مع سريان اتفاق وقف النار في غزة بعد أسابيع من المفاوضات أثناء الحرب بين إسرائيل وحماس، يقول محلل السياسة الخارجية الأمريكي ألكساندر لانغلوا إن العمل العسكري ليس حلاً للصراع، حيث ساهمت عقود من الموت على الجانبين في تأجيج التطرف، والعنف الذي أفضى إلى القتال اليوم.

أصبح التوصل إلى مسار جديد أمراً ضروريّاً، على أن يتجاوز الخطابية الفارغة والدعم الأعمى لأي طرف، ويسوق لاعبون كبار متعددون هذه الحجة، مجددين دعواتهم إلى حل سياسي جاد يفضي إلى إقامة دولتين للإسرائيليين والفلسطينيين.

وقد ساقت أطراف مؤثرة مقل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس ورئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض حججاً في هذا الصدد، ويتفق معهم باحثون ومحللون آخرون، ومن ضمنهم رئيسا البارومتر العربي أماني جمال، ومايكل روبنز، اللذان يسلطان الضوء بشكل دقيق على السياسية الفلسطينية للدعوة إلى مسار نحو السلام. خطابة فارغة 

وقال الكاتب في "ناشونال إنترست": ا"لقائمة طويلة والنتيجة أن هناك دعماً قوياً للتوصل إلى حل سياسي لهذا الصراع المدمر، لكن يجب أن يكون مستداماً ومدعوماً بإجراءات قوية وقابلة للتحقق منها. ورغم أن هذه المحصلة يقررها في نهاية المطاف الفلسطينيون والإسرائيليون بأنفسهم، فلابد أن تنتهي بدولة قابلة للبقاء للطرفين على النحو الذي تدعمه المبادئ الأساسية للأمم المتحدة والقانون الدولي. فالخطابة الفارغة وإدارة الصراع وإغفال المصالح الفلسطينية لم تكن حلولاً على الإطلاق، وذلك كما يتضح من الصراع الحالي".

"[Israelis' and Palestinians'] mutual claim to victimhood is a nearly insurmountable impediment to peace," writes Christopher J. Fettweis. https://t.co/qgoFwjdKUN

— National Interest (@TheNatlInterest) November 23, 2023


ولفت الكاتب إلى أن غياب نهج جوهري جديد معناه المزيد مما نراه الآن. ورغم أن المصطلحات مثل "دورات العنف" و"التصعيد" غالباً ما تقلل من شأن العنف المستدام منذ عقود خاصة لا سيما الأعمال الإسرائيلية ضد المجتمعات الفلسطينية الأضعف منها بكثير، إلا أنها مفيدة لفهم العنف وكيف يؤجج الصراع ويؤدي في الوقت نفسه إلى ترسيخ المواقف السلبية من الجانبين.

عقيدة الضاحية

وفي هذا السياق يخبرنا التاريخ بأن الوفيات بين الفلسطينيين أعلى بكثير منها بين الإسرائيليين عندما تتكرر دورات العنف، وتعزى هذه القضية جزئياً إلى تفاوت ميزان القوى بين جانبي الصراع. فعلى سبيل المثال، تسفر السياسات الإسرائيلية، مثل "عقيدة الضاحية" وهي استراتيجية صيغت إبان الحرب بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان في 2006 وتدعو إلى استخدام الحد الأقصى من القوة غير المتكافئة في العمليات العسكرية لخلق ردع دائم، عن أضرار مدنية كبيرة تطال الفلسطينيين.
وهكذا فإن الطفرات في العنف بين إسرائيل وفلسطين في 2008 و 2009 و 2014 و 2018 و 2021 و 2022 أفضت إلى مقتلى بين الفلسطينيين قدرها 899 و 1066 و 2329 و 300 و 349 و 191 على التوالي، أما حصيلة القتلى الإسرائيليين المقابلة في السنوات ذاتها فكانت 33 و 11 و 88 و 13 و 11 و 21. وجدير بالذكر أن معظم القتلى الإسرائيليين خلال هذه السنوات كانوا من الجنود، في حين أن معظم القتلى الفلسطينيين كانوا مدنيين. كما أصيب أيضاً عشرات الآلاف من الفلسطينيين في سنوات الصراع المذكورة.

The removal of Hamas is a singular opportunity to bring about lasting peace between the Israelis and Palestinians, writes Max J. Prowant. https://t.co/OKLr3epQ6H

— National Interest (@TheNatlInterest) November 20, 2023

وأكد الكاتب أن هذه الأرقام ليس مقصوداً بها أن الوفيات الإسرائيلية أقل شأناً، ولا أنها تساهم بشكل مختلف في ردود الفعل العنيفة في إسرائيل، أو الأراضي الفلسطينية المحتلة. والحقيقة أن إسرائيل شهدت يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) أكبر عدد من الخسائر البشرية منذ تأسيسها، حيث أودت مذابح حماس بقرابة 1200 مدني وجندي، واحتجزت 230 آخرين رهائن في عمل وحشي مذهل. ورداً على ذلك أطلقت إسرائيل حملة برية وبحرية وجوية تاريخية على قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 13 ألف شخص حتى كتابة هذه السطور، معظمهم  من المدنيين، ونصفهم تقريباً أطفال.
ويشكّل تصاعد حجم أعمال العنف ووتيرتها اتجاهاً مثيراً للقلق. ورغم الانخفاض التدريجي في عدد الوفيات خلال هذه الطفرات الكبيرة في أعمال العنف قبل حرب أكتوبر، إلا حجم الدمار زاد، حيث قدّر البنك الدولي بأن هناك حاجة إلى نحو 485 مليون دولار لإعادة بناء غزة بعد حرب 2001 بين إسرائيل وحماس. وتشير التقارير الميدانية اليوم إلى أن هذا الرقم سيكون أعلى بكثير لأن العديد من المناطق في القطاع أصبحت غير صالحة للعيش.

مخاوف  وأوضح الكاتب أن هذه العوامل تلقي بالناس في هوّة الفقر المدقع فيما يرون أحباءهم يُقتلون أثناء فرارهم بناءً على أوامر إخلاء غامضة. وسيؤثّر هذا المستوى من العنف تأثيراً شديداً وسلبيّاً على نحو مليون شاب يكافحون من أجل البقاء في غزة، مما يصيبهم بالصدمة طيلة حياتهم على نحو يؤدي باطّراد إلى مستقبل مفعم بالعنف.
ومع عدم وجود ديار يعودون إليها في خضم مخاوف مشروعة من نكبة ثانية (الكلمة التي يستخدمها الفلسطينيون لوصف ما جرى سنة 1948 من طردهم من أراضيهم عند إنشاء دولة إسرائيل)، فماذا يفعل الفلسطينيون؟ يتساءل الكاتب ويقول: الجواب للأسف بسيط تماماً: إما معالجة الوضع الراهن وإما المخاطرة بأن يعيد التاريخ نفسه وتتكرر "دورات العنف". فقد لجأ الكثير من الفلسطينيين وسيستمرون في اللجوء إلى العنف رداً على الاحتلال الإسرائيلي. ونشهد اليوم عكس هذه القضية، ذلك أن غضب إسرائيل يدفعها إلى تسوية غزة بالأرض وتقديم الدعم المباشر للمذابح التي يرتكبها المستوطنون اليمينيون المتطرفون ضد مجتمعات فلسطينية بأكملها في الضفة الغربية المحتلة.:  

ولا تختلف هذه العملية عن الأعمال التي ارتكبتها إسرائيل ضد حزب الله عندما ضرب الأخير أهدافاً عسكرية في شمال إسرائيل سنة 2006، مما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود واحتجاز رهينتين، حيث شكّل هذا الحدث الأساس لتبني عقيدة الضاحية المطبقة اليوم.
في نهاية المطاف، يقول الكاتب، سيتطلب الأمر شجاعة سياسية كبيرة لتصحيح أخطاء الماضي والحاضر في هذا الصراع. وهذا معناه اتخاذ قرارات صعبة، بما في ذلك الضغط الشعبي المكثف على جميع الأطراف لحملهم على الجلوس أخيراً ومعالجة المظالم. ومعناه أيضاً تحرير الرهائن والمعتقلين ظلماً.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل بین إسرائیل

إقرأ أيضاً:

تصاعد الصراع بين الاحتلال وحزب الله..طيران إسرائيل يقصف مناطق عسكرية لـ«حزب الله» (فيديو)

تصاعد الصراع بين الاحتلال وحزب الله..طيران إسرائيل يقصف مناطق عسكرية لـ«حزب الله» (فيديو).. تشهد منطقة الشرق الأوسط توترات متزايدة عقب الأحداث الأخيرة التي وقعت بين إسرائيل وحزب الله. فقد أعلن الجيش الإسرائيلي عن قيام سلاح الطيران بقصف مواقع يُعتقد أنها تابعة لحزب الله في منطقة عيتا الشعب جنوبي لبنان، وذلك ردًا على هجمات صاروخية استهدفت شمال إسرائيل.

الرد الإسرائيلي على هجمات حزب الله

في الساعات الأولى من صباح اليوم، أطلق حزب الله رشقات صاروخية نحو أهداف في شمال إسرائيل، مما أثار ردود فعل متباينة داخل الحكومة الإسرائيلية. وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، وجه انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، متهمًا إياه بالتقاعس عن الرد الفعال على هجمات حزب الله.

الجدل السياسي في إسرائيل

أثارت هذه الهجمات جدلًا سياسيًا في إسرائيل، حيث نشر بن غفير تغريدة عبر منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، مشيرًا إلى أن الرد على الهجمات الصاروخية يجب أن يكون أكثر حزمًا وليس مجرد "عمليات جراحية". كما طالب نتنياهو بعدم الاختباء وراء استقالات أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي، بيني جانتس وغادي آيزنكوت، اللذين تنحيا عن منصبيهما مؤخرًا.

مقالات مشابهة

  • WP: بايدن أمام خيارين بعد رد حماس على مقترح وقف إطلاق النار
  • حراك مصر وخطة بايدن.. إنهاء حرب إسرائيل ومنع توسع الصراع
  • كاتبة إسرائيلية: تحولنا لدولة فاشية والإسرائيليون يصدقون حماس أكثر
  • ملك الأردن: حذرت مرارا وتكرارا من مخاطر وتبعات تجاهل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
  • ببطون خاوية يستمر الفلسطينيون في رحلة النزوح هربًا من القصف
  • أستاذ علاقات دولية: الصراع يشتعل بين حزب الله والاحتلال وإيران قد تتدخل
  • علي باقري: فشل إسرائيل في غزة قد يدفعها لتوسيع الصراع
  • تصاعد الصراع بين الاحتلال وحزب الله..طيران إسرائيل يقصف مناطق عسكرية لـ«حزب الله» (فيديو)
  • موقع بريطاني: الحرب الإسرائيلية على غزة تعيد إلى الأذهان أهوال الإبادة الجماعية في البوسنة
  • صحيفة عبرية: العثور على نجل سفير إسرائيلي سابق مقطوع الرأس في الشمال