جاءت المادة الخامسة من الدستور لتؤكد أن: «النظام السياسى يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها». وهو ما ننشده جميعًا ونسعى لترسيخه، وهو أيضًا ما تعمل الدولة المصرية على تأكيده رغم ما واجهته من تحديات جسيمة استدعت فى وقتها قدراً من التكامل بين السلطات لبناء الوطن، مع عدم الإخلال باستقلال كل سلطة، صونًا لروح النص الدستورى.
أقول ذلك تمهيدًا للتعليق على ما جرى فى قاعة مجلس النواب بجلسة مناقشة مذكرة اللجنة العامة بشأن ملاحظات واعتراضات السيد رئيس الجمهورية على بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية. فقد كان مشهد التعامل مع المستشار الجليل عدنان الفنجرى - وزير العدل - مشهدًا مؤسفًا لم يخلُ من الحدة، ولم يكن موفقًا فى حق قامة قضائية كبيرة نجلها ونقدرها.
وللتوضيح، فإن مشروع القانون كان قد أُقرّ من مجلس النواب قبل ثلاثة أشهر، ثم أحاله المجلس إلى السيد رئيس الجمهورية للتصديق عليه، غير أن الرئيس مارس حقه الدستورى فى الاعتراض على بعض مواده انحيازًا لحقوق المواطن وحمايةً للحريات. وقد حضر السيد وزير العدل جلسة اللجنة العامة ليبدى وجهة نظر وزارته بصفته المسئول التنفيذى الأول عن وزارة العدل، مستندًا إلى خبراته المتراكمة قاضيًا وعضوًا بالنيابة العامة، ثم رئيسًا لمحاكم الاستئناف، ورئيسًا لمحاكم الجنايات، وصولًا إلى رئاسته لمحكمة استئناف القاهرة وعضويته بمجلس القضاء الأعلى، فضلًا عن عمله التنفيذى وزيرًا للعدل.
غير أن ما بدا أثناء المناقشة أوحى كما لو أن الوزير مسئول عن مواد مشروع القانون ذاته، فى حين أن الحقيقة أن البرلمان بكامل تشكيله هو من ناقش وأقر النصوص محل الاعتراض، قبل أن يتدخل السيد الرئيس بحكمته الدستورية ليصحح ما شابها.
إن القاضى الجليل عدنان الفنجرى لم يفعل أكثر من أن أدى واجبه وأخلص لقسمه بأن يحترم الدستور والقانون، مقدرًا الظروف والإمكانات العملية المتاحة، ومؤكدًا أن ما يقره الدستور من بدائل للحبس الاحتياطى كافٍ وفق ما بين يديه من معطيات، إلى أن يُثبت الواقع عكس ذلك. وهذا موقف يُحسب له، لا عليه.
وقد كان طبيعيًا أن يلقى الوزير تعاطفًا واسعًا عقب هذا المشهد، ليس تعاطفًا مع شخصه فحسب، بل دفاع عن هيبة الدولة واحترام مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء.
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى التكامل بين السلطات لا التصادم بينها، وإلى أن يسود التعاون والاحترام المتبادل بين مؤسسات الدولة، بعيدًا عن المزايدات أو تحميل طرفٍ بعينه تبعة ما هو فى جوهره عمل مشترك. فبذلك وحده تُبنى الأوطان وتنهض الشعوب.
وفى هذا السياق، فإن وجود معالى المستشار محمود فوزى وزير شئون المجالس النيابية والقانونية والتواصل السياسى، بما له من خبرة واسعة ورؤية متوازنة، يمثل عنصر التوازن القادر على إعادة جسور التكامل والتواصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ووأد أى فتيل لأزمات طارئة قد تعرقل مسيرة الدولة.
إننى إذ أكتب هذه السطور، لا أنحاز لطرف على حساب آخر، وإنما أنحاز للوطن، الذى يعلو على كل اعتبار. وأثق فى وطنية كل من معالى المستشار الجليل حنفى الجبالى رئيس مجلس النواب، ومعالى المستشار الجليل عدنان الفنجرى وزير العدل، وأن ما وقع لا يعدو أن يكون سحابة صيف عابرة لن تلبث أن تنقشع.
ولمن لا يعرف، فإن المستشار عدنان الفنجرى أحد أعلام القضاء المصري، عُين بالنيابة العامة وتدرج فى سلكها حتى صار نائبًا عامًا مساعدًا ومديرًا للتفتيش القضائى عام 2006، ثم رئيسًا لمحاكم استئناف متعددة من أسيوط إلى بنى سويف والإسكندرية ثم القاهرة، وعضوًا بمجلس القضاء الأعلى، قبل أن يُكلف بحقيبة وزارة العدل. وله مواقف مشهودة فى الدفاع عن استقلال القضاء، أبرزها رفضه فى عام 2012 تنفيذ قرارات رآها تدخلًا فى استقلال السلطة القضائية، مفضلًا العودة إلى منصة القضاء حفاظًا على القسم وشرف الرسالة.
هذه كلمتى من باب إحقاق الحق، ودفاعًا عن قيمة العدالة، ورسالة تقدير لمعالى وزير العدل.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية.
المحامى بالنقض
رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس الشيوخ
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كلمة حق طارق عبدالعزيز رسالة إلى وزير العدل مجلس النواب قاعة مجلس النواب وزیر العدل رئیس ا وزیر ا
إقرأ أيضاً:
مقتل شقيقين في جريمة إطلاق نار في الجليل
الجليل - صفا قُتل شقيقان، في الأربعينيات من عمرهما، يوم الجمعة، في جريمة إطلاق نار قرب قرية إبطن في منطقة الجليل داخل الأراضي المحتلة عام 1948. وذكرت مصادر محلية أن الشقيقين جمال خالدي وشقيقه نضال من سكان إبطن هما ضحيا الجريمة. وارتفع عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي بأراضي الـ48 منذ بداية العام الجاري إلى 205، في حصيلة تُعدّ من الأعلى خلال السنوات الأخيرة. وتشير المعطيات إلى أن 174 شخصًا قتلوا بالرصاص، فيما كان 100 من الضحايا دون سن الثلاثين، بينهم ثلاثة أطفال لم يبلغوا سن الثامنة عشر. كما سجلت 10 جرائم قتل من قِبل شرطة الاحتلال.