قال الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط،  إمام وخطيب المسجد الحرام، إنه بين لهو الحياة ولغوها، وفي غمرة خطوبها وأحداثها، وسعير صراعها وهجير مطامحها، يشعر المرء بأنَّه في حاجةٍ إلى ملذات يثوب إليها، ويتفيأ ظلالها، ليأخذ الأُهبة ويعد العُدَّة، لتجديد العزم، وشحذ الهمة، وتقوية الإرادة، حتى يمضي على الطريق موفور الحظ من التوفيق، سالم الخطى من العِثار.

بين لهو الحياة

وأوضح " خياط" خلال خطبة الجمعة الثانية في رمضان اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنه قد كان من نعم الله السابغة، ومننه الوافرة، وآلائه الجليلة، أن جعل للأمة أزمانًا تسمو على أشباهها، وتعلو على أمثالها، وهيأ لعباده من فرص العمر، ومواسم الخير، وميادين البر، ما يبلغون به المراد، ويصلون به إلى الغاية، ويحققون الأمل، لذا "نحمد الله - عز وجل - الذي منَّ على عباده بفريضة الصيام، وجعل صوم رمضان وقيامه سببًا لغفران الذنوب والآثام.

وأضاف أنه في الطليعة من هذه الفرص والمواسم: هذا الشهر المبارك رمضان، سيد الشهور، الذي اختص منها بنزول هذا الهدى والنور، والشفاء لما في الصدور، القرآن العظيم، والذكر الحكيم ﴿شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ﴾.

وأفاد بأنه إذا كانت القوة للمسلم ضرورةً وزادًا لا غناء له عنه، ورصيدًا لا مناص له منه، لأنه عونٌ على الحق، وسبيلٌ إلى التمكين، وطريقٌ إلى الظفر، وبابٌ إلى رضوان الله، وسببٌ لمحبته ، فإنَّ في فرصة الصيام في هذا الشهر المبارك، مجالًا رحبًا، ومضمارًا واسعًا، لتقوية الإرادة في نفس المسلم الصائم.

ونوه بأن الإمساك بالنهار عن الأكل والشرب وسائر المُفطِّرات، وما يصحب ذلك من صبرٍ على الحِرمان، ومرارة الفقد لما اعتاده المرء من المشتهيات، وكذلك إحياء الليل بالقيام في صبرٍ على نصبه، يقتضي أن ينشأ في نفس المسلم شعور المقاومة لكل إحساسٍ بالضعف، ولكل رغبةٍ في الممنوع المُحرَّم خلال النهار، مهما كثرت المغريات، ومهما تبذَّلت الشهوات.

إذا اجتاز الامتحان

وأشار إلى أنه إذا اجتاز الصائم الامتحان، ونجح في اكتساب زاده من التقوى، كان ذلك عونًا له على استمرار مقاومته، وتقوية لإرادته، في مواجهة المحرم من الشهوات، والصمود أمام التحديات، فكل موقفٍ يواجه فيه نزوةً عابرة، أو رغبةً ملحة، أو بلاءً عظيمًا، هو في الواقع امتحانٌ متجددٌ لإرادته، يعظم فيه نفع التقوى التي تحققت بالصيام، فهو إذن تصويبٌ في المسلك، وتصحيحٌ في المنهج، وتغييرٌ في المسار.

ونبه إلى أن العبد الصائم المتقي ينتقل من ذُل الخطيئة، إلى عزّ الطاعة، ومن مهابط العجز والكسل، إلى ذُرا الجِد والعزم والنشاط، ومن أدران العوائد المقبوحة، والسنن المرذولة، والفِعال الشائنة المحظورة، إلى طِيب العوائد القويمة، والسنن الجميلة، والفِعال الحسنة المرضيّة .

وأكد أنَّ في الصيام الذي روعيت شروطه، واستكملت آدابه، بعثًا للقوة التي وهنت، والإرادة التي خمدت، والعزيمة التي خارت، وتلك آيةٌ بينة على بلوغ الصائم أوفر حظه من التقوى ، منوهًا بأنه قد ثبت في السنة الصحيحة الواردة عن رسول الله -صلى عليه وسلم- أنَّ عمرةً في هذا الشهر المبارك تعدل حجَّة.

واستشهد بما قد أخرج الشيخان في صحيحيهما، وأبو داود وابن ماجه في سننهما، وأحمد في مسنده، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "قالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لِامْرَأَةٍ مِنَ الأنْصَارِ: ما مَنَعَكِ أنْ تَحُجِّي معنَا؟ قالَتْ: كانَ لَنَا نَاضِحٌ -أي البعير أو الدابة التي يستقى عليها-، فَرَكِبَهُ أبو فُلَانٍ وابنُهُ، لِزَوْجِهَا وابْنِهَا، وتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عليه، قالَ: فَإِذَا كانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فإنَّ عُمْرَةً في رَمَضَانَ حَجَّةٌ أوْ نَحْوًا ممَّا قالَ"، وفي لفظٍ لمسلمٍ -رحمه الله-: "فإنَّ عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً".

عُمَرَه الأربع

وبين أنه لفضلٌ قد بلغ الغاية وحاصله أنه صلى الله عليه وسلم أعلمها أنَّ العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب، لكنها لا تقوم مقامها ولا تسدُّ مسدها في إسقاط الفريضة عمَّن لم يحج حجة الإسلام، لأنَّ الإجماع قائمٌ على أنَّ الاعتمار لا يُجزئ عن حجة الفريضة، وفيه كما قال أهل العلم بالحديث: أنَّ ثواب العمل يزيد بازدياد شرف الزمان، كما يزيد بحضور القلب وإخلاص القصد .

ولفت إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعتمر عمرةً واحدة في رمضان من عُمَرَه الأربع، ويُحتمل أن يكون سبب ذلك كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يشتغل في رمضان من العبادة بما هو أهم من العمرة، وخشي من المشقة على أمته، إذ لو اعتمر لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة بالجمع بين العمرة والصوم.

وتابع: وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يترك العمل وهو يحب أن يعمله، خشية أن يُفرض على أمته، وخوفًا من المشقة عليهم" انتهى كلامه -رحمه الله-، موضحًا أن هذا الأجر والجزاء الكريم، يحصل إن شاء الله، لمن اعتمر عمرةً واحدة في رمضان، ويُخطئ كثير من الناس، بتعمدهم تكرار هذه العمرة مرات ومرات خلال هذا الشهر، فيعتمر مرة كل عشرة أيام، أو مرة كل أسبوع، أو مرة كل ثلاثة أيام، فيشق على نفسه مشقةً بالغة، ويُدخل عليها الحرج، ويزداد الأمر حين يترتب على ذلك: تضييقٌ على إخوانه، أو إيذاءٌ لهم، لا سيما عند شدة الزحام وكثرة المعتمرين.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام صلى الله علیه وسلم هذا الشهر فی رمضان

إقرأ أيضاً:

الاعيسر: من المفارقات الساخرة أن يطالع المرء بياناً صادراً عن حكومة إمارة قُطعت علاقاتها من قِبل دولة ذات سيادة

‏من المفارقات الساخرة أن يطالع المرء بياناً صادراً عن حكومة إمارة قُطعت علاقاتها من قِبل دولة ذات سيادة، وحكومة معترف بها دولياً وشعب تكبّد خسائر جسيمة جراء جرائم تلك الإمارة، وإرسالها للمسيّرات الاستراتيجية، ثم تُعلن حكومة الإمارة ذاتها –التي صدر القرار بحقها– أنها لا تعترف بذلك القرار!‏إنها مادة نموذجية لطلاب الدبلوماسية والعلاقات الدولية في الجامعات العالمية، ليدرسوا من خلالها مدى توفر قدر من المعقولية والإنسانية، ولو بنسبة 1% من الدرجة الكاملة!‏فإن وُجدت تلك النسبة، فعلى الجامعات أن تعيد النظر في منهجها الجديد، لأنه لا ينسجم مع الوقائع، ولا يراعي حقوق الإنسان ولا معاناة الشعوب.‏خالد الإعيسر إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تلاوة خاشعة للشيخ ياسر الدوسري تلامس القلوب في صلاة فجر المسجد الحرام .. فيديو
  • خطيب جامع بطرابلس: داء ليبيا في “الشلافطية” المتخلفين
  • المراهنة على قوة أمريكا و”إسرائيل” خسارة.. والثقة بالله والتوكل عليه نصرٌ مؤزر
  • المراهنة على قوة أمريكا وإسرائيل خسارة..والثقة بالله والتوكل عليه نصرٌ مؤزر
  • «الندوة العالمية» تشيد بجهود المملكة في خدمة حجاج بيت الله الحرام عبر مبادرة «طريق مكة»
  • الاعيسر: من المفارقات الساخرة أن يطالع المرء بياناً صادراً عن حكومة إمارة قُطعت علاقاتها من قِبل دولة ذات سيادة
  • دعاء زيادة الرزق .. احرص عليه في الثلث الأخير من الليل
  • هل يجوز دخول الحمام بخاتم عليه آية قرآنية؟.. الإفتاء توضح
  • السعودية.. أول حالتَي قسطرة قلبية ناجحة لحجاج بيت الله الحرام
  • دعاء السيدة عائشة للرزق أوصاها النبي به .. احرص عليه في الثلث الأخير من الليل