لجريدة عمان:
2025-08-05@19:43:05 GMT

الرواية العربية وإرث الهزائم

تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT

عندما قررتُ المشاركة في ندوة علميّة عن الرواية العربيّة، اتّخذ منظِّمُوها لها عنوانًا «الكارثة وما بعدها: تمثّلات العنف والصّدمة في الأدب العربيّ الحديث»، بقيتُ متفكِّرًا، محتارًا، أتخيّر النماذج العربيّة التي تفاعلت مع الكوارث الحالّة في حديث عصْرنا، وحيرتي راجعة إلى وفرة الكوارث وتراكم الأعمال السرديّة المتفاعلة معها بشكل مباشر أو بشكل تصويريّ تخييليّ، ووقفت متأمّلاً، ناظرًا، في الرواية العربيّة التي حقّقت في وجيزٍ من الزمن تاريخًا من المآثر، وتنوّعت أشكالاً وأنواعًا وأنماطًا مختلفة، وراكمت في الذهن العربيّ أوّلاً وفي المكتبة العربيّة ثانيّا تاريخًا من القراءة يفوق القرن من الزمان بقليل، ويحقّ لنا بعد هذا القرن من الزمان أن ننظر في هذا التراكم الروائيّ، ما الذي حقّقه، وإلى أين المسير؟ بدايةً من الرواية الأولى التي أجمع عليها الفكر النقدي العربيّ (رغم اختلافي مع تحديد هذه البداية) وهي رواية «زينب» لهيكل، إلى التكدّس الروائيّ اليوم بغثّه وسمينه؟ إلى أين تسيرُ الروايةُ العربيَّةُ؟ وتبيّن لي من نظري التاريخيّ أنّ مسار الرواية العربيّة منشدّ إلى الذاكرة، إلى التاريخ، إلى التذكّر أكثر من اتّصاله بالآتي، بالمقبل.

الروايةُ العربيّة في أغلب مظاهرها وأشكالها بقيت تدور في نفس الرَّحى، يتجاذبها قطبان، القطب الأوّل هو التاريخ القريب أو البعيد، وهو أمرٌ حقيق بالنظر والبحث، نظرًا في صلةٍ بيّنة بين الرواية والذّاكرة، التي لم تتوضّح، وما زالت مشحونةً، مملوءة بِعُقَد الماضي الذي لم نتصالح معه بعد. الذاكرة الفرديّة أو الجمعيّة مدارٌ جاذبٌ للرواية العربيّة، مؤسّسٌ لآفاقِ سرْد ممكنٍ تراكمت فيه أثقالٌ من الأعمال الروائيّة.

والقُطب الثاني الجاذب، المُغري للرواية العربيّة، هو الواقع بوقْعِه وكثْرَة تعقيداته، وبكلّ حمولاته المعرفيّة، والسياسيّة، والثقافيّة والاجتماعيّة، الفرديّة والجمعيّة. الواقع فاعلٌ دافعٌ حاملٌ لحكايات يتلقّطُها الروائيّ العربيّ وينسج منها عوالمه التخييليّة. ما علاقة كلّ هذا، بموضوع أدب الكارثة. الأصلُ في النقد العربيّ وفي شقٍّ من خطاب المثقّفين العرب، أنّ خطابهم قائم على الأصداء، ما زلنا عيالاً على مفاهيم الغرب نتلقّاها دون إدراكٍ لخطورة الخطاب. أدب ما بعد الكارثة، هو سياقٌ تاريخيّ نقديّ للخوض في سرديّة تأسّست ما بعد الحرب الباردة، وهي سرديّة تعي مخاطر التملّك النوويّ، والتنابز بامتلاكه، والتهديد باستعماله، وتعي جيّدا مسار الكون بعد جنون جهود البشر العلميّة التي اتّخذت مسار تدمير الكون، والقضاء على البشر والحجر.

سرديّة ما بعد الكارثة تتولّد منها مفاهيم عدّة عالقة بفضاءات أيديولوجيّة، ليست بريئة في أغلبها، فأدب الصدمة، مرتبط بالتنظير لمحارق اليهود، وإنشاء سرد يُخرج الحدث من دائرة النسيان إلى دائرة الخلود عبر الحكاية، ليظلّ الكون في حالِ تذكّر واستعادة وإحساس بالخطيئة لما فعلوه مع «شعب الله المُختار»، «أدب الصدمة» أصبح من بعد هذا التأصيل الإبستيمولوجي أداةً عامّة يُجريها أصحاب النقد الثقافيّ على مجموعة الأعمال الأدبيّة التي تهتمّ بتمثيل التجارب الصدميّة في شكلها الفرديّ أو الجمعيّ، مثل تجارب الحروب والإبادة الجماعيّة والعنف والعبوديّة وكوارث الطبيعة والوجود، ويتركّز هذا الأدب على بيان الآثار النفسيّة والمعرفيّة للصدمة، وهذا من آثار «ما بعد الكارثة»، الذي يُمثّل المفهوم الأعمّ لسرديّة تعمل على المداواة من أثر الكوارث بإعادة حكايتها والإبقاء عليها من جهة، أو بسرد الآثار الكارثيّة لما بعد الكارثة تخييلاً روائيًّا.

أمّا روايتنا العربيّة، فهي لا تداوي، ولا تُقيم رؤية لغرس حكاية ودفع الناس إلى الإيمان بها، كما كان الأمر في أدبيّات المحرقة وما بعدها، وإنّما هي رواية تذكُّر وواقع. تغيب عن روايتنا الرؤية الإيديولوجيّة والعَقَديّة، والتخيّل لما يُمكن أن يكون، وإن كان عبدالرحمن منيف قد أبدع في سرد رؤية الروائيّ الذي يتبصّر المقبل ويُنشئُه حكايةً.

ما زلتُ أرى غلبةً سائدة للتيّار المحفوظيّ في الرواية، وهو التيّار الذي يقرأ الواقع في ظاهره، ولا يُقيم سرديّة تتعمّق أبعاده وممكن نتائجه، أليس ما نعيشه اليوم من أسئلة هيمنة التكنولوجيا والرقميّات وسيطرتها على البشر، هو ما عبّرت عنه رواياتٌ غربيّة عديدة؟ ألا يُذكِّرُنا حُطام غزّة ونحن نرى مشاهد الدمار بأفلام الخيال العلميّ وبروايات صُنّفت على أنّها رواياتٌ تتمثّل ما بعد الكارثة، تتصوّر «اليوم التالي»؟ المُدن الخالية، الخاوية على عروشها، والمجاعات وأكل البشر للبشر، وإفناء الإنسان، ألم تكن هذه مشاريع روائيّة لسرديّات ضخمة، حكاها بول أوستر في «في بلاد الأشياء الأخيرة» وكورماك مكارثي في «الطريق»؟ الرأي عندي أنّ المجتمعات الغربيّة لها نسقٌ مختلف، وهي داخلة في تصوير عوالم وفقا لقراءة خاصّة لواقعها، وهي قراءة تتيح لهم الدخول في مثل هذه المواضيع، أمّا نحن فما زلنا في ارتباط وثيق مع قضايا نلوكها منذ قرن من الزمان، قضايا حول القوميّة أو القطريّة، الرأسماليّة أو الاشتراكيّة، المدارس الخاصّة والمدارس العموميّة، الحريّة الشخصيّة والعامّة، المرأة والرجل، ما زلنا نخوض في الواقع قضايا تختلف جذريّا عن القضايا التي نعيشها ذهنيّا وثقافيّا، ولذلك، ما زالت رواياتنا محفوظيّة، أقرب إلى طريق نجيب محفوظ، وإن توفّرت روايات تفاعلت مع «ما بعد الكارثة» مثل «باب الشمس» لإلياس خوري، و«فرانكشتاين في بغداد» لأحمد سعداوي، غير أنّنا اليوم، بعيدًا عن فكرة «الصدمة»، لأنّ العقل العربيّ مليءٌ بصدمات عددٍ، في حروبٍ متتالية، وإخفاقات وفيرة، وهزائم لا تُحصَى، وبعيدًا عن أيديولوجيا ما بعد الكارثة، (وهي مفاهيم أساسيّة في النقد الثقافيّ، لا أفضّل استعمالها، وإنّما أنبّه إلى شحنتها الإيديولوجيّة العرقيّة والسياسيّة والعنصريّة)، التي أُقيمت على أيديولوجيا ضرورة الكارثة وحصولها، لبدء «اليوم التالي» التي تبني فيه الليبرالية السّوقَ على قاعدة واضحة، نحتاج إلى قصّة، إلى سرديّة فيها رؤية، تخلّد ما حصل، وتروي للكون حكايتنا، تروي حكاية الشعب الذي نخرته الهزائم وما زال صامدًا عاريًا، جائعًا، يُقتَّل أمام أنظار العالم الحرّ وهو يطلب حفنة طحين، لا بدّ أن تكون لنا قصّة سورياليّة عن مجتمعات الحريّة التي رفعت ألوية قداسة الفكر الحرّ والرأي الحرّ، وتسجن وتسحب الجنسيّة وتُعذِب وتطارد من يقول كلمة «فلسطين»، سيموت هؤلاء، ونفنى، وستبقى فلسطين حكايةً لم يُحسن العرب روايتها لحدّ اليوم، وإن أحسن الشعراء تخليدها، وأحسن درويش إبقاءها حيّة، نابضة: «عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ/ الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ/ تُسَمَّى/ فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الروایة العربی ما بعد الکارثة العربی ة سردی ة ة التی

إقرأ أيضاً:

سعر الريال مقابل الجنيه المصري والعملات العربية اليوم الثلاثاء 11-2-1447

استقرت أسعار العملات العربية مقابل الريال اليوم الثلاثاء 11-2-1447 في البنك المركزي نسبيًا؛ حيث استقر سعر الريال مقابل الجنيه المصري، وتباينت أسعار بقية العملات العربية بشكل طفيف.

سعر الريال مقابل الجنيه المصري

وسجل سعر الريال مقابل الجنيه المصري ، اليوم الثلاثاء 11-2-1447 في البنك المركزي، استقرارًا 0.077 ريال.

وسجل سعر الريال مقابل الدينار الجزائري، اليوم، 0.028 ريال.

فيما سعر الريال مقابل الدينار الليبي، اليوم، 0.69 ريال.

وسجل سعر الريال مقابل الدرهم المغربي، اليوم، 0.4 ريال.

وسجل سعر الريال مقابل الدينار التونسي، اليوم، 1.3 ريال.

سعر الريال مقابل العملات العربية

وجاء سعر الريال مقابل العملات العربية الأخرى، في البنك المركزي مستقرًا، اليوم الثلاثاء، حيث سجل سعر الريال مقابل الدرهم الإماراتي، 1.02 ريال.

كما سجل سعر الريال مقابل الدينار البحريني، اليوم، 9.94 ريال.

وسجل سعر الريال مقابل الريال اليمني، 0.01 ريال.

وسجل سعر الريال مقابل الدينار الكويتي، 12.27 ريال.

وسجل سعر الريال مقابل الريال العماني، 9.74 ريال.

وسجل سعر الريال مقابل الريال القطري، 1.0299 ريال.

وسجل سعر الريال مقابل الدينار الأردني، 5.29 ريال.

أسعار العملاتأسعار العملات العربيةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى الكارثة | ماذا تعرف عن القصف الذري الأمريكي على اليابان؟
  • سعر الريال مقابل الجنيه المصري والعملات العربية اليوم الثلاثاء 11-2-1447
  • سعر العملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 5 أغسطس 2025
  • أسعار العملات العربية والأجنبية في مصر.. اليوم الثلاثاء 5-8-2025
  • سعر العملات العربية والأجنبية اليوم الإثنين 4 أغسطس 2025
  • وزيرا خارجية مصر وتركيا يناقشان الكارثة الإنسانية في غزة
  • أسعار العملات العربية أمام الجنيه في مصر بختام تعاملات اليوم الأحد
  • أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الأحد 3 أغسطس 2025
  • إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع لـ سانا: تقوم وحدات الجيش العربي السوري في هذه اللحظات بتنفيذ ضربات دقيقة تستهدف مصادر النيران التي استخدمتها قوات “قسد” في قصف قرية الكيارية ومحيطها بريف منبج، وقد تمكنت قواتنا من رصد راجمة صواريخ ومدفع