لجريدة عمان:
2025-12-05@04:23:25 GMT

الرواية العربية وإرث الهزائم

تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT

عندما قررتُ المشاركة في ندوة علميّة عن الرواية العربيّة، اتّخذ منظِّمُوها لها عنوانًا «الكارثة وما بعدها: تمثّلات العنف والصّدمة في الأدب العربيّ الحديث»، بقيتُ متفكِّرًا، محتارًا، أتخيّر النماذج العربيّة التي تفاعلت مع الكوارث الحالّة في حديث عصْرنا، وحيرتي راجعة إلى وفرة الكوارث وتراكم الأعمال السرديّة المتفاعلة معها بشكل مباشر أو بشكل تصويريّ تخييليّ، ووقفت متأمّلاً، ناظرًا، في الرواية العربيّة التي حقّقت في وجيزٍ من الزمن تاريخًا من المآثر، وتنوّعت أشكالاً وأنواعًا وأنماطًا مختلفة، وراكمت في الذهن العربيّ أوّلاً وفي المكتبة العربيّة ثانيّا تاريخًا من القراءة يفوق القرن من الزمان بقليل، ويحقّ لنا بعد هذا القرن من الزمان أن ننظر في هذا التراكم الروائيّ، ما الذي حقّقه، وإلى أين المسير؟ بدايةً من الرواية الأولى التي أجمع عليها الفكر النقدي العربيّ (رغم اختلافي مع تحديد هذه البداية) وهي رواية «زينب» لهيكل، إلى التكدّس الروائيّ اليوم بغثّه وسمينه؟ إلى أين تسيرُ الروايةُ العربيَّةُ؟ وتبيّن لي من نظري التاريخيّ أنّ مسار الرواية العربيّة منشدّ إلى الذاكرة، إلى التاريخ، إلى التذكّر أكثر من اتّصاله بالآتي، بالمقبل.

الروايةُ العربيّة في أغلب مظاهرها وأشكالها بقيت تدور في نفس الرَّحى، يتجاذبها قطبان، القطب الأوّل هو التاريخ القريب أو البعيد، وهو أمرٌ حقيق بالنظر والبحث، نظرًا في صلةٍ بيّنة بين الرواية والذّاكرة، التي لم تتوضّح، وما زالت مشحونةً، مملوءة بِعُقَد الماضي الذي لم نتصالح معه بعد. الذاكرة الفرديّة أو الجمعيّة مدارٌ جاذبٌ للرواية العربيّة، مؤسّسٌ لآفاقِ سرْد ممكنٍ تراكمت فيه أثقالٌ من الأعمال الروائيّة.

والقُطب الثاني الجاذب، المُغري للرواية العربيّة، هو الواقع بوقْعِه وكثْرَة تعقيداته، وبكلّ حمولاته المعرفيّة، والسياسيّة، والثقافيّة والاجتماعيّة، الفرديّة والجمعيّة. الواقع فاعلٌ دافعٌ حاملٌ لحكايات يتلقّطُها الروائيّ العربيّ وينسج منها عوالمه التخييليّة. ما علاقة كلّ هذا، بموضوع أدب الكارثة. الأصلُ في النقد العربيّ وفي شقٍّ من خطاب المثقّفين العرب، أنّ خطابهم قائم على الأصداء، ما زلنا عيالاً على مفاهيم الغرب نتلقّاها دون إدراكٍ لخطورة الخطاب. أدب ما بعد الكارثة، هو سياقٌ تاريخيّ نقديّ للخوض في سرديّة تأسّست ما بعد الحرب الباردة، وهي سرديّة تعي مخاطر التملّك النوويّ، والتنابز بامتلاكه، والتهديد باستعماله، وتعي جيّدا مسار الكون بعد جنون جهود البشر العلميّة التي اتّخذت مسار تدمير الكون، والقضاء على البشر والحجر.

سرديّة ما بعد الكارثة تتولّد منها مفاهيم عدّة عالقة بفضاءات أيديولوجيّة، ليست بريئة في أغلبها، فأدب الصدمة، مرتبط بالتنظير لمحارق اليهود، وإنشاء سرد يُخرج الحدث من دائرة النسيان إلى دائرة الخلود عبر الحكاية، ليظلّ الكون في حالِ تذكّر واستعادة وإحساس بالخطيئة لما فعلوه مع «شعب الله المُختار»، «أدب الصدمة» أصبح من بعد هذا التأصيل الإبستيمولوجي أداةً عامّة يُجريها أصحاب النقد الثقافيّ على مجموعة الأعمال الأدبيّة التي تهتمّ بتمثيل التجارب الصدميّة في شكلها الفرديّ أو الجمعيّ، مثل تجارب الحروب والإبادة الجماعيّة والعنف والعبوديّة وكوارث الطبيعة والوجود، ويتركّز هذا الأدب على بيان الآثار النفسيّة والمعرفيّة للصدمة، وهذا من آثار «ما بعد الكارثة»، الذي يُمثّل المفهوم الأعمّ لسرديّة تعمل على المداواة من أثر الكوارث بإعادة حكايتها والإبقاء عليها من جهة، أو بسرد الآثار الكارثيّة لما بعد الكارثة تخييلاً روائيًّا.

أمّا روايتنا العربيّة، فهي لا تداوي، ولا تُقيم رؤية لغرس حكاية ودفع الناس إلى الإيمان بها، كما كان الأمر في أدبيّات المحرقة وما بعدها، وإنّما هي رواية تذكُّر وواقع. تغيب عن روايتنا الرؤية الإيديولوجيّة والعَقَديّة، والتخيّل لما يُمكن أن يكون، وإن كان عبدالرحمن منيف قد أبدع في سرد رؤية الروائيّ الذي يتبصّر المقبل ويُنشئُه حكايةً.

ما زلتُ أرى غلبةً سائدة للتيّار المحفوظيّ في الرواية، وهو التيّار الذي يقرأ الواقع في ظاهره، ولا يُقيم سرديّة تتعمّق أبعاده وممكن نتائجه، أليس ما نعيشه اليوم من أسئلة هيمنة التكنولوجيا والرقميّات وسيطرتها على البشر، هو ما عبّرت عنه رواياتٌ غربيّة عديدة؟ ألا يُذكِّرُنا حُطام غزّة ونحن نرى مشاهد الدمار بأفلام الخيال العلميّ وبروايات صُنّفت على أنّها رواياتٌ تتمثّل ما بعد الكارثة، تتصوّر «اليوم التالي»؟ المُدن الخالية، الخاوية على عروشها، والمجاعات وأكل البشر للبشر، وإفناء الإنسان، ألم تكن هذه مشاريع روائيّة لسرديّات ضخمة، حكاها بول أوستر في «في بلاد الأشياء الأخيرة» وكورماك مكارثي في «الطريق»؟ الرأي عندي أنّ المجتمعات الغربيّة لها نسقٌ مختلف، وهي داخلة في تصوير عوالم وفقا لقراءة خاصّة لواقعها، وهي قراءة تتيح لهم الدخول في مثل هذه المواضيع، أمّا نحن فما زلنا في ارتباط وثيق مع قضايا نلوكها منذ قرن من الزمان، قضايا حول القوميّة أو القطريّة، الرأسماليّة أو الاشتراكيّة، المدارس الخاصّة والمدارس العموميّة، الحريّة الشخصيّة والعامّة، المرأة والرجل، ما زلنا نخوض في الواقع قضايا تختلف جذريّا عن القضايا التي نعيشها ذهنيّا وثقافيّا، ولذلك، ما زالت رواياتنا محفوظيّة، أقرب إلى طريق نجيب محفوظ، وإن توفّرت روايات تفاعلت مع «ما بعد الكارثة» مثل «باب الشمس» لإلياس خوري، و«فرانكشتاين في بغداد» لأحمد سعداوي، غير أنّنا اليوم، بعيدًا عن فكرة «الصدمة»، لأنّ العقل العربيّ مليءٌ بصدمات عددٍ، في حروبٍ متتالية، وإخفاقات وفيرة، وهزائم لا تُحصَى، وبعيدًا عن أيديولوجيا ما بعد الكارثة، (وهي مفاهيم أساسيّة في النقد الثقافيّ، لا أفضّل استعمالها، وإنّما أنبّه إلى شحنتها الإيديولوجيّة العرقيّة والسياسيّة والعنصريّة)، التي أُقيمت على أيديولوجيا ضرورة الكارثة وحصولها، لبدء «اليوم التالي» التي تبني فيه الليبرالية السّوقَ على قاعدة واضحة، نحتاج إلى قصّة، إلى سرديّة فيها رؤية، تخلّد ما حصل، وتروي للكون حكايتنا، تروي حكاية الشعب الذي نخرته الهزائم وما زال صامدًا عاريًا، جائعًا، يُقتَّل أمام أنظار العالم الحرّ وهو يطلب حفنة طحين، لا بدّ أن تكون لنا قصّة سورياليّة عن مجتمعات الحريّة التي رفعت ألوية قداسة الفكر الحرّ والرأي الحرّ، وتسجن وتسحب الجنسيّة وتُعذِب وتطارد من يقول كلمة «فلسطين»، سيموت هؤلاء، ونفنى، وستبقى فلسطين حكايةً لم يُحسن العرب روايتها لحدّ اليوم، وإن أحسن الشعراء تخليدها، وأحسن درويش إبقاءها حيّة، نابضة: «عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ/ الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ/ تُسَمَّى/ فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الروایة العربی ما بعد الکارثة العربی ة سردی ة ة التی

إقرأ أيضاً:

حظك اليوم لمواليد برج الحوت: فرصة للتأمل والتفكير في نوع الحب الذي تريده

يعد برج الحوت هو آخر برج من الأبراج السماوية الاثني عشر في دائرة البروج، ويولد أصحابه من 19 فبراير إلى 20 مارس، وإذا كنت من مواليد برج الحوت تعرف على توقعات علماء الفلك لمواليد هذا البرج وتأثير النجوم على حياتك.

توقعات برج الحوت اليوم

وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها كل ما يخص توقعات برج الحوت اليوم وذلك ضمن خدمة مستمرة تقدمها لزوارها في مختلف المجالات ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنا.

توقعات برج الحوت على الصعيد المهني

مهنياً، القرار الصامت قد يحمل قوة كبيرة. إذا كنت تفكر في تغيير أو اتجاه جديد، فاجلس مع الفكرة دون أن تعلن عنها، اليوم جيد للتخطيط الخاص والمواءمة الداخلية، تجنب الدراما أو القيل والقال في المكتب، ركز على مهمتك ودع الآخرين يتساءلون. ليس من الضروري أن تشرح كل شيء حتى تحترم، إذا حاول شخص ما استعجالك لاتخاذ قرار، فاطلب المزيد من الوقت.

توقعات برج الحوت على الصعيد العاطفي

في الحب، قد تشعر بمزيد من الانطواء والتأمل، دع هذا يرشدك بدلاً من الشعور بالذنب لحاجتك إلى المساحة، إذا كنت في علاقة، فإن لحظة هادئة مشتركة مع شريك حياتك يمكن أن تقول أكثر من مجرد محادثات طويلة، كن ناعمًا في طاقتك.

إذا كنت أعزبًا، فهذا يوم جيد للتفكير في نوع الحب الذي تريده حقًا، تخلص من ارتباك الماضي وركز على الهدوء الذي تريده، تجنب فرض الاتصال، قرار واحد هادئ من قلبك اليوم قد يحقق التوازن العاطفي ويحدد طريقًا واضحًا للروابط المستقبلية.

توقعات برج الحوت على الصعيد الصحي

صحتك الجسدية متوازنة، ولكن يتوق جسمك إلى الهدوء والنعومة اليوم. تجنب الأماكن المزعجة والأطعمة الثقيلة، سيساعدك الروتين الصباحي الهادئ على البقاء مركزًا طوال اليوم، قد تشعر أنك عاطفي أكثر من المعتاد، ولا بأس بذلك.

اقرأ أيضاًتوقعات الأبراج وحظك اليوم الإثنين 1 ديسمبر 2025: برج القوس.. لا تستلم للضغوط

توقعات الأبراج وحظك اليوم الخميس 27 نوفمبر 2025: مفاجأة لـ برج القوس وتحذير لـ الأسد

«اعرف حظك».. توقعات الأبراج اليوم الاثنين 1 ديسمبر 2025

مقالات مشابهة

  • اكتظاظ وتجويع وإهمال طبي.. أوضاع الأسرى تصل إلى حد الكارثة منذ 7 أكتوبر
  • يوم المغترب العربي.. الجامعة العربية تشيد بدور الجاليات في دعم قضايا الأمة
  • محافظ القاهرة يفوز بجائزة التميز الحكومي العربي كأفضل محافظ على مستوى الدول العربية
  • فيرتز ينقذ ليفربول من الكارثة في «البريميرليج»!
  • سقوط الرواية الطائفية في جريمة زيدل بحمص.. ما الحقيقة؟
  • متحف زايد الوطني يفتح أبوابه للزوار في أبوظبي.. وبرنامج احتفائي لإبراز "جذور راسخة وإرث حي"
  • برعاية محمد بن راشد.. تكريم الفائزين بجائزة التميز الحكومي العربي غداً في مقر الجامعة العربية
  • حظك اليوم لمواليد برج الحوت: فرصة للتأمل والتفكير في نوع الحب الذي تريده
  • مركز الشباب العربي يختتم المرحلة الأولى من «القيادات العربية الشابة في القطاع الثالث»
  • رئيس الشيوخ يؤكد أهمية الدور المحوري للبرلمان العربي في خدمة القضايا العربية