كان الله فى عون الرئيس عبدالفتاح السيسى.. يواجه اضطرابات المنطقة العربية والشرق الأوسط منذ كان وزيرًا للدفاع.. ويواجه تغييرات «عنيفة» فى الخريطة الدولية منذ توليه المسئولية الرئاسية.. ورغم ذلك كله كان يعمل مع الإدارة المصرية على تجاوز«مطبات» كثيرة.. وتمكنت مصر من عبور أزمات وقعت فيها دول أخرى.. وتجاوز «أكمنة» سقطت فيها بلدان مجاورة ولم تقم لها قائمة منذ سنوات!
مصر واجهت منذ أكثر من عشر سنوات محاولات «شرسة» لتغيير هويتها وتركيبتها السياسية والمجتمعية وتحويلها إلى أداة لتغيير خارطة المنطقة، ولكن تمكن شعبها -مستندًا إلى جيشه- من عبور «المحنة» وحصل على «منحة» إلهية، فبقيت مصر هى القوة الإقليمية الكبيرة التى لايمكن كَسرها ولا إخضاعها ولا تحويل مواقفها.
واجهت مصر، بعد فشل إحراقها بالإرهاب تارة، وبالتفجير الذاتى تارة أخرى، واجهت حصارها بحدود مُلتهبة، فى الشرق والغرب والجنوب، وصراع على حقول الغاز فى الشمال داخل البحر المتوسط، وواجهت الضرب المُتعمد والمُتكرر للسياحة والاقتصاد، وواجهت التهديد المُستمر فى منابع النيل، ثم إنفاق مئات الملايين من الدولارات لتشكيك المواطن فى قيادته، عبر خطوات مكثفة تم خلالها استخدام حروب الجيل الرابع.. ورغم كل هذا لم تهتز الجبهة الداخلية، وواصلنا مشروعات التنمية والخروج من التحرك العشوائى إلى البناء المُنظم.. صحيح أن المواطن شعر بالمعاناة.. ولكنه–أبدًا–لم يستجب للطابور الخامس الذى حاول دفعه نحو الفوضى مرة أخرى.
واستمرارًا لما تواجهه مصر، اشتعلت النيران–مُجددًا–على حدودنا الشرقية مع فلسطين المُحتلة لنواجه أكبر محاولة لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء عليها للأبد، بل إن الخُطة تستبدل الوطن الفلسطينى بأراضٍ مصرية فى سيناء، وهى الخُطة التى لن تسمح بها مصر أبدًا، ولن تترك إسرائيل تُنفذها مهما بلغت محاولاتها، فنحن مساندون لأشقائنا فى غزة، بالمساعدات والأدوية والدعم السياسي، ولن نصمت أمام محاولة تصفية قضيتهم وإلغاء مُسمى فلسطين من قاموس الجغرافيا السياسية، وخروجها رسميًا من ملفات الأمم المتحدة لتبقى مُجرد تاريخ تم محو آثاره من الحاضر أبد الدهر!
النموذج المصرى فى التعامل مع الأزمة تعامل بأدبيات السياسة المصرية التى لم تتغير منذ أكثر من 75 عامًا.. فنحن نرفض الاحتلال بكافة أشكاله، ولا نعتدى على أحد.. ومن باب أولى فإننا نرفض احتلال أراضى الأشقاء، وخُضنا بسبب هذا المبدأ أربع حروب قاسية دفعنا فيها دماءً لم تجف آثارها، ولم تذهب رائحتها، من رمال سيناء، التى لن تصبح بديلًا تستخدمه قوات الاحتلال كوطن بديل للفلسطينين، حتى تتوسع–على حسابه–مساحة إسرائيل حتى تتمكن من حماية حدودها لمائة عام قادمة مُستخدمة فاتورة تدفع ثمنها غزة ومصر والأمن القومى العربى كله!
الحرب على غزة لاتقل خطورة عن حرب 1948 التى تمكنت من خلالها إسرائيل من طرد الفلسيطينين فشردتهم فى البلدان المجاورة، ثم قسمتهم فى قطعتى أرض منفصلتين فى الضفة الغربية وغزة، ثم استولت على القدس بأكملها وقامت بادارتها مُنفردة بالمخالفة لكل قررات المنظمات الدولية، لتواصل احتلال بلدان عربية مجاورة، دون رادع دولي، لنصل–الآن–إلى مرحلة التهجير القصرى لسكان غزة نحو سيناء المصرية.
فى 1948 خَسرنا أصولًا من الأراضى العربية بحرب استُخدمت فيها المذابح والمآسى التى يتحدث عنها تاريخنا العربي، وتم محوها من دروس التاريخ فى مًعظم بلدان العالم التى تساند إسرائيل بلا قلب، ونحن الآن فى 2023 نواجه نكبةً أخرى لتصفية القضية من الأساس ومحاولة لفرض الأمر الواقع على الدولة المصرية التى تمارس صمودًا لا يقل عن صمود الفلسطينين فى غزة.
نعم الصمود المصرى ليس صمودًا عاديًا.. إنه صمود حرب.. صمود مقاتلين يُدركون أن (طرد الفلسطينيين من غزة هو بداية مُخطط وليس نهاية أزمة) وهو ما لن تسمح به القاهرة.
إسرائيل تريد اتجاهًا مُعاكسًا، فهى تريد البدء بطرد سكان غزة وسيعقب هذا الطرد أمران سيتم تنفيذهما بعد عدة سنوات فى حالة نجاح المُخطط:
الأول–البدء فى ضم غزة إلى حدود إسرائيل من جانب قوات الاحتلال حتى ولو بشكل مبدئى ومن طرف واحد والعمل على الحصول على اعترافات من بعض دول العالم بهذه الحدود الجديدة ثم الذهاب إلى الأمم المتحدة لإقرار الأمر الواقع وهذا هو ما حدث مع أرض فلسطين منذ 75 عامًا.
الثانى– الاتجاه إلى الضفة الغربية وتحويل القوة على الأرض فيها من حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى قوى أخرى حتى تغيب السياسة، ثم يتم احتلالها وطرد سكانها بنفس طريقة وأسلوب الحرب على غزة، ثم ضم الضفة الغربية لحدود إسرائيل، فتصبح مساحة إسرائيل أكبر مما يتوقعه أحد، لتقترب من نهر الفرات فى العراق شرقًا وحدود نهر النيل غربًا!!
المُخطط خطير.. وتتحمله الدولة المصرية بكل شجاعة وثبات.. مصر-الآن- تمارس السياسة بحرفية شديدة فى مواجهة جنون الدم الذى يريد خراب العالم.. مصر تواجه الأطماع بالصبر الذى يمنع الخطأ فى مواجهة من يريدنا أن نفقد هدوءنا لدفع المنطقة كلها إلى الفوضى التى يريدها هو.. مصر تتصل بالعالم للتحذير من حرب إقليمية واسعة لن يتحمل نتائجها أحد وستحرق الجميع وأولهم إسرائيل ومن يدافعون عنها ويقومون بحمايتها ولا يمنعونها من ممارسة التدمير الممنهج.
صمود مصر سيجعل هذه الحرب «كبوة» وسيمنع تحويلها إلى «نكبة»!!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نور الرئيس عبدالفتاح السيسي نهر النيل صمود ا
إقرأ أيضاً:
الحفرة التي سقطت فيها الفتاة: أهمية منع الإهمال لمنع الكارثة قبل أن تقع
صراحة نيوز- كتب أ.د. محمد الفرجات
دعوة لتأسيس منظومة ذكية لإدارة الأخطار قبل أن تتحول الإهمالات الصغيرة إلى مآسٍ…
حادثة سقوط فتاة أمس في حفرة مملوءة بالمياه في أحد شوارع عمان لم تكن في جوهرها “حادثًا عابرًا”، بل عرضًا واقعيًا لترهل إداري مزمن، وغياب منظومة ذكية محوسبة تتتبع الأعمال الميدانية والحفريات ومواقع الخطر في الوقت الحقيقي. هذه الحادثة لم تكن بحاجة إلى “مذنب مباشر”، بقدر ما كانت بحاجة إلى منظومة تمنع حدوث الخطأ أصلاً.
الإشكالية ليست حفرة… الإشكالية غياب نظام إدارة مخاطر
حين تُترك حفرة بعد أعمال صيانة أو مشروع بنية تحتية دون حماية أو متابعة أو تحديث، فهذا ليس خطأ عامل أو موظف. هذا فشل نظامي مؤسسي — فشل في التوثيق، فشل في الرقابة، فشل في اتخاذ القرار، وفشل في إدارة الخطر.
في دول تُعامل سلامة المواطن كأولوية عليا — مثل دول الخليج المتقدمة إداريًا، ودول الاتحاد الأوروبي، وكندا، واليابان، والصين — لا يُعتمد على اجتهاد موظف، ولا على تفقد ميداني عابر، بل تُدار المدن عبر أنظمة ذكية ودقيقة وصارمة:
منصات رقمية تربط البلديات وشركات المياه والكهرباء والاتصالات والأشغال والمقاولين.
مصفوفات ذكاء اصطناعي ترصد أي عمل مفتوح وتقيّم درجة خطورته.
تنبيهات تلقائية تُرسل للمسؤولين عند وجود موقع غير محمي أو متأخر أو يشكل تهديدًا للمارة.
مؤشرات أداء يومية تصل للمسؤول الأعلى تُظهر عدد الحفريات النشطة ونسب التأمين والاستجابة.
في تلك الدول، الخطر يُدار قبل حدوثه، لا بعد وقوعه.
ما نحتاجه في الأردن ليس تعليمات جديدة… بل تحول في عقلية الإدارة
لا يجب أن تُختزل الحادثة في سؤال: “من ترك الحفرة؟”
بل يجب أن يتحول السؤال إلى:
أين المنظومة الذكية التي كان يجب أن تمنع وجود حفرة غير محمية أصلاً؟
كيف لم يظهر إشعار خطر على شاشة مسؤول البلدية؟
أين لوحة المتابعة التي تربط المقاول والمهندس والجهة المالكة للمشروع؟
كيف تُدار مدينة بملايين البشر دون نظام موحد لإدارة الأعمال الميدانية؟
غياب هذه المنظومة يعني أننا ما زلنا نعمل بعقلية الورقيات والاجتهادات الفردية، بينما العالم يتقدم بأنظمة تتبع لحظي وإدارة ذكية للأخطار.
مطلوب الآن: مصفوفة وطنية ذكية لإدارة أعمال الميدان…
حادثة الأمس يجب أن تكون نقطة التحول نحو إطلاق مصفوفة وطنية موحدة تشمل جميع الجهات ذات العلاقة، تعمل على:
1. تسجيل كل حفرية أو نشاط ميداني أو فعل لحظة إحداثه على خريطة رقمية وطنية.
2. تحديد درجة خطورته (عالي — متوسط — منخفض).
3. فرض إجراءات حماية إلزامية بحسب مستوى الخطر.
4. استخدام الذكاء الاصطناعي لرصد أي موقع مهمل أو غير محمي.
5. إرسال تنبيهات فورية للمسؤولين في أكثر من مستوى.
6. فرض غرامات آلية على الجهات المتقاعسة.
7. إصدار لوحة قيادة يومية تصل للوزارة والمحافظة ورئيس البلدية.
بهذا فقط ننتقل من إدارة رد الفعل إلى إدارة الخطر قبل وقوعه.
ختامًا: حادثة الأمس رسالة وعلى الدولة أن تستمع
ليست المشكلة حفرة، بل مشكلة نظام إداري غير ذكي وغير مترابط وغير متابع.
غياب التكنولوجيا في الإدارة لم يعد خيارًا، بل خطرًا مباشرًا على حياة الناس،،، وعليه… فالحل ليس معاقبة موظف وننهي القضية، بل بناء منظومة تمنع الخطأ من جذوره.
وحتى نرى مصفوفة ذكية موحدة في الأردن لإدارة أعمال الميدان، ستبقى هذه الحوادث تتكرر.
ونحن سنبقى نكتب ذلك حتى تنتقل مؤسساتنا من ثقافة “الرد على الكارثة” إلى ثقافة منع الكارثة قبل أن تبدأ.