«طوفان الأقصى» تعيد إنتاج نصر أكتوبر
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
بعد خمسين عامًا ويوم من نصر أكتوبر 1973، وفي تمام السَّاعة السَّادسة وعشرين دقيقة فجر يوم السبت الماضي، بدأت كتائب المقاومة الفلسطينيَّة، عمليَّة هجوم نوعيَّة، برِّيَّة وبحريَّة وجوِّيَّة شارك فيها آلاف المقاتلين، اقتحموا حدود القِطاع مع «إسرائيل» من أربعة محاور في وقت متزامن، أزالوا الجدار العازل، واستهدفوا أبراج المراقبة العسكريَّة، واقتحموا معسكرات الجيش الإسرائيلي، ونفَّذت 35 طائرة شراعيَّة يقودها بمهارة كوماندوز مدرَّبون، هجمات مباغتة ضدَّ دبَّابات ومَركبات جيش الاحتلال، في الوقت الذي توغَّلت الدرَّاجات الناريَّة داخل مستعمرات غلاف غزَّة، فقَتَلَت وأسَرَت مئات الجنود الإسرائيليِّين مِنْهم قادة كبار؛ اصطحبهم المقاومون وهم في ملابس النَّوم وأرسلوهم إلى مواقع حصينة داخل قِطاع غزَّة، استولت قوَّات المقاومة على مواقع عسكريَّة بكُلِّ ما تحتويه من سلاح وعتاد أميركي حديث، وانطلقت صواريخ المقاومة المصنَّعة محليًّا، لِتصيبَ الإسرائيليِّين بالهلع والذّعر بعد أن وصلَ بعضها إلى تخوم تل أبيب وعسقلان ومناطق عديدة داخل «إسرائيل»، في أوَّل وأكبر عمليَّة من نَوْعها منذ نكبة 1948 تَدُور رحاها داخل المُدُنِ الإسرائيليَّة.
دوَّت صفَّارات الإنذار في كافَّة المستوطنات الجنوبيَّة، وهرع قطعان المستوطنين يهربون من المنازل التي شيَّدوها على أراضي الفلسطينيِّين، وكثير مِنْهم يحمل جوازات سفرهم الأميركيَّة والأوروبيَّة، وأعتقد أنَّ كثيرًا مِنْهم سيتَّجه إلى المطار مباشرة عائدًا لبلاده الأصليَّة، ومَن بقيَ سيفكِّر ألفَ مرَّة قَبل أن يَعُودَ إلى جوار قِطاع غزَّة، حيث الكابوس الذي عاشوه يوم السبت الأسود، كما سمَّاه نتنياهو زعيمهم المتغطرس، الذي فقَدَ صوابه وراح يتوعَّد بالانتقام من كُلِّ مَن يعيش فوق أرض غزَّة.
نجحت كتائب المقاومة الفلسطينيَّة في تحقيق المفاجأة الاستراتيجيَّة، وأخذ زمام المبادرة وباغتَتِ الجيش الإسرائيلي في عقْر داره، وكشفت العمليَّة هشاشة وزيف نظريَّة الأمن الإسرائيلي، وفشلًا استخباراتيًّا مريعًا للموساد وحلفائه في أميركا وأوروبا الغربيَّة الضَّامنين لأمن وتفوُّق «إسرائيل»، بعدما وثَّقت عدسات المقاومة الفلسطينيَّة العمليَّات النَّوعيَّة التي نفَّذتها وبثَّت بعضها بشكلٍ مباشر، حتَّى لا يستطيعَ جيش الاحتلال التعتيم على حجم الخسائر التي تكبَّدها. ولعلَّ هذا يفسِّر قرار «إسرائيل» بغلق منطقة غلاف غزَّة، حتَّى لا تتكشفَ تفاصيل الهزيمة المذلَّة والكارثة العسكريَّة التي حلَّت بالجيش الإسرائيلي.
لاقت عمليَّة طوفان الأقصى تأييدًا وتعاطفًا كبيرًا من سائر الشعوب العربيَّة، وأجَّجت المشاعر الوطنيَّة تجاه الأقصى وفلسطين والإحساس بالفخر بانتصارات المقاومة وهزيمة العدو الإسرائيلي، هذه العمليَّة تُعِيد الحياة للقضيَّة الفلسطينيَّة التي حاولت «إسرائيل» ـ التي لا تعترف إلَّا بلغة القوَّة ـ وحلفاؤها دفْنَها في غياهب النسيان، واستبدال مبدأ الأرض مقابل السَّلام بشعار السَّلام مقابل السَّلام، وتملَّص قادتها المتطرفون طوال العقود الماضية من كافَّة مبادرات السَّلام العربيَّة والأُمميَّة، رافضين الاعتراف بحقِّ الفلسطينيِّين في إقامة دَولتهم المستقلَّة على حدود 4 يونيو 1967م، ضاربَيْنَ بقرارات مجلس الأمن والأُمم المُتَّحدة عرض الحائط، معوِّلين على وَهْم التفوُّق العسكري الإسرائيلي والدَّعم الغربي غير المحدود، وانكفاء الدوَل والشعوب العربيَّة على قضاياها وأزماتها الداخليَّة.
بعثرت «طوفان الأقصى» الأوراق الإسرائيليَّة، وأعادت فلسطين إلى الخريطة من جديد، بعدما وقف نتنياهو بكُلِّ بجاحةٍ قَبل أسابيع يرفع خريطة المنطقة خالية من فلسطين، حيث أكَّدت أنَّ «إسرائيل» لَنْ تهنأَ بالأمن طالما ظلَّت غزَّة محاصرة، وسكَّان الضفَّة تُهدَم منازلهم فوق رؤوسهم وممنوعين من العيش بسلام، وطالما ظلَّ الأقصى أسيرًا تحت نير الاحتلال، وقطعان المستوطنين تُدنِس باحاته ويمنعون الفلسطينيِّين من الصلاة بأمان.
محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ة الفلسطینی
إقرأ أيضاً:
إسرائيل ستجبر نشطاء مادلين على مشاهدة لقطات من هجوم 7 أكتوبر
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه سيجبر جميع النشطاء المحتجزين الذين كانوا على سفينة مادلين على مشاهدة لقطات مصورة لهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ووصفهم بداعمي حماس والمعادين للسامية.
وأبحرت السفينة مادلين، من جزيرة صقلية في الأول من يونيو/حزيران الجاري، وذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أنها كانت جزءا من مبادرة نظمها "تحالف أسطول الحرية"، وهي مجموعة مؤيدة للقضية الفلسطينية تسعى لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 17 عاما.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"النجاة من سجون سوريا" فيلم وثائقي يكشف فظائع سجون الأسدlist 2 of 2تفاصيل مثيرة عن هجوم إسرائيلي على سفينة أميركية عام 67 خلف 34 قتيلاend of listوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس وصف النشطاء بأنهم "داعمون لحماس" و"معادون للسامية"، وشدد على وجوب إطلاعهم على "فظائع الهجوم الإرهابي"، على حد وصفه.
اختطافوذكرت الإندبندنت أن الناشطة الغربية البارزة غريتا تونبرغ في بيان مقتضب عبر حساباتها على مواقع التواصل: "تم اختطافي في المياه الدولية أثناء محاولتي إيصال مساعدات إنسانية إلى غزة"، داعية أصدقاءها وعائلتها وحكومتها السويدية إلى التحرك العاجل من أجل إطلاق سراحها ومن معها.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، أن احتجاز السفينة لا يجب أن يُثني الناشطين، قائلة: "رحلة مادلين انتهت، لكن المهمة مستمرة. يجب على كل ميناء في المتوسط أن يرسل سفن تضامن إلى غزة".
إعلانمن جهتها، قالت صحيفة هآرتس إن وزير الدفاع كاتس أعطى تعليمات للجيش بعرض فيديو يوثق ما ارتكبته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، على حد تعبيره.
وسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على سفينة "مادلين" فجرا، وسحبها إلى ميناء أسدود وسط إسرائيل، وعلى متنها الناشطون الـ12 الذين اعتقلهم كوماندوز إسرائيلي بعد منع بلوغهم قطاع غزة لكسر الحصار المشدد على القطاع، وفق ما أكدته هيئة البث الإسرائيلية.
وكان النشطاء قد أكدوا أن رحلة مادلين تمثل فعلا سلميا من المقاومة المدنية، مشيرين إلى أن جميع المتطوعين على متن السفينة توحدهم قناعة مشتركة بأن الشعب الفلسطيني يستحق نفس الحقوق والحرية والكرامة التي تتمتع بها شعوب العالم، داعين إلى وقف الحرب التي خلفت مآسي بالجملة في القطاع المحاصر.
مجازر بغزةوأعلنت وزارة الصحة في غزة أن عدد الشهداء في غزة بلغ حتى اليوم 54 ألفا و418 شهيدا، بينهم أكثر من 18 ألف طفل، وأكثر من 12 ألفا و400 امرأة، في حين بلغ عدد شهداء الطواقم الطبية 1411، والصحفيين أكثر من 219، ودمر القطاع المحاصر بشكل شبه كامل، بما في ذلك المؤسسات الاستشفائية ومراكز الإيواء، وحتى خيام النازحين.
وسبق لحنان بلخي -المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لمنطقة شرق المتوسط- أن قالت قبل أيام إن أطفال غزة يموتون جراء الجوع والمجاعة اللذين وصلا إلى مستويات مرتفعة للغاية.
وأضافت أن المجاعة في غزة بلغت مستويات مرتفعة للغاية، والناس في أمسّ الحاجة إلى التغذية الأساسية.
وبحسب المسؤولين في غزة، تواصل إسرائيل منذ الثاني من مارس/آذار الماضي سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بالقطاع المحاصر، عبر إغلاق المعابر لمدة 90 يوما في وجه المساعدات المتكدسة على الحدود، مما أدخل القطاع المدمر مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.
يذكر أن "مادلين" هي السفينة رقم 36 في إطار محاولات تحالف أسطول الحرية لكسر الحصار الذي فرضته سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عام 2007.
إعلان