البوابة نيوز:
2025-05-13@06:41:27 GMT

«يابان مصر» وعودة الحياة للطبقة الوسطى!

تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

الرحلات داخل مدن وقرى الوطن دائمًا رائعة ومفيدة للمواطن العادي، فما بالنا للصحفي، حيث تكون فرصة ليرى الناس في جمالهم الحقيقي، ويرصد أهدافًا كبيرة يتكاتف الجميع على إنجازها، ربما لا تظهر لنا إلا من خلال الزيارة الميدانية عن قرب، فيجمع نفحات الأمل من الناس ويتعرف على الأحلام وهي تملأ المشاعر بالبهجة.

ولو تحققت تلك الغايات في الرحلات إلى كافة المزارات بشكل عام فإنها تتحقق بشكل مضاعف عند زيارة محافظة مثل دمياط، معروفة بثقافة العمل والاجتهاد والاكتفاء الذاتي من ناتج أعمالها وتصدير الفائض.

لطالما لعبت دمياط دورًا كبيرًا على المستوى الاقتصادي لأنها تمركز لفائض الإنتاج ومصدر للمنتجات والسلع الصناعية التي تُضخُّ لأسواق العاصمة والمستهلكين فيها. وقد قامت البنية الاجتماعية لدمياط عبر عقود طويلة على صناعات وحرف متعددة، منها صناعات الأثاث والسفن والغزل والنسيج والأحذية والألبان والأسماك والحلويات، إضافة للمنتجات الزراعية مثل الأرز والفواكه والموالح. وتمتلك دمياط أكبر أسطول للصيد والملاحة في مصر. ولديها طوائف من الحرفيين والأسطوات في صناعات الخشب ومراكب الصيد والنسيج والأحذية.

لذلك نجد أن ثقافة "الدمايطة" تُعلي من قيمة العمل والتعليم والتدريب وتفتخر بصنَّاعها الماهرين وأسطواتها وتحتقر البطالة والعاطلين لدرجة أطلق عليها "يابان مصر" و"قلعة الأثاث" و"مدينة العمل".

يقول المؤرخ الدكتور عبد الحميد حامد سليمان في مجلة ذاكرة مصر المعاصرة، عدد أغسطس ربع السنوي، الصادرة عن مكتبة الاسكندرية في ٢٠١٣، إن دمياط هي تامياتى (تامحيت) أو (ثامياتس) أو (تم آتي) وتعني بالقبطية مدينة مجرى المياه، وأصبح اسمها العربي دمياط الذي اشُتهرت بعد الفتح الإسلامي. أضاف أن تنوع أنشطتها ومهارة صناعها عبر التاريخ يعود لموقعها المتميز وكونها ميناءً ومدخلًا رئيسيًّا لمصر ولجت منه التجارة مع البلدان المتشاطئة معها على البحر المتوسط. كما ولجت منه حملات الطامعين أيضا في إخضاع مصر عبر تاريخها الطويل…ويفسر النهضة التي شهدتها صناعة الأثاث الدمياطي منذ أربعينيات القرن الماضي بما يزخر به ظهير دمياط الريفي من أشجار الجميز والزنزلخت التي توفر أخشابًا جيدة لصناعة السواقي والأبواب والشبابيك وقطع الأثاث المنزلي. كما يفسر النهضة في صناعة الحلوى الدمياطي لجذبها طوائف الحلوانية والزلبانية والشرباتلية والكنفانية من بلاد الشام وفلسطين واليونان حيث أضافوا أسرارًا لحذق تلك الصناعة وتميزها بين الدمايطة. 

ولا أخفي عليكم أن ما حفّزني لزيارة دمياط وخاصة رأس البر تلك المشاعر التي أعياها الحنين للماضي حيث كانت أروع الأماكن لقضاء الصيف مع الأحباء الذين رحلوا وتركوا لنا أجمل الذكريات. وبعيدًا عن هذه النوستالجيا المحببة للنفس فإن الأخبار القادمة من دمياط ورأس البر تحفّز المشتاقين للاطلاع على التطورات التي شهدتها خلال السنوات القليلة الماضية.

سلكت خلال الرحلة محور ٣٠ يونيو وهو جديد نسبيا ومازال يحافظ على رونقه وسرعته ويسهل الوصول إلى دمياط في أقل من ثلاث ساعات، لكنَّ "الحلو مايكملش" حيث أن الطريق من دمياط إلى رأس البر مازال ينتظر التحسينات. وداخل مدينة دمياط، العمل على قدم وساق من توسع معماري وورش وأسواق وطرق لا يمكن إلا أن تتوقف عندها الأنظار ولا يحتاج شهادة خيرا من هذه للقول إن المحافظة بقيادتها الدكتورة منال عوض ميخائيل وشعبها في أفضل لياقتهم لتنفيذ أهداف تنموية يسرعون الخطى لتحقيقها لتعويض ما فات. 

وبمجرد الوصول إلى رأس البرِّ لفت نظري تنسيق المباني الجديدة التي حلت محل العشش أو التي يتم تجديدها وقد غطاها الطلاء الأبيض بينما الأزرق الشبابيك، مع اللون البرتقالي للقرميد في أسقفها. أما الممشى على النيل فهو كالعروس المستعدة للفرح وقد أغلق أمام حركة السيارات وامتلأ بالعائلات والأطفال والعشاق على امتداد نهر النيل وحتى آخر نقطة حيث التقاء النهر بالبحر المتوسط. ويتوقف المشاة بين الحين والآخر لالتقاط الأنفاس وتناول الآيس كريم "الجيلاتي" والفطير الدمياطي من المحلات الممتدة بطول سور الفندق العالمي الفخم، الذي تملكه الشركة القابضة للفنادق وتديره شركة عالمية شهيرة.

بينما ينشغل هواة الصيد على جانبي النهر والبحر بالبحث عن رزقهم في ذلك الموقع المميز. سألت سيدة كانت تساعد ابنتها الصغيرة على ركوب الدراجة عن أفضل مكان لتناول وجبة سمك فردت بلهجة أهل دمياط المميزة أن عليَّ الذهاب للسوق، وهناك أختار ما يطيب لي من أسماك وقشريات، ثم التوجه إلى أي مطعم حيث يتم إعداده، "شويًا أو قليًا"، وتناوله بالهناء والشفاء بعد ذلك داخل المطعم. نفذتُ نصيحتها واكتشفت عادة أهل المدينة بتقديم أغلب المطاعم للخدمة دون شراء السمك. وكنت ألاحظ من حين لآخر وجود أجانب بين المصطافين، وقد انهمك بعضهم في تناول البطيخ والعنب باستمتاع أو الحلويات الشرقية التي تفوح رائحتها في الأرجاء وتداعب الأنوف.

ولعل أكثر ما سعدتُ به خلال الرحلة فئات الطبقة الوسطى التي تعبر عن نفسها بقوة في هذه الربوع وكأنها تستعيد أنفاس الحياة فتغسل بهواء البحر وأمواجه آثار ما أصابها من تعب وإعياء خلال عقود ماضية من التهميش والغبن. 

ألفة السلامي: كاتبة صحفية

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الدمايطة

إقرأ أيضاً:

ليبيا تحت صفيح ساخن: بعد مقتل الككلي وعودة شبح داعش!!

منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في 2011، لم تهدأ نيران الفوضى في ليبيا، بل ازدادت اشتعالًا مع كل محطة انتقالية لم تكتمل، وكل محاولة فاشلة لبناء دولة مؤسسات، وانقسام سياسي وعسكري مزمن.

واليوم، تعود العاصمة طرابلس إلى واجهة العنف من جديد، بعد مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، قائد "جهاز دعم الاستقرار"، في ظروف غامضة فجّرت اشتباكات عنيفة في قلب العاصمة.

مقتل الككلي.. رصاصة في قلب المليشيات.. .؟

عبد الغني الككلي لم يكن مجرد قائد ميليشيا محلية، بل أحد أبرز رموز مرحلة ما بعد القذافي، ومن اللاعبين الرئيسيين في غرب ليبيا، خاصة في طرابلس. كان رأس حربة في شبكة التحالفات التي نسجتها حكومات متعاقبة مع الجماعات المسلحة، بحثًا عن السيطرة مقابل الشرعية. وفاته لم تكن مجرد خسارة لرجل، بل اهتزاز لتوازن هشّ يقوم على توزيع الغنائم لا على بناء الوطن.

الاشتباكات التي اندلعت فور إعلان مقتله، وامتدت إلى مناطق متفرقة، أبرزها صلاح الدين والهضبة، تشير إلى أن الانقسام لم يعد سياسيًا فقط، بل بات اجتماعيًا وقبليًا وأمنيًا متشابكًا، مع غياب الدولة المركزية وانهيار الثقة الشعبية.

داعش يطل برأسه من جديد..

وسط هذه الفوضى، تؤكد مصادر أمنية محلية ودولية تصاعد مؤشرات وجود عناصر تابعة لتنظيم "داعش"، سواء في جنوب ليبيا أو عبر تسربهم إلى الفراغات الأمنية في الغرب.

فشل الحكومة في توحيد الأجهزة الأمنية، وتضارب المصالح الإقليمية، سمح للتنظيمات المتطرفة بإعادة التموضع، مستفيدة من انشغال الفرقاء بصراعات النفوذ.

في الأيام الأخيرة، تم رصد تحركات مريبة لعناصر تحمل فكر التنظيم في مناطق جبلية جنوب غرب البلاد، وسط تحذيرات من عودة الهجمات الانتحارية، لا سيما في ظل تساهل بعض المجموعات المسلحة في تمرير عناصر إرهابية مقابل المال أو التحالفات المؤقتة.

(من هو عبد الغني الككلي.. ؟ ولماذا يشكل مقتله نقطة تحول.. ؟

وُلد الككلي في أحد أحياء طرابلس، وبزغ نجمه مع بداية الانتفاضة ضد القذافي، حيث أصبح لاحقًا من أبرز القادة الميدانيين الذين حجزوا لأنفسهم موقعًا في الخارطة العسكرية الجديدة. قاد "كتيبة الأمن المركزي" التي تطورت إلى "جهاز دعم الاستقرار"، وهو جهاز أمني بمسميات رسمية لكنّه في الواقع ظل أداة من أدوات التوازن الميليشياوي.

امتاز الككلي بأسلوب مزدوج: خليط من الشراسة الميدانية والمرونة السياسية، حيث لعب دور الوسيط أحيانًا، والمهيمن في أحيان أخرى. ارتبط اسمه بتهم تعذيب واعتقالات خارج القانون، لكنّه ظل محصنًا تحت مظلة الدولة الضعيفة التي احتاجت إليه أكثر مما خافت منه. اغتياله، إن ثبتت فرضية الاغتيال، قد يُفهم كرسالة لتصفية مراكز القوى القديمة في سبيل إعادة تشكيل سلطة جديدة، أو على الأقل إعادة ترتيب أوراق الغرب الليبي.

البعد الإقليمي: ساحة لتصفية الحسابات، ،

ليبيا لم تكن يومًا شأنًا داخليًا صرفًا منذ 2011، بل تحولت إلى رقعة شطرنج إقليمية ودولية. إذ دعمت تركيا حكومة طرابلس ومليشياتها في الغرب، فيما وقفت الإمارات ومصر إلى جانب قوات حفتر في الشرق، وتورّطت فرنسا وروسيا في اللعب خلف الستار. ومع توغل النفوذ القطري سابقًا، وعودة السعودية إلى التأثير مؤخرًا عبر القنوات الدبلوماسية، بات لكل طرف إقليمي "أوراق ضغط" داخل ليبيا.

أما مقتل الككلي، فيأتي في لحظة حساسة إقليميًا، إذ تشهد علاقات أنقرة وأبوظبي تقاربًا هشًا، ومحاولة لإعادة رسم النفوذ في الساحل الشمالي الأفريقي. من هنا، فإن غياب الككلي قد يخدم ترتيبات جديدة لتوزيع أدوار الميليشيات، أو إعادة دمجها ضمن رؤية دولية لتفكيكها تدريجيًا، خاصة بعد فشل مسارات الحوار السابقة.

ويبقى السؤال معلقًا: هل ما يحدث اليوم هو مخاض لولادة دولة بعد طول غياب.. ؟ أم بداية لمرحلة أكثر تعقيدًا تقود نحو التشظي الكامل.. ؟ ما بين الغياب السياسي وعودة أشباح الإرهاب، تبقى ليبيا تئن تحت صفيح ساخن، واللبن المسكوب بعد القذافي لم يجف بعد.، ، !!محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية، !!

[email protected]

مقالات مشابهة

  • ليبيا تحت صفيح ساخن: بعد مقتل الككلي وعودة شبح داعش!!
  • اليمن في عمق المواجهة.. خطوات عملية وسريعة لإعادة البنى التحتية التي دمرها العدو الصهيوني والأمريكي
  • تحرير 1158 محضرا تموينيا للمستودعات والمخابز في دمياط خلال شهر
  • تنشيط السياحة تستقبل مجموعتي حلوة يابلادي ومحبي التراث المصري بدمياط
  • مناقشة الصعوبات التي تواجه أداء الوحدة التنفيذية للمشاريع بمحافظة صنعاء
  • للتخفيف عن مرضى السرطان وإنقاذ الحياة.. شفاء الأورمان بالأقصر تستقبل 2375 حالة عمليات خلال عام
  • مختصة توضح كيفية الموازنة بين الحياة الشخصية والمهنية.. فيديو
  • محافظ دمياط يستعرض تجربة مواجهة التحديات و أبرز النجاحات خلال حوار المدن
  • وداعاً لـ«آلام الأذن».. علاج ثوري يقضي على الالتهاب خلال ساعات
  • طقس العراق.. أمطار خفيفة الشدة وتصاعد للغبار