سمحت الرقابة العسكرية في إسرائيل بنشر معلومات جديدة عن عملية اغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله، ويتضح منها أن البلاغات عن مكان وجوده ومسارات تحركه، وصلت إلى تل أبيب قبل بضعة أيام من اغتياله، فاتُّخذ القرار على أعلى المستويات، وتم تنفيذه بـ14 غارة على العمارات التي دخل أنفاقها، واستهدفت حتى مخارج النجاة الممكنة.

واستمرت أياماً عدة حتى تمنع أي عملية إنقاذ له أو لمرافقيه.

وتشير مصادر أمنية في تل أبيب إلى أن ملاحقة نصر الله لاغتياله بدأت في «أمان» (شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي) و«الموساد» بُعيد حرب 2006، لكن القرار السياسي لم يُتخذ بهذا الشأن في حينه. وتقرر فقط تتبع آثاره، حتى يتم العثور على الفرصة. فعندما تحين، يجري التداول في الموضوع.

وعندما قرر نصر الله الانضمام إلى «حماس» فيما سماه «حرب مساندة غزة»، بدأت تتقدم خطة الاغتيال، ولكن تقرر أن يتم تضليله، وغرس الفكرة لديه بأن إسرائيل لا تنوي توسيع الحرب معه.

وفي حينه، حرص «حزب الله» من جهة وإسرائيل من الجهة الأخرى على إبقاء الحرب محدودة. كل منهما يظهر للآخر أنه لا ينوي استخدام كل أسلحته ضد الآخر. وهكذا بدأت عملية التضليل تفعل فعلها، إلى أن قامت بتوسيع الحرب والهجوم البري على لبنان.

ويتضح أن التصعيد الإسرائيلي تقرر في 16 سبتمبر 2024، عندما أعلن عن فشل جهود المبعوث الأميركي آموس هوكستين لثني «حزب الله» عن مساندة غزة والتوصل إلى اتفاق لوقف النار، وذلك لأن «حزب الله» رفض المطلب الإسرائيلي بفك الارتباط مع القتال في غزة.

وأعلن رئيس الوزراء، بنيامين بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، في حينه، يوآف غالانت، أن إعادة سكان الشمال الإسرائيلي غير ممكنة إلا إذا تمت عملية اجتياح بري للبنان. وفي 17 سبتمبر، قرر المجلس الوزاري الأمني المصغر في الحكومة (الكابنيت) إطلاق خطة الاجتياح. كما قرر نتنياهو، بعكس رغبة الجيش، تفعيل خطة تفجير أجهزة الاتصال (البيجر)، وفي اليوم التالي تفجير أجهزة اللاسلكي. وأدى التفجيران إلى مقتل 59 شخصاً، بينهم 4 مدنيين و55 ناشطاً من «حزب الله»، وإصابة نحو 4500 شخص معظمهم من عناصر الحزب الفاعلين، ومن ضمنهم أطباء يعملون مع الحزب والسفير الإيراني في بيروت مجتبي أماني، و19 شخصاً من عناصر «الحرس الثوري» الإيراني في سوريا ولبنان، والعشرات فقدوا النظر أو أحد الأطراف.

وفي 19 سبتمبر ألقى نصر الله خطاباً أعلن فيه أنه لن يوقف القتال إلا إذا أوقفت إسرائيل الحرب على غزة، فاستخدمتها إسرائيل ذريعة للتصعيد ضد لبنان، وأطلقت سلسلة عمليات تصعيد، بلغت أَوْجها في الاجتياح البري في مطلع أكتوبر .

وقد تم خلال هذا الاجتياح، الكشف عن «زبدة» عمل دام 18 عاماً، في المخابرات الإسرائيلية، لجمع المعلومات الاستخبارية بواسطة عملاء وبواسطة أجهزة إلكترونية، عن جميع كوادر «حزب الله» فرداً فرداً، من الأمين العام والقيادة العليا، وحتى أصغر قائد مجموعة. وتم تتبُّع أثرهم، خطوة خطوة، وفي مقدمتهم نصر الله.

وقبل أيام من الاغتيال، اهتدى ضابط الاستخبارات العسكرية إلى مكان وجود نصر الله، فقام رئيس «أمان» شلومو بندر، بجمع رؤساء الدوائر، وطلب منهم إعطاء رأي في اغتياله. فوجد تأييداً بالإجماع. وطلب أن يسمع رأياً آخر متحفظاً أو معارضاً فلم يجد، فتوجه إلى رئيس الأركان هيرتسي هليفي، فصادق على العملية. وتم رفعها إلى نتنياهو شخصياً، فوافق بحماس على الاغتيال.

وراح يؤكد أن هذا الرجل هو ليس قائداً لـ«حزب الله» بل قائد تنظيم عسكري يعمل كما لو أنه جيش، وله وزن كبير بين الأذرع الإيرانية، لدرجة أن الإيرانيين يعتمدونه لتسوية خلافات بين الأقطاب.

وتقرر أن تبدأ عملية قصقصة أجنحته أولاً، فتم اغتيال إبراهيم عقيل، في 20 سبتمبر، ومعه كوكبة من قادة الصفين الثالث والرابع. وعقيل كان ساعد نصر الله الأيمن.

وفي 23 سبتمبر، أطلق رئيس الأركان هجوماً بالغارات الشرسة على مجموعة كبيرة من القواعد والمقرات التابعة لـ«حزب الله»، وبينها مواقع سرية لا يعرف بها سوى نفر قليل.

وبحسب الجيش، فإنه تَمَكَّنَ من تدمير 80 في المائة من القدرات العسكرية الهجومية للحزب، وتصفية عدد كبير من قادة المناطق في «حزب الله».

يقول أمير بحبوط، المراسل العسكري لموقع «واللا»، الذي نشر تقريراً في الموضوع، الأحد، إن «نصر الله لم يفهم الرموز لتلك الضربات القاسية والمتلاحقة. وظل متشبثاً بالربط ما بين لبنان وغزة». ويضيف: «نصر الله، الذي يعد نفسه أكبر الخبراء قدرة على معرفة إسرائيل وطريقة تفكيرها، غرق في الغرور والغطرسة، تماماً كما كان قادة أجهزة الأمن الإسرائيليون غرقوا في الغرور والغطرسة قبيل 7 أكتوبر2023. وظل يتحرك بحرية، وتحرك أيضاً فوق الأرض على عكس التوقعات. وهو لا يتوقع اغتياله، بينما كان ضباط المخابرات العسكرية مقتنعين بضرورة اغتياله، وصبوا كل جهدهم لتتبع آثاره، وكانوا يقصفون بطريقة تضلله، وتعزز قناعته بأنه ليس مستهدفاً».

وقبل أيام قليلة من الاغتيال، توصلوا إلى مكان وجوده الدقيق، ولم يكن ذلك عبر الأنفاق فحسب، بل أيضاً بالتحرك فوق الأرض. وتوقَّعوا وصوله إلى المقر القائم في عمق الأرض تحت مجمع سكني يضم 20 عمارة ضخمة مرتبطة ببعضها، في حي راقٍ في الضاحية الجنوبية، يوجد في الغرب منه حرج من الأشجار، وقرروا أن هذه هي فرصة العمر التي من النادر أن تتكرر.

وخلال 4 أيام، جرت متابعة تحركات نصر الله، على أعلى المستويات. وشارك فيها القادة الإسرائيليون من هيرتسي هليفي إلى قادة سلاح الجو، الذي تولى مهمة التنفيذ. وكانت الجلسة الأخيرة للأبحاث بحضور نتنياهو شخصياً. وتم إعداد سرب طائرات، وتزويد 14 طائرة مقاتلة بالأسلحة والذخيرة، حيث تحمل 83 عبوة بزنة 80 طناً، وتحدد موعد التنفيذ في الساعة 18:21 عند صلاة المغرب.

وخلال 10 ثوانٍ، كانت العملية منتهية. وقد انهارت العمارات، وحفرت في المكان حفرة عميقة ضخمة. وتم قصف المخارج الممكنة لمنع أي شخص من الهرب. ولم يتوقف القصف أياماً عدة، حتى يمنع نشاط قوات الإنقاذ والطوارئ اللبنانية. وكان القرار: «يجب ألا يخرج أحد منهم حياً».

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: إسرائيل ولبنان اغتيال القادة اغتيال حسن نصرالله نصر الله حزب الله

إقرأ أيضاً:

غضب دولي ومطالب بتحقيق مستقل عقب اغتيال إسرائيل طاقم الجزيرة في غزة

توالت ردود الفعل الدولية على اغتيال صحفيي ومصوري الجزيرة في غزة وسط مطالب بتحقيق مستقل يضمن عدم إفلات الاحتلال الإسرائيلي من العقاب.

وفجر اليوم الاثنين، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إن "الزملاء الذين اغتالتهم يد الغدر الإسرائيلية هم: أنس الشريف، ومحمد قريقع، والمصوران الصحفيان إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة، ومساعدهم محمد نوفل".

ففي تركيا، نشر رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش، اليوم الاثنين، رسالة تعزية في مقتل مراسل الجزيرة أنس الشريف في قصف إسرائيلي، استهدف خيمة للصحفيين بغزة، واصفا إياه بـ"صوت غزة الذي استشهد ببسالة".

وقال قورتولموش في منشور عبر منصة إكس، إن "الصحفي الشجاع أنس الشريف، صوت غزة وضميرها ورمز مقاومتها، استشهد ببسالة جراء العدوان الإسرائيلي الغادر".

وأضاف "أستذكر بالرحمة رمز التضحية والشجاعة أنس، وأتقدم بأحر التعازي إلى عائلته وأهالي غزة وجميع أفراد الأسرة الإعلامية. أسأل الله أن يجعل مثواه الجنة ويرفع درجته في عليين".

وذكر أن الشريف، بجهوده الشجاعة في نقل الحقيقة إلى العالم، أصبح ضميرا ليس لغزة فحسب، بل للإنسانية جمعاء، وأخذ مكانه في الصفوف الأمامية لجبهة الإنسانية.

وتابع "إن هذا الاعتداء الغادر على الإنسانية لن يُنسى أبدا، ونضالنا سيزداد قوة. وسيكون النصر حتما حليف الكرامة الإنسانية يوما ما".

وفي قطر، شدد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني على أن الاستهداف المتعمد للصحفيين لا يحجب الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.

وأضاف أن الاستهداف يثبت أن الجرائم في غزة تفوق التصور، وسط عجز دولي عن وقف المأساة.

وفي طهران، أدانت وزارة الخارجية الإيرانية بأشد العبارات جريمة الحرب الوحشية المتمثلة في الهجوم على الصحفيين بغزة، معتبرة أن الهجوم على الصحفيين محرّم في أي حال، واستهدافهم جريمة حرب.

تحقيق مستقل

وفي بريطانيا، دعا المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى إجراء تحقيق مستقل في مقتل أنس الشريف وزملائه، وقال على إسرائيل، أن تضمن قدرة الصحفيين على العمل بأمان ودون خوف.

إعلان

وقال المتحدث إن ستارمر يشعر بقلق بالغ إزاء الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للصحفيين في قطاع غزة.

وفي لندن أيضا، وصف الأمين العام المساعد للاتحاد الوطني للصحفيين في بريطانيا اغتيال إسرائيل صحفيي الجزيرة بأنه صادم، معتبرا أن اغتيالهم هو استهداف إسرائيلي واضح للجزيرة، يهدف إلى طمس حقيقة ما يحدث في غزة.

وأكد أن استمرار استهداف الصحفيين في غزة يستدعي تدخلا دوليا، واصفا قتل الصحفيين بأنه عمل مروع آخر في الحرب على الصحافة، وشدد على ضرورة أن تسمح إسرائيل فورا بدخول الصحافة الدولية إلى غزة، وألا تفلت من العقاب.

من جهتها، اعتبرت مفوضة الشؤون الإنسانية في الاتحاد الأوروبي، أن مقتل صحفيي الجزيرة في قطاع غزة -ومنهم أنس الشريف- انتهاك لحرية الصحافة، ودعت إلى حماية المدنيين في غزة، بمن فيهم الصحفيون.

وفي برلين، قالت وزارة الخارجية الألمانية، إن قتل 6 صحفيين عمدا في غزة حادث خطِر ومقلق للغاية، وأعربت عن إدانتها بشدة استهداف الصحفيين في غزة، مؤكدة ضرورة إجراء تحقيق شامل وشفاف في الحادث، ومعاقبة المسؤولين عن استهداف الصحفيين في غزة.

وفي أوسلو، قال وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي، إن قتل صحفيي الجزيرة في غزة "مثير للغضب وغير مقبول على الإطلاق".

واعتبر الوزير أن مهاجمة الصحفيين عمدا هو اعتداء على حرية التعبير، مشيرا إلى أن اغتيال أكثر من 200 صحفي وإعلامي في غزة يجعلها أخطر مكان للصحفيين في العالم.

جريمة بشعة

في السياق نفسه، قالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إن الجيش الإسرائيلي يكرر في الهجوم المتعمد على خيمة الصحفيين قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة ما وصفته بأنه "عملية معروفة ومثبتة خصوصا ضد صحفيي الجزيرة".

وأضافت أن المجتمع الدولي بقيادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاهل تحذيرات من قرب هذا الهجوم، منددة بذلك، وطالبت العالم باتخاذ إجراءات حازمة لوقف ما سمته عمليات الإعدام الإسرائيلية للصحفيين.

كما دعت المنظمة إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن حماية الصحفيين في النزاعات المسلحة، وأدانت الإستراتيجية التعتيمية لإسرائيل والهادفة إلى طمس جرائمها في غزة منذ أكثر من 21 شهرا.

بدورها، شددت منظمة العفو الدولية على أن الجيش الإسرائيلي أعدم مزيدا من الصحفيين في غزة واعترف باستهدافهم، في إشارة إلى اغتيال مراسلي الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع.

من جهته، قال رئيس نادي الصحافة الأميركي "نعرب عن حزننا وانزعاجنا إزاء مقتل مراسل الجزيرة أنس الشريف في غزة، وندعو إلى تحقيق شامل وشفاف في ملابسات اغتياله".

ووصف رئيس نادي الصحافة الأميركي أنس الشريف بأنه "كان صحفيا مرموقا وغطى الأحداث على نطاق واسع من غزة طيلة الصراع الحالي.. وكان أحد أشهر مراسلي الجزيرة في غزة منذ بداية الحرب".

ومع اغتيال الصحفيين الستة يرتفع عدد الإعلاميين الذين اغتالتهم إسرائيل إلى 238 منذ بداية الإبادة الجماعية التي ترتكبها بقطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق المكتب الإعلامي بغزة.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

إعلان

وخلفت الإبادة الإسرائيلية 61 ألفا و430 شهيدا و153 ألفا و213 مصابا من الفلسطينيين، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، منهم عشرات الأطفال.

مقالات مشابهة

  • اغتيال صحفيي الجزيرة.. هل تنجح إسرائيل في إسكات الحقيقة؟
  • الدبيبة يشهد تخريج دفعة جديدة من طلبة الكليات العسكرية في طرابلس
  • غضب دولي ومطالب بتحقيق مستقل عقب اغتيال إسرائيل طاقم الجزيرة في غزة
  • بيان لـحزب الله بعد اغتيال الصحافيين في غزة‎.. هذا ما جاء فيه
  • “المجاهدين الفلسطينية”:اغتيال الصحفيين جريمة حرب وحشية جديدة
  • دولة جديدة تعتزم الاعتراف بفلسطين في سبتمبر المقبل
  • دولة جديدة ستنضم إلى القائمة.. أستراليا تعلن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر
  • «الإمارات للدراجات» يتألق في بورجوس وبولونيا
  • معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن هجوم البيجر الإسرائيلي في لبنان
  • يسرائيل هيوم تكشف تفاصيل جديدة عن العمليات الاستخبارية الإسرائيلية في إيران