بقلم الدكتور إبراهيم حسن يس
يعتقد العديد من الخبراء أن قيام التكتلات الاقتصادية مثل مجموعة بريكس (BRICS) ومنطقة اليورو قد تؤدي لإضعاف هيمنة الدولار الأمريكي التي استمرت لحقبة طويلة من الزمن، الأمر الذي سوف يحد بدوره من سطوة سياسة القطب الواحد التي تقودها أمريكا. ولإلقاء الضوء على هذا الموضوع، لا بد من التطرق أولا إلى الأسباب التي أدت إلى هيمنة الدولار ومن ثم التطرق لأثر قيام المجموعات الاقتصادية على ذلك.


١- كيف بدأت هيمنة الدولار؟
أ- اتفاقية بريتون وودز
في عام 1944 والحرب العالمية الثانية تضع أوزارها، اجتمعت وفود 44 دولة في مدينة بريتون وودز الأمريكية واتفقوا على تثبيت سعر صرف العملات مقابل الدولار وربط الدولار بالذهب أي أن الدولار أصبح عملة احتياط وربط. وقد تم تحديد سعر الدولار وقتها بما يعادل 35 دولاراً للأونصة. وتجدر الإشارة إلى أنه قد قُدّم اقتراحان في ذلك الاجتماع، الاقتراح الأول قدمه الاقتصادي البريطاني المرموق جون كينز وتضمن إنشاء بنك مركزي عالمي باسم اتحاد المقاصة (Clearing Union) وإصدار عملة احتياط عالمية تسمى بانكور Bancor. في المقابل قدمت الولايات المتحدة الأميركية اقتراحا اخراً مدعوماً بكبير اقتصادي وزارة الخزانة الأمريكية هاري وايت بإنشاء صندوق إقراض لمساعدة الدول يكون للولايات المتحدة دور بارز فيه. وقد تم اختيار المشروع الأمريكي الذي تضمن قيام صندوق النقد الدولي International Monetary Fund (IMF) لمراقبة سعر صرف العملات وتقديم قروض للدول الأعضاء التي تعاني من اختلالات هيكلية (حتى لا تلجأ للاقتراض من مصادر أخرى بشروط مجحفة). وتُقدم قروض الصندوق عن طريق حقوق السحب الخاصة Special Drawing Rights وهي عبارة عن أصل احتياطي دولي يُدفع بسلة عملات مكونة من الدولار الأمريكي، الجنيه الإسترليني، الين الياباني، واليورو. وقد أُضيف إلى هذه العملات اليوان الصيني عام 2016. كما تم أيضاً إنشاء مجموعة البنك الدولي World Bank برافديه: المؤسسة الدولية للتنمية International Development Association(IDA) والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية International Bank for Reconstruction and Development (IBRD) .. ويجب التنويه إلى أن مجموعة البنك الدولي تقدم قروضا بشروط ميسرة للدول المدينة/المستفيدة (مقارنة بالقروض المقدمة من الدول الدائنة أو مؤسسات التمويل التجارية) بغرض تمويل مشروعات البنية التحتية Infrastructure and Social Overheads.وتسمى القروض المقدمة من المؤسسات الدولية وصناديق التنمية بالمساعدات متعددة الأطراف multilateral assistance والمقدمة من الدول المانحة/الدائنة بالمساعدات ثنائية الأطراف bilateral assistance والمقدمة من البنوك التجارية بالقروض التجارية commercial loans.
في عام 1971 أعلن الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون فك ارتباط الدولار بالذهب مؤقتا متعللا بإجراء بعض الإصلاحات على نظام بريتون وودز وقد عُرفت هذه الظاهرة بصدمة نيكسون Nixon Shock. وقد فشلت هذه الإصلاحات في عام 1973 ومن ثم اتفاقية بريتون وودز.
ب- اتفاقية البترودولار
في عام 1973 انهار نظام بريتون وودز جرّاء صدمة نيكسون وقامت الدول بتعويم عملاتها وفق آلية العرض والطلب. وفي عام 1974 تمكنت الولايات المتحدة من إعادة هيمنة الدولار بالاتفاق مع المملكة العربية السعودية بتسعير البترول بالدولار. وفي عام 1975 انضمت بقية دول الأوبك إلى السعودية وأصبح البترول يُسعّر بالدولار. إذاً فقد أعطت اتفاقية البترودولار قبلة الحياة لاتفاقية بريتون وودز التي كانت تحتضر وأعادت الهيمنة للدولار بربطه بتسعير النفط.
ج- الوظائف التي يقوم بها الدولار
إن الوظائف العديدة التي يقوم بها الدولار تدعم أيضا هيمنته ونذكر منها على سبيل المثال أن الدولار وسيلة تبادل، ووحدة حسابية، ومخزن عملة محلي وعالمي، ويُستخدم الدولار كعملة احتياط بواسطة الدول وايضاً للتدخل والمضاربات في أسواق النقد الأجنبي، بالإضافة إلى تسوية العمليات التجارية والاستثمارية.
بعد أن استعرضنا الأسباب التي أدت إلى هيمنة الدولار، سوف نتطرق الآن إلى موضوع إنشاء التكتلات الاقتصادية وبالأخص مجموعة بريكس BRICS وأثرها على هيمنة الدولار.

٢- نشأة مجموعة بريكس
ترمز كلمة بريكس إلى الأحرف الأولى للدول الخمسة التي تكون المجموعة وهي البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا. تبلورت فكرة بريكس عام 2006 وتكونت المجموعة عام 2009 واكتملت بانضمام جنوب أفريقيا عام 2010. وتهدف المجموعة إلى خلق توازن في الاقتصاد العالمي والقضاء على سياسة القطب الواحد وهيمنة الولايات المتحدة على السياسات المالية العالمية إضافة إلى تحقيق تكامل اقتصادي وجيوسياسي بين الدول الأعضاء، وإنشاء مؤسسات اقتصادية موازية للمؤسسات الغربية مثل البنك الدولي وخلافه.
لا بد من الإشارة إلى أن هذه المجموعة تشكل مركز ثقل اقتصادي لا يستهان به حيث يصل الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأن مساحتها تفوق ربع مساحة العالم بتعداد سكاني يتجاوز 40% من تعداد سكان العالم، وحجم إنتاج طاقة يوازي 40% تقريبا من مصادر الطاقة العالمية ونسبة تبادل تجاري أعلى من 16% من الحجم العالمي وفق إحصاءات عام 2013.
لتفعيل أهدافها، قامت المجموعة بتنفيذ بعض البرامج والمشروعات نذكر منها:
أ- نظام سيبس CIPS
نظام سيبس Cross-board Interbank Payment System هو النظام الذي يوازي نظام سويفت SWIFT الغربي. وهو عبارة عن دمج نظام الدفع العالمي الصيني (CIPS) مع النظام الروسي العالمي والمحلي (SPFS) وربطهما مع شبكات الدفع المحلية الهندية (UPI) والإيرانية (SEPAM). ويستخدم نظام سيبس في تسوية عمليات التجارة البينية والمعاملات الاستثمارية بين هذه الدول مما أدى إلى تهميش دور الدولار الأمريكي في معالجة هذه المعاملات إضافة إلى تخفيف المعاناة التي تسببها العقوبات الأمريكية على بعض دول هذه المجموعة. وجدير بالذكر أن المعاملات التجارية التي تمت تسويتها مؤخراً باليوان بالنسبة للصين قد بلغت 25% من حجم التبادل التجاري مع المجموعة.
ب- بنك التنمية الجديد New Development Bank
قامت المجموعة أيضا بإنشاء بنك التنمية الجديد في عام 2014 بمدينة شنغهاي (المركز الرئيسي للمجموعة) بغرض تمويل مشروعات البنية التحتية وتشجيع الاستثمارات في مشروعات التنمية وتعزيز العلاقات التجارية بين دول المجموعة والدول النامية. وقد بلغ رأس مال البنك المصرّح به 100 مليار دولار والمكتتب 50 مليار يورو موزعة بالتساوي بين الدول الأعضاء.
ج- توّسع المجموعة وإصدار عملة موحدة
قررت المجموعة في اجتماعها الأخير بجوهانسبرغ في أغسطس 2023 دعوة كل من الأرجنتين، مصر، إثيوبيا، إيران، السعودية ودولة الإمارات المتحدة للانضمام للمجموعة للارتقاء بها كقوة اقتصادية عالمية مع بداية عام 2024. وتتوقع مجموعة بلومبيرغ للأنباء تفوّق مجموعة بريكس على مجموعة السبع دول الصناعية المتقدمة (أمريكا، كندا، المملكة المتحدة، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا واليابان ) بزيادة معدل المساهمة في الاقتصاد العالمي من نسبة 36% بريكس: 30% مجموعة السبع المتقدمة في عام 2022 إلى 45%بريكس: 21% مجموعة السبع المتقدمة على التوالي بحلول عام 2040.
ونزعم أنه عندما تتمكن مجموعة بريكس من إصدار عملة موحدة للمجموعة، رغم التعقيدات التي تحيط بهذا الموضوع، سيحقق لها ذلك الاستقلال الاقتصادي الذي تنشده ويعزز من قدرتها التنافسية في النظام المالي العالمي وتصبح مهددا قويا لهيمنة الدولار الأميركي. وتنبع أهمية هذه الخطوة من أن العملة الجديدة لهذه المجموعة خاصة بعد أن تتوسع المجموعة وتكبر ستكون مثل اليورو الأمر الذي سيعزز من قدرة كل منهما كعملة احتياط مما سيهدد مركز الدولار كعملة احتياط وربط وربما القضاء عليه تدريجيا.
٣- خاتمة
في الختام، يتضح أنه إلى حين يتم تطوير الطاقة المتجددة بصورة تجارية منافسة ومن ثم يصبح النفط مصدر طاقة ثانوي أو/و يتم تسعير النفط بعملة غير الدولار، سيظل الدولار مهيمنا في النظام المالي العالمي حتى عند قيام مجموعات اقتصادية مثل بريكس والتي قد تضعف هيمنة الدولار بتسوية معاملات التجارة البينية والعمليات الاستثمارية بالعملات المحلية بين الدول الأعضاء وربما القضاء على هيمنة الدولار تدريجيا خاصة إذا أصدرت هذه المجموعات عملة جديدة موحدة وأصبحت عملة احتياط/ربط مما يعزز مركزها في النظام المالي العالمي كعملة منافسة أو/و بديلة للدولار.

ibrayasin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدولار الأمریکی هیمنة الدولار مجموعة بریکس البنک الدولی فی عام

إقرأ أيضاً:

«اقتصادية قناة السويس»: المنطقة وجهة الاستثمار العالمي وتتيح فرص عمل للشباب

أكد وليد جمال الدين رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أن المنطقة الاقتصادية تعد أحد المشروعات القومية الكبرى في الجمهورية الجديدة، ووجهة الاستثمار العالمي، مشيرا إلى نجاحها في جذب العديد من الاستثمارات في القطاعات المستهدفة التي تتيح فرص عمل للشباب لتحقيق التنمية المستدامة.

جاء ذلك خلال استقبال المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مقرها بالسخنة، شباب وطلائع مبادرة «كلنا واحد جيل جديد» التي تنظمها وزارة الداخلية تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، للتعرف على المنطقة الاقتصادية ومناطقها الصناعية كأحد أبرز المشروعات القومية بالدولة.

وأوضح جمال، أن المبادرة تهدف إلى توعية وتثقيف شباب المناطق الحضرية الجديدة دعما للاستراتيجية الوطنية لبناء الإنسان المصري، مشيرا إلى الجهود المبذولة في الترويج للمنطقة ومشروعات التطوير في الموانئ وفي البنية التحتية والمرافق لتهيئة مناخ متكامل للاستثمار.

وذكرت المنطقة، في بيان اليوم الاثنين، أنه تم خلال الزيارة عرض فيلم تسجيلي عن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تعرف من خلالها الشباب على مقومات المنطقة الاقتصادية وأبرز ميزاتها التنافسية، من حيث امتلاكها 6 موانئ بحرية على البحرين المتوسط والأحمر التي تعد منافذ تصديرية للأسواق العالمية، و4 مناطق صناعية تشمل 21 نشاطا صناعيا وخدميا مختلفا.

واستعرض الفيلم، المشروعات الجارية في الهيئة بمختلف القطاعات الصناعية، خاصةً قطاع الهيدروجين الأخضر الذي تستهدف الهيئة أن تكون مركزا رائدا لإنتاجه وتموين السفن به.

حضر اللقاء أحمد جمال، نائب رئيس الهيئة للمنطقة الجنوبية، ومحمد إبراهيم، مساعد رئيس الهيئة، وممثلي وزارة الداخلية، وممثلي شركة تيدا المطور الصناعي بالهيئة.

كما زار وفد المبادرة، المطور الصناعي «تيدا مصر» بمنطقة السخنة الصناعية، للتعرف على المشروعات المقامة بنطاق المطور.

و زار الوفد، مصنع «جوشي مصر» لصناعة الفايبر جلاس، الذي يعد أحد أكبر المصانع الصينية بالمنطقة الاقتصادية ويأتي في الترتيب الرابع عالميًّا من حيث الطاقة الإنتاجية السنوية للفايبر جلاس، ويسهم بدوره في تعزيز الصادرات المصرية.

كما اطلع شباب مبادرة «كلنا واحد جيل جديد» على مصنع شركة «ميديا إيجيبت» للأجهزة الكهربائية الذي يقوم بإنتاج عدد كبير من أجهزة المطابخ وسخانات المياه وغيرها بسواعد مصرية وفق أحدث التقنيات العالمية.

وقام طلبة وطالبات مبادرة «جيل جديد» بجولة تعريفية داخل ميناء السخنة وأعمال التوسعة والتطوير التي تقوم بها الهيئة بأرصفة وساحات الميناء حاليًا ليصبح أهم ميناء محوري على البحر الأحمر، حيث أنشأت الهيئة 5 أحواض جديدة، وأرصفة بطول 18كم ليصبح إجمالي أطوال الأرصفة بالميناء 23 كم، بعمق 18م، وإنشاء ساحات التداول بمساحة 8.6 كم2، ليصبح إجمالي الساحات 10.6 كم2، وخلال الجولة قام طاقم الميناء بتقديم شرح عن أهم أنشطة الميناء.

مقالات مشابهة

  • بريكس تكتب نهاية عصر الدولار؟
  • بنك "بريكس" الجديد: "سندعم مصر بكل ما أوتينا"
  • لافروف: الحرب الإسرائيلية على غزة يجب أن تتوقف فوراً
  • روسيف: دول البريكس ستسهم في تقليل الصدامات الاقتصادية العالمية بـ 31.5% من الإنتاج العالمي
  • المشاط: الملتقى الأول لبنك التنمية الجديد يعكس حرص السيسي على توطيد العلاقات مع تجمع "بريكس"
  • موسكو تتهم واشنطن.. ترفض التعددية وتسعى للهيمنة
  • الأوضاع الاقتصادية تسهم في تشكيل النظام العالمي الجديد.. ابحث عن الصين
  • لافروف: أمريكا وحلفاؤها يستخدمون الابتزاز والأدوات الاقتصادية أسلحة للحفاظ على هيمنتهم
  • «اقتصادية قناة السويس»: المنطقة وجهة الاستثمار العالمي وتتيح فرص عمل للشباب
  • دبلوماسي سابق: انضمام مصر لـ"بريكس" زاد من تأثير سياستها الخارجية