(الولولة) حالة إنهزام : أين عقلاء (تقدم) وحكماء (الإسلاميين) (1-2)
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
(1) انتقال بعض القوى السياسية من دائرة (لن تقوم للاسلاميين قائمة بعد اليوم) و (لا مجال لعودة الإسلاميين) و(عودة الإسلاميين على أجسادنا) إلى دائرة (الخوف والهلع من عودتهم) و(الولولة) من مظاهر عودتهم وتأثيرهم فى المشهد السياسي ، كل ذلك موقف سياسي يمكن تصنيفه فى دائرة الهزيمة السياسية ، والموقف الانسحابي ، وبدلا عن ادراك هذه الحقيقة البسيطة ، والواقعية ، فإن (قحت) و (تقدم) وبعض داعميهم من دول الاقليم ابتدروا حملة تخويف من هذه العودة وبدأوا فى الحديث عن تهمة الارهاب وداعش ، لتعطيل حراك الإسلاميين أو التيار الوطني ، فهم لا يتغيرون ولا تبدلهم الأيام ولا يتعظون من عبر التاريخ الإنساني ، أن لا أحد بإستطاعته إلغاء آخر أو نفيه ، قد ترجح كفة طرف على آخر – حينا – ثم تتغير المعادلة.
وهذه الحقيقة ، ادركها الاسلاميون فى ابريل 2019م و(تفهموا دواعي التغيير وانسحبوا من المشهد السياسي) واختاروا إفساح المجال للنهر بالاندفاع ، وكان مسارا قصيرا..
(2)
ما لم تدركه (تقدم) و(قحت) ، أن خيار الإسلاميين السياسي الصحيح بالإنحياز لوطنهم وشعبهم وإسناد جيش هو ما زاد قوة تأثيرهم وقربهم من حس ونبض المواطن وقربهم منه ، وبالعكس فإن ابتعاد قحت وتقدم عن المواطن وعن الوطن هو ما أدي إلى عزلتهم ، وبعدهم عن الضمير والوجدان الشعبي..
وكنت أظن أن هذه الحقيقة ، أمر مدرك لدى بعض مما أظنهن عقلاء قحت وتقدم ، وانهم يعرفون أن اعتمادهم على الحلول الأجنبية هو سبب انحسار تاثيرهم وان الخيار الاصح هو الإنتقال لمسار وطني أكثر قربا من قضايا الوطن والمواطن..
وكنت اتوقع قراءة مختلفة للواقع من المهندس عمر الدقير ومن دكتورة مريم الصادق المهدي ومن الأستاذ فيصل محمد صالح ، ولكن أصابتتي الدهشة من تحول بعضهم إلى مجرد (ناشطين) أو هتيفة كما هى حال ياسر عرمان وسلك ، أما مناع وآخرين فهو مجرد جوقة خلف (طبال) بلا فهم ولا راى.
(3)
قراءة الواقع بواقعية وهدوء أمر مهم لكل الأطراف ، ولا يمكن أن تكون ذات العقلية المنغلقة والتى قادت للحرب والدمار ، هى ذاتها بعد كل هذا الذي حدث ، ماذا نحتاج لأكثر من ذلك لإدراك خطأ الأفعال والمسارات ، والبحث عن قاعدة (كليات وطنية) لا مجال للتفريط فيها ، الوطن والأرض والثوابت ، ثم الرضا بالآخر مهما كان موقفه منه ، لا يمكن أن (تكون مالك الحقيقة والحق) فى وطن هو للجميع فى العيش ، وللغالبية فى ادارة الشأن العام..
لابد من المفتاح السري (القبول بالاخر)..
(4)
هذه المعركة وكل معركة سياسية ، لا تنتهى بضربة لازب ، أو ضربة قاضية وصافرة حكم ، وإنما بمباصرة وبصيرة ، وذلك ما ينبغي أن نتحاور حوله ونؤسس عليه ونزيل الشوائب والغشاواة وهتاف (ندوسه أو نبله) ..
هنا لابد أن نفرق بين ، تأمين البلاد والعباد وحفظ الممتلكات ، وبين الارتدادات السياسية..
فى النقطة الأولى لابد من حسم أى مظاهر للتمرد والخروج على سلطان الدولة واستخدام البندقية فى فرض الأجندة السياسية ، وهو أمر تتولاه المؤسسة العسكرية وبمساندة جميع الوطنيين ، ولهم حق التفاوض فى فرض النهايات دون ان يكون لذلك ظلال سياسية أو تحميل ما لا يحتمل..
والثانية هو التأثيرات السياسية بالفرز والتمايز فى المواقف ، وراي أن تكون الانتخابات وحدها اداة القياس والمعيار..
فلتعد قوى الحرية والتغيير الى المشهد وفى دورهم ومنابرهم مثلهم وبقية القوى ، ولتعد منابر الإسلاميين وكل التيارات الوطنية ، فى فترة انتقالية ، كما اقترحت مجموعة (منصة التأسيس) والحرث فى ميدان السياسة..
يتبع..
د.ابراهيم الصديق على
2 ابريل 2024م
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الفزعة البدوية والحق في المشاركة السياسية
الهجري وجبهة الممانعة وإسرائيل كلهم في جبهة واحدة يتهمون الشرع بالتطبيع. هذا ائتلاف مهزومين وينكرون بالخصوص هزيمتهم الأخلاقية. لقد رُفع علم الكيان على أرض سورية، فلم يعد الحديث ممكنا فالخيانة ليست وجهة نظر. للشرع أن يمضي قدما في تهيئة أوضاع سوريا لغد أسلم وأفضل، فالذباب لا يقتل وإن كان يفسد المزاج بطنينه. لنتحدث في موضوع جدي نرى عليه علامات، موضوع طوفان البدو وقد سارت بالعبارة الركبان.
الدرس الخلدوني الدائم
ننصح أحمد الشرع وحكومته بالدرس الخلدوني ولا نعلمهم إياه، فهو يساعد على فهم العلاقة الإشكالية بين البداوة والمدينة عبر التاريخ العربي الطويل، وعسى أن يجدوا في التاريخ عبرة فلا يقعوا في ما وقع فيه حكام تونس في مرات كثيرة من التعامل بانتهازية مع الفزعة البدوية ذات النفس التحريري. فما وقع في تونس في أربع وقائع متشابهة يعتبر دروسا مكررة تقيم حججا إضافية على صواب رأي ابن خلدون حتى بعد أن غيّبه القدر. هذه مقدمة خلدونية ثانية حية.
ثوره الربيع العربي كانت فزعة بدوية وريفية (رابعة) انتهت إلى نفس المصير، التفت عليها نخب العاصمة من التجار والصنائعية الذين صار اسمهم البرجوازية واستعانوا عليها بفرنسا، فإذا الثورة تفشل وإذا الحاضرة تحكم ولكن في فراغ من الشعب والمبادئ
في النصف الثاني من القرن الخامس عشر (بعيد موت ابن خلدون) فزع "العربان" ضد آخر ملوك الحفصيين (مولاي أبو الحسن الحفصي) احتجاجا عل سوء سياساته الضريبية فيهم. و"العربان" وصم تحقيري خرج من الحاضرة ضد البدو وسكان الأرياف عامة. لم يُصغِ الأمير الحفصى الفاسد لصوت العقل، فاستعان على قومه بملك إسبانيا بطل الاستعادة (الروكنكيستا) ومحاكم التفتيش، شارل الخامس، فجاءه في أسطول نجدة لكنه احتل عاصمته وربط خيوله في جامع الزيتونة نكاية في البلد (الذي صدر إليه الإسلام) ودينه وعربانه. نصف قرن من الاحتلال الإسباني لتونس لم تنهه إلا فزعة تركية فيها من بداوة الترك (عصبية في أول صعودها)، وإن ركبت البحر دون الإبل.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1864) فزع البدو في ثورة ضد باي تونس (والي عثماني يتمتع باستقلال ذاتي) نتيجة لنفس الأسباب السياسات الضريبية الفاسدة في زمن قحط وفقر قاتل. لم يُصغ الباي إلى العربان (شعبه)، فاستعان بالفرنسيين يقرضونه ليتمتع حتى سقط البلد تحت الاحتلال.
ثورة التحرير التونسية المشابهة في شكلها ومنطلقاتها لثورة عبد القادر الجزائري ولثورة عمر المختار ولثورة عبد الكريم الخطابي؛ كانت كلها فزعات/ثورات الأرياف والبادية تخرج ضد السلطة المركزية أو الغازية الفاسدة والفاشلة فيستعان عليها بعدو مشترك، فيفشل الجميع ويتمكن الاحتلال الغربي
ثوره الربيع العربي كانت فزعة بدوية وريفية (رابعة) انتهت إلى نفس المصير، التفت عليها نخب العاصمة من التجار والصنائعية الذين صار اسمهم البرجوازية واستعانوا عليها بفرنسا، فإذا الثورة تفشل وإذا الحاضرة تحكم ولكن في فراغ من الشعب والمبادئ.
فزعة سوريا
جوهرها الظاهر البدو ضد الخونة وضد عدو مشترك؛ هبت فجأة وانتصرت بتحجيم الخيانة وإرباك خطط العدو، ولكنها أعيدت إلى مواطنها في ما يشبه الطرد، رغم أننا سمعنا قبولا بالمناورة مع السلطة المركزية. ونراقب استعدادات بدت لنا مفاجأة في ما تعودنا من وصم البوادي بالركود؛ استعدادات تتجاوز الحدود القُطرية لسايكس بيكو، قوة فعالة يمكن و-هنا نختار اللفظ بدقة- إشراكها لا توظيفها. إذا تم توظيفها (التعامل معها كقوة وظيفية أو جنود احتياط أو لحم مدافع)، فقد وقع الشرع وحكومته في ما وقع فيه حكام تونس من خطأ في حق الفزعات البدوية، وإذا تم إشراكها فسيكون الشرع قد فهم الدرس الخلدوني؛ شراكة السلطة مع أصحاب الحق الحقيقيين في السلطة الذين يثورون من أجلها ومعها في إطار مشروع وطني استقلالي.
أما سبب التخوف من التوظيف دون الإشراك فهو ما قرّ لدينا من قناعة من أن الحواضر العربية ودمشق منها في القلب؛ قد تعاملت بعقل انتهازي دوما مع البادية وسكانها. فهي مصدر الجند للمعارك، وهي مصدر العمالة للمصانع، وتنزل أحيانا بالبدو إلى منزلة التندر والسخرية وتسلية المجالس، وذلك منذ حكاية أبي عبيد وأبي زيد في بغداد العباسية على ما رواه الجاحظ.
صورة دمشق عن نفسها هي الشام كل الشام وصورة القاهرة عن نفسها هي مصر كل مصر، لذلك يصير الصعيدي موضوعا للتندر وهو في أفضل حالاته بواب عمارة أو مكوجي أو عربجي؛ الدراما المصرية منذ نشأتها لم ترحم الصعيدي ولا السوادني المحسوب عندها في بدو مصر. وصورة تونس (الحاضرة) عن نفسها هي أن كلها تونس والناس مقسمون فيها من في داخل الأسوار (Intra-muros) ومن خارجها (Extra-muros)؛ لا حق لمن يقيم خارج الأسوار إلا في خدمة من بداخلها، ونعدد على بغداد وطرابلس وحواضر المغرب.
ينادى البدو في الملمات ليقوموا بالمهمات العسيرة ثم يعادون إلى مواطنهم وأحيانا دون شكرهم على المجهود، بينما تستقل مدن التجار والصنائعية (الحضر) أو البرجوازيات الناشئة بالسلطة وخيراتها. باختصار، يثور البدو ويقطف الحضر الغنيمة.
هذا الوضع التاريخي كان مؤهلا لنهاية بفعل دولة وطنية ناشئة وتتحدث حديث الوحدة الوطنية، لكن على الأرض لم تفلح دولة عربية واحدة في توحيد مجالها وإشراك كل سكانها في السلطة والخيرات. بل عملت على العكس، قسمت عامدة (كما فعل المحتل) المجال السكاني والثقافي والاقتصادي، مبقية على البدو (الأرياف) كاحتياط يد عاملة رخيصة. (في تونس توجد قرى مفقرة مهمتها إنتاج خادمات المنازل لسكان العاصمة والساحل، وربما نجد قرى مماثلة في مصر والشام). الفشل في توحيد المجال هو ليس سمة غالبة فحسب، بل سياسة متبعة. (فرق تسد القديمة في دول حداثية).
شام التجار والصنائعية أمام اختبار قاس
سيكون هذا سبقا تاريخيا للسوريين يؤسسون عليه حكم العرب لدولهم لقرون طويلة، وإذا كان يطيب للسوريين المنتصرين استذكار بني أمية فالديمقراطية ليست ضد بني أمية، بل لعلها وسيلتهم الجديدة
وضعت فزعة البدو الأخيرة ضد الخونة الدولةَ السورية الجديدة أمام اختبار قاس، فإما أن تأخذ بعين الاعتبار قوة هؤلاء البدو (أصحاب الفزعة) فيكون لهم نصيب من السلطة وخيرات الحكم، أو أن تكتفي على جاري عادة الأنظمة السابقة باستعمالهم (استعمال كلينكس).
في الاحتمال الأول ستكون النتيجة قريبة من اليد، أي توسيع قاعدة الحكم الشعبية وتثبيت أركان السلطة بقوة بشرية نشطة ولو أنها تحتاج إلى تدريب، والاستعمال العسكري ليس الاستعمال الوحيد. فإذا اندمجت هذه القوى في عملية سياسية (وليس من وسيلة إلا الانتخابات)، فإن الدولة تكون قد وحدت جزءا مهما من مجالها الجغرافي والسياسي، فيتبع ذلك المجال الاقتصادي بإعادة توزيع التنمية على قاعدة التوزيع الديموغرافي.
في الاحتمال الانتهازي الذي خبرناه ستعيد حكومة سوريا إنتاج المظالم نفسها، أي الميز السلبي تجاه البدو (الأرياف)، وهو سبب حقيقي لعدم الاستقرار بل الفشل الذي نعرفه في سوريا البعث وفي بقية الأقطار العربية أو الدول الفاشلة رغم خطاب الوطنية.
في الدرس الخلدوني لا بد من وجود هذا التناقض بين بدو حضر لتكون حركة في التاريخ (دورات العصبية)، لكن ماذا لو فكرت سوريا الثورة في كسر القانوني بفكر جديد يتأسس على الحق لا على الموقع؟ لقد كتب ابن خلدون قبل اكتشاف الصندوق الانتخابي وهو آلية تعديل سياسي واجتماعي متاحة، بل يمكن إسنادها بالنص الديني السابق على الجميع. لا بأس من تسميتها شورى، فليس للشورى شكل محدد مسبقا. سيكون هذا سبقا تاريخيا للسوريين يؤسسون عليه حكم العرب لدولهم لقرون طويلة، وإذا كان يطيب للسوريين المنتصرين استذكار بني أمية فالديمقراطية ليست ضد بني أمية، بل لعلها وسيلتهم الجديدة.