الشيخ محمود الشربيني.. الخطيب

إمام وخطيب مسجد أبوبكر الصديق بمسقط "الوطية"

محمد السعداوي

(إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلْ، فَقَالَ: إِنِّي أَحَبَّ فُلَانًا فَأُحَبَّبْهُ، فَأَحَبُّهُ جِبْرِيلْ، ثُمَّ يُنَادِي فِي اَلسَّمَاءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ اَلسَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ اَلْقَبُولُ فِي اَلْأَرْضِ .

..)

الشيخ محمود العدل أحبه الله ووضع له القبول في الأرض، كان رحمة الله عليه بشوشًا سمحًا باسما، لين الحديث محبا للجميع، كان من أئمة المساجد، الذين كتبوا القرآن في صدورهم، وعكفوا عليه ترديدًا وتكرارًا، حتى تعطرت به الآذان، ورتلوه حتى رسخ في الأذهان، هو من الذين خالط كلام ربهم أنفاسهم، وصارت ألفاظه ومعانيه ذرات من تكوينهم، ألفتها أسماعهم، وحفظتها قلوبهم، وعشقتها أرواحهم.


 

لم يكن يؤدي عمله طمعًا في راتب يتقاضاه، أو منصب أو جاه، كان عمله خالصًا إلى وجه الله، فأحبه الله وأرضاه، وكذلك نحن أحببناه وارتبطنا به، شيخًا وإمامًا وأبًا وحكمًا وقاضيًا، اعتدنا أن نذهب للصلاة في مسجد أبي بكر الصديق بالوطية في محافظة مسقط، وكان أغلبنا يسكن على مسافات بعيدة من هذا المسجد، كنا نتخطى عددا من المساجد في طريقنا، قاصدين مسجده هذا، لما نشعر به من فيوض روحانية وتلاوة قرآنية قلما نجدها عند غيره، وخاصة في شهر رمضان المبارك، لسنوات طوال ارتبطنا بشيخنا الجليل عمانيون ومصريون وغيرهم من الجاليات، والسبب تلك التجليات والفيوضات الربانية التي نشعر بها ونلمسها في تلاوته وخشوعه.

كتبت د. يسرية آل جميل في جريدة عمان "أحببناه جميعًا أبناء منطقة الوطية لم نعتبره يومًا مجرد إمام لمسجد الحي كنَّا نراه في المنزل بصورة مستمرة حتى حسبناه أحد أفراد أُسرِنا جميعًا، كان أول الوجوه الطيبة وأول من يُعايد بيوت المنطقة عقب صلاة العيد إذا حَلّ بمكانٍ أدخل فيه البهجة والسرور، في الفرح أول المهنئين في الحزن أول المواسين، رؤوفًا رحيمًا حنونا ًكان لنا أبًا عظيمًا وإمامًا أعظم مما تتخيلون، رجلَ علمٍ ودينْ لم نلجأ إليه يومًا إلا وقد عدنا من عنده قريري العين شَرِيحَي الصدر مطمئني القلب".

أذكر أن كثيرًا منَّا كان يلجأ إليه طالبًا المشورة ليس فقط في أمر من أمور الدين، ولكنا كُنا نقصده للنصح في كثير من أمورنا الأسرية وعلاقاتنا الزوجية، ونطلب منه النصح والمشورة فيما يتعلق بأمور أولادنا وأصدقائنا، وكان يبدي لنا النصح والإرشاد بقلب صاف وكلام جميل، وكثيرًا ما كان يزين حديثه بطرفة أو مزحة تخفف علينا مشاكل الحياة وهمومها، فنخرج من مجلسه منشرحي الصدور، مقبلين على الحياة ومتفائلين بالمستقبل.

وكانت كلماته دائمًا يرددها بلهجته المصرية الأصيلة (خليها على الله)  (اللي عند الله كسبانه).

أما فيما يتعلق بكونة حكمًا وقاضيًا، فقد لجأ اليه الكثير في خلافاتهم الاسرية والعائلية، فكان نعم الاب الناصح. وبفضل الله وفضله اقيمت بيوت كانت أنقاضًا، واستقامت أسر كانت معوجة، وإنتهت خلافات كثيرة بين يديه، وكان كلما إستعظم خلافا أو اشتدت خصومة، ندعوه ليصلح بين المتخاصمين، ولعلمي لا أعلم أنه تقاعس أو تردد كلما لجأ اليه أحدًا، حتى في لحظات تعبه أو مرضه أو أنشغاله، كذلك لا أعلم واقعة تصدى لها ولم تحل بفضل الله وبفضل سمحاته وعدله رحمة الله عليه.

شيخنا الجليل وُلِدَ في قرية ميت طاهر مركز منية النصر بمحافظة الدقهلية في دلتا مصر، في 4 أبريل 1947، وكان أصغر إخوته، وكان في طفولته كغيره من الأطفال يحب اللعب و الانطلاق، ومتميزًا بين أقرانه بالصفات الحميدة والأخلاق الحسنة، مما أكسبه محبة أهله والمحيطين به ولكن والده - رحمه الله-  كان حريصا على تحفيظه للقرآن الكريم في كتاب القرية حتى أتم حفظ القرآن الكريم عند عمر 11 عامًا.

وشاءت الأقدار أن يفقد البصر في عينه اليسرى منذ طفولته بسبب التراكوما، ولكن رغم ضعف بصره، أصر على إكمال دراسته الإعدادية والثانوية في المعهد الأزهري بدمياط لقلة المعاهد الأزهرية بالدقهلية في ذلك الوقت، وطوال فترة دراسته الثانوية كان يؤم الناس ويخطب في مساجد رأس البر.

ثم أكمل دراسته في الأزهر الشريف بالقاهرة في كلية أصول الدين وقام باختيار شعبة التفسير والحديث ليساعد زميلا كفيفاً له في المذاكرة، وقد دعا له وأثنى عليه عميد الكلية عند علمه بسبب اختياره لتلك الشعبه- وبحمد الله- تخرج حاصلاً على ليسانس أصول الدين شعبة تفسير وحديث سنة 1975 بتقدير جيد جدًا.

بعد تخرجه عمل ضمن رجال الدين في جهاز الشؤون المعنوية للقوات المسلحة المصرية، بعد حرب السادس من أكتوبر 1973 والذين كانت مهمتهم تحفيز الجنود ودعمهم دينيًا ومعنويًا، ثم عمل مدرسًا في القاهرة في مدرستين وفي تلك الفترة كان يعمل أيضا في جامع الإمام الحسين بالقاهرة، ثم انتقل بعدها للعمل إمامًا وخطيبًا لجامع عمر مكرم، أشهر مساجد القاهرة؛ حيث تقام فيه أغلب الاحتفالات والمناسبات الدينية، ويفد إليه كبار رجال الدولة ومشايخها وعلمائها.

وعندما صدر قرار نقله لجامع السيدة نفيسة، كان في نفس الوقت أمامه عرضان للسفر الى سلطنة عمان وآخر الى الكويت، لكنه فضل واختار السفر الى سلطنة عمان لطيبة شعبها وما علمه فيهم من خصال حميدة وسير حسنة. أقام في ولاية صور بسلطنة عمان لمدة ثلاث سنوات من سنة 1979 إلى سنة 1983، ثم إنتقل إلى محافظة مسقط من سنة 1983 حتى سنة 2017؛ حيث عمل إمامًا وخطيبًا لجامع أبو بكر الصديق (كان يخطب الجمعة ويؤم المصليين في الصلوات الخمسة وصلاة الجمعة والتراويح والتسابيح والتهجد والأعياد ويعطي دروس دينية أسبوعية ويقوم بتحفيظ القرآن الكريم)، وكان مسجد أبو بكر الصديق شاهدًا على ما قدمه من علم ودروس وحلقات ذكر وتلاوة للقرآن الكريم.

واستمرت مسيرتة الغنية حوالى 38 عامًا، كانت مليئة بالعطاء زاخرة بالعلم والعمل، فلم يك إماما وواعظا فحسب بل قدم العديد من البرامج والمحاضرات الدينية في إلإذاعة والتليفزيون بسلطنة عمان، وكان محاضرًا متميزًا نلتف حوله في كثير من الحفلات بالمدرسة المصرية، ونادي الجالية، والعديد من المناسبات الوطنية والدينية، ولسماحته وعلمه كان يحضر مهنئا الإخوة المسيحيين بأعيادهم ومناسباتهم الدينية، وله في ذلك مواقف وأقوال متعددة في التسامح والعدل والمساواة وقبول الآخر المعارض أو المختلف ثقافيًا أو فكرياَ أو دين.

لم ينقطع عطاؤه رحمة الله عليه إلا بمرضه ثم وفاته رحمة الله عليه بالقاهرة متأثرا بمرض السرطان؛ حيث توفاه الله بتاريخ 9 سبتمبر 2017 ودفن بمسقط رأسة بمنية النصر محافظة الدقهلية، بجمهورية مصر العربية.

إن فضيلة الشيخ وأمثاله يكفيهم شرفًا أن الله خصهم بكلامه، واصطفاهم لحمل وحيه .نظر الله إلى قلوبهم فوجدها صافية نقية، فأودعها كلامه، وصب في تلافيفها وحيه، "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا"، فهم خاصة الخاصة، وخلاصة النخبة الذين يسمع الكون إلى أصواتهم، ويخشع الوجود لما يرتلون ويقرأون وتسري قشعريرة الرهبة في القلوب، وتطمئن النفس لحقائقه وترتاح الروح وتفرح بهم.

رحم الله شيخنا وعالمنا الجليل وجعل أعماله في ميزان حسناته.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم

في قضية أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان, قامت عصابة سودانية تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير بالسودان بنهب شاب سوداني بأحد أحياء العاصمة المصرية القاهرة.

وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين فقد حكى والد الشاب “عمر” تفاصيل الواقعة على حسابه عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وكتب د. عبد الرحيم عمر: (شباب سوانيون بقيادة فتاة سودانية ينصبون كميناً لإبني عمر)

مساء الخميس ٦/٦/٣٠٢٤م خرج ابني عمر من محله التجاري بالقاهرة يقود دراجته النارية حاملاً معه مبلغاً من المال يخص المحل التجاري والايجار ومستلزمات العيد. كانت هنالك من مجموعة من الشباب السودانيون الذين يعرفهم يراقبونه..وأضاف بحسب ما نقل عنه محرر موقع النيلين: الغريب أن هؤلاء الشباب من اسر محترمة أحدهم بل كبيرهم في الإجرام من أسرة كبيرة عمه طبيب شرعي مشهور في السودان ووالدته سيدة أعمال وفرت له سيارة محترمة لكن يبدو أنه يستهلك مبالغ كثيرة في مناشط أخرى!’ وكذلك بقية المجموعة.قطعوا على ابني الطريق أثناء سيره في حي المهندسين حيث أغلقوا عليه الطريق بسيارتهم.وتابع: ضربه أحدهم على وجهه ثم وضعوا له الخنجر على عنقه ثم انتزعوا حقيبته التي عليها الفلوس بدأ في مقاومتهم هرب اثنان منهم بحقيبة الفلوس ولكن لطف الله كان أقرب حيث ظهرت دورية للشرطة إبني أصر على عدم الذهاب للقسم إلا بعد رجوع الذين هربوا بالفلوس، في هذه اللحظة أرسل الهاربون شخص معه حقيبة الفلوس بعد أن أخذوا منها مبلغاً معتبرا. بعد ذلك تم أخذ الجميع لقسم الشرطة.وواصل والد الشاب سرده: حتى نهار الجمعة لم يعد عمر الي سكن الأسرة مما جعلنا نظن أنه في زيارة لبعض الأسرة التي يتواجد معظمها في القاهرة بعد الحرب..اقلقنا أن هاتفه انقطع عن الاتصال..بدأنا نتصل بأفراد االاسرة وأصدقائه الذي نفوا أن يكون معهم. بعد ذلك تحركنا جميعا نحن واصدقاؤه وزملاؤه في الكورسات الدراسية وظللنا نطوف على جميع مراكز الشرطة بالقاهرة ثم المستشفيات، لكنتشف أنه محتجز في قسم العجوزة..تحرك محامينا الاستاذ أحمد.. وتحركنا.. هنالك تعهد المجرمون لإبني بأرجاع المبلغ وطلبوا منه السماح حفاظاً على سمعة أسرهم إذ لم يتصورا أن الأمر سيصل الي البوليس وعليه شهود وآثار الضرب.. تم العفو وقدر رجال الشرطة ذلك نسبة ظروف السودانيين والحرب التي أثرت على سلوكيات البعض منهم.. خرج إبننا بعد استلام مبلغه المالي ودراجته النارية وأماناته من قسم الشرطة وهو الآن بحالة جيدة مع بعض الكدمات..عدنا فجر اليوم الي دارنا.وختم الدكتور قائلاً: نشكر كل الاهل والأصدقاء الذين أقلقهم خبر إختفاء ابنهم عمر كذلك نشكر زملاء عمر وبروف محمد عبدالله في البوابة العلمية وزملاءه من الطلبة والطالبات الذين ظلوا يرافقوننا في البحث عنه في أقسام الشرطة والمستشفيات حتى العثور على مكانه كما نشكر الاستاذ أحمد المحامي على جهده المقدر.محمد عثمان _ الخرطومالنيلينإنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر لأبنائه من طلاب غزة: بابي وباب الأزهر مفتوح لكم في أي وقت
  • البرزخ ولصوص التاريخ «الأخيرة»
  • استقبال ذوي «التوائم الذين تم فصلهم في المملكة» ضمن ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج
  • شيخ الأزهر لطلاب من غزة: علمتم العالم الصمود والمثابرة
  • حماس تنعي شهداء رام الله وتؤكد أن الاغتيالات لن تطفئ المقاومة بالضفة الغربية
  • قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم
  • مفتي سلطنة عمان يدعو جميع المسلمين لإمداد الفلسطينيين في غزة بالقوت والسلاح
  • مفتي سلطنة عمان يدعو جميع المسلمين "للإنفاق من حر أموالهم لإمداد الفلسطينيين في غزة بالقوت والسلاح"
  • «الأرشيف» يكرم الفائزين بجائزة المؤرخ الشاب
  • بين الأدب وقلة الأدب