وسط أجواء من الترقب والتحدي، تواصل سفينة "حنظلة" إبحارها باتجاه قطاع غزة، حاملة على متنها 21 ناشطا دوليا من جنسيات متعددة، من بينهم ممثلون عن برلمانات أوروبية وشخصيات فنية وإعلامية، في محاولة جديدة لكسر الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 17 عاما.

ومن على بعد نحو 105 أميال بحرية عن شواطئ غزة، أكدت عضو اللجنة التوجيهية لأسطول الحرية، الناشطة هويدا عراف، في مداخلة مع قناة الجزيرة، أن السلطات الإسرائيلية بعثت برسائل غير مباشرة عبر حكومات أجنبية بأنها ستعترض السفينة وتمنعها من الوصول إلى القطاع.

واعتبرت عراف أن أي اعتراض لسفينة "حنظلة" في المياه الدولية يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي وعملا عدائيا يستهدف متضامنين مدنيين لا يحملون سوى مساعدات رمزية وألعاب أطفال، مؤكدة أن الحكومات التي تسمح بذلك تتحمل مسؤولية التواطؤ في جريمة ضد الإنسانية.

وأضافت أن الناشطين على متن السفينة أبحروا بطريقة قانونية من ميناء غاليبولي الإيطالي، وأنهم لا يسعون سوى للوصول إلى غزة لإيصال مساعدات رمزية ولتأكيد حق الفلسطينيين في الحياة والكرامة، مطالبة الحكومات الغربية بموقف واضح يحمي هذا الحق.

وحذّرت من أن استمرار صمت الحكومات يشكل غطاء سياسيا للاعتداءات الإسرائيلية، قائلة إن "من لا يرفض اعتراضنا لا يدافع عنا، ومن لا يدافع عنا فهو شريك في الجريمة".

وأكدت أن الدول التي يفترض بها أن تحمي القانون الدولي تتقاعس عن ذلك بشكل مخز.

ردود مخجلة

وتابعت أن الردود الرسمية التي تلقاها طاقم السفينة من بعض الدول الغربية كانت "مخجلة ومخادعة"، إذ اقتصر مضمونها على تطمينات لفظية لا تتجاوز وعودا فضفاضة بأن الطاقم سيكون بخير، من دون اتخاذ أي خطوات حقيقية لحمايتهم من التهديد الإسرائيلي.

وقالت عراف إن ما يخشاه الناشطون ليس الاعتداء بحد ذاته، بل "عالم يراقب بصمت بينما تتكرر الجرائم بحق المدنيين"، مشيرة إلى أن هذا السكوت يشجع الاحتلال على المضي في انتهاكاته من دون رادع، ويضع الجميع أمام اختبار أخلاقي لا يقبل الحياد.

إعلان

وأوضحت أن رسالة المشاركين في الرحلة هي أنهم لن يقبلوا أن تحدد إسرائيل من يصل إلى غزة ومن لا يصل، ولن يسمحوا بأن يصبح القانون الدولي أداة انتقائية تُطبق حينا وتُهمل حينا آخر حسب مصالح القوى الكبرى.

وفي ردها على سؤال عن محدودية عدد السفن التي حاولت كسر الحصار رغم تعاظم الدعم الشعبي العالمي للقضية الفلسطينية، أكدت أن هذه المحاولات تواجه تحديات لوجستية وسياسية، لكنها لم تتوقف منذ انطلاق أسطول الحرية قبل سنوات.

تجربة ملهمة

ولفتت إلى أن "حنظلة" تمثل المحاولة 37 من قِبل أسطول الحرية للوصول إلى غزة، مشيرة إلى أن تجرية السفينة "مادلين" ألهمت المزيد من الأفراد والمجموعات في أنحاء العالم لتنظيم مبادرات مشابهة.

وأضافت أن الناشطين بدؤوا بالفعل التحضير لإطلاق سفن أخرى، في رسالة واضحة لإسرائيل مفادها أن محاولات الحصار والترويع لن تمنع التضامن الدولي، بل ستزيد من زخمه وتوسّع نطاقه في أنحاء العالم.

وأكدت عراف أن التحرك البحري نحو غزة لا يهدف فقط إلى إيصال مساعدات رمزية، بل هو فعل رمزي وميداني في وقت واحد، يعكس رفضا عالميا للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وللسياسات التي تدعمها أو تسكت عنها دول كبرى.

وأعربت عن أملها في أن تتمكن "حنظلة" من الوصول إلى غزة، رغم المخاطر، مؤكدة أن رمزية كسر الحصار وحدها كفيلة بإحداث تأثير معنوي كبير لدى أهالي القطاع الذين يتعرضون لحرب شرسة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وشددت على أن هذه المبادرة جزء من سلسلة جهود مستمرة منذ 17 عاما، لم تكن يوما مبادرات فردية أو موسمية، بل خطوات متواصلة تهدف لإعادة تسليط الضوء على واقع محاصر تُغلق في وجهه كل الأبواب، في حين يتفرج العالم بصمت.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات إلى غزة

إقرأ أيضاً:

زيارة البابا إلى لبنان: رمزية تتجاوز اللحظة.. ماذا عن الجنوب؟

تشكل الزيارة المرتقبة لقداسة البابا إلى لبنان أكثر من محطة بروتوكولية أو حدث ديني، فهي عودة الروح إلى وطن بُني على فكرة العيش المشترك، وتأكيد أن هذا البلد الصغير ما زال يحتفظ برسالته في زمن تتسارع فيه الانقسامات، وتتراجع فيه مساحات الحوار، حتى بات الشرق كله يبحث عن نافذة يطل منها على الأمل. زيارة البابا تأتي في لحظة دقيقة يمر فيها لبنان بمرحلة انتقالية على المستويات السياسية والاقتصادية والروحية، وتعيد التأكيد على قيم المحبة والانفتاح التي حملتها الكنيسة عبر تاريخها، وعلى العلاقة التاريخية بين الكرسي الرسولي ولبنان الذي اعتبره الفاتيكان منذ عقود.. لبنان أكثر من وطن.. إنه رسالة.

إن البعد الأول لهذه الزيارة يكمن في إعادة التوازن الروحي لشعب يرزح تحت ضغط الأزمات، وفي طمأنة المسيحيين اللبنانيين والشرقيين بأن حضورهم ليس تفصيلا في معادلة الشرق، بل حجر زاوية في هوية المنطقة ومستقبلها. أما البعد الثاني، فهو سياسي-إنساني، يتمثل في رغبة الفاتيكان الواضحة في دعم الاستقرار، ودفع القوى اللبنانية إلى إعادة بناء الدولة على قاعدة الشراكة واحترام الكرامة الإنسانية، حضور البابا في الجنوب سيشكل منعطفا أخلاقيا ورسالة عالمية بأن الأرض التي عانت كثيرا تستحق أن تعيش بسلام، وأن حماية الإنسان هنا أولوية تتجاوز كل الاصطفافات وهو ما يشكل جزءا من رؤية البابا الحالية تجاه الشرق، حيث تتقدم الاعتبارات الإنسانية على أي حساب آخر. لكن أهم ما يمكن أن تحمله الزيارة هو البعد الثالث: زيارة الجنوب اللبناني. فالجنوب ليس جغرافيا عابرة، بل مساحة تختزن آلام الحروب والانقسامات ومقاومة الاحتلال ومعاناة الناس بين خطوط النار.

حضور البابا في الجنوب سيشكل منعطفا أخلاقيا ورسالة عالمية بأن الأرض التي عانت كثيرا تستحق أن تعيش بسلام، وأن حماية الإنسان هنا أولوية تتجاوز كل الاصطفافات. إن هذه الزيارة، لو حصلت، ستنقل الجنوب من ساحة تُقرأ عسكريا وسياسيا إلى ساحة تُقرأ إنسانيا وروحيا، وسيكتسب لبنان حينها قيمة إضافية تُثبت أنه ليس بلدا ينتظر الحلول من الخارج، بل مركزا لإنتاجها.

وانطلاقا من هذا البعد، تبرز أهمية إطلاق مبادرة سلام فاتيكانية من رحم هذه الزيارة، مبادرة لا تقف عند الحدود اللبنانية، بل تمتد نحو غزة وسائر مناطق النزاع في الشرق، على قاعدة واحدة: حماية المدنيين، ووقف نزيف الحروب، وتخفيف معاناة ملايين المتعبين من مسلمين ومسيحيين. يمكن لهذه المبادرة أن تحمل عنوانا كبيرا: "حق الشعوب في الحياة"، وأن تكون إطارا أخلاقيا جامعا تعيد عبره الكرسي الرسولي وضع الشرق على خريطة الاهتمام الدولي من زاوية إنسانية لا سياسية فقط.

الفاتيكان، بما يمتلك من قوة رمزية وأخلاقية، قادر على جمع أطراف متباعدة، وعلى مخاطبة الضمائر في زمن باتت فيه لغة السلاح تتقدم على لغة الحق. إن مثل هذه المبادرة إذا أُطلقت من لبنان، وبصوت البابا، فإنها ستعيد الاعتبار إلى الدور التواصلي الذي لطالما لعبه هذا البلد، وستمنح أهله فرصة ليكونوا شركاء في مسار سلام وضعه التاريخ أكثر من مرة على أكتافهم، كما ستعيد للمنطقة ثقة مفقودة بأن الحوار لا يزال ممكنا، وأن صوت الرحمة أقوى من ضجيج المدافع.

تبقى الحقيقة الثابتة في خاتمة هذا المسار: إن قيمة المشرق كله تكمن في العيش المشترك بين مكوناته الإسلامية والمسيحية. ففي هذه الأرض التي شهدت ولادة الرسالات، لا يمكن لأي مشروع سلام أن ينجح إذا لم يقم على احترام التنوع وعلى الإيمان بأن مستقبل المنطقة هو مستقبل الجميع معا، لا مستقبل طائفة أو جماعة واحدة. زيارة البابا إلى لبنان هي اللحظة المناسبة لإعادة تثبيت هذه الحقيقة، وللتذكير بأن الشرق المتعب لا ينهض إلا حين يلتقي أبناؤه على كلمة واحدة: إنسانية الإنسان أولا.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تهدد بتوسيع العمليات العسكرية وأورتاغوس تريد تفتيش المنازل في كلّ لبنان
  • متظاهرون في برلين يطالبون الحكومة الألمانية بوقف دعم إسرائيل
  • سوريا تدعو المجتمع الدولي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية التي تهدد الأمن الإقليمي
  • إسرائيل تهدد لبنان بتوسيع هجماتها إن تأخذ موقفا ضد حزب الله
  • إسرائيل تهدد بتوسيع هجماتها في لبنان وواشنطن تضغط لنزع سلاح حزب الله
  • رئيس البرلمان العربي يؤكد دعم الشعب الفلسطيني ويطالب المجتمع الدولي بوقف جرائم الاحتلال
  • الحرب اختبار لإنسانية المجتمع الدولي.. أبو العينين يطالب العالم بوقف إطلاق النار في غزة
  • أبو العنين: يجب الضغط على إسرائيل للالتزام الكامل بوقف إطلاق النار واحترم سيادة لبنان وسوريا
  • زيارة البابا إلى لبنان: رمزية تتجاوز اللحظة.. ماذا عن الجنوب؟
  • وزير الخارجية السوري: الصمت الدولي يشجع إسرائيل على ارتكاب المزيد من الجرائم