سودانايل:
2025-05-21@01:40:55 GMT

الكتابة في زمن الحرب (44): الخروج من جلباب الماضي

تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT

"السعادة ليست هروبا من الواقع ومآسيه إنما التحرر من تأثيره فينا وسيطرته علينا …. والسعادة هي في الحياة الواقعية لأن الإفراط في التفكير بمستقبلنا يهدم لذة الاستمتاع بحاضرنا"
برتراند راسل

طاف بخاطري هذا النص وانا استمع الي أرسله الصديق د عبد الباقي احمد في احد الوسائط الاجتماعية لاشهر اغنية كنا نسمعها ايام الشباب الناضر، والأغنية ياسادتي واحدة من احد الافلام الهندية الرومانسية والتي عمّت دور السينما في السودان والفيلم هو، من اجل أبنائي ولا اخفي عليكم ان الروح حنت الي ذلك الماضي الجميل الذي كان له اثر كبير في حياتنا وهنا نطت (النوستالجيا) وحكمت على ان أتمايل طرباً مع الموسيقى اما كلمات الاغنية فقد نحتاج الي قوقل لترجمتها.

.
من اجل ذلك وفي كثير من الأحيان، نجد أنفسنا مغرمين بالماضي، ليس فقط تقديرًا لما أنجزته الأجيال السابقة، بل لأن الماضي يحمل جزءًا من هويتنا وتجاربنا المشتركة. قد يتساءل البعض: هل نحن مغرمون بالماضي لأننا لم نستطع أن نفعل شيئًا لحاضرنا؟ أم أن هناك دائمًا جديدًا نطوره وقديمًا ندرسه لنأخذ منه العبر؟..هذا التساؤل يعكس العلاقة المعقدة بين الماضي والحاضر والمستقبل.

لو تأملنا سنجد ان الميل إلى الماضي قد يكون نتيجة شعور بعدم الرضا عن الحاضر أو رغبة في البحث عن الأمان في فترات مضت، لكن البقاء في جلباب الماضي يعوق قدرتنا على المضي قدمًا. إن إغراق أنفسنا في الحنين يمكن أن يكون عائقًا أمام تطوير الحاضر وتوجيه نظرتنا إلى المستقبل. فالماضي، مهما كان عظيمًا، لا يجب أن يصبح سجنًا نقبع فيه، بل منصة ننطلق منها نحو الأفضل.

المثل القائل “ليس في الإمكان أبدع مما كان” يعبر عن رؤية ترى أن الماضي قد بلغ ذروته وأنه لا يمكن تجاوز ما تحقق. ولكن هذا القول يعكس نوعًا من التفاخر غير المبرر والتشبث بإنجازات الماضي دون إدراك أن المستقبل يحمل في طياته إمكانيات جديدة. “لكل زمان رجال، ولكل حال مقال”، وهذا يذكرنا بأن لكل عصر تحدياته وفرصه، ويجب على كل جيل أن يخرج من جلباب الماضي ليواجه حاضره ويبدع في مستقبله.

التمسك بفكرة أن “ليس في الإمكان أبدع مما كان” قد يكون حجر عثرة أمام التقدم، إذ يُغلق الباب أمام التفكير في طرق جديدة للتطوير. إن التاريخ مليء بالأمثلة التي اعتُبرت في وقتها قمة الإنجاز، لكنها تحولت فيما بعد إلى نقطة انطلاق نحو ما هو أعظم.

التحدي الحقيقي لا يكمن في دراسة الماضي واستخلاص العبر منه فحسب، بل في قدرتنا على الخروج من جلباب الماضي. علينا أن نؤمن بأن الابتكار والتغيير جزء من الطبيعة البشرية، وأن النظر إلى المستقبل بعيون منفتحة على الاحتمالات الجديدة هو السبيل لصنع غدٍ أفضل. الإبداع لا يقف عند حدود زمن أو جيل، بل يستمر ويتجدد مع كل حقبة جديدة. وما كان يعتبر “أفضل ما يمكن” في الماضي، قد يصبح بداية جديدة لمستقبل أكثر إشراقًا.

إذا أردنا التقدم فعلينا أن نتعلم من الماضي، لكن دون أن نقع في فخ الجمود. المستقبل ينتظر من نمتلك الجرأة على الخروج من ظلال الماضي وإعادة صياغة الحاضر بطرق جديدة وإبداعية. فالحاضر يحمل فرصًا أكبر، وكل جيل له دور في صياغة إرثه الخاص، الذي يتجاوز ما كان ويصنع ما يمكن أن يكون.

لهذا يجب علينا، كأفراد ومجتمعات، أن ننظر إلى الماضي باعتباره مصدرًا للحكمة والتعلم، لا كعائق يمنعنا من النظر إلى الأمام. علينا أن ندرك أن كل جيل يمتلك القدرة على الإبداع والتجديد، وأن الحاضر مليء بفرص لا يمكن رؤيتها إلا بالتحرر من قيود الماضي.

الخروج من جلباب الماضي لا يعني إنكار ما كان، بل يعني تقديره والانطلاق منه نحو مستقبل مليء بالإمكانيات. فكل يوم يحمل معه فرصة جديدة لإعادة النظر فيما كان وإبداع ما لم يكن. والذين يدركون هذا هم من يستطيعون تحويل تحديات الحاضر إلى إنجازات تُلهم الأجيال القادمة، وتُحقق ما كان يُعتقد في الماضي أنه “غير ممكن”.

في النهاية، علينا أن نلتزم بالتوازن بين دراسة التاريخ والاستفادة من دروسه، وبين التطلع نحو المستقبل بروح من الإبداع. فالحياة ليست مجرد استمرارية للماضي، بل هي رحلة مستمرة نحو آفاق جديدة، تتشكل فيها أحلامنا وطموحاتنا. وبذلك، نستطيع أن نصنع مستقبلًا يُشرق بالإنجازات، وينبض بالحياة.ونقول إن كل خطوة نخطوها نحو المستقبل، يجب أن تكون مدفوعةً برغبة في الإبداع، وبتصميم على تجاوز ما كان، وبتفاؤل لما يمكن أن نحققه معًا.

عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة

osmanyousif1@icloud.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الخروج من علینا أن ما کان

إقرأ أيضاً:

الاستبانة وأسباب خروج بعض المستثمرين (2)

أكمل مع التحية لوزارة التعليم ما بدأته في مقال الأسبوع الماضي حول الاستبانة الذي طرحته الوزارة وتم إرساله من قبل إدارات التعليم للمستثمرين الذين أغلقوا أو توقفوا وربما من يعتزمون الخروج وتوديع الميادين التعليمية نهاية هذا العام للأسف. ومع تقدير جميع المستثمرين والمستثمرات لاهتمام الوزارة ممثلة في إدارات التعليم، هل سيجد المتضررون مبادرة نتيجة للاستبيان ووقوفاً يساهم في عودة من يريد العودة منهم؟ أعتقد هنا المحك الحقيقي لموقف الوزارة إذ لا يمكن أن يكون دور التعليم هو دور المتفرج على انهيار وضع ما في مدرسة أو روضة ما. فالوزارة مع مؤسساتها الحكومية لها موقف مختلف، ودعوني أضرب مثالاً واقعياً واحداً حيث صدر أمر إخلاء على مدرسة أهلية، وكان الوضع صعباً جداً في إيجاد مبنى آخر أو مستودع لنقل الأثاث، لكن التنفيذ أصرَّ وتم الإخلاء وبيع الأثاث الذي كان ذا جودة وقيمة عالية بأبخس ثمن. علماً بأن صاحب المبنى لم يكن محتاجاً للمبنى ولا أنه داخل في إزالة. ونفس الأمر صدر على مدرسة حكومية حسب رواية صاحبها، إلا أنه لم ينفذ الإخلاء وطلب التعليم تمديد البقاء في المبنى لفترة سنوات حتى يتم توفير مبنى تعليمي. فالتعليم تدخل هنا ولم يتدخل هناك، وأنا حقيقة أرى أوامر التنفيذ بإخلاء المرافق الهامة كالمدارس والمستوصفات لا تؤخذ بنظام (خذوه فغلوه)، لأن إخلاءها تترتب عليه خسائر فادحة تعليمية تربوية واقتصادية في ظل الوقوف السلبي للإدارات المعنية. نحن هنا لا نريد ضياع حق أحد أو ننكر عليه المطالبة بحقه إنما أردت قول إن هناك ظروفا تحكم المواقف وتستخدم فيها وسائل لا تسبب انهيارا لأحد فالمدارس والمستوصفات جهات خدمية للمجتمع مثل هذه الأحكام تدمر المصالح الخاصة والعامة. وكما تحمي وزارة التعليم مؤسساتها الحكومية فلتقف موقفاً عادلاً مع الأهلية، لكن ما يلاحظ على وزارتنا الموقرة بإدارات التعليم هو المطالبات البيروقراطية وتحميل المدارس الأهلية بأعباء لا طائل من ورائها. ولا زالت الروضات الحكومية بفصول لا يقل عدد طلابها أو بالأحرى الأطفال فيها عن ٣٥ طفلا وربما أكثر ولو طبقت الروضات الأهلية ما يطبق في الحكومي، لتمت المتابعة والتدقيق علماً بأن غالبية أصحاب وصاحبات المدارس الأهلية على مستوى من الوعي والحرص والرغبة في مواكبة التقدم ورؤية ٢٠٣٠ لكنهم واقعون ضمن القيود وإلا فلماذا لا تكون وسائل وطرق التعليم والمناهج تحت مسؤولية المدارس ضمن إطار لا يخرج عن الدين والقيم ولا الولاء والانتماء للوطن والقيادة مناهج حيوية متنوعة جذابة تتعاطى مع المواهب والميول حتى تكون المدارس الأهلية متنوعة التعليم في زمن لم يعد التعلم والتعليم داخل إطار (خذ ونفذ).
أنا هنا، كأنني سرحت عن الاستبيان بحرية المناهج (فاعذروني) لأن مساحات الحرية التربوية التعليمية في المدارس الأهلية عامل جذب وتنمية يخدم المجتمع بشكل عام . وبالعودة للاستبيان، فما ذكرته أعلاه عن قضايا التنفيذ هو موضوع لابد أن تنظر وزارة التعليم بعمق لسلبياته السيئة على المدارس وتوجد له حلول مع وزارة العدل. وأيضاً ماذا تقول وزارتنا العزيزة عن إيقاف تجديد التراخيص والسجلات التجارية؟ ماذا تقول عن إيقاف حساب رسمي للمؤسسة التعليمية؟ ماذا تقول عن أهم تحدي يواجه من غادروا ويريدون ومن هم صامدون رغبة في تكملة الرسالة وخدمة الوطن ألا وهو تحدي الديون؟ ماذا تقول الوزارة لمن يريدون العودة ويؤيد المجتمع عودتهم لجودة التربية والتعليم لديهم لكنهم يصطدمون بوقف وقيد لا يمكنهم من المواصلة، وتسديد الديون، تنطبق عليهم حكاية (من قيدوه وألقوه في البحر فكيف يسبح؟).
أمثال هؤلاء كيف يخرجون من نفق التأمينات وبنك التنمية والإيجارات وحقوق موظفات إذا لم تنتعش مؤسساتهم بموقف من الوزارة بفتح الأبواب أمامهم حتى تسترد منشآتهم عافيتها وتتمكن من الخروج من التراكمات المالية. الاستبيان ركز على المتضررين من جائحة كورونا وما تلاها من قرارات ومواقف جعلت الخروج خياراً أولياً مع كراهته فلم يخرج إلا متضرر ولا ينوي الخروج إلا محبط ومن خاب ظنه في القرارات والأنظمة واستحداث الآليات والبرامج والمنصات التي ركزت على استنزاف المستثمر في التعليم أكثر من التركيز على جودة التعليم! كما ذكرت الحديث عن التعليم عموماً والتعليم الأهلي خصوصاً ذو شجون وهموم وغايات ومطالب وكلما تقبلت الوزارة ما يقال ويطرح ليس من المنتمين إليها مع احترامي لهم، بل من المتعايشين في الميدان كلما استطاعت الوصول بشكل أصدق وأسرع لتحقيق أهداف الرؤية. لم نكتف. كيف نكتفي ونحن نتحدث عن التعليم حديث جميل موجع في ذات الوقت؟
لنا لقاء قادم بمشيئة الله لنستكمل، ودمتم.

almethag@

مقالات مشابهة

  • آبل تعتزم تحسين دعم الكتابة بالخطوط العربية في iPadOS 19
  • لجنة الدراما بالأعلى للإعلام تقترح إطلاق مبادرة لدعم المواهب في الكتابة الدرامية
  • الحرب في أوكرانيا.. بريطانيا تعلن عقوبات جديدة على روسيا
  • تستهدف أسطول الظل.. الاتحاد الأوروبي يقر حزمة عقوبات جديدة على روسيا
  • غزة بين الحرب والنزوح الجماعي: إسرائيل تُخفف قيود الخروج وسط تحذيرات من "نكبة جديدة"
  • دبلوماسي فرنسي: لهذا يجب علينا أن نقترب من تركيا أردوغان
  • 8 متاحف إيرانية جديدة لتخليد ذكرى الحرب مع العراق
  • الاستبانة وأسباب خروج بعض المستثمرين (2)
  • وزير دفاع باكستان: لن نبدأ بمواجهة نووية.. وسنرد بالمثل إذا فُرضت علينا
  • رئيس الشيوخ: الشباب هم شركاء حقيقيون في بناء الحاضر.. وليسوا فقط أمل المستقبل