جنس بشري تعاقد معه الشيطان!
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
في العالم ألوف الملايين من أجناس البشر.. لكل من هؤلاء طريقته للعيش في بقعته الجغرافية، التي يحيى عليها، يهتمون بإعمارها وتنميتها، يطبقون سنن ونواميس الحياة البشرية على الكوكب الذي جعل الله فيه الإنسان خليفة.. إلا أن جنس من البشر تاه، واستفزه الشيطان بصوته، وجلب عليه بخيله ورجله، وشاركه في الأموال والأولاد، ووعده الغرور، فأغواه وزين له أفعاله.
سيقال إن التعامل مع هذا الكيان في بقعة باركها الله، جاء بمقتضى قاعدة بناء الأمم وتأسيس الحضارات.. كيان أصبح واقعًا بين الأمتين العربية والإسلامية، حتى إن كانت طبقاته وأفراده تتناقض مع طبقات مجتمعات الأمتين.. سيقولون أثمَّة وجود دون تناقض؟ وهل من تناقض دون طرفين، وجود كل منهما شرط لوجود الآخر؟ إن وجود جنس يحتضر شرط لوجود جنس يحيى، ومعرفة طرف شرط المعادلة لفهم طرفها الآخر.
متى تبتدئ قصة هذا الجنس من البشر؟ أحين يسترعي انتباه الأجناس الأخرى كمية سفك الدماء في جنس أمتين زرع بينهما، وتنطلق لتلاحق ما يتعاقب على كوكب الأرض من موت ودمار وإبادة جماعية؟ ما هي الأسباب التي تجمعت في هذا الجنس من البشر ليسفك الدم البريء لجنس الأمتين العربية والإسلامية؟ وما هي العوامل التي تراكمت لتوفير شروط صفقة هذا الجنس مع الشيطان؟ هل هناك دلائل لبنود هذه الصفقة، هل أعمال الكيان اللقيط الإجرامية، في أرض فلسطين مرحلة من تاريخ إجرام جنسه البشري، تحول الانتباه نحوها؟ من الذي يستطيع أن يختار نقطة من زمان هذا الجنس البشري للوقوف إزاءها، ويقول هنا تبتدئ قصة تعاقده مع الشيطان، كتب عليه التيه في الأرض؟
ومع هذا أراني مرغماً على الكتابة في مثل هذه المرحلة المرتبطة بكيان لقيط زرع في أمتنا العربية والإسلامية، يبيد شعباً بأكمله، يرتكب ابشع الأفعال الشيطانية على أرض باركها الله.. من أين ابتدئ؟.. أحين جادل إبليس ربه وقوله: "قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (الاسراء: 62)"، أم حين أرى جرائم الكيان اللقيط، الذي عقد صفقة سفك دماء الفلسطينيين في أرض فلسطين. لقد تتبعت تاريخ عالم هذا الجنس من البشر، وجدته عالماً بوجهين، وجه للكبر والتعالي والجحود، ووجه استدار للشيطان.. مقابل جنس الأمتين العربية والإسلامية، حملت مشعل الإنسانية وفطرتها، لا تنتظر المتلكئين أو تتبع سبل الشيطان، يسبقها مشعل الفطرة التي فطرنا الله عليها، كي لا تفقد نور الحياة، وأصل الطريق القويم.
ناموس الحياة البشرية هو الدليل، وفي الدليل يفترض التجرد.. لكن قصة جنس التائهين هي عالم الكيان اللقيط في واقعنا اليوم، أفعاله بالذات تبرز خبايا الصفقة مع الشيطان، كان أسلافه في الماضي كأوثق ما يكونون عليه من المجادلة والعداوة مع أنبياء الله ورسله.. أما وقد حاربوا الله ورسله، باتت عداوتهم، وأفعالهم الإجرامية يجسدها اليوم الكيان اللقيط على أرض فلسطين.
لم أجد جهدا كبيرا في جمع أفعال وإجرام هذا الجنس لما اكتبه.. فبنود الصفقة مع الشيطان بارزة في أفعاله، ما يجري على الأرض المباركة، يمكن رؤية واستخلاص بنود صفقة الشيطان بارزة، بما اتفق عليه هم وأسلافهم معه، ولا يستعصي على البصير فهم تفاصيل ما ارتكبه الأسلاف، وما يقوم به الأحفاد اليوم.. لكن اهتمامي بالمجتمع الدولي، والعالم المعاصر سرعان ما يزداد، حتى وجدت نفسي أنساق في أروقة الكتابة كالمسحور، أحبه وأعجب به تارة، وأكرهه تارة أخرى.. فواقع هذا الجنس الذي تعاقد مع الشيطان منذ الأزل، أشعرني مراراً أني على وشك الاختناق. أقصد بهذا القول العالم، والوقائع المثيرة فيه، التي يحركها هذا الجنس الذي تعاقد مع الشيطان، ويتحكم به؛ بل غرابة بنيان نظامه الذي لم يعد يحمي الفطرة الإنسانية، أكاد أقول.. ازدادت ازدواجية معاييره، لعلني أستبق النتيجة حين أذكر الصراع الدائر بين الحق والباطل، بين جنس مع الشيطان وأجناس تنشد الفطرة والعدالة. لكنه صراع حتماً سينتصر فيه الحق، وإن طالت علته وواقعه، العلة تكمن في أن الكيان جعل بقعة الأرض المباركة قانية اللون، مدنها تتناطح فيها الأهواء والآمال، بقعة قاسية فيها الحياة على أهلها، انقشع عنهم سلام الحياة، لو اقتربت منهم، لوجدتهم يطمحون للحياة الحرة الكريمة بالأنفس، أين نحن من كل هذا الآن؟ أين السلام الذي أسري برسول الإسلام إليه، والطرق والمدن، والغابات، والجبال، والوديان، ودبيب مخلوقات السماوات وأنفاسها حين عرج به إليها من مدينة القدس، كيف تساوت كلها في صفقة جنس بشري كتب الله عليه التيه مع الشيطان.
لقد بهتت مدينة القدس حين تشظت، وابتعدت عنها البركة التي غرسها الله في الأقصى وما حوله، ثم ضاعت! هل ضاعت؟ التائهون الآن هم فقاعة الشيطان، تنساب في أحشاء أثير القدس والأقصى، والعالم الآخر؟ أين هو؟ طوفان؟ وما هو الطوفان هذا؟ جهاد؟ إثر صفقة عقدها جنس التائهين وأعوانهم مع الشيطان على ألوف ملايين من الجنس العربي والإسلامي، ألهذا يؤول وجود الأرض المباركة؟ إلى صفقة مع الشيطان، كما ذكر القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا" (النساء: 119).
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإنسانية لا تعرف حدود المكان أو الزمان!
في أوقات السلم والحرب، تظهر الإنسانية في صور شتى، قد تكون الإنسانية مجرد شعارات لا أكثر، وقول يطرب آذان الضعفاء ويمنحهم الأمل بواقع أجمل مما يعيشونه الآن في ظل ظروف معيشية وصحية ونفسية قاسية، لكن حبال الأمل تنقطع عندما يستفيقون من أحلامهم ليجدوا بأن كل ما سمعوه طويلا أصبح حبرا على ورق وليس هناك فعل ملموس ينتظرهم.
بلدان شتى من العالم تئن من وطأة الفقر والجهل والمرض، أطفال يأتون إلى الحياة وليس في جعبتهم أي أمل في حياة أفضل من آبائهم وأمهاتهم، الفقر هو خنجر مسموم يطعنهم في سائر أجسادهم، يجعلهم يحسون بمرارة العيش وقسوة الأيام.
من هذه النافذة كانت الإنسانية هي الملجأ لمن لا ملجأ له، الإنسانية هي جزء مهم من التضامن مع الآخرين، وإحساس بما يعانونه من حاجة للخروج من عنق الزجاجة التي تكتم على أنفاسهم منذ ـن فتحوا أعينهم على الحياة بمنظور أنهم بشر طبيعيون لهم آمالهم وأحلامهم وحياتهم الخاصة بهم.
الإنسانية هي المحرك الأساسي الذي يدفع الآخرين للتدخل لمساعدة الضعفاء والمستضعفين في الأرض، الإنسانية مصطلح عميق للغاية لا يؤمن بالأقوال فقط وإنما أيضا بالأفعال.
في أوقات الأزمات تجد الإنسانية حاضرة في مشاهد تستحق أن نقف لها بتحية إجلال وتقدير، ولكن عندما تغرب شمس الإنسانية وتتوحش الآدمية، تصبح الأماكن جرداء قاحلة من أي وجه للحياة، فالأرض تصبح مجرد أحجار صماء لا تنطق إلا بالوحشة والبؤس والشقاء والألم.
لقد أصبحت الكثير من دول العالم تحتاج منا بعضا من وقود الإنسانية، فما يحدث الآن في العالم من نزاعات وشقاق وحروب ضروس تؤكد على غياب الضمير الإنساني الذي من المفترض أن يكون لسانا صادقا يحتوي معنى الإنسانية التي عرفتها البشرية منذ عصور قديمة.
هناك ملايين البشر يُهجَّرون سنويا من ديارهم بسبب الحروب وآخرون يقضون نحبهم تحت المباني التي تهدمت على رؤوسهم، والآلاف الجرحى يئنون من أوجاعهم بعد أن فقدوا أجزاء مهمة في أجسادهم، إنها بحق مأساة إنسانية.
كم تمر علينا في نشرات الأخبار وغيرها مئات الصور المؤلمة التي تجرح القلوب وتدميها، مشاهد تعمق معاني الحزن والبؤس، وبالرغم من ذلك لا يلتفت العالم مطلقا إلى ما صنعته أسلحة الدمار والقتل التي صُوّبت نحو الأبرياء، فالرصاص الحي والقنابل لا تفرق ما بين البشر، فمهمتها تكمن في تدمير الأشياء وإصابة الأهداف وإزهاق الأرواح البريئة، من المؤسف أن المعتدي يبرر أفعاله المشينة ويتحدث عن تضامنه مع عائلات القتلى والمصابين ويبرئ نفسه من كل ما صنعته آلة الحرب التي لا تزال في يديه.
في هذا العالم هناك ملايين الأفواه الجائعة والأجساد الممزقة التي أعياها التعب والجراح، وغيرها لا يزال مصيرها مجهولا ومستقبلها غامضا، وأشياء أخرى لا يلتف إليها القادة الكبار الذين يصدرون أوامرهم في إطلاق النيران على المدنيين.
أي جرم هذا الذي اقترفته تلك الأنامل الصغيرة، وأي عذاب ينتظرهم، وأي إنسانية يدّعيها العالم تحت قبة مجالسهم الأممية، الإنسانية الحقيقية لا تؤمن ولا تقدِم على زعزعة أمن الأبرياء والتنكيل بهم.
عندما لا يوجد مكان آمن يحتمي به الصغير أو الكبير تصبح الإنسانية لا وجود لها، الإنسانية هي أن تراعي الواجبات والحقوق، والإنسانية ليست ادعاء واستنكارا وشجبا وقلقا، الإنسانية هي من توجِد حياة أفضل بين البشر، وطريقا نحو أمن وسلام واطمئنان، هكذا هي الإنسانية التي يجب أن يوجِدها العالم وهي من يجب أن تسود في العموم.
الإنسانية دوما يقال عنها بأن ليس لها مكان محدد أو زمان معين بل هي انتشار في كل الاتجاهات وفي كل بقعة يتنفس من رئتها البشر، الإنسانية ستظل دوما شيئا عظيما لا مجرد شعارات كاذبة أو تصريحات عابرة.