مراقبون: زيارة مسؤول كبير بحزب الله للإمارات يفتح باب الحوار بينهما
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
بيروت- خطفت زيارة وصفت بأنها تاريخية لرئيس وحدة الارتباط والتنسيق بحزب الله، وفيق صفا، إلى الإمارات، يوم 19 مارس/آذار الحالي، الأنظار في لبنان، وتصدرت قراءة دلالاتها وأبعادها المشهد السياسي، لتتجاوز حدود المهمة الرسمية المعلنة، وهي البحث في ملف نحو 7 موقوفين لبنانيين في الإمارات منذ سنوات، بتهمة التخابر والتعامل مع الحزب.
وليس حدثا عاديا، وفق مراقبين، أن تنقل طائرة خاصة مسؤولا كبيرا بالحزب من مطار بيروت إلى أبو ظبي، وهو المدرج لديها على قائمة الإرهاب منذ 2014 وتتهمه بالعبث بأمنها، بينما لحزب الله تاريخ في توجيه اتهامات قاسية للإمارات حول علاقتها مع إسرائيل.
في السنوات السابقة، كان يتولى مدير الأمن العام السابق، اللواء عباس إبراهيم، دور الوسيط بين الإمارات وحزب الله، للبحث في قضية الموقفين وأبعادها الأمنية والإنسانية.
وتم إطلاق سراح نحو 11 موقوفا سنة 2021. ومنتصف 2023، أعلنت الخارجية اللبنانية عن إطلاق سراح قرابة 10 لبنانيين بعد توقيفهم لمدة شهرين، بعد أسابيع من نبأ وفاة الموقوف اللبناني بالسجون الإماراتية غازي عز الدين.
أما حاليا، ولأول مرة، تنطلق مباحثات مباشرة وعلنية بين الطرفين دون وسيط. وفي بيان رسمي مقتضب، قال حزب الله أمس الخميس "زار مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا دولة الإمارات في إطار المتابعة القائمة لمعالجة ملف عدد من المعتقلين اللبنانيين هناك، حيث التقى عددا من المسؤولين المعنيين بالملف، والأمل معقود أن يتم التوصل إلى الخاتمة المطلوبة".
ومنذ توليه، مطلع التسعينيات، منصب رئيس وحدة التنسيق والارتباط في الحزب، لمع اسم صفا بملفات داخلية وخارجية حساسة مع خصوم الحزب، كما لعب دورا بارزا بملفات تبادل الأسرى السابقة مع إسرائيل.
وكان أبرزها سنة 2008، حين تمت صفقة تبادل جثتي الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى الحزب بوساطة ألمانية -بعدما أشعل أسرهما فتيل حرب يوليو/تموز 2006- مقابل إطلاق تل أبيب سراح 5 أسرى لبنانيين أبرزهم سمير القنطار، ورفات نحو 199 لبنانيا وفلسطينيا.
فما دلالات زيارة أحد أبرز مسؤولي حزب الله للإمارات بالشكل والتوقيت؟
يصف الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم زيارة صفا بـ"اللافتة جدا" كونها جاءت بين الإمارات "أبرز المطبعين مع إسرائيل" وحزب الله أشد المعارضين للتطبيع.
لكنه يعتبر -عبر الجزيرة نت- أن الحزب لا يخطو خطوة كهذه دون دراسة مختلف جوانبها، ويرجح أن تكون بمباركة إيرانية ووساطة سورية، مؤكدا التزام الحزب بعنوانها العريض، وهو الإفراج عن الموقوفين.
ويقول بيرم "قد تكون زيارة صاحب المهمات الصعبة لدى حزب الله بداية مرحلة جديدة تتجاوز علاقته مع الإمارات لعلاقته مع المنظومة الخليجية عموما وخصوصا السعودية".
من جانبه، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي أسعد بشارة، في حديث للجزيرة نت، أن وصول طائرة خاصة من الإمارات لنقل صفا كانت أبرز الرسائل على مستوى الزيارة وأهميتها.
لكنه يرى أن الإمارات ثابتة على مواقفها الإقليمية، بينما الحزب هو المتغير بتموضعه بهذه الزيارة. ويقول "ربما أدرك الحزب أهمية أن يكون براغماتيا وتصفير عداواته مع دول خليجية، بعد استشعار خطر يهدده دوليا وإقليميا، منذ انخراطه في مواجهة إسرائيل عقب حرب غزة".
الحاج وفيق صفا في الامارات لاطلاق الموقوفين، وفي لبنان في ناس انجلطت من الخبرية #لبنان #الامارات #بيروت #وفيق_صفا #حزب_الله #دبى #ابو_ظبي pic.twitter.com/0p1KGckskY
— abdallah chamseldeen (@chamseldeen) March 20, 2024
خرق سياسيأما الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب، فيعتبر، في حديث للجزيرة نت، أن زيارة صفا تعني، بتوقيتها وشكلها ومضمونها، خرقا سياسيا كبيرا في جدار المقاطعة الخليجية للبنان والتي كانت الإمارات جزءا لا يتجزأ منها، وجاءت على خلفية اتهام الحزب بالانخراط بعدد من أزمات الإقليم كسوريا واليمن.
وهذه الزيارة، برأي أيوب، لا يمكن حصولها في مناخ من الاشتباك الإقليمي، وبالتالي "تستظل بمناخ الانفراج الأميركي الإيراني من جهة، والخليجي الإيراني، وخصوصا السعودي الإيراني، من جهة ثانية، وحتما تتأثر بمناخ الانفتاح الخليجي على دمشق والمساعي الهادفة إلى حل أزمة اليمن".
ويعود بشارة فيعتبر أن عودة العلاقات الإماراتية السورية، مع احتفاظ طهران بعلاقة دافئة اقتصاديا مع أبو ظبي حيث زادت استثماراتها هناك بعد التطبيع الإسرائيلي الإماراتي، قد يعني أن هذين الطرفين، أي إيران وسوريا، لهما اليد الأولى بزيارة صفا.
ويؤكد الكاتب إبراهيم بيرم ربط الزيارة بما جاء في بيان الحزب لجهة السعي للإفراج عن الموقوفين، ويجد فيها بداية تنازل إماراتي كبير عن وضع حزب الله على قائمة الإرهاب، والاعتراف به كلاعب قوي وأساسي بالمنطقة.
ويقول "إن توتر العلاقات اللبنانية الخليجية كان محورها حزب الله، ويبدو أن ثمة إعادة نظر بحالة العداء مع الحزب بمسار انفتاحي بدأ منذ أشهر بالكواليس".
وفي حال إفراج الإمارات عن الموقوفين، يرجح بيرم أن الثمن الأقصى الذي سيدفعه حزب الله هو تهدئة هجماته بخطابه السياسي على بعض الدول الخليجية فحسب، خصوصا مع الإمارات والسعودية، وأن يشكل الانفتاح الإماراتي على الحزب انزعاجا وتحديا لإسرائيل.
بينما يعتقد أيوب أن وظيفة الزيارة محددة، وهدفها حل قضية الموقوفين، لكن أصل الموضوع لم يبدأ هكذا.
ويقول "لقد طرق الإماراتيون أبواب حزب الله قبيل أكثر من سنتين، وتحديدا قبيل إنجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وجاء بالتزامن مع إعلان أبو ظبي عن استثمارات ضخمة بحقول النفط شرق المتوسط بينها حوالي المليار دولار بأحد الحقول شمال إسرائيل".
الثمنويضيف أيوب أن الإماراتيين حاولوا عبر قنوات عدة فتح حوار مباشر مع حزب الله، وكان جواب الحزب تكليف اللواء عباس إبراهيم بنقل رسالة للإماراتيين مفادها أن لا حوار قبل الإفراج عن الموقوفين.
وبالفعل نجح إبراهيم -وفق الكاتب- حينذاك بالإفراج عن لبنانيين من طوائف عدة، جميعهم ممن لم تصدر أية أحكام بحقهم، إلا أن الملف ظل مفتوحا بسبب وجود أكثر من 10 موقوفين آخرين، ممن صدرت بحقهم أحكام بعضها يصل للمؤبد.
وهؤلاء، بحسب معلومات أيوب "من الذين تجري الآن محاولة للإفراج عنهم قبل عيد الفطر أو خلاله أو بعده بفترة بسيطة بموجب قرارات عفو يصدرها رئيس الدولة محمد بن زايد، بدل سلوك المسار القضائي الذي يحتاج لسنوات". لذا، يؤكد المتحدث ذاته أن الزيارة بداية، ولكنها ستفتح أبواب الحوار السياسي بين حزب الله وأبو ظبي.
ويتحدث عن 3 دول مواكبة للحوار: هي إيران "بفعل علاقاتها الوثيقة مع الإمارات، والسعودية التي لم يكن بإمكان أبو ظبي أن تخوض هكذا قضية" لولا الضوء الأخضر السعودي "وسوريا التي شجعت الجانبين فقط دون أن يكون لها دور مباشر".
أما الثمن المقابل، فيتصل -وفق المحلل السياسي أيوب- بسؤال أساسي: لماذا يريد الإماراتيون فتح حوار مع حزب الله وهل سيقومون بهذا الحوار دون ضوء أخضر أميركي وإسرائيلي؟
ويجيب "ثمة مصالح إماراتية كبيرة جدا بالمنطقة، خصوصا بقطاعي النقل البحري (المرافئ وحقول الغاز) وأعتقد أنها تراكم بهذا الاتجاه على صعيد منطقة شرق المتوسط". ومع ذلك، لا يربط الكاتب بين زيارة صفا للإمارات واشتعال جبهة الجنوب "بدليل أن الإسرائيلي ينقل رسائله عبر الأميركيين والأوروبيين".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات عن الموقوفین زیارة صفا وفیق صفا حزب الله أبو ظبی
إقرأ أيضاً:
............. حزب الله يَتَحَضّر! ............
شهدت الساحة اللبنانية مؤخراً حراكاً دبلوماسياً مكثفاً، كان أبرز محطاته الزيارة غير العادية لوزير الخارجية المصري إلى لبنان.هذه الزيارة كانت بمثابة حامل لـرسائل إنذار وتحذير بالغة الأهمية نُقلت مباشرة إلى قيادة حزب الله، وتتلخص هذه الرسائل في قناعة إقليمية ودولية متزايدة بأن الحرب آتية وحتمية، وأنها ستكون “قاسية” ومُكلفة على كل من الحزب والدولة اللبنانية.
تؤكد المعلومات الخاصة أن الرسالة المصرية لم تكن وحيدة، فقد تلقى الحزب إشارات وتحذيرات مماثلة ومباشرة من حلفائه الرئيسيين، روسيا وإيران، فهذا الإجماع غير المعتاد على وشك وقوع المواجهة دفع قيادة الحزب إلى بدء “التحضيرات اللازمة” لمرحلة ما بعد التصعيد.
في هذه الأثناء، يظهر العجز اللبناني الرسمي جلياً، حيث لا تزال الدولة اللبنانية “تراوغ وتنظر مكتوفة اليدين”، بينما يواصل حزب الله إعادة بناء قدراته وتجهيز صفوفه، ما يزيد من إصرار إسرائيل على “تغيير المشهد الراكد” في الجنوب اللبناني.
ما يلفت الانتباه هو طبيعة التحضيرات التي يقوم بها حزب الله حالياً، فعلى عكس التوقعات السائدة التي تشير إلى تجهيز العدة لخوض حرب شاملة، ونقل موقع “صوت بيروت إنترناشونال” اللبناني، نقلا عن مصادره الخاصة "إلى أن الجزء الأكبر من هذه التحضيرات هو ذو طبيعة لوجستية وإنسانية، إذ تركز جهود الحزب على، “تأمين متطلبات النازحين المتوقع تدفقهم من قرى وبلدات الجنوب، وهي المنطقة التي ستكون هدفاً رئيسياً لأي ضربة عسكرية، وتلبية الاحتياجات الأساسية في الضاحية الجنوبية لبيروت وقرى البقاع، والتي يُتوقع أن تشهد أيضاً “ضربات عنيفة” كجزء من بنك الأهداف الإسرائيلي.”
هذا التحول، الذي يحوّل الحزب إلى ما يشبه “جمعيات لإعانة بيئته الحاضنة” في زمن الحرب، يطرح تساؤلات حول استراتيجيته الفعلية، إذ يأتي التفسير الأهم لطبيعة هذه التحضيرات من طهران، فالمعلومات تشير إلى أن أوامر إيران واضحة وحاسمة: ممنوع الدخول في مواجهة شاملة ومباشرة مع إسرائيل، “مهما كانت الأثمان باهظة”.
السبب وراء هذا القرار هو استراتيجية حماية العمق الإيراني، فالقيادة الإيرانية لا ترغب في أي مواجهة قد “ترتد عليها سلباً”، وتعرّض عمق الأراضي الإيرانية وأركان نظامها للقصف والاغتيالات، خاصة في ظل التهديدات الإسرائيلية المتكررة باستهداف المنشآت الحيوية في حال توسع رقعة الصراع.
يبدو أن المرحلة المقبلة تضع حزب الله أمام أصعب التحديات، فبين ضغط التحذيرات الدولية والموقف الإيراني الحاسم، وبين ضرورة الحفاظ على قدراته العسكرية المتواضعة والتي لا تخوله خوض المواجهة، بل يريد الإبقاء على ما تبقى من أجل استعماله للهيمنة على الداخل.