سمكة الزرد من الفقاريات التي تمتلك قدرة فطرية على شفاء إصابات الحبل الشوكي أو حتى الحبل الشوكي المقطوع بشكل كامل، بعكس البشر، والثدييات التي تحدث إصابات النخاع الشوكي لديها عجزا وظيفيا دائما، وربما سببت فقدانًا دائمًا للإحساس والحركة أو الوفاة.

في دراسة نشرت في 15 أغسطس/آب  في مجلة "نيتشر كومينيكيشنز"، قام بها فريق بحثي من كلية الطب بجامعة واشنطن، قدِّم أطلس تفصيلي لجميع الخلايا المشاركة في تجديد الحبل الشوكي لسمك الزرد، وكيفية عمل هذه الخلايا معا.

يساعد هذا الأطلس على الفهم الواضح لكيفية حدوث التجديد في أسماك الزرد والذي قد يوفر معلومات تساعد مستقبلا في علاج إصابات الحبل الشوكي لدى البشر والمعروفة بتأثيرها المدمر.

وكشف الباحثون عن أمر لم يكن متوقعا من ناحية علمية، أن الخلايا الجذعية القادرة على تكوين خلايا عصبية جديدة والتي كان يعتقد أنها هي الأساسية لعملية التجديد تلعب فقط دورا تكميليا ولكنها ليست الخلايا الرئيسية التي تقود عملية التجديد.

وفي تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني قالت دكتورة ميساء حسن مقلد المؤلفة الرئيسية للدراسة إنهم يعتقدون أن "نتائج هذه الدراسة ستلهم الباحثين طرقًا جديدة ومبتكرة لحماية الخلايا العصبية والحفاظ على وظائفها لدى البشر".

توصل الفريق البحثي إلى أن هناك آليات حماية وإصلاح عصبية تحدث مباشرة بعد الإصابة (جامعة واشنطن) ما أسماك الزرد ولم تُعدّ مهمة إلى هذا الحد؟

أسماك الزرد نوع من أسماك الزينة يحظى بشعبية كبيرة بفضل خطوطها الأفقية المميزة، و موطنها الأصلي حوض نهر الغانج الهندي.

في سبعينيات القرن الماضي استخدمها علماء الأحياء ككائن حي نموذجي لدراسة التطور الجنيني للفقاريات. ويفضل العلماء استخدام أسماك الزرد في المجال البحثي لأنه يمكن نشرها بالآلاف بسرعة في المختبرات، كما أنها سهلة الدراسة وثبت أنها شديدة التحمل.

كما أن جنين سمكة الزرد شفاف ويتطور خارج جسم الأم مما يسمح للعلماء بمراقبة نمو البيض المخصب إلى سمك صغير مكتمل النمو تحت المجهر. كما يحدث نمو البيض إلى اليرقات في 3 أيام فقط.

وتتميز هذه السمكة بقدرة فطرية على التجدد والشفاء الذاتي، فيمكنها إصلاح وإعادة بناء الأنسجة التي فقدت بسبب الإصابة أو المرض. مما يجعلها كائنا مناسبًا للأبحاث العلمية. فمثلا تستطيع أسماك الزرد تجديد القلب بشكل كامل بعد حدوث نوبة قلبية عبر إزالة أنسجة القلب التالفة وإعادة نمو العضلات، وهذا الأمر لا يحدث في البشر.

ورغم الاختلاف الكبير جدا في الشبه بين البشر وأسماك الزرد، فإنه تم العثور على 70% من الجينات البشرية في أسماك الزرد.

تستطيع أسماك الزرد تجديد أنسجة القلب التالفة بعد حدوث نوبة قلبية بعكس الثدييات (غيتي إيميجز) حبل شوكي مرن

وتضيف مقلد في تصريحها لـ"الجزيرة نت" أن "العلماء حاولوا لمدة عقود علاج الشلل عند البشر ولكنهم اكتشفوا أنهم يحتاجون للتفكير بطرق جديدة وأساليب لم تتم تجربتها من قبل لحل هذه المشكلة، وربما تخبرنا أسماك الزرد بالحل، فهذه الدراسة تطرح إستراتيجية جديدة لحماية الخلايا العصبية والحفاظ على وظائفها بعد الإصابة".

وحول أهمية الخلايا العصبية تقول مقلد إذا كان تفكيرنا في الحبل الشوكي باعتباره النظام الكهربائي الذي يزود جسم الإنسان بالطاقة، فإن الخلايا العصبية هي البنية التحتية الكهربائية في هذا النظام. ولكن التحدي الرئيسي الذي يواجهنا هو أن الخلايا العصبية حساسة للإصابة.

"وعلى الرغم من أن إصابات النخاع الشوكي تمنع فقط بعض اتصالات الخلايا العصبية، إلا أن هذا قد يؤدي إلى الوفاة. لذلك فإن حماية الخلايا العصبية وتجديدها هو هدفنا النهائي في أبحاث تجديد الحبل الشوكي"، بحسب مقلد في تصريحها لـ "الجزيرة نت".

وتعمل ميساء حسن مقلد أستاذة مساعدة في علم الأحياء التنموي بكلية الطب جامعة واشنطن، وتقود فريقًا بحثيًا في مختبر مقلد بكلية الطب بجامعة واشنطن، وتهدف أبحاث مختبر مقلد إلى استكشاف وإصلاح إصابات الحبل الشوكي .

تقود ميساء حسن مقلد (في المنتصف) فريقًا بحثيًا في مختبر مقلد بكلية الطب بجامعة واشنطن (جامعة واشنطن) كيف تحمي أسماك الزرد خلاياها العصبية؟

وجد الفريق البحثي أن معظم جوانب الإصلاح العصبي التي يحاولون تحقيقها لدى البشر إن لم يكن كلها، تحدث بشكل طبيعي في سمك الزرد.

وعلى النقيض من إصابات الحبل الشوكي لدى البشر والثدييات الأخرى، والتي تموت فيها الخلايا العصبية التالفة دائمًا، فإن الخلايا العصبية التالفة لدى سمك الزرد تغير وظائفها الخلوية بشكل كبير استجابة للإصابة.

وتوصل الفريق البحثي إلى أن هناك آليات حماية وإصلاح عصبية تحدث مباشرة بعد الإصابة. ويُعتقد أن هذه الآليات الوقائية تسمح للخلايا العصبية بالبقاء على قيد الحياة بعد الإصابة ثم تبني نوعًا من اللدونة أو المرونة في وظائفها، مما يمنح السمك الوقت لتجديد الخلايا العصبية الجديدة لتحقيق التعافي الكامل.

كما تشير الدراسة إلى أن الخلايا العصبية بمفردها، دون اتصالها بخلايا أخرى لا تستطيع أن تنجو من التلف. فبعد الإصابة تقوم الخلايا العصبية المقطوعة في سمكة الزرد بإنشاء اتصالات جديدة.

وحددت الدراسة الجينات التي تنظم هذه العملية الوقائية في سمك الزرد، والتي توجد نسخ منها أيضًا في الجينوم البشري. مما قد يساعد في تعزيز هذا النوع من اللدونة في خلايا البشر والثدييات الأخرى لحمايتها من الموت بعد إصابة الحبل الشوكي.

ويرى الباحثون أن هناك بعض الأدلة على أن هذه القدرة التجديدية موجودة في الخلايا العصبية الثديية ولكنها كامنة، لذا قد يكون هذا طريقًا لعلاجات جديدة.

كما تشير الدراسة الجديدة إلى أن أي طريقة ناجحة لعلاج إصابات الحبل الشوكي لدى البشر يجب أن تبدأ بإنقاذ الخلايا العصبية المصابة من الموت لحظة الإصابة.

وتشير مقلد إلى أن تجديد النخاع الشوكي معقّد للغاية، وسوف تقوم وفريقها البحثي بدراسة مساهمات أنواع الخلايا الأخرى في تجديد النخاع الشوكي، مثل الخلايا غير العصبية التي تسمى بالخلايا الدبقية في الجهاز العصبي المركزي وكذلك خلايا الجهاز المناعي والأوعية الدموية.

وسيستخدم الفريق البحثي مستقبلا الفحص الجيني وبعض الأدوية لمحاولة تعزيز آلية حماية الخلايا العصبية هذه لدى البشر. وتقول دكتورة مقلد إن هذا سيستغرق وقتًا والمزيد من العمل، ولكننا بالتأكيد نسير على الطريق الصحيح لتطوير علاجات جديدة ومطلوبة بشدة لإصابات النخاع الشوكي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الفریق البحثی النخاع الشوکی بعد الإصابة لدى البشر إلى أن

إقرأ أيضاً:

سكان الخيام بغزة يخشون تجدد كابوس الأمطار مع قرب منخفض جوي

غزة - مدلين خلة-صفا

مع بدء التحذيرات لدخول منخفض جوي، يعيش عشرات الآلاف من النازحين بين أنقاض البيوت وحقول الطين كابوسًا حقيقيًا في خيام مؤقتة نُصبت على عجل.

ويخشى النازحون غرقهم مجددًا في خيامهم التي لا تراعي تغيّر الطقس أو هشاشة المكان.

وفي خيمة ذائبة، ينهض الأطفال من صوت الرياح التي تكاد تقتلع خيمهم، فيما تكافح الأمهات لسدّ الثقوب بأغطية مهترئة وقطع نايلون.

وفي مخيم إيواء أُقيم عشوائيًا في قلب مدينة غزة، يتفقد الأربعيني سعيد ناجي الثقوب المتعددة في خيمته خلال النهار، ليغلقها قبل حلول الظلام، في محاولة للنجاة من الغرق مع المنخفض الجوي القادم.

ويقول النازح سعيد ناجي: "إن لم نفعل ذلك سنغرق بمياه الأمطار، لم يعد باستطاعتنا التحمل أكثر من ذلك، لقد غرقنا في المنخفض الماضي وابلت فراشنا ومرض أطفالي".

ويضيف في حديثه لوكالة "صفا": "خيمتي التي تؤوي 14 فردًا صارت ملاذنا الأخير بعدما دمر الاحتلال منزلنا في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع. في كل مرة يمر علينا منخفض جوي نلجأ إلى إصلاح الخيمة وتثبيتها، لكنها لم تعد صالحة حتى للاحتماء لدقائق قليلة".

ويردف متسائلًا: "ألم يكتفِ الاحتلال بتدمير بيوتنا وحياتنا، ليمنع عنا الخيام الجديدة؟"، موضحًا أن "نحن لسنا بحاجة إلى خيام فقط، بل نحتاج كرفانات تحمي أطفالنا من البرد والأمطار".

ولا يختلف الحال عند المواطن سامح عبد الناصر، الذي استمر في إصلاح سقف خيمته يومين متواصلين بعد منخفض سابق، مع اقتراب منخفض جوي جديد.

ويقول عبد الناصر في حديثه لوكالة "صفا": "أعرف جيدًا أنها لن تحمينا من الرياح والأمطار، لكن ليس لدينا بدائل أخرى.

ويتابع "هذا هو العام الثالث الذي أعيش فيه وعائلتي تحت الخيام في موسم الأمطار، وغرقنا في كل مرة، وليس أمامنا أي خيارات أخرى".

ويضيف عبد الناصر: "نحن نريد إيواء لحماية أطفالي الخمسة. بحثنا في الكثير من الأماكن بمدينة غزة لكننا لم نجد متسعًا، فالشوارع والمدارس والأبنية المدمرة كلها ممتلئة بالنازحين".

وفي ظل غياب خطة حقيقية للإيواء، وتحذيرات أممية من تفاقم الكارثة الإنسانية، تبرز الحاجة إلى تدخل عاجل لتوفير مأوى آمن يحفظ كرامة النازحين قبل أن يصبح الشتاء قاتلًا صامتًا آخر.

مقالات مشابهة

  • الظلم طبع!!
  • سلوك قرود المكاك بعد سماعهم الموسيقى يصدم العلماء
  • سكان الخيام بغزة يخشون تجدد كابوس الأمطار مع قرب منخفض جوي
  • مسؤولون صحيون يدعون أوروبا إلى تعزيز جهود مكافحة إنفلونزا الطيور
  • تحليل لـCNN: اتفاقية مع ترامب وترحيب ببوتين: هل ستنجح الهند في السير على الحبل المشدود؟
  • ألفا بوت 2 روبوت ذكي يتعلم من البشر كالأطفال
  • شركات الذكاء الاصطناعي تفشل في تلبية المعايير العالمية للأمان.. مخاطر تهدد البشر
  • الشباب والرياضة تستقطب أطفال وبراعم بني سويف بـ«شد الحبل ومصارعة الذراعين»
  • خشية من قدرة الذكاء الاصطناعي على قراءة أفكار البشر
  • عقوبات رادعة على صيد أسماك الزينة وإنزال المنتجات خارج المناطق المخصصة وفقا للقانون