تعويم الحوثيين.. الخطيئة القادمة في السياسة الأمريكية
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
التعامل مع جماعة الحوثي عسكرياً بالطريقة الترامبية، يضعنا أمام لوحة متكررة من السياسات الأمريكية العمياء، التي تبدأ بهجوم تكتيكي محدود ثم تنتهي بخلق واقع إستراتيجي كارثي على الأرض، لقد رأينا هذا السيناريو يُعاد حرفياً مرات متكررة منذ الأفغان العرب في ثمانينات القرن العشرين ومروراً بحركة طالبان في أفغانستان، ومع هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني في سوريا.
الولايات المتحدة، التي صنفت جماعة الحوثي مجدداً كجماعة إرهابية أجنبية، تخوض ضربات جوية لا تحمل في طياتها رؤية واضحة، ولا تتكئ على إستراتيجية إقليمية شاملة، إنها عمليات عسكرية تدّعي الردع، لكنها في واقع الأمر تعيد إنتاج نفس الأخطاء: القصف من الجو، دون حاضنة برية، ودون تنسيق إقليمي يُمكّن هذه العمليات من إحداث تغيير حقيقي في موازين القوى.
هكذا يبدو الأمر، وكأن الغاية الوحيدة هي “تأديب” الحوثيين وليس اجتثاثهم، وهذا يعيد إلى الأذهان “حرب الإزعاج” التي خاضتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سنواته الأولى، قبل أن تتدارك الموقف لاحقاً بتشكيل تحالف دولي واسع دعمته بمشاركة فاعلة للقوات المحلية، الأمر الذي غيّر المشهد بالكامل.
في اليمن، التجربة تقول لنا شيئاً واضحاً: كل مواجهة برية خاضتها القوات الجنوبية ضد الحوثيين كانت ناجحة، في 2015، حين اجتاح الحوثيون عدن وكانوا مدعومين آنذاك بقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تدخلت دولة الإمارات العربية المتحدة ودعمت المقاومة الجنوبية في معركة شرسة انتهت بطرد الحوثيين، لاحقاً، كررت الإمارات دعمها في عملية تحرير الساحل الغربي، حيث قاتلت قوات العمالقة الجنوبية حتى وصلت إلى وسط مدينة الحديدة، لولا أن الحكومة اليمنية، التي كانت ولا تزال مرتهنة لجماعة الإخوان، رضخت للضغوط الدولية ووقعت اتفاق ستوكهولم الذي أوقف الزحف.
هذه الوقائع ليست تفاصيل ثانوية، بل دروس ميدانية تؤكد أن العمل مع شريك محلي يمتلك الإرادة والقدرة والرؤية هو الضمانة الحقيقية لأيّ إستراتيجية عسكرية ناجحة، أما أن تواصل واشنطن شن غارات جوية على مواقع الحوثيين في صنعاء وصعدة والحديدة وغيرها من المناطق الخاضعة لهم، دون رافعة برية تمسك الأرض وتطرد الميليشيا، فهو عبث يُعيد إنتاج تجربة الفشل الأمريكي في العراق وسوريا.
الأسوأ من ذلك، أن هذا العبث يشرعن وجود الحوثي ويُعيد إنتاجه كقوة أمر واقع، لا فرق بين ذلك، وبين ما حدث مع حركة طالبان التي تحولت من جماعة إرهابية مطاردة إلى حكومة شرعية معترف بها، بعد أن انسحبت أمريكا وتركت فراغاً لم تملأه سوى البنادق العقائدية.
وبدل أن تتعلم من أخطائها، تمضي إدارة الرئيس دونالد ترامب في الاتجاه نفسه، غير مكترثة بتداعيات تعويم جماعة دينية مسلحة، تُدار من طهران، وتتبنى خطاباً طائفياً عدائياً عابراً للحدود، والأسوأ، أن هذه الغارات الأمريكية تتم من خارج أي مظلة تحالف إقليمي فاعل، وكأن المطلوب أن تتكفل واشنطن بضبط الأمن في البحر الأحمر، فيما دول الجوار، وعلى رأسها السعودية ومصر، تراقب من بعيد.
هذا الانفصام الإستراتيجي لا يُعالج التهديد الحوثي بل يضاعفه، إنه يمنح الحوثيين مشروعية “الضحية” أمام حاضنتهم الشعبية، ويتيح لهم فرصة ذهبية لشد العصب الداخلي، وتوظيف القصف الأمريكي كدليل على صدقيتهم القتالية، بل وربما سيفتح الباب أمام المزيد من التجنيد والتمويل، بل وحتى تأييد الشعوب العربية والإسلامية المنساقة وراء شعارات المقاومة الزائفة.
قد آن الأوان للعرب، خصوصاً الدول المشاطئة للبحر الأحمر، أن يضعوا حدا لهذا العبث، لا يجوز أن تستمر أمريكا في تنفيذ أجندة غامضة بلا تنسيق حقيقي مع شركائها الإقليميين. المطلوب الآن تحالف عسكري واضح المعالم، شبيه بتحالف مكافحة داعش، بقيادة أمريكية ومشاركة عربية مباشرة، تسنده إستراتيجية برية تقوم بها القوات الجنوبية، باعتبارها الطرف الوحيد الذي أثبت قدرته على هزيمة الحوثيين ميدانياً.
ما لم يحدث ذلك، فسينتهي بنا المطاف إلى نسخة يمنية من طالبان تحكم شمال اليمن، تتحكم فيها إيران وتستثمرها ضد الأمن القومي العربي لعقود قادمة، إن الحوثي ليس مجرد ميليشيا، بل هو تجسيد لمشروع ديني إمامي توسعيّ ولا تخفي أدبيات الجماعة الحوثية رغبتها في التوسع داخل نطاق شبه الجزيرة العربية.
المعادلة اليوم واضحة.. إما اجتثاث الحوثي ضمن تحالف إقليمي ودولي حاسم، أو الرضوخ لواقع مفروض بالسلاح والدعاية، يُكرّس الحوثي كسلطة أمر واقع، ويمنحه منبراً سياسياً، وحصانة تفاوضية، تماماً كما حدث مع الجولاني في إدلب أولا ثم ها هو يبسط سلطته على كامل التراب السوري، حيث صار شريكاً في ترتيبات خفض التصعيد، بعد أن كان ملاحقاً على لوائح الإرهاب.
التاريخ لا يعيد نفسه إلا حين يُصرّ الفاشلون على تكرار أخطائهم، واليوم، كل مؤشرات الساحة اليمنية تقول إن واشنطن على وشك تكرار الخطأ ذاته، ما لم يُكبح جنون الغارات بلا إستراتيجية، وما لم تُرفع اليد عن شركاء الداخل، الذين وحدهم يعرفون كيف يُهزم الحوثي، لا كيف يُدلّل.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحوثيون الحوثي اليمن
إقرأ أيضاً:
المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون
استعرضت المملكة العربية السعودية إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي، بمشاركة الوكلاء المعنيين بالزراعة والأمن الغذائي، في مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
جاء ذلك خلال الاجتماع الاستثنائي للجنة وكلاء الزراعة والأمن الغذائي بالمجلس، الذي عُقد اليوم بدولة الكويت، برئاسة الأمين المساعد للشؤون الاقتصادية والتنموية بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية خالد علي السنيدي.
وثمّن وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة للزراعة رئيس وفد المملكة العربية السعودية المشارك في الاجتماع المهندس أحمد بن صالح العيادة، الجهود المبذولة من قِبل أعضاء المجلس كافة؛ لتطوير إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي، وتحديد التوجهات الرئيسة لها.
من جانبه، استعرض نائب رئيس الهيئة العامة للأمن الغذائي رئيس الفريق الفني المكلف بإعداد الإستراتيجية الخليجية محمد بن إبراهيم الفوزان الوضع الراهن للأمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي، ودراسة المقارنات المعيارية لجهود التعاون الإقليمي في مجال الأمن الغذائي، إضافة إلى تلخيص النتائج وإجراء التحليل الرباعي، (نقاط القوة، نقاط الضعف، الفرص، التحديات)، إلى جانب مناقشة سُبل تطوير إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي.
وشارك في الاجتماع أعضاء اللجنة من الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ممثلين عن كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت، ودولة قطر، وسلطنة عمان، ومملكة البحرين.
يُذكر أن الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي يحظى باهتمامٍ كبير على مستوى قادة دول المجلس، وبمتابعة دقيقة من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالدول الأعضاء، إلى جانب مشاركة القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والقطاع الأهلي؛ للوصول إلى تحقيق إستراتيجية الأمن الغذائي المنشودة.