت الواقع التونسي من خلال قصة أم فقدت ابنتيها لصالح التطرف، بأسلوب فني يمزج بين الروائي والوثائقي، مما أهله للوصول إلى القائمة القصيرة للأوسكار لعام 2024.

من خلال أعمالها، تؤكد بن هنية أن السينما ليست مجرد انعكاس للواقع، بل أداة قوية للمقاومة والتغيير، وصوتا يحمل معاناة المنسيين إلى المنصات العالمية.

مقالات مشابهة

  • المغرب يعلّق تراخيص وكالات سياحية للمناطيد في مراكش بعد حادث جوي خطير
  • بعد وثائقي الجزيرة.. كوثر بن هنية تحوّل مأساة هند رجب إلى فيلم عالمي
  • المتحدث بإسم الإتحاد الأوروبي يصفع كبرانات العالم الآخر بالتأكيد على عدم إعتراف أي عضو بجمهورية الخيام
  • جهود عامل إقليم الحوز لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال على مشارف الانتهاء: نهاية معاناة الخيام وعودة المتضررين إلى منازلهم الجديدة
  • عاجل من الجنوب.. رصاص إسرائيلي يطال الخيام!
  • مشاعر الفرح تغمر حجاجا مغاربة في أولى رحلاتهم لأداء فريضة الحج من مطار الرباط
  • الجزيرة نت ترصد حالات سوء التغذية بين أطفال غزة
  • أرقام الجزيرة في الموسم الأسطوري ضد الكسر!
  • سفراء مغاربة جدد يلتحقون بالبعثات الدبلوماسية للمملكة بالخارج
  • نيكو روزبرغ بطل العالم السابق في الفورمولا وان يستمتع بأجواء مراكش