التعامل مع جماعة الحوثي عسكرياً بالطريقة الترامبية، يضعنا أمام لوحة متكررة من السياسات الأمريكية العمياء، التي تبدأ بهجوم تكتيكي محدود ثم تنتهي بخلق واقع إستراتيجي كارثي على الأرض، لقد رأينا هذا السيناريو يُعاد حرفياً مرات متكررة منذ الأفغان العرب في ثمانينات القرن العشرين ومروراً بحركة طالبان في أفغانستان، ومع هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني في سوريا.

واليوم، نكاد نلمس خيوط التكرار ذاتها في اليمن.

الولايات المتحدة، التي صنفت جماعة الحوثي مجدداً كجماعة إرهابية أجنبية، تخوض ضربات جوية لا تحمل في طياتها رؤية واضحة، ولا تتكئ على إستراتيجية إقليمية شاملة، إنها عمليات عسكرية تدّعي الردع، لكنها في واقع الأمر تعيد إنتاج نفس الأخطاء: القصف من الجو، دون حاضنة برية، ودون تنسيق إقليمي يُمكّن هذه العمليات من إحداث تغيير حقيقي في موازين القوى.

هكذا يبدو الأمر، وكأن الغاية الوحيدة هي “تأديب” الحوثيين وليس اجتثاثهم، وهذا يعيد إلى الأذهان “حرب الإزعاج” التي خاضتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سنواته الأولى، قبل أن تتدارك الموقف لاحقاً بتشكيل تحالف دولي واسع دعمته بمشاركة فاعلة للقوات المحلية، الأمر الذي غيّر المشهد بالكامل.

في اليمن، التجربة تقول لنا شيئاً واضحاً: كل مواجهة برية خاضتها القوات الجنوبية ضد الحوثيين كانت ناجحة، في 2015، حين اجتاح الحوثيون عدن وكانوا مدعومين آنذاك بقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تدخلت دولة الإمارات العربية المتحدة ودعمت المقاومة الجنوبية في معركة شرسة انتهت بطرد الحوثيين، لاحقاً، كررت الإمارات دعمها في عملية تحرير الساحل الغربي، حيث قاتلت قوات العمالقة الجنوبية حتى وصلت إلى وسط مدينة الحديدة، لولا أن الحكومة اليمنية، التي كانت ولا تزال مرتهنة لجماعة الإخوان، رضخت للضغوط الدولية ووقعت اتفاق ستوكهولم الذي أوقف الزحف.

هذه الوقائع ليست تفاصيل ثانوية، بل دروس ميدانية تؤكد أن العمل مع شريك محلي يمتلك الإرادة والقدرة والرؤية هو الضمانة الحقيقية لأيّ إستراتيجية عسكرية ناجحة، أما أن تواصل واشنطن شن غارات جوية على مواقع الحوثيين في صنعاء وصعدة والحديدة وغيرها من المناطق الخاضعة لهم، دون رافعة برية تمسك الأرض وتطرد الميليشيا، فهو عبث يُعيد إنتاج تجربة الفشل الأمريكي في العراق وسوريا.

الأسوأ من ذلك، أن هذا العبث يشرعن وجود الحوثي ويُعيد إنتاجه كقوة أمر واقع، لا فرق بين ذلك، وبين ما حدث مع حركة طالبان التي تحولت من جماعة إرهابية مطاردة إلى حكومة شرعية معترف بها، بعد أن انسحبت أمريكا وتركت فراغاً لم تملأه سوى البنادق العقائدية.

وبدل أن تتعلم من أخطائها، تمضي إدارة الرئيس دونالد ترامب في الاتجاه نفسه، غير مكترثة بتداعيات تعويم جماعة دينية مسلحة، تُدار من طهران، وتتبنى خطاباً طائفياً عدائياً عابراً للحدود، والأسوأ، أن هذه الغارات الأمريكية تتم من خارج أي مظلة تحالف إقليمي فاعل، وكأن المطلوب أن تتكفل واشنطن بضبط الأمن في البحر الأحمر، فيما دول الجوار، وعلى رأسها السعودية ومصر، تراقب من بعيد.

هذا الانفصام الإستراتيجي لا يُعالج التهديد الحوثي بل يضاعفه، إنه يمنح الحوثيين مشروعية “الضحية” أمام حاضنتهم الشعبية، ويتيح لهم فرصة ذهبية لشد العصب الداخلي، وتوظيف القصف الأمريكي كدليل على صدقيتهم القتالية، بل وربما سيفتح الباب أمام المزيد من التجنيد والتمويل، بل وحتى تأييد الشعوب العربية والإسلامية المنساقة وراء شعارات المقاومة الزائفة.

قد آن الأوان للعرب، خصوصاً الدول المشاطئة للبحر الأحمر، أن يضعوا حدا لهذا العبث، لا يجوز أن تستمر أمريكا في تنفيذ أجندة غامضة بلا تنسيق حقيقي مع شركائها الإقليميين. المطلوب الآن تحالف عسكري واضح المعالم، شبيه بتحالف مكافحة داعش، بقيادة أمريكية ومشاركة عربية مباشرة، تسنده إستراتيجية برية تقوم بها القوات الجنوبية، باعتبارها الطرف الوحيد الذي أثبت قدرته على هزيمة الحوثيين ميدانياً.

ما لم يحدث ذلك، فسينتهي بنا المطاف إلى نسخة يمنية من طالبان تحكم شمال اليمن، تتحكم فيها إيران وتستثمرها ضد الأمن القومي العربي لعقود قادمة، إن الحوثي ليس مجرد ميليشيا، بل هو تجسيد لمشروع ديني إمامي توسعيّ ولا تخفي أدبيات الجماعة الحوثية رغبتها في التوسع داخل نطاق شبه الجزيرة العربية.

المعادلة اليوم واضحة.. إما اجتثاث الحوثي ضمن تحالف إقليمي ودولي حاسم، أو الرضوخ لواقع مفروض بالسلاح والدعاية، يُكرّس الحوثي كسلطة أمر واقع، ويمنحه منبراً سياسياً، وحصانة تفاوضية، تماماً كما حدث مع الجولاني في إدلب أولا ثم ها هو يبسط سلطته على كامل التراب السوري، حيث صار شريكاً في ترتيبات خفض التصعيد، بعد أن كان ملاحقاً على لوائح الإرهاب.

التاريخ لا يعيد نفسه إلا حين يُصرّ الفاشلون على تكرار أخطائهم، واليوم، كل مؤشرات الساحة اليمنية تقول إن واشنطن على وشك تكرار الخطأ ذاته، ما لم يُكبح جنون الغارات بلا إستراتيجية، وما لم تُرفع اليد عن شركاء الداخل، الذين وحدهم يعرفون كيف يُهزم الحوثي، لا كيف يُدلّل.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحوثيون الحوثي اليمن

إقرأ أيضاً:

هيئة البيئة توثق رصد حيوانات برية مهددة بالانقراض في موائل جديدة بمحافظة الداخلية

 

إزكي-ناصر العبري

في إطار جهودها المستمرة لحماية الحياة الفطرية والحفاظ على التنوع الأحيائي، تمكنت هيئة البيئة، ممثلة بإدارة البيئة بمحافظة الداخلية، من تسجيل ورصد أنواع جديدة من الحيوانات البرية المهددة بالانقراض في موائل جديدة بالمحافظة، وذلك عبر استخدام الكاميرات الفخية ضمن برامج الرصد البيئي الحديثة.

وشملت المشاهدات تسجيل حضور الوشق العربي، أحد أنواع القطط البرية المتوسطة الحجم، والذي يُعد من أمهر الحيوانات في الصيد والقفز. وقد شهدت أعداد الوشق العربي تراجعًا ملحوظًا نتيجة لفقدان المواطن الطبيعية والتغيرات الناتجة عن الأنشطة البشرية.

كما تم رصد الطهر العربي، وهو نوع من الوعول الجبلية الفريدة التي تعيش في المنحدرات الصخرية الوعرة. ويُعد الطهر العربي من الحيوانات المهددة بالانقراض عالميًا بسبب الصيد الجائر وفقدان الموائل الطبيعية، ويتميز بجسده القوي وقدرته الفائقة على التسلق في التضاريس الجبلية الصعبة.

بالإضافة إلى ذلك، تم تسجيل وجود الذئب العربي، وهو أصغر أنواع الذئاب حجمًا، ويتميز بلونه الرملي وقدرته العالية على التكيف مع البيئات الصحراوية وشبه الصحراوية، إلا أن أعداده تشهد تناقصًا مستمرًا نتيجة للصيد، والتهجير، وفقدان مصادر الغذاء.

وتُعد عودة هذه الأنواع ورصدها في موائل جديدة مؤشرًا إيجابيًا على تعافي النظم البيئية ونجاح برامج الحماية وإعادة التوازن البيئي، حيث تلعب هذه الكائنات دورًا مهمًا في تنظيم أعداد الفرائس وتعزيز التنوع الحيوي، مما يسهم في استدامة الموارد الطبيعية وخدمة الأنظمة البيئية بشكل عام.

وقال المهندس أحمد بن سالم العميري  مدير إدارة البيئة بمحافظة الداخلية أن هذه النتائج جاءت ثمرة للمسوحات الميدانية الدقيقة، واستخدام تقنيات الرصد الحديثة كالكاميرات الفخية، ضمن استراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى تعزيز برامج المحافظة على الحياة البرية وضمان استدامة النظم البيئية الطبيعية.

وأكد أن هيئة البيئة تعوّل بشكل كبير على أبناء المجتمع المحلي في الحفاظ على البيئة وصون مواردها الطبيعية، مشددًا على أهمية التعاون المشترك والالتزام بالتشريعات المنظمة لحماية الحياة الفطرية، لضمان استدامة الثروات البيئية للأجيال القادمة.

وتواصل الهيئة جهودها في تنفيذ برامج الرصد والحماية بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية، داعية الجميع إلى دعم مبادرات حماية الحياة الفطرية والمشاركة الفاعلة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة البيئية

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد الحوثيين: من يضربنا سيتم ضربه بسبعة أضعاف
  • جماعة الحوثي تقول إنها استهدفت مطار “بن غوريون” بصاروخ فرط صوتي
  • مقتل نجل القيادي البارز العميد عبده سالم بنيران الحوثيين غربي تعز
  • تل أبيب تُشيد بالضربات الأمريكية ضد «الحوثيين»: ردٌ كافٍ على الهجمات الأخيرة
  • أمريكا تصنف تحالف عصابات في هايتي جماعة إرهابية عابرة للحدود
  • أميركا تصنف تحالف عصابات في هايتي جماعة إرهابية
  • المقاتلات الأمريكية تجدّد الغارات على ميناء رأس عيسى.. ومليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن نفطية
  • هيئة البيئة توثق رصد حيوانات برية مهددة بالانقراض في موائل جديدة بمحافظة الداخلية
  • جماعة الحوثي تعلن قصف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ فرط صوتي
  • تأجيل الجولة القادمة من المحادثات الأمريكية الإيرانية