جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-23@03:24:08 GMT

الصبر في زمن الثروات!

تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT

الصبر في زمن الثروات!

 

أحمد بن محمد العامري

ahmedalameri@live.com

"الصبر على المكاره أسهل من الصبر على النعم".

الصبر هو إحدى الفضائل الإنسانية الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي مجتمع يسعى إلى تحقيق التوازن والاستقرار، إلّا أن الصبر لا يُختبر فقط في أوقات الشدة، بل يُختبر أيضًا في أوقات النعم والرخاء.

في واقعنا العربي المعاصر؛ حيث تتوافر الثروات والموارد بشكل غير مسبوق، نجد أن الصبر على النعم أصبح تحديًا حقيقيًا؛ بل يمكن القول إنه أصعب بكثير من الصبر على المكاره.

في القرآن الكريم، نجد نموذجًا عظيمًا للصبر على المكاره في قصة سيدنا أيوب عليه السلام. أيوب عليه السلام كان يعيش حياة مليئة بالنعيم، ولكنه ابتُلي بفقدان ماله وأهله وصحته. ورغم تلك الابتلاءات الشديدة، لم يتزعزع إيمانه أو يصبه اليأس. كان أيوب صابرًا على المكاره بطريقة تبعث على الدهشة والإعجاب، إذ لم يكن صبره مجرد تحمّل للآلام، بل كان تسليمًا كاملًا لإرادة الله وثقة في حكمته.

هذا النوع من الصبر يُظهر القوة الروحية العظيمة التي يمكن أن يتمتع بها الإنسان المؤمن، الذي يدرك أن البلاء ما هو إلّا جزء من اختبار الله لعباده، وأن النجاة من هذا الابتلاء تكمن في الصبر والاحتساب.

وعلى النقيض، نجد أن الصبر على النعم هو تحدٍّ من نوع آخر، يتجلى في قصة سيدنا سليمان عليه السلام. سليمان عليه السلام كان ملكًا عظيمًا، منحه الله ملكًا لم يُمنح لملكٍ من قبله ولا من بعده، مع قدرة على التحكم في الجن والإنس والطيور. هذه النعم الكبيرة كانت اختبارًا لصبره وشكره لله، وليس فقط في قدرته على التحمل كما في حالة أيوب.

سليمان عليه السلام أظهر نوعًا مميزًا من الصبر؛ وهو الصبر على عدم الانجراف وراء مغريات السلطة والثروة. بدلًا من استغلال هذه النعم في تحقيق مصالح شخصية أو زيادة سلطته، استخدمها لتحقيق العدالة ونشر الخير بين الناس. كان سليمان يعلم أن النعم هي اختبار من الله، وأن استخدامها بطريقة صحيحة هو شكل من أشكال الصبر الذي يستحق عليه الشكر.

اليوم، في ظل الثروات الهائلة التي تملكها بعض الدول العربية، نجد أن اختبار الصبر على النعم بات أشد وضوحًا وأهمية. بعض القادة العرب لم يتمكنوا من الصمود أمام هذا الاختبار، فبدلًا من استثمار هذه الثروات في البناء اختاروا مسارًا مختلفًا تمامًا. بعضهم أنفق هذه الثروات على النزاعات الداخلية والخارجية، وعلى مشاريع تدمير دول عربية أخرى، بدلًا من تعزيز الوحدة والتنمية.

هذه السياسات التي تعكس ضعفًا في الصبر على النعم، أدت إلى تدمير الأوطان وتشريد الملايين من الناس، وبدلًا من أن تكون هذه الثروات نعمة، تحولت إلى نقمة على العرب.

من قصتي أيوب وسليمان عليهما السلام، يمكن استخلاص دروس ثمينة حول كيفية التعامل مع النعم والمكاره. القادة الذين يتمتعون بثروات وسلطات كبيرة عليهم أن يدركوا أن هذه النعم هي اختبار لهم، وأنهم مسؤولون أمام الله وأمام شعوبهم عن كيفية استخدامها. الصبر في هذه الحالة لا يعني فقط تحمّل المسؤولية؛ بل يشمل أيضًا التواضع والشكر، واستثمار الموارد في تحقيق الخير والعدل.

على الشعوب أيضًا أن تعي أهمية الصبر على المكاره، وأن تتوحد في مواجهة التحديات، وأن تعمل على تعزيز قيم الشكر والصبر على النعم، حتى لا تتحول إلى نقمة. يجب أن تكون هناك رقابة مستمرة على الحكومات للتأكد من أن الثروات تُستخدم في خدمة الشعب، وليس في تحقيق مصالح شخصية أو في تغذية الصراعات.

إنَّ الصبر في زمن الثروات ليس مجرد فضيلة؛ بل هو ضرورة لتحقيق نهضة حقيقية. وفي عالم مليء بالتحديات والمغريات، يصبح الصبر على النعم اختبارًا حقيقيًا لإيمان القادة والشعوب. وعلى القادة والزعماء أن يدركوا أن النعم التي يمتلكونها هي أمانة من الله، وأنهم سيُسألون عنها يوم القيامة. وعليهم أن يستخدموا هذه النعم بحكمة لتحقيق التنمية والرخاء، بدلًا من تدمير الأوطان وزرع الفتن. بهذه الطريقة فقط يمكن تحقيق نهضة حقيقية في عالمنا، تُبنى على أسس الصبر، والشكر، والعدل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

“نحن أولو قوة وأولو بأس شديد” .. البأس اليمني بين النص القرآني والتاريخ الإسلامي

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

في أزمنة التحوّلات الكبرى، يتجلّى صدقُ الأمم لا في كلماتها، بل في مواقفها؛ وفي قلب التاريخ، لا تُكتب الصفحات الخالدة بالحبر، بل بالبأس والإيمان. وبين صفحات القرآن الكريم، أشار الله تعالى إلى قوم وصفهم بأنهم “أولو قوة وأولو بأس شديد”، في سياق حديثه عن مملكة سبأ اليمنية وكأنما أراد أن يُخلِّد في كتابه ملامح أمةٍ لم تضعف عند اللقاء، ولم تخنع أمام الباطل، بل تمتّعت بقوة العزيمة وصلابة الإرادة ، ثم جاء النبي محمد صلوات الله عليه وآله ، ليُشهد العالم كله بقوله: “الإيمان يمان والحكمة يمانية” فتحوّلت القوة إلى عقيدة، والبأس إلى ولاء، وأضحى اليمنيون أنصار الرسالة، لا بالقول فقط، بل بالفعل والموقف، في نصرة الإسلام أولًا، ثم في الوفاء لأهل بيت النبوة، وأعلام الهدى من بعده، وفي ثباتهم على خط الحق مهما تكالبت عليهم العصور.

في هذا التقرير الموسّع، نكشف العلاقة العميقة بين الوصف القرآني للبأس اليماني، وبين الحديث النبوي عن الإيمان والحكمة اليمانية، ثم نتتبع كيف تجلّى ذلك البأس عبر التاريخ في نصرة الإمام علي عليه السلام، وأئمة أهل البيت وأعلام الهدى  .. إنها ليست قصة قوم… بل شهادة قرآنية خالدة لأمةٍ إذا آمنت… أبدعت، وإذا والَتْ… ثبتت، وإذا قاتلت… انتصرت.

 القوة والبأس في كتاب الله

ورد في سورة النمل قول الله سبحانه وتعالى على لسان ملِكة سبأ حينما تلقت رسالة النبي سليمان عليه السلام:
“قالت يا أيها الملأُ أفتوني في أمري ما كنتُ قاطعة أمرًا حتى تشهدون * قالوا نحن أُولُو قوةٍ وأُولُو بأسٍ شديدٍ والأمرُ إليكِ فانظري ماذا تأمرين” (النمل: 32–33).

هذه الآية لم تكن مجرد حكاية قرآنية عن مملكة قديمة، بل تركت إشارات دلالية مهمة تتجاوز السياق الزمني إلى دلالة رمزية وواقعية، ارتبطت بالشعب اليمني دولة سبأ عنوان القوة والبأس القرآني ، وأن أوصاف “القوة” و”البأس الشديد” تعنيان الشجاعة، والصلابة في الحرب، والقدرة التنظيمية والسياسية.

البأس اليماني في التاريخ

عُرف اليمنيون عبر التاريخ، قبل الإسلام وبعده، بأنهم أهل حضارة، وأهل بأس في القتال، وأهل حكمٍ وحكمة. تاريخهم يزخر بممالك عظيمة كسبأ وحمير ومعين وقتبان، كما أن جيوشهم كانت ذات بأسٍ مشهود. لم يكونوا قوماً تابعين، بل صناع قرار، كما أظهرت ملكة سبأ نفسها حين خاطبت الملأ ولم تُخضع نفسها لأمرهم، بل أشركتهم في الشورى.

وهذا “البأس اليماني” كان من عوامل احترام النبي سليمان عليه السلام لهم، وتعاطيه السياسي والديني المتوازن معهم، إذ لم يبعث إليهم مباشرةً بالتهديد، بل بخطاب يتضمن دعوة سلمية وتوحيدية.

ومع ظهور الإسلام، لم يتخلّ اليمنيون عن قوتهم ولا عن بأسهم، بل انتقلوا به إلى ميادين نصرة الدين الجديد، فدخلوا في الإسلام أفواجاً دون قتال، وامتزج بأسهم بالحكمة والإيمان.

وقد سجل لهم التاريخ أنهم من أوائل الشعوب الذين استجابوا للرسالة الإسلامية، بعد أن أرسل النبي (صلى الله عليه وآله) إليهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي أقام الحجة وأظهر المعجزة فآمنوا به ووالوه ووالوا أهل بيته من بعده.

“الإيمان يمان والحكمة يمانية”: عنوان الهوية وتوصيف نبوي خالد

في حديث متواتر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، وهي شهادة نبوية عظيمة لشعبٍ بعينه.

هذا الحديث يكشف أن البأس الذي تحدثت عنه الآية لم يكن محصوراً في القوة المادية أو القتالية فقط، بل كان ممزوجاً بالحكمة. وهو ما يجعل من الشعب اليمني أنموذجاً فريداً يجمع بين الشجاعة والبصيرة.

وبإجماع العلماء فإن هذا الحديث دلالة على أن أهل اليمن يتميزون بإيمان راسخ وحكمة راجحة، كما أنه يحمل في طياته تهيئة نفسية وروحية لأدوار قادمة سيكون لأهل اليمن فيها شأن كبير في نصرة الدين والحق وأهل البيت.

حين وصفهم النبي صلوات الله عليه وآله : “الإيمان يمان”، لم يقل: “البأس يمان” رغم ورود ذلك في القرآن، وذلك لحكمة عميقة  ’’الإيمان البأس’’ هو الجوهر والأساس هو الأداة التنفيذية يربط اليمنيين بالرسالة الإلهية،  يربطهم بمواجهة أعداء الحق ، ويدل على سلامة القلب والبصيرة ويدل على شجاعة الجسد والموقف

ولذلك أراد النبي صلوات الله عليه وآله أن يبيّن أن قوة اليمنيين ليست فقط جسدية، بل روحية، وأن بأسهم ليس مجرد عنف، بل نابع من إيمان وحكمة، وهي أعلى مراتب القوة.

ولاية الإمام علي (عليه السلام) وتجليات البأس في اليمن

من أبرز تجليات الآية الكريمة وحديث النبي صلوات الله عليه وآله ، هو موقف اليمنيين من الإمام علي عليه السلام. فقد كان لهم قصب السبق في ولايته، وأظهروا محبةً واتباعًا مخلصًا له، منذ أن بعثه النبي إليهم داعية ومُعلِّمًا وحاكمًا.

وقد تجلّى هذا “البأس” بشكل بالغ الدلالة عندما ارتبط بالولاء للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث تحوّل إلى بأسٍ في نصرة الحق، والثبات العقائدي، والاستعداد للتضحية في سبيل المبادئ الإلهية.

ومع أن كثيرًا من القبائل العربية الأخرى كانت لا تزال تعاني من بقايا الجاهلية والتحفظات القبلية، فإن اليمنيين سلّموا القيادة للإمام علي دون تردد، باعتباره وصي رسول الله صلوات الله عليه وآله. وباب مدينة علمه ، وسيف الله وسيف رسوله صلوات الله عليه وآله،

وهذه الولاية لم تكن شعارًا، بل موقفًا سياسيًا وعقائديًا مستمرًا، حيث ظل اليمن على مدى العصور معقلًا لمحبي وموالي أهل البيت، وظهر فيهم أعلام الهدى من آل بيت رسول من الزيدية وأنصار الثورة المحمدية في وجه الطغيان.

مما قاله الإمام عليه عليه السلام في أهل اليمن : (أما اليمن، فإنهم أبعد العرب دارًا، وأشدهم في الحرب بأسًا، ولهم في الإسلام سابقة وبلاغ) ، (نهج البلاغة – من خطبه السياسية بعد التحكيم)

نصرة أعلام الهدى من آل البيت في اليمن

لا يمكن الحديث عن البأس اليماني دون الإشارة إلى الدور الذي لعبه اليمنيون في نصرة أعلام الهدى من آل بيت رسول الله. فقد كانت اليمن ولا تزال مأوى لأحفاد النبي صلوات الله عليه وآله، واحتضنت دعواتهم، وساندتهم في الملمات.

من أبرز تلك المواقف:

احتضانهم للدعوة الزيدية، التي أسسها الإمام زيد بن علي (عليه السلام)، حفيد الإمام الحسين، بعد ثورته على الحكم الأموي الظالم، حيث قال عنهم سلام الله عليه : (خذلتني الكوفة، ولكن لي في اليمن أنصارًا لو بلغهم أمري لجاؤوني أفواجًا).

وفي دعم الأئمة لاحقًا كانت اليمن من أبرز مناصري الإمام الحسن والإمام الحسين، ووصلت الأخبار إلى اليمن عن كربلاء فأعلنت قبائل كثيرة ولاءها لخط آل البيت.

الإمام القاسم الرسي والإمام الهادي: شكّلا معالم المدرسة الزيدية في اليمن، المؤمنة بوجوب الإمامة في آل البيت.

دورهم في الثورة على الطغاة، عبر العصور، وتمسكهم بخيار المقاومة، لا سيما في العصر الحديث، حين رفعوا راية “الصرخة” في وجه الهيمنة، مستلهمين من مبدأ “نحن أولو قوة وأولو بأس شديد”، بُعدًا تحرريًا عقائديًا في مقاومة المستكبرين.

 كيف اجتمع الإيمان والبأس في اليمنيين؟

اليمن دخلت الإسلام بالإقناع والحجة، لا بالسيف بعد أن أوفد إليهم النبي (صلوات الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام ) فأسلمت القبائل، وولّوه عليهم، وهذا يدل على نضج روحي وسلوكي

دفاعهم عن الإمام علي عليه والسلام أولاً فكانوا القادة والجند المحبين في ولائهم وتضحياتهم وعلى رأسهم مالك الأشتر ، وآل البيت ثانياً خاصة الزيدية الذين التحقوا بركب الإمام زيد عليه السلام ودافعوا عن الحق في وجه بني أمية والعباسيين ومما قاله فيهم الإمام زيد بن علي عليه السلام : “في أهل الكوفة خذلان، وفي أهل اليمن رجاء”.

ما يزال اليمنيون حديثاً يقدمون نموذجًا يجمع بين الإيمان العقائدي والبأس المقاوم رفعوا شعار “هيهات منا الذلة”، وساروا على خطى مدرسة كربلاء

خاتمة: البأس اليماني… من القرآن إلى الميدان

إن “البأس اليماني” آية في آية قرآنية ، ومنظومة متكاملة من الشجاعة، والعقيدة، والحكمة، ظهرت في مواقف تاريخية وميدانية متكررة. وإنه ليس غريبًا أن تكون اليمن اليوم جزءًا من معادلة الصراع العالمي بين محور الحق ومحور الباطل، فالمشروع القرآني في اليمن يستند إلى إرث طويل من “البأس الشديد”، الذي وُصف به أسلافهم، و”الإيمان اليماني” الذي شهد له النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ،  ومن خلال مواقف اليمن واليمنيين قديماً وحديثاً، أثبتت أنها ليست فقط أرضًا لأولو البأسٍ الشديد، بل أرضًا لأولو الوفاءٍ الشديد لأعلام الهدى من آل بيت رسول الله صلوات الله عليه وآله .

مقالات مشابهة

  • الخدمات المصرفية الخاصة من بنك ظفار.. تجربة مالية استثنائية للزبائن الأكثر تميزًا
  • الأزهر: الإسلام دعا إلى الإحسان للكائنات ورتب عليه الأجر والثواب
  • بلدية طرابلس أمام اختبار الشفافية في لجنة التخمين
  • موقف الرئيس بري يُعَّول عليه
  • “نحن أولو قوة وأولو بأس شديد” .. البأس اليمني بين النص القرآني والتاريخ الإسلامي
  • وفاة طالبة توجيهي في المزار الجنوبي
  • عاجل | وفاة طالبة ” توجيهي” بالأردن .. تفاصيل
  • إعلاميات وناشطات من الميدان في حديث لـ”الأسرة” :غدير الولاية.. حصنُ الأمة والأمان من الانحرافات 
  • ليبي يُعثر عليه متوفيًا في منزله بتركيا
  • بالتعاون مع الملحن أحمد زعيم.. آدم البنا يطرح أغنية بتاع الصبر