أعلنت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الصومال في 3 فبراير 2024 عن استكمال المرحلة الثانية من عملية سحب قوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (اميصوم)، والتي ستشمل انسحاب 3000 جندي، مع تسليم 7 قواعد عسكرية للحكومة الفيدرالية الصومالية في مقديشو، وإغلاق قاعدتين أخريين، وهو ما أثار مخاوف حكومة مقديشو التي كانت قد طلبت من قبل تأجيل عملية الانسحاب، فتم تأخيرها ثلاثة أشهر استجابة لطلب الحكومة الصومالية وتقديراً لمخاوفها.

وهكذا يصبح عدد أفراد البعثة المنسحبة في المرحلتين الأولى والثانية 5000 جندي، ولايزال 14600 جندي ينتظرون صدور القرار بانسحابهم جميعاً مع نهاية العام الجاري، وذلك ضمن خطة الانسحاب المتفق عليها وفق الجدول الزمني الذي حددته الأمم المتحدة، حيث سيتم تسليم المسؤوليات الأمنية في المناطق التي انسحبت منها قوات حفظ السلام إلى قوات الأمن الصومالية.

لعبت بعثة الاتحاد الإفريقي (اميصوم) التي منحت تفويضاً دولياً معززاً لمحاربة حركة الشباب الصومالية دوراً محورياً في محاربة الحركة ومواجهتها عسكرياً، فقد تمكنت من طرد عناصر الحركة من المدن والبلدات الرئيسية في الصومال بين أعوام 2011 و2012، وبالتالي عززت من موقف الحكومة الصومالية وساهمت في إعادة سيطرة الدولة على الكثير من مناطق الصومال، فكان من الطبيعي أن يثير ذلك قلق مقديشو التي كررت طلبها بتأخير عملية الانسحاب، حيث طلب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في رسالة إلى الأمم المتحدة تأجيل سحب 3000 آلاف جندي من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي، خوفاً من الفراغ الأمني الذي سيخلفه انسحاب البعثة الدولية، وذلك بعد ترافق عملية الانسحاب مع تكثيف حركة الشباب لهجماتها منذ شهر أغسطس 2023 ضد القوات الحكومية والمدنيين الصوماليين، مما جعل الحكومة الصومالية تدرك أنها مازالت بحاجة للمزيد من الوقت حتى تستعد عسكرياً وأمنياً لملء الفراغ  الذي سيخلفه انسحاب عناصر البعثة [1].

أقرت الحكومة الصومالية في رسالتها أن هجمات حركة الشباب في الأشهر الأخيرة – أغسطس وسبتمبر 2023، فبراير 2024 – بالتزامن مع بدء انسحاب قوات حفظ السلام كشف عن نقاط ضعف في الخطوط الأمامية للقوات الحكومية، مما أدى إلى تعرضها لعدة انتكاسات أمام مسلحي الحركة وانسحابها من عدة بلدات كانت تحت سيطرتها. وهذا التدهور الأمني السريع ليس مستغرباً بالنظر إلى أن قوات بعثة الاتحاد الإفريقي كانت تقدم خدمات كبيرة في المجال الأمني، فقد كان لها دور حاسم في استعادة المدن المهمة في الصومال وجعلها تجت سيطرة حكومة مقديشو، كما ساهمت في حماية مؤسسات الدولة، ووجهت ضربات موجعة لعناصر حركة الشباب، فضلاً عن مساهمتها في تدريب وتسليح قوات الجيش والشرطة الصومالية. والحقيقة أن هذا الدور الإيجابي ينطبق على جميع البعثات الدولية لقوات حفظ السلام في القارة الإفريقية، فرغم عدم قدرتها على إنهاء النزاعات بشكل جذري، إلا أن قوات حفظ السلام تمكن إلى حد كبير من تأدية المهام المطلوبة منها، فنجحت في تقليل أعداد الضحايا المدنيين والعسكريين معاً، كما ساعدت على حفظ السلام واحتواء العنف في المناطق التي تواجدت فيها، وكان لها دور فاعل في إعادة بناء المؤسسات وتنشيط المجتمع المدني في حال انتهاء العنف والنزاع المسلح. وهذه النتائج الإيجابية تم ملاحظة في أغلب الدول الإفريقية التي تدخلت فيها قوات حفظ السلام كجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والصومال [2].

وبالنظر إلى الحالة الصومالية فإن المعطيات الواقعية تشير إلى أن القوات الحكومية لم تصل بعد إلى القوة والقدرة الكافية لتولي المسؤوليات الأمنية بشكل كامل، وبالتالي لن تستطيع التخلي عن الدعم العسكري الخارجي تماماً،  لأنها ما تزال محتاجة إلى إجراء تغييرات جذرية في هياكل الجيش وقوات الأمن، وإن خروج قوة ” اميصوم” سيترك القوات الصومالية تلك في مواجهة 12000 عنصر من مسلحي حركة الشباب، وذلك على أقل تقدير. لاسيما أن حركة الشباب الصومالية مدركة تماماً للفراغ الأمني الممكن حصوله في حال انسحاب قوة ” اميصوم”، وأنها جاهزة لاستغلال الفرصة الناتجة عن ذلك، وهذا ما برهنت عليه تحركاتها وهجماتها المباشرة عقب اكتمال المرحلة الأولى من مراحل الانسحاب [3].

ومن هنا يمكن تخيل خطورة المشهد الصومالي في حال تم الانسحاب الكامل لقوات حفظ السلام، وما يحمله من إمكانية تأجيج النزاع المسلح وازدياد ضحاياه، وهذا يضع الحكومة الفيديرالية الصومالية أمام مأزق سيجبرها على البحث عن خيارات بديلة تستعيض بها عن قوات “اميصوم”، مثل اللجوء إلى عقد اتفاقات أمنية ثنائية مع إحدى دول الجوار، وذلك للمصلحة المشتركة، حيث أن جميع جيرانها – دول القرن الإفريقي – متضررون من وجود وتحركات حركة الشباب، وخصوصاً إثيوبيا وأوغندا، فمن مصلحة تلك الدول أن يستتب الأمن في الصومال، ومن الأرجح أن تتجه مقديشو لعقد اتفاقية أمنية مشتركة مع أوغندا، وذلك لخبرة الأخيرة في محاربة حركة الشباب على مدى أكثر من 16 عاماً، وإن هذا التعاون يمكّن مقديشو من الاحتفاظ بنفس كثافة التواجد العسكري والأمني في مقديشو وما حولها، دون أن تضطر لتشتيت قواتها، وبالتالي منح حركة الشباب قدرة أكبر على المناورة وضرب المراكز الحساسة للدولة [4].

وإن احتياج الصومال إلى مساعدة خارجية سيفتح المجال للدول الكبرى لاستغلال حاجة الصومال من أجل زيادة نفوذها في المنطقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، وذلك تحت ذريعة تقديم الدعم ومكافحة الإرهاب، فرغم أنها يمكن أن تقدم مساعدة فعلية من خلال التدريب والتسليح والضربات الجوية للقوات الصومالية ضد عناصر حركة الشباب، غير أن هذا يفتح باباً لزيادة التدخل في شؤون الصومال الداخلية، وبالتالي إعاقة مساعي الصومال للوصول إلى السيادة الكاملة والاستقرار الدائم داخلياً وخارجياً.

المراجع:

” سحب 3 آلاف جندي أفريقي من الصومال “، الجزيرة نت، 3/2/2024، https://2u.pw/UzHz4MX. ” تداعيات مُقلِقة.. ماذا بعد مغادرة “أتميس” من الصومال؟”، القاهرة الإخبارية، 14/2/2024، https://2u.pw/sX6RKn7. ” عصر بعثات حفظ السلام الأممية في أفريقيا يقترب من نهايته .. الجيوش الأفريقية الهشة أمام تحدي ملء الفراغ الأمني واللوجستي”، صحيفة العرب، 25/11/2023، https://2u.pw/vYCzxn7. ” أتميس تستأنف انسحابها من الصومال الأسبوع المقبل “، مركز الاتحاد للأخبار، 18/12/2023، https://2u.pw/fCoKtqx.

[1] ” سحب 3 آلاف جندي أفريقي من الصومال “، الجزيرة نت، 3/2/2024، https://2u.pw/UzHz4MX.

[2] ” عصر بعثات حفظ السلام الأممية في أفريقيا يقترب من نهايته .. الجيوش الأفريقية الهشة أمام تحدي ملء الفراغ الأمني واللوجستي”، صحيفة العرب، 25/11/2023، https://2u.pw/vYCzxn7.

[3] ” أتميس تستأنف انسحابها من الصومال الأسبوع المقبل “، مركز الاتحاد للأخبار، 18/12/2023، https://2u.pw/fCoKtqx.

[4] ” تداعيات مُقلِقة.. ماذا بعد مغادرة “أتميس” من الصومال؟”، القاهرة الإخبارية، 14/2/2024، https://2u.pw/sX6RKn7.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: بعثة الاتحاد الإفریقی الحکومة الصومالیة قوات حفظ السلام حرکة الشباب فی الصومال من الصومال

إقرأ أيضاً:

مخاوف أمنية وإنسانية: كردفان.. جبهات جديدة تؤجج الصراع

فتح جبهات جديدة في كردفان يثير مخاوف لدى السكان فقد بدأت فعلاً موجات نزوح بوتيرة منخفضة، وسط قلق وترقب.

كمالا: التغيير- فتح الرحمن حمودة

يشهد إقليم كردفان منذ أشهر موجة جديدة أعنف من حرب السودان التي تكاد تكمل عامها الثالث، وذلك بالنظر إلى تعقيدات المشهد السياسي والتطورات الميدانية خصوصاً ما حدث في إقليم دارفور وتحديداً مدينة الفاشر التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع الشهر الماضي بعد أشهر طويلة من الحصار.

وعقب سيطرة “الدعم السريع” على الفاشر أصبحت كردفان الواجهة الجديدة للعمليات العسكرية بينها وبين الجيش السوداني في عدة محاور- تحديداً شمالها وغربها- فتحول إلى ساحة مواجهات مفتوحة يحاول كل طرف فيها بسط سيطرته على أكبر مساحة ممكنة بالإقليم.

اشتباكات أكثر شراسة

وبدأت اشتباكات أكثر شراسة في مدينة بابنوسة التي تعتبر آخر معاقل الجيش في غرب كردفان.

وأكد شهود عيان لـ(التغيير)، هذه التطورات الميدانية، إلى جانب العمليات العسكرية التي لا تزال جارية في مناطق قريبة من مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان التي تقع تحت سيطرة الجيش باستثناء مدينة بارا الخاضعة للدعم السريع.

وكانت مصادر أخرى أكدت لـ(التغيير)، أن مدينة بارا ما زالت تشهد اشتباكات ضارية بين الطرفين، حيث تواصل الدعم السريع فرض سيطرتها العسكرية على المدينة، بينما يحاول الجيش والقوات المساندة له استعادتها.

وبحسب متابعات (التغيير)، باتت مناطق واسعة من كردفان تشهد بشكل يومي عمليات عسكرية وتغيراً في خارطة العمليات والسيطرة بصورة متسارعة، حيث يسعى كل طرف لتوسيع نطاق سيطرته العسكرية ميدانياً.

ويرغب الجيش من خلال التحرك لتوسيع نظاق نفوذه داخل كردفان في التمهيد للتوغل نحو دارفور، بينما تعمل قوات الدعم السريع على تحقيق عكس ذلك من خلال التقدم نحو ولايتي النيل الأبيض والخرطوم عقب بسط سيطرتها على إقليم كردفان.

خارطة السيطرة

أما في ولاية جنوب كردفان فلا تزال المواجهات العسكرية متواصلة هناك، بحسب مصدر من المنطقة تحدث لـ(التغيير)، فإن المحليات الشرقية من بينها منطقتي الترتر وتلودي لم تشهد حتى الآن مواجهات عسكرية وتقع تحت سيطرة الجيش السوداني.

وقال المصدر، إن الاتجاه الشمالي للولاية يبدأ من مدينة الدبيبات التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع بينما مدينة الدلنج تقع تحت سيطرة الجيش، فيما الإتجاه الجنوبي من بعد مدينة الدلنج وحتى كادقلي الذي تقع فيه مناطق قواد، حجر والكركل تحت سيطرة الجيش أيضاً.

وأشار إلى أنه في المقابل تخضع مناطق كيقا والقرى المحيطة بها قرب كادقلي لسيطرة الدعم السريع والجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو والمنضوي تحت تحالف السودان الـتأسيسي (تأسيس) بقيادة قوات الدعم السريع.

وبذلك تصبح خارطة السيطرة العسكرية في جنوب كردفان موزعة كالآتي: شمال الولاية تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بينما الاتجاهات الغربية تحت سيطرة الجيش الشعبي، أما ناحية الاتجاهات الجنوبية فتقع تحت سيطرة الجيش السوداني الذي بدا أنه محاصر من الإتجاه الشمالي للولاية.

قلق ومخاوف

هذه التطورات انعكست إنسانيا على مدينة الأبيض التي تعيش مخاوف من دخول قوات الدعم السريع إلى المدينة.

وقال مصدر من المدينة لـ(التغيير)، إنه حتى لحظة إعلان نبأ حوار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول ضرورة حل الأزمة في السودان، ساد شعور بالتفاؤل لكنه انقلب إلى إحباط عقب تصريحات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.

أضاف أن موجات النزوح عادت من جديد داخل المنطقة ومن الوافدين إليها ولكن بوتيرة منخفضة باتجاه النيل الأبيض وشمال البلاد رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.

كما أفاد شهود عيان (التغيير)، بوجود حالة من الهدوء داخل المدينة مع انتشار كثيف للجيش وانخفاض للهجمات من قبل الدعم السريع بعد أن أحكم الجيش سيطرته عليها.

ومن جانب آخر تحصلت (التغيير)، على معلومات من مصادر موثوقة تفيد بأن الخلية الأمنية التابعة للجيش في المدينة اعتقلت خلال شهر نوفمبر الحالي أكثر من (50) فتاة تتراوح أعمارهن بين (17 و20) عاماً داخل الأبيض.

وأكدت المصادر أن الاعتقالات ركزت على اتهام الفتيات بالتعاون مع قوات الدعم السريع، إضافة إلى تدوين بلاغات جنائية ضد بعضهن.

وفي ولاية جنوب كردفان، قال شهود عيان لـ(التغيير)، إن الوضع الإنساني قد يسوء أكثر إذا استمرت التحركات البرية نحو الدلنج، خاصةً مع تركيز الدعم السريع على معارك بابنوسة التي قد تفتح الطريق نحو جنوب كردفان حال سيطرتها عليها.

وتضم المدن الكبرى في جنوب كردفان أعداداً كبيرة من النازحين من قرى ومناطق مجاورة، وأي عمليات عسكرية مباشرة قد تعرض السكان لمخاطر إنسانية جديدة في ظل غياب المساعدات الإنسانية المباشرة.

وكانت منظمة الهجرة الدولية أعلنت نزوح (1040) شخصاً من قرية برنو بمحافظة الريف الشرقي في جنوب كردفان بسبب تفاقم انعدام الأمن وتصاعد انتهاكات قوات الدعم السريع.

كما كشفت إدارة الطوارئ بمفوضية العون الإنساني في ولاية النيل الأبيض أن المنطقة استقبلت أكثر من (16) ألف نازح جديد قادمين من شمال كردفان وإقليم دارفور.

الوسومالأبيض الجيش الجيش الشعبي الحركة الشعبية-شمال الخرطوم الدبيبات الدعم السريع الدلنج السودان النيل الأبيض بابنوسة عبد العزيز الحلو قوات الدعم السريع كادقلي

مقالات مشابهة

  • أندية التثقيف والمجتمع بقنا تنظم الندوة التوعوية عن مخاطر الإدمان وخطورة التبغ
  • مخاوف من صفقات مفاجأة وتوافقات خارجية تحدد اسم رئيس الحكومة المقبل
  • شيخ الأزهر يشدِّد على ضرورة تحصين الشَّباب العربي من مخاطر الغزو الثقافي
  • كوت ديفوار تتولى رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي في ديسمبر
  • الاتحاد الأوروبي: مخاوف بلجيكا بشأن الأصول الروسية "مُبررة"
  • ناصري يستقبل رئيس البرلمان الإفريقي
  • الاتحاد الإفريقي يعلّق عضوية غينيا بيساو في هيئاته بعد الانقلاب
  • مخاوف أمنية وإنسانية: كردفان.. جبهات جديدة تؤجج الصراع
  • رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يهنئ موريتانيا بمناسبة عيد استقلالها الوطني
  • الرئيس الروسي يشترط انسحاب أوكرانيا من دونباس لوقف القتال