قالت وكالة بلومبيرغ إن الرسوم الجمركية التي يهدد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد دفعت عددًا من الدول الأوروبية إلى مراجعة نهجها الاستثماري حيال الصين، مع تزايد التوجه نحو المشاريع الإنتاجية العالية القيمة، ولا سيما مصانع السيارات الكهربائية والبطاريات، بدلًا من صفقات شراء الأصول التقليدية كبنى الموانئ وشبكات الطاقة.

وفي الوقت ذاته، أكدت صحيفة فايننشال تايمز أن القمة الأوروبية الصينية المزمع عقدها غدا، والتي تأتي في إطار إحياء مرور 50 عامًا على العلاقات بين الطرفين، تتزامن مع تباين واسع في وجهات النظر، بخاصة حول ملف دعم بكين لروسيا، ومدى تناغم المواقف الأوروبية مع سياسة واشنطن في فرض العقوبات.

الصين تغير إستراتيجيتها الاستثمارية

وذكرت بلومبيرغ أن الصين قد غيرت إستراتيجيتها في القارة الأوروبية، فبدلًا من شراء الأصول القائمة، باتت تركز على إنشاء مصانع جديدة (استثمارات خضراء ميدانية).

وأوضحت الوكالة أن شركات مثل "كالب"، و"سي إيه تي إل"، و"بي واي دي"، أصبحت تمثل واجهة هذا التوجه الجديد، حيث تدعم الحكومات المحلية هذه الشركات عبر منح مباشرة وتسهيلات ضريبية.

القمة الأوروبية الصينية المرتقبة ستشكل اختبارًا حقيقيا لقدرة أوروبا على تحقيق التوازن بين القيم والمصالح (رويترز)

فعلى سبيل المثال، قالت بلومبيرغ إن شركة "كالب" الصينية بدأت في مايو/أيار الماضي بناء مصنع لبطاريات الليثيوم في مدينة سينيس البرتغالية بتكلفة تبلغ 2.2 مليار دولار، ومن المتوقع أن يوفر 1800 وظيفة مباشرة.

ووصفت الوكالة هذا المشروع بأنه نموذج للتحول النوعي في الاستثمارات الصينية داخل أوروبا.

وفي المجر، أفادت بلومبيرغ بأن شركة "سي إيه تي إل" تبني مصنعًا عملاقًا في مدينة ديبريسن، يخدم شركات تصنيع أوروبية كبرى مثل مرسيدس، وأودي، وبي إم دبليو. كما أكدت أن شركة "بي واي دي" -أكبر شركة سيارات كهربائية في الصين- قررت إنشاء مصنعها الأوروبي الأول في مدينة سيغيد المجرية، إلى جانب نقل مقرها الإقليمي بالكامل إلى هنغاريا.

إعلان

أما في سلوفاكيا، فذكرت بلومبيرغ أن شركة "جيلي"، المالكة لشركة "فولفو"، تشيد مصنعًا بقيمة 1.2 مليار يورو (1.41 مليار دولار)، بينما عقدت شركة "غوشن هاي-تك" الصينية شراكة مع "إينو بات" السلوفاكية لبناء منشأة مشتركة لإنتاج البطاريات.

وبحسب بيانات نشرها معهد "ميركس" الألماني بالتعاون مع مجموعة "روديام"، أوردتها بلومبيرغ، فإن حجم الاستثمار الصيني في أوروبا ارتفع مجددًا إلى نحو 10 مليارات يورو (11.73 مليار دولار) في عام 2024، بعد 7 سنوات متتالية من التراجع.

ولكن التقرير أوضح أن هذا الرقم لا يزال يمثل خُمس ما أنفقته الشركات الصينية في عام 2016، وذلك يعكس طبيعة التحول النوعي لا الكمي.

حجم الاستثمار الصيني في أوروبا ارتفع إلى نحو 10 مليارات يورو في عام 2024، بعد 7 سنوات متتالية من التراجع

الرسوم الأميركية تختبر المصالح الأوروبية

وقالت بلومبيرغ إن الضغوط التجارية التي تفرضها إدارة ترامب دفعت الشركات الصينية إلى تعزيز إستراتيجيات "التوطين الصناعي" داخل أوروبا.

ونقلت الوكالة عن ألكسندر مولر، الشريك في شركة "رولاند بيرغر" للاستشارات، قوله إن "الرسوم الجمركية قد تعكس الوضع بالكامل… الشركات الصينية تنظر إلى أوروبا كميدان توسع بديل بعد الانغلاق الأميركي".

الاستثمارات الصينية في أوروبا انتقلت من شراء البنى التحتية إلى بناء مصانع إنتاجية ذات طابع إستراتيجي (الفرنسية)

لكن بلومبيرغ لفتت في الوقت نفسه إلى أن هذه الدينامية ليست خالية من التعقيد، إذ تصطدم الاستثمارات الصينية برقابة أمنية متزايدة في بعض الدول، خاصة في شمال أوروبا وشرقها.

ففي السويد مثلًا، أُلغي مشروع لشركة "بي تي إل" الصينية لبناء أكبر مصنع لإنتاج "أنودات" البطاريات بسبب شروط فرضتها الحكومة السويدية تحدّ من السيطرة الصينية، بحسب ما ذكرت بلومبيرغ.

كما نقلت الوكالة عن مسؤولين أوروبيين تحذيرهم من مخاطر اقتراب منشآت صينية من بنى تحتية عسكرية، كما هو الحال في بولندا حيث تدير شركة صينية ميناء قرب قاعدة لحلف الناتو في بحر البلطيق.

الصين ليست موضع ثقة مطلقة

بالمقابل، قالت فايننشال تايمز إن الاتحاد الأوروبي ماضٍ منذ عام 2022 في تطبيق سياسة تقليل الاعتماد المفرط على الصين، وهي ما تُعرف بـ"خفض المخاطر".

وأشارت الصحيفة إلى أن التوتر السياسي مع بكين تعمّق على خلفية دعم الصين لموسكو، لا سيما في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا ورفض بكين أي ضغوط أوروبية للفصل بين الشراكة الاقتصادية والدعم الإستراتيجي لروسيا.

وأكدت الصحيفة أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي أبلغ مسؤولين أوروبيين أن بلاده "لا ترغب في رؤية روسيا تخسر الحرب"، نظرًا لما قد ينجم عن ذلك من اضطرابات في جوارها الجيوسياسي.

وشددت فايننشال تايمز على أن أوروبا لا تزال منقسمة في مواقفها تجاه الصين، ففي حين تطالب رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" بعقوبات أكثر صرامة على بكين بسبب دعمها غير المباشر لموسكو، فإن دولًا مثل المجر وصربيا وإسبانيا لا تزال تسعى لتوسيع التعاون مع الصين في مجالات الطاقة والتكنولوجيا.

إستراتيجية أوروبية متوازنة

وتقول فايننشال تايمز إن أوروبا تحاول الوصول إلى معادلة توازن دقيقة، تقوم على 3 محاور:

الاستفادة من رأس المال والخبرة الصينية في تطوير مشاريع إستراتيجية، خصوصًا في قطاع الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية. الحفاظ على الحلف مع الولايات المتحدة، خاصة في مجال العقوبات والملفات الأمنية المرتبطة بالناتو. عدم الانزلاق إلى التبعية الاقتصادية لبكين، مع دعم التنافس العادل وضمان الاستقلال الإستراتيجي. إعلان

وأكدت الصحيفة أن هذه الإستراتيجية تواجه اختبارات صعبة، أبرزها كيفية التعامل مع الصين من دون تقويض المصالح الأوروبية في أوكرانيا، أو التفريط بالضمانات الأمنية الأميركية.

ومن المنتظر أن تحمل القمة الأوروبية الصينية المرتقبة مؤشرات حاسمة بشأن مستقبل العلاقة بين الجانبين.

ويتوقع مراقبون أن ترسم القمة ملامح النهج الأوروبي المقبل، فهل ستنجح بروكسل في الحفاظ على شراكتها الاقتصادية مع الصين من دون الإخلال بعلاقاتها الأمنية مع واشنطن؟ أم إن التوترات المتزايدة ستُقوّض هذا التوازن وتدفع أوروبا نحو اصطفاف صريح في أحد المعسكرين؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات فایننشال تایمز مع الصین

إقرأ أيضاً:

إي آند مصر تجدد شراكتها مع Viu لتوسيع عالم الترفيه الرقمي

أعلنت شركة إي آند مصر، إحدى أبرز الشركات العاملة في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا المتكاملة، عن تجديد شراكتها الاستراتيجية مع منصة Viu العالمية.

 وجاء الإعلان خلال فعاليات معرض جيتكس جلوبال 2025 في دبي، ليؤكد التزام الطرفين بتقديم تجربة مشاهدة متطورة ومحتوى متميز يجمع بين الإنتاجات العربية، الدراما الكورية، والمسلسلات الآسيوية لشرائح واسعة من عملاء الشركة.

هذا التجديد لا يأتي من فراغ، بل يعكس نجاح التعاون الأول بين إي آند مصر وViu، والذي لاقى ترحيبًا واسعًا من المستخدمين الذين استفادوا من المحتوى الترفيهي الحصري الذي قدمته المنصة. 

فبحسب الشركة، لعب رضا العملاء دورًا محوريًا في اتخاذ قرار التمديد، إذ وضعت إي آند مصر احتياجات الجمهور في صميم استراتيجيتها، مؤكدة أن تجربة المستخدم تمثل العنصر الأهم في تطوير خدماتها الرقمية.

وبموجب الشراكة الجديدة، سيحظى عملاء Emerald، حكاية، أهلا، عملاء برنامج الكوينز، مستخدمو e& Money، بالإضافة إلى عملاء إي آند بيزنس، بإمكانية الوصول الحصري إلى مكتبة واسعة من المحتوى الترفيهي. 

وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية الشركة لتقديم خدمات تتجاوز الحدود التقليدية لقطاع الاتصالات، وتفتح الباب أمام تجربة أكثر تفاعلية تجمع بين التكنولوجيا والترفيه في منظومة واحدة.

وأكد سامر مراد، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأفراد بإي آند مصر، أن الشركة تعمل باستمرار على توسيع محفظتها من الخدمات الرقمية لتلبية مختلف الأذواق. 

وقال: نحن في إي آند مصر نضع تجربة العميل في قلب أولوياتنا، وشراكتنا المتجددة مع Viu تمنح عملاءنا فرصة مميزة للاستمتاع بمحتوى عربي وآسيوي مختار بعناية، مع جودة مشاهدة رفيعة المستوى.

 وأضاف أن الشركة مستمرة في دعم جهود التحول الرقمي عبر تطوير حلول مبتكرة تجمع أحدث تقنيات الاتصالات مع خدمات ترفيهية رقمية متكاملة.

من جانبه، أعرب سامر مجذوب، المدير العام لمنصة Viu في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن اعتزازه بالتعاون المستمر مع إي آند مصر، مشيرًا إلى أن جمهور المنصة في مصر أبدى اهتمامًا كبيرًا بالمحتوى المقدم. 

وقال: يسعدنا أن نرى هذا التفاعل القوي من المشاهدين في مصر، وتجديد الشراكة مع إي آند مصر خطوة طبيعية نحو تعزيز تجربتهم الترفيهية، نحن واثقون من أن المرحلة الجديدة من التعاون ستقدم قيمة أكبر وتحقق ولاءً أعلى لعملاء إي آند.

وتبرز أهمية هذه الشراكة في أنها تمنح شرائح واسعة من العملاء إمكانية الوصول إلى مكتبة ترفيهية غنية، تضم أعمالًا عربية حصرية ومسلسلات كورية وآسيوية تجذب قاعدة جماهيرية ضخمة في المنطقة، وبفضل هذه التوليفة، يمكن للمستخدمين الاستمتاع بتجربة مشاهدة سلسة، سريعة، وعالية الجودة، مدعومة بقدرات شبكة إي آند مصر المتطورة.

كما تعكس الاتفاقية الجديدة رؤية إي آند مصر لتأسيس منظومة رقمية متكاملة تدمج الاتصالات، الخدمات المالية، الترفيه، والسفر ضمن استراتيجية شاملة للتحول الرقمي. 

وتعمل الشركة على توسيع نطاق خدماتها بما يلبي احتياجات العملاء المتغيرة، ويرسخ دورها كواحدة من الشركات الرائدة التي تدفع بعجلة الابتكار والتكنولوجيا في السوق المصري.

وتواصل إي آند مصر تنفيذ مبادرات فعّالة في مجالات التكنولوجيا، التعليم، والصحة، لتعزيز دورها المجتمعي إلى جانب توسعها في قطاع الخدمات الرقمية. 

وتعتبر الشراكة مع Viu إحدى المحطات المهمة في رحلتها نحو توفير حلول متكاملة ترتقي بمفهوم الترفيه الرقمي وتقدم محتوى يلائم مختلف الفئات ويواكب التطور السريع في عالم المشاهدة عبر الإنترنت.

وبتجديد هذه الشراكة، تؤكد إي آند مصر التزامها بتقديم قيمة أكبر لعملائها، وتعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في سوق الخدمات الرقمية، في وقت يشهد فيه المحتوى الترفيهي عبر الإنترنت طلبًا غير مسبوق وتنافسًا متزايدًا بين المنصات العالمية.

مقالات مشابهة

  • إي آند مصر تجدد شراكتها مع Viu لتوسيع عالم الترفيه الرقمي
  • البوابة العالمية.. أوروبا تدخل سباق النفوذ مع الصين في قلب أفريقيا
  • بـ 3 مليارات يورو.. أوروبا تخطط لخفض الاعتماد على معادن الصين النادرة
  • 3 مليارات يورو لتقليص اعتماد أوروبا على الصين في المعادن النادرة
  • اتهام الدبلوماسية الأوروبية السابقة فيديريكا موغيريني بالفساد والاحتيال
  • زيارة ماكرون إلى الصين.. منعطف مهم في العلاقات الصينية الأوروبية
  • الصين: خطة أوروبا لاستخدام الأصول الروسية تنتهك القانون الدولي
  • الهيئة العربية للتصنيع تعقد شراكة استراتيجية مع شركة “ورك شوب تكنولوجي” الصينية
  • جولة أمريكية مكثفة.. وليد جمال الدين يعرض مميزات المنطقة الاقتصادية أمام 200 شركة عالمية
  • توقيف مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية السابقة بشبهة الاحتيال المالي