فيما يبدو أنه "تحدٍ" لسلطة حركة طالبان، تواصل محطة تلفزيونية أفغانية بارزة، السماح للنساء بالظهور على شاشتها وتقديم نشرات وبرامج إخبارية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية.

وكان زعيم طالبان، هبة الله أخوندزاده، قد أمر المسؤولين الأفغان بتنفيذ قانون جديد يحد من حقوق المرأة ويكرس رؤية صارمة للمجتمع الإسلامي، حسبما ذكرت وكالة فرانس برس.

ويفرض القانون المكون من 35 بندا، الذي أعلن عنه الشهر الماضي، محظورات قد يؤدي تطبيقها إلى "تعزيز السيطرة المشددة بالفعل" على السكان.

ويُلزم هذا القانون النساء بتغطية أجسادهن بالكامل، كما يحظر عليهن الحديث بصوت عالٍ، ويفرض مجموعة من القواعد على لباس الرجال، وأداء الصلاة، ويمنع الاحتفاظ بصور للكائنات الحية، ويحظر المثلية الجنسية، ومسابقات القتال بين الحيوانات، وبث الموسيقى في الأماكن العامة، والأعياد غير الإسلامية.

إحدى مذيعات قناة تولو الأفغانية

ووصفت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان، روزا أوتونباييفا، القانون بأنه "رؤية محزنة لمستقبل أفغانستان".

ومنذ عودتها إلى السلطة في أغسطس 2021، تطبّق الحركة تفسيرها المتشدد للشريعة، وخصوصا القيود على النساء، بينما تندّد الأمم المتحدة بسياسات "تكرّس التمييز والفصل القائم على النوع الاجتماعي".

وأغلقت سلطات طالبان أبواب المدارس الثانوية ثم الجامعات أمام النساء، وكذلك المتنزّهات وصالات الرياضة والحمامات.

وعن استمرار النساء بالعمل في قناة "تولو"، أوضح سعد محسني، الرئيس التنفيذي لمجموعة موبي، أكبر شركة إعلامية في أفغانستان، أنه مع انتقال البلاد بشكل متزايد إلى "العصور المظلمة للنساء"، فإن قناته "تمكنت من توفير شعاع غير متوقع من الضوء".

وأضاف الرجل البالغ من العمر 58 عاما: "أعتقد أننا كطائر كناري في منجم فحم. فطالما أن النساء يظهرن على شاشة التلفزيون، فنحن نعلم أنه لم يتم إسكاتهن بالكامل".

وتابع: "ندرك أننا بحاجة إلى المثابرة، لكنني أعاني من ليالٍ عديدة بلا نوم".

ومن المدهش، كما يقول محسني، أن قناة "تولو" أصبح لديها فريق نسائي أكبر في نشرات الأخبار، بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم، إذ أضحى عددهن 20 امرأة بعد كن 8 فقط.

إحدى مذيعات قناة تولو الأفغانية

وكانت قناة "تولو" قد اضطرت إلى إيقاف بث جميع البرامج الموسيقية والمسلسلات التلفزيونية، فضلاً عن برنامج "النجم الأفغاني"، وهو برنامج تلفزيون واقعي كان يحظى بشعبية كبيرة ويعتبر النسخة المحلية من البرنامج العالمي "بوب آيدول". 

كما أمر مسؤولو طالبان - الذين يشير إليهم محسني بـ"المهرجين"-  الموظفين بإزالة جميع المحتويات الأجنبية.

وعندما جرى سؤالهم عن كيفية سد فراغ بث القناة التي تعمل على مدار الساعة، اقترحوا عليه بدلاً من ذلك أن يذيع تلاوات من القرآن الكريم أو يذهب إلى القرى ويصور المناظر الطبيعية فقط.

"أصعب يوم"

وكانت القناة التي تأسست عام 2002، قد حققت نجاحا كبيرا في المجتمع الأفغاني، رغم ندرة الكهرباء في البلاد، حيث تعرفوا عبرها على الكثير من الأحداث الرياضية والفنية والثقافية في العالم.

ومع ذلك، لم تكن تحظى بشعبية لدى المسؤولين دائمًا، خاصة عندما بدأت في فضح الفساد. وأوضح محسني بعض تفاصيل "المواجهات" حتى مع الحكومات التي كانت مدعومة من الغرب في عهد الرئيسين حامد كرزاي وأشرف عبد الغني. 

وقال إن "أصعب يوم بالنسبة له كان في العشرين من يناير 2016، عندما استهدف انتحاريون من طالبان مقر المحطة"، مضيفا: "لقد كان لقاء الأسر التي فقدت أحباءها ومواساة موظفينا ومدى الصدمة التي تعرضوا لها، أمرًا مؤلمًا".

"المسمار الأخير في النعش".. طالبان تكمم أفواه الأفغانيات يثير قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الذي أصدرته حركة طالبان، أواخر الشهر الماضي، مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان في البلاد، إذ يمثل بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، المسمار الأخير في نعش أحلام وطموحات النساء الأفغانيات.

ثم جاء الخامس عشر من أغسطس 2021، عندما سقطت كابول في أيدي طالبان، وكان محسني خارج البلاد، لكن كان على مسؤوليه التنفيذيين اتخاذ القرار بشأن البقاء على الهواء أو التوقف عن البث.

واستطرد: "كان الأمر صعبًا.. فقدنا الكثير من موظفينا وكان الناس يغادرون كل يوم وكل ساعة". وقد فر حوالي 150 شخصًا.

ونوه محسني بأن قناته ليس لديها مذيعات فقط، بل إنها عرضت مؤخراً سلسلة عن رائدات أعمال، "وهي واحدة من أكثر برامجنا مشاهدة هذا العام، حيث بلغ عدد مشاهديها أكثر من 20 مليون شخص".

وتابعت إحدى الحلقات قصة 4 شابات أفغانيات لم يستطعن الالتحاق بالجامعة بعد الحظر الذي فرضته طالبان، حيث لجأن إلى إنشاء مشروع تجاري صغير يعتشن منه.

وأشار محسني إلى أنه بدأ في تنفيذ برامج تعليمية موسعة لجميع الفتيات الممنوعات من الذهاب إلى المدارس، مبديا حرصه على عدم كشف الكثير من التفاصيل بهذا الشأن. 

المصدر: الحرة

إقرأ أيضاً:

المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني بين نهوض الهوية وتحدي الاستعمار

الكتاب: المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني
المؤلف: حنان عسلي شهابي.
الناشر: دار منشورات الرمال، 2016م
الصفحات: 412 صفحة


إن سجل تاريخ المرأة الفلسطينية ضمن النسيج العام لتاريخ فلسطين، لا في المجالين السياسي والوطني فقط، بل أيضاً في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ذو أهمية بالغة لما له من أثر في إعطاء المرأة ما تستحق من تقدير غفل عنه كثيرون، تقول الشهابي: "ما دفعني إلى العمل على متابعة نشاطات المرأة الفلسطينية في تلك الفترة، وتسجيلها هو إهمال التاريخ المكتوب عنها، فلا ترى إلا مقتطفات صغير هنا وهناك تم التطرق فيها إلى دور المرأة.. لأن ما سجل عن تاريخ تلك الفترة هو تاريخ الرجل الفلسطيني، ولم يكن للمرأة فيه نصيب يذكر".

كان على المرأة في ذلك الوقت أن تخوض معركتين: الأولى ضد تقاليد المجتمع التي كانت تحرمها حقوقها الاجتماعية، والثانية: وهي الأهم تتمثل في معركتها ضد عدو البلد الأساسي، ويشمل المستوطنين الصهيونيين والإدارة البريطانية التي حكمت فلسطين، وهي وإن اختارت أن تؤجل المعركة الأولى لتعطي الثانية الأولوية بحكم الأوضاع، إلا أن مشاركتها السياسية أدت إلى انطلاقها الاجتماعي بالتدريج.

استخدمت المرأة كل ما توفر لها من وسائل، وما لديها من قوة وعزم لمقاومة احتلال أرضها، حتى أنها أضحت في طليعة المعركة بعد أن بات الخطر يتهدد حياتها ومعيشتها، وكان أمام المرأة الفلسطينية عدة خيارات: إما أن تنغلق على نفسها في عالمها الخاص متجاهلة ما يحدث حولها، وإما أن تدفع أفراد عائلتها من الرجال نحو المقاومة والكفاح، وإما أن تقوم بالمشاركة الفعلية في الحركات الشعبية، وتنظيم النشاطات النسائي المتعددة لمساعدة المناضلين والثوار المدافعين عن الوطن(ص15).

كان على المرأة في ذلك الوقت أن تخوض معركتين: الأولى ضد تقاليد المجتمع التي كانت تحرمها حقوقها الاجتماعية، والثانية: وهي الأهم تتمثل في معركتها ضد عدو البلد الأساسي، ويشمل المستوطنين الصهيونيين والإدارة البريطانية التي حكمت فلسطين، وهي وإن اختارت أن تؤجل المعركة الأولى لتعطي الثانية الأولوية بحكم الأوضاع، إلا أن مشاركتها السياسية أدت إلى انطلاقها الاجتماعي بالتدريج.في الواقع إن جذور طرح قضية المرأة في فلسطين لم تكن ناتجة من صراعات اجتماعية داخلية كما حدث في الغرب، لأن احتلال الأرض بالقوة والعنف جعلا التناقض الأساسي موجوداً بين الشعب بكل فئاته وشرائحه وبين قوات الاحتلال البريطاني والصهيوني، وأصبح وجود التناقضات الاجتماعية والطبقية أقل أهمية، فكل المنظمات النقابية والنسائية والطلابية جندت للكفاح الوطني، فلا عجب إذن من أن تكون الصلة بين المرأة الفلسطينية والوضع السياسي في فلسطين دائماً وثيقة، فكانت ومازالت أكثر نساء العالم انغماساً في السياسة، واخذت على عاتقها قضية الاستقلال الوطني على جدول أولوياتها، أما قضايا حقوق المرأة ونضالها من أجل التحرر والمساواة فطرحت كرافد من روافد السياسة، تحققها من خلال مشاركتها النضالية.

من مجمل الكتاب تستطيع أن نرى أن حياة المرأة الفلسطينية في تلك الفترة كانت سلسلة من الكفاح على المستويات كافة والواقع أن المرأة منذ بداية القرن العشرين، بدأت تستفيق من سباتها بالتدريج، فالتحقت أفواج من الفتيات بالمدارس، وأخذت المرأة تدخل مجال العمل في التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية، وظهرت بوادر نهضتها الثقافية، كما تحركت اجتماعياً عندما لمست ما كان يعانيه شعبها من مظاهر الفقر والعوز، فهبت لتأسيس الجمعيات الخيرية بالعشرات لمساعدته في التغلب على صعاب الحياة.

الواقع الاجتماعي للمرأة الفلسطينية

يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني ثلاث صور متنوعة: الأولى صورة الإنسانة المقموعة المتخلفة التي تعيش في عالمها الخاص؛ الثانية صورة المرأة الريفية الكادحة المرهقة من أعباء الحياة؛ ثالثة، صورة سيدة من العائلات الكبيرة نشيطة في الحق الاجتماعي، لكنها بعيدة عن هموم سائر النساء من الطبقات الأخرى، "ليعلم الوجهاء الذين يفكرون في عمل أي شيء نافع للبلاد، وفي إقامة بناء جديدة للوطنية أن كل بناء لا يكون قائماً على أساس تربية الفتاة والمرأة فأساسه يكون على الرمل".

كتبت الشاعرة فدوى طوقان عن وضع نساء عائلتها في نابلس في ثلاثينات القرن الماضي " فالعالم الخارجي كان تابو محرماُ على نساء العائلة فلا نشاطات اجتماعية ولا اهتمامات سياسية كانت أمي واحدة من أعضاء جمعية خيرية نسائية، ولكن هذا لم يغير من الصورة شيئاً، فقلما كانت تشترك في اجتماعات الجمعية، ولم يسمح لها بالسفر لحضور المؤتمرات النسائية كغيرها من أعضاء الجمعية، ولم يسمح لها قط بالمشاركة في السير في مظاهرة نسائية، فتقاليد العائلة لم تسمح بهذا مطلقاً".

دور البريطانيات المشبوه في تشويه صورة المرأة الفلسطينية:

يقول فرانز فانون في كتابه "البؤساء في الأرض": "إن المستعمر يعتبر أن الشعوب التي يستعمرها لا تملك أي قيم أخلاقية، لذلك فإن واجبه يقتضي أن ينقل إليها قيمه ومبادئه لينقذها من براثن الجهل والتخلف"، وهذا ينطبق تماماً على نظرة بريطانيا إلى الشعب الفلسطيني، وإلى المرأة الفلسطينية بالذات، فتعتبر بريطانيا أن ميزان التقدم الاجتماعي للمرأة هو مدى تخليها عن اللباس التقليدي وبعهدها عن ثقافتها الأصلية، لتصبح شبيهة بالمرأة الأوروبية من حيث المظهر والثقافة، وقد أدت النساء البريطانيات دوراً فعالاً في تثبيت أقدام الاستعمار الإنجليزي ومساعدته في تحقيق أطماعه في فلسطين، فقمن بشن غزو ثقافي على الشعب الفلسطيني في محاولة للتلاعب بمفاهيمه وتطويعه للاقتناع بثقافتهن وقيمهن، إذ كن في الواقع الواجهة الأمامية لهذا الاستعمار.

إن المستعمر يعتبر أن الشعوب التي يستعمرها لا تملك أي قيم أخلاقية، لذلك فإن واجبه يقتضي أن ينقل إليها قيمه ومبادئه لينقذها من براثن الجهل والتخلف..اتفق كثير من المفكرين على أن مقياس تقدم أي مجتمع أو تأخره يرجع بالضرورة إلى وضع المرأة فيه، ومدى ما تتمتع به من مكانة محترمة، وأكد المفكر الفلسطيني هشام شرابي في كتابه" مقدمة لدراسة المجتمع العربي" أن تحرير المرأة من العبودية شرط من شروط القضاء على التخلف ورأس حربة التغيير الاجتماعي والثقافي".

تحاملت الكاتبة البريطانية ماري إليزا روجز على المرأة الفلسطينية قائلة: " الأمل الوحيد بتقدم المرأة الفلسطينية يعتمد على مدى استفادتها من التعليم الذي يقدم الإنكليز لها ومدى اطلاعها على الثقافة البريطانية"، وردت الكاتبة الفلسطينية متيل مغنم عام 1936م على مثل تلك الادعاءات " تعتقد النساء الانكليزيات أن المرأة العربية غير مثقفة، وأنها تعرف اللغة العربية فقط، وتلبس الحجاب وتهرب عند مشاهدة الرجال..."   

السياسة التعليمية البريطانية

كانت سياسة حكومة الانتداب في فتح المدراس تقوم على التمييز المبنى على ثلاثة مستويات: أولها: التمييز بين عدد مدارس العرب وعدد مدراس اليهود؛ ثانيها التمييز بين عدد مدارس الإناث ومدراس الذكور؛ ثالثها: التمييز بين مدارس المدن ومدراس القرى، وبذلك فإن الفتاة العربية الريفية المسلمة كانت الأقل حظاً في التعليم " مما يؤكد سياسة التمييز التي اتبعتها حكومة الانتداب أيضا أن نسبة الذين حرموا التعليم من أطفال اليهود سنة 1944م، لم يتجاوز 3%بينما بلغت نسبة أولاد العرب المحرومين منه 67.5%، وكانت استراتيجية التعليم الحكومي تهدف في الأساس إلى إبقاء البنية التحتية المتخلفة للمجتمع العربي الفلسطيني كما هي، وعدم احداث أي تحولات اجتماعية من شأنها أن تخلخل هذه البنية التي كانت تقوم على أساس تقسيم المجتمع إلى طبقات متفاوتة في الدخل والثقافة والوضع الاجتماعي، وكان هدف التعليم عند بريطانيا هو تحسين وضع الفرد مع إبقاء السيطرة على الوضع الاجتماعي كما هو، فهدفهم ايجاد طبقة من الموظفين يعرفون القراءة والكتابة، وإلى عمال كادحين لا يمكن استغلالهم إلا إذا كانوا جهلة جهلاً مطبقاً(ص67).

بدأ النشاط الثقافي النسائي في فلسطين في الثلث الثاني من القرن التاسع عشر، إذ ظهر في بعض المدن الفلسطينية عدد من النشاطات النسائية المتفرقة، كفرقة الكرمل التمثيلية التي استطاعت القيام بأدوار رواية هملت المعقدة، ونجحت فيها كأسماء خوري وثريا أيوب، وفي أواسط العشرينات من القرن الماضي نجحت السيدة أسمى طوبي في خوض الكتابة المسرحية بمسرحية" مصرع قيصر روسيا وعائلته" ونشرتها في عكا، ومثلت في فلسطين ثلاث مرات، وفي لبنان تسع مرات.

ظهرت في القدس الصالونات الثقافية والسياسية التي انتشرت في بيوت النخبة، وكانت تجمع المثقفين والكتاب والسياسيين، ومن تلك الصالونات منزل جورج أنطونيونس، مؤلف كتاب يقظة العرب وزوجته كيتي، وكانا يقيمان بقصر المفتي الحاج أمين الحسيني في حي الشيخ جراح وأنطونيونس من أصل لبناني، وزوجته ابنة فارس نمر صاحب صحيفة المقطم اليومية القاهرية، وبالإضافة إلى دور الاثنين السياسي، وتأثيرهما البالغ في الحاج أمين الحسيني، فإنهما أديا دوراً في صنع المشهدين الثقافي والسياسي المقدسي والفلسطيني في عصرهما، ومثل جورج أنطونيونس الشخص المختار الذي قام بدور الجسر الخاص كي يعبر من فوقه العرب إلى الانجليز، ويمر من فوقه الإنجليز إلى العرب(ص121).

وعلى الرغم من ذلك فكان لكيتي دور إنساني، إذ أنشأت مؤسسة لإيواء الأطفال الفلسطينيين ضحايا المجازر الصهيونية في دير ياسين عام1948، وأطلق على هذه المؤسسة اسم دار الأولاد، وساعدها في تأسيسها عدد من أبناء القدس العاملين في الشؤون الاجتماعية مثل: سلطانة حلبي مفتشة دائرة العمل آنذاك، والسيد كنترفيتش من غزة مدير القسم الداخلي في الكلية العربية بالقدس، أما إيرادات الدار فجمعت من تبرعات المحسنين، وإذا حجز عجز كانت السيدة أنطونيوس تسده من مالها الخاص، وعاش المشروع عدة سنوات حتى قررت كيتي التنازل عنه فجأة بداعي السفر، ولعلها أحست بقرب وقوع كارثة عام 1967م.

الدور السياسي للمرأة في عهد الانتداب:

تقول متيل مغنم:" نحن نود أن نعلن للعالم أجمع، شرقه وغربه، أنه على الرغم من هذه الإدارة الاستعمارية، فإننا سنواصل العمل يداً بيد كي نحصل على حقوقنا الوطنية، لقد بات معروفا الآن تماما أن الاستقلال يؤخذ ولا يمنح، وأن كفاح أي أمة للحصول على حقوقها المنتهكة، واستعادة سيادتها المغتصبة لا بد أن يؤتي ثماره"، كان من البديهي أن تصبح السياسة جزءاً لا يتجزأ من حياة المرأة الفلسطينية منذ بداية عهد الانتداب البريطاني حتى يومنا هذا، بدأت الجمعيات النسائية في فلسطين بالظهور مطلع القرن العشرين، بين صفوف الطبقتين العليا والمتوسطة في المدن اللواتي كن يتمتعن بقليل من الحرية، وبقدر كاف من التعليم، وكان الهدف من تأسيس تلك الجمعيات هو المساهمة في العمل الخيري والإنساني، والنهوض بالمجتمع ككل، فكانت أقدمها الجمعيات الأرثوذكسية جميعة خيرية نسائية في عكا عام 1903م، وهي جمعية إغاثة المسكين الأرثوذكسية، لمساعدة الأسر المعوزة، وتجهيز الفتيات الفقيرات من بنات الطائفة الأرثوذكسية بما يلزمهن للزواج.

أسست السيدتان زليخة الشهابي، وكاميليات سكاكيني نواة أول اتحاد نسائي فلسطيني في القدس عام 1921م، وكان تعاون هاتين السيدتين رمزاً للتأخي والإسلامي المسيحي، وعنى هذا الاتحاد برفع مستوى المرأة فاتجه الى حقل التعليم والتدريب، وأخذ منحى وطنياُ فبدأ يشارك في التظاهرات ضد الانتداب البريطاني، والوقوف في وجه الاستيطان الصهيوني، أما الحركة النسائية الفلسطينية الفعلية، فقد بدأت بعد المؤتمر النسائي الفلسطيني الأول، إذ تم تأسيس جمعية السيدات العربيات في القدس عام 1929م، التي ما لبثت أن فتحت فروعاً لها عمت معظم مدن فلسطين كيافا والناصرة وعكا ونابلس وحيفا وغزة ورام الله، وامتدت إلى انحاء فلسطين كلها" لم يكن للحركة النسائية رؤية واضحة عن مستقبل البلد السياسي، لكنها اتبعت ما تقرره القيادة الوطنية للرجال بهذا الشأن، ومع ذلك فقد سعت لترسيخ المفهوم القومي لدى الفلسطينيات من خلال تعميق ارتباطاتهن بالحركات الثورية العربية العالمية،" وأخذ على تلك الجمعيات أنها اعتمدت على نساء من شريحة اجتماعية ضيقة لم تعان ما تعانيه المرأة العادية جراء شتى أنواع الاضطهاد، وأطلق على هذه الفئة من السيدات لقب سيدات المجتمع، فالنساء القرويات لم يكن لديهن لا الوقت ولا الرغبة في الانضمام إلى الجمعيات لانشغالهن بالعمل المرهق في البيت والحقل(ص167).

لا بد لنا أن نعترف بأن نضال المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني خلق جيلاً جديداً من النساء كسر حاجز الخوف، وانطلق ليبني نهضة نسائية متسلحاً بالإرادة والتصميم، وكان يؤمن بالوطن والمواطن ويعمل من أجلهما، وأرسى ما قدمت به المرأة من دور إيجابي قاعدة متينة بنت عليها الأجيال النسائية فيما بعد، ويكفي أن ندرك قيمة العمل الذي قامت به هؤلاء النسوة عندما نتخيل الوضع لو لم يكن لهن أي نشاط قط!.ليس أدل على أهمية الدور الذي قامت به المرأة الفلسطينية أثناء ثورة عام 1936م، من إشارة موشيه شاريت في يومياته 22/7/1936م، إلى مشاركة النساء العربيات الشابات في نشاطات الثورة بقوله:" إن هذه المشاركة اكسبت الثورة الفلسطينية طابعاً ثورياً "، وكتب المؤرخ السويدي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط تيد سويدنييرغ أهمية دور المرأة الريفية في المقاومة" إن دور المرأة كان أساسياً لتمكين الثوار من الاندماج في سكان الريف، والاستمرار في المقاومة المسلحة، والفرار من الكشف والاعتقال"(ص203).

الواقع أن النشاط النسائي الفلسطيني في تلك الفترة تمثل في نشاط فئتين مختلفتين من النساء قامت كل فئة منهما بدورها الوطني بطريقتها الخاصة، فكان دور الفئة الأولى: فئة نساء المدن اجتماعياُ وسياسياً، بتنظيم سلسلة من التظاهرات التي نددت بالإجراءات العنيفة التي مارستها الحكومة من اعتقالات وقتل ونسف بيوت وعقاب جماعي، وكانت الحكومة البريطانية تخشى التظاهرات النسائية، وتحاول اقناع الرجال العرب بالتدخل لمنعها، لحرص الانجليز على عدم تجاوز الحدود الأخلاقية ضد مهاجمة النسا، أما دور الفئة الثانية من نساء القرى تموينياً وعسكرياً مسانداً .

تشير متيل مغنم في خطاب ألقته من أمام مسجد عمر في القدس عام1933م " إننا نرى أمامنا ظلال إبادتنا الكاملة كشعب، وطردنا من أرضنا التي عشنا عليها نحن وآباؤنا وأجدادنا قروناً عديدة، ومع ذلك لم نفقد الأمل... ونحن نقف بوقار في مسجد عمر بن الخطاب، الفاتح العربي الكبير، لنسترجع لبرهة ماضينا ولنستمد من تاريخنا المجيد درساً لمستقبلنا وحافزاً لكفاحنا الوطني"، ما توقعته متيل مغنم من تشريد وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه تحقق فعلاً بعد خمسة عشراً عاماً، وتم تمزيق أوصال المجتمع الفلسطيني بكامله، ولا شك في أن نجاح هذه السيدة في استشراف المستقبل في تلك الفترة المبكرة من تاريخناً، يظهر مدى حكمتها.

أما موقف القيادة السياسية من الرجال من الحركة النسائية فكان محصوراً في تشجيع المرأة على القيام بدورها التقليدي ضمن أطر وأشكال تنظيمية خاصة بها، وليس أدل على تفوق وفعالية المرأة في الحركة النسائية عن فعالية الرجل في الحركة الوطنية، هو أن الصحف، عندما عقدت مقارنة بين الحركتين، كانت باستمرار تمدح الأولى وتنتقد الثانية، وقد كتب أحد كتاب أنها خلال ثورة عام 1936 -1939م، أرسلت النساء برقيات احتجاج على السياسة البريطانية تفوق كثيراً تلك التي أرسلها الرجال، كذلك قارون بين تظاهرات النساء في حيفا التي وصلت إلى مركز الحكومة، بينما لم تتمكن تظاهرة الرجال من تخطي عتباته، بل أن نساء حيفا وجهن رسالة إلى الرجال ليتحدوا، ولما وصلت الرسالة غضب أحد الرجال غضباً شديداً ودعا إلى معاقبة النساء، وفعليا كان تلك السيدات الوحيدات اللواتي يرفعن أصواتهن ضد الحكومة، بينما كان الرجال يجتمع بحاكم المقاطعة في حكومة الانتداب البريطاني ( ص259).

لا بد لنا أن نعترف بأن نضال المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني خلق جيلاً جديداً من النساء كسر حاجز الخوف، وانطلق ليبني نهضة نسائية متسلحاً بالإرادة والتصميم، وكان يؤمن بالوطن والمواطن ويعمل من أجلهما، وأرسى ما قدمت به المرأة من دور إيجابي قاعدة متينة بنت عليها الأجيال النسائية فيما بعد، ويكفي أن ندرك قيمة العمل الذي قامت به هؤلاء النسوة عندما نتخيل الوضع لو لم يكن لهن أي نشاط قط!.

مقالات مشابهة

  • فائدة غير متوقعة لـ”فيتامين الشمس”
  • تكريماً للقيادات السابقة..أخنوش يزور وجوهاً تجمعية بارزة بجهة سوس ماسة
  • وليد صلاح الدين: ضيق الوقت حرم الأهلي من الظهور الأفضل بمونديال الأندية
  • طالبان يبتكران نظامًا ذكيًا لرصد مخالفات المسار الطارئ في المملكة .. فيديو
  • المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني بين نهوض الهوية وتحدي الاستعمار
  • دراسة: الأطعمة الحارة تسهم في تقليل الشهية
  • دبلوماسي إيراني يكشف حقيقة إصابة محطة بوشهر النووية بقصف إسرائيلي
  • أخصائية تكشف: هذه أبرز الأسباب الخفية وراء تأخر الحمل .. فيديو
  • الظهور الأول لـ مرموش في كأس العالم للأندية قبل مواجهة الوداد ..شاهد
  • الظهور الأول لـ عمر مرموش في كأس العالم للأندية قبل مواجهة الهلال..شاهد