تحولات المواقف الدولية من فلسطين
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
لم تغب قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عن الأجندة الدولية منذ عام 1948، سواء في الأمم المتحدة أو في مواقف وسلوكيات الدول، غير أن عملية "طوفان الأقصى" وما عنته من قدرة شعب على المقاومة وتحدي الاحتلال من جهة، وحجم الإرهاب الإسرائيلي وما عناه من خروج عن المعايير الأخلاقية الإنسانية والقانونية من جهة أخرى، أعادتا طرح القضية الفلسطينية ومسألة الاحتلال على بساط البحث من جديد كما أظهرته مواقف الدول، بما فيها تلك التي وقفت في البداية إلى جانب إسرائيل.
أوروبا
في القارة الأوروبية، طالبت إسبانيا وبلجيكا وأيرلندا ومالطا الاتحاد الأوروبي باتخاذ موقفا واضحا بشأن الأوضاع في قطاع غزة، يتضمن الدعوة ليس إلى وقف دائم لإطلاق النار فحسب، إعادة طرح مسألة حل الدولتين على جدول أعمال قمة مجلس الاتحاد الأوروبي التي انهت أعمالها أمس الجمعة، في وقت يعمل المجلس على فرض عقوبات ضد مستوطنين بالضفة الغربية.
أحد أهم التغيرات في أوروبا جاءت من قبل بريطانيا والدانمارك: الأولى اتجهت إلى منع المستوطنين المتطرفين دخول أراضيها، فيما أخذت الثانية مواقف قوية من استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة بعدما كان الموقف الدنماركي مؤيدا بقوة لإسرائيل.
وإذا ما استثنينا ألمانيا، وبعض الدول القليلة، تعمل أوروبا جاهدة إلى إنهاء الحرب، والعمل بعدها على بلورة خارطة طريق لحل الدولتين، ما يعني أن المسألة الفلسطينية وقضية الاحتلال أعيدت إلى رأس أولويات الدبلوماسية الأوروبية بعدما كانت غائبة لسنين عديدة.
ثمة غضب شعبي أوروبي يتوسع من مسألة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين باعتبارها آخر نظام أبارتهايد في العالم، وأن العالم الديمقراطي الليبرالي لم يعد يستسيغ استمرار هذا النظام.
أمريكا اللاتينية
الانقسام بين مواقف الدول الأوروبية، مع رجحان كفة الدول الضاغطة لوقف الحرب وإنهاء الاحتلال، هو نفسه في أمريكا اللاتينية، فبينما وقفت بعض الدول إلى جانب إسرائيل كالأرجنتين، تبنت دول أخرى مواقف حادة ضد إسرائيل، مثل فنزويلا وبوليفيا التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل احتجاجا على جرائمها بحق المدنيين في غزة، وكولومبيا وتشيلي وهندوراس استدعوا سفرائهم لدى إسرائيل.
أدت عملية "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي الواسع الحالي على قطاع غزة إلى نشوء كتلة يمكن اعتبارها تاريخية بمعنى من المعاني، بحيث إن مسار النضال الفلسطيني الطويل شهد تحولا مفصليا في رؤية العالم له، لا بمعنى تغير في المواقف الموجودة أصلا، ولكن بمعنى تزايد الضغط الدولي المندد بالاحتلال الإسرائيلي.لا تتعلق مواقف هذه الدول بصعود اليسار إلى السلطة فيها فحسب، بل يتعلق الأمر أكثر بتقاليد سياسية شملت عموم أمريكا اللاتينية فيما يتعلق باحترام مبادئ القانون الدولي والدفاع عن حقوق الإنسان، خاصة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، لا سيما أن القارة تعرضت لاضطهاد واستغلال وتدخلات عسكرية من قبل الولايات المتحدة، وقبل ذلك من استعمار أوروبي طويل.
ولذلك، دعمت معظم دول القارة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ورفض استمرار الاحتلال ونظامه العنصري.
الاستثناء الهندي
في آسيا، وباستثناء موقف ميانمار المعادي للإسلام والمسلمين، برز الموقف الهندي المؤيد بشدة لإسرائيل بما يشكل قطيعة تاريخية مع إرث هندي بدأ منذ المهاتما غاندي واستمر حتى راجييف غاندي ـ ابن انديرا غاندي، ابنة جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء بعد الاستقلال ـ.
لا ينبع التحول الهندي الداعم لإسرائيل ـ الذي بدأ مع وصول نارندرا مودي إلى السلطة عام 2014 كممثل عن حزب "بهاراتيا جاناتا" ـ من مصالح سياسية واقتصادية، بل ناجم عن كراهية هندوسية للإسلام والمسلمين، أي أننا هنا أمام موقف أيديولوجي ـ هوياتي يعتبر المسلمين عدوا وجوديا للهند ولهويتها الهندوسية.
ولما كان هدف "بهاراتيا جاناتا" إضعاف الوجود الإسلامي في الهند، إما عبر تأجيج العنف المجتمعي الهندوسي والسيخي تجاههم أو عبر قوانين وإجراءات تضييقية، فإن أهداف الحزب واستراتيجيته تتلاقى مع أهداف الكيان الإسرائيلي في تصفية السكان الأصليين في فلسطين.
ومن هنا، فإن استراتيجية "بهاراتيا جاناتا" تتشابه مع الأيديولوجية الصهيونية في استرجاع الماضي البعيد بنقاوته الهوياتية وتخليصه من الشوائب التي أصابته عبر عمليات إقصائية للهويات الأخرى المُهددة.
خلاصة
أدت عملية "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي الواسع الحالي على قطاع غزة إلى نشوء كتلة يمكن اعتبارها تاريخية بمعنى من المعاني، بحيث إن مسار النضال الفلسطيني الطويل شهد تحولا مفصليا في رؤية العالم له، لا بمعنى تغير في المواقف الموجودة أصلا، ولكن بمعنى تزايد الضغط الدولي المندد بالاحتلال الإسرائيلي.
وأمام هذا الوضع، فإن عملية "طوفان الأقصى" بغض النظر عن تداعياتها على قطاع غزة، قد شكلت تحولا على المستوى الدولي.
غير أن التاريخ يعلمنا أن الحقوق لا تعطى، بل تأخذ، وبهذا المعنى، فإذا لم ينجح العرب في استغلال هذه المتغيرات وتشكيل جبهة موسعة تشمل كل دول العالم المؤيدة لفلسطين، فإن العدوان الحالي على غزة والواقع الاستراتيجي الذي تحاول إسرائيل فرضه، سيغير قواعد الصراع لمصلحة إسرائيل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مواقف الفلسطينية غزة العدوان فلسطين غزة مواقف عدوان رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی طوفان الأقصى قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
«مهرجان أبوظبي» يواصل ترسيخ مكانته الدولية
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةتواصل مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون تقديم مهرجان أبوظبي في دورته الثانية والعشرين تحت شعار «أبوظبي: العالم في مدينة»، حيث يرسّخ المهرجان مكانته منصة ثقافية عالمية، بعد أن استقطب في هذه الدورة منذ انطلاقها مطلع فبراير لغاية الآن، أكثر من 8.500 من الجمهور، لحضور مجموعة من العروض المميّزة التي تقام لأول مرة في العالم العربي، والتي قدّمها نخبة من كبار مبدعي العالم المرموقين.
وقالت هدى إبراهيم الخميس، مؤسّس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، المؤسّس والمدير الفني لمهرجان أبوظبي: «يعكس برنامج مهرجان أبوظبي بشعار دورته الثانية والعشرين (أبوظبي - العالم في مدينة)، مكانة العاصمة كملتقى عالمي يمدُّ جسور الحوار الثقافي والتفاهم بين الشعوب، ترجمةً لمبادئ عام المجتمع في التماسك المجتمعي والتعدّدية والتنوّع الثقافي في إطار التناغم والوحدة، والجمال والسلام».
وأضافت: «من خلال كبريات فرق الأوركسترا والفنانين اليابانيين ذوي الشهرة عالمياً، في ظهورهم الأول في العالم العربي، كرّم المهرجان اليابان، الدولة ضيفة الشرف، احتفاءً بأكثر من خمسين عاماً من الصداقة والتعاون بين بلدينا».
وتابعت: «يجسّد مهرجان أبوظبي عهدنا المتجدّد بتحفيز جهود الدبلوماسية الثقافية والتزامنا ببناء الحضارة الإنسانية واستشراف مستقبل مشرق لمشهد الثقافة والفنون عالمياً. والتزامنا مستدام بالاستثمار في الشباب الإماراتي، وإبراز المواهب الاستثنائية من الجيل القادم، وتقدير روح الابتكار والإبداع، ولا تقتصر أعمال الإنتاج المشترك على تشارُك الاستثمار في الموارد فقط، بل هي لقاء الفكر المتجدد، حيثُ تتيح التواصل والحوار بين الثقافات والشعوب، على طريق بناء الحضارة وصناعة المستقبل».
ويستعد مهرجان أبوظبي لتقديم سلسلة من الحفلات الموسيقية الرائدة في كلٍّ من لندن ونيويورك، لتسليط الضوء على المواهب الإماراتية، وتفتح أمام الجمهور العالمي نافذةً على المشهد الثقافي الإماراتي النابض بالحياة. ففي شهر مايو، سيُحيي الفنان فرج أبيض حفلاً تكريمياً لأم كلثوم في متحف متروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك، بينما يحتضن قصر كنسينغتون في يونيو حفلاً موسيقياً خاصاً يجمع عدداً من أبرز الفنانين الإماراتيين بالتعاون مع صندوق السلام والازدهار.