فيلم المنفيون.. فتاة طموحة تغوص في يوتوبيا افتراضية بلا نهاية
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
طاهر علوان
من منطلق أن الفيلم ما هو إلا قصة تروى، فإنه يحتاج الى عدد من المعطيات التي تجعل رواية تلك القصة مقنعة وذات تأثير في جمهور المشاهدين، ومن هنا صار كتّاب السيناريو والمخرجون يتفننون في إيجاد العناصر والأسباب التي تجعل القصة السينمائية على درجة من النجاح.
وكانت وما تزال الشخصيات هي الأدوات الأكثر فاعلية في صناعة الدراما والمضي في القصة والسرد السينمائي الى تلك النهايات التي يعشقها الجمهور ويجد فيها نوعا مما عرف تقليديا في لغة الدراما منذ ارسطو الى الان وهو مصطلح التطهير بوصول الاحداث والصراعات الى نهاياتها وانتصار الخير على الشر.
من هذه الزوايا مجتمعة يمكننا النظر الى هذا الفيلم لكاتب السيناريو والمخرج جوزيف سيمز- دينيت الذي حشد الكثير من الأدوات التعبيرية لتقديم قصة سينمائية متماسكة من خلال عدد محدود من الشخصيات مع التصوير في أماكن طبيعية وبذلك يندرج الفيلم ضمن قائمة الأفلام قليلة التكلفة.
ها نحن مع الشخصية الرئيسية، الفتاة الشابة غريس – الممثلة ميغ كلارك وهي تواجه صدمة موت والدها، وها هي تتأكد من موته بمشاهدته وهو في صالة الطب الشرعي ومنذ ذلك المشهد سوف تذهب ذاكرتها بعيدا في ماض سحيق يعيد لها صور طفولتها وصباها تحت وطأة أب قاس وشديد الشراسة وها هو يختتم رحلته من هذه الحياة بالتوصية بكل ممتلكاته لصالح الكنيسة تاركا ابنته وابنه صفر اليدين.
واذا كانت غريس قد تلقت الخبر بهدود رغم الذكريات الماضية القاسية، فإن شقيقها يكون قد التحق بمجموعة تطلق على نفسها الباحثون عن اليوتوبيا، وهي بالفعل تشاهدهم وهم يحشرون في وسط شاحنة تأخذهم الى المجهول في وسط غابات لا نهاية لها.
تختلط بالنسبة لغريس الذكريات ويمتزج الماضي بالحاضر والذكريات بالواقع وتجد نفسها في وسط مجتمع عاجز عن حل مشكلاته حيث يمتزج البعدان النفسي والاجتماعي مع الفلسفي والفكري في فهم حالة الانسان في زمننا المعاش.
هنا تطرح العديد من الأسئلة في السياق السردي، أسئلة تتعلق بالذات والأخر والعنف والانانية والضياع والبحث عن مستقبل، كلها في نسق سردي شديد التعقيد والتأثير وهو ما يوظفه المخرج من خلال تداخل المشاهد والانتقالات السريعة وطرح أسئلة على المشاهد وإيجاد أجواء من الجدل والاشكاليات المركبة بمعنى ان الفيلم لا يقدم حلولا ولا إجابات سهلة.
ومن جهة أخرى هنالك تلك المحاكاة الواعية للطبيعة و التفاعل معها الى درجة استنطاق تلك الطبيعة، فتارة هي موحشة ومخيفة تبتلع الوجود البشري فيضيع في تشعباتها المعقدة ومن جهة أخرى هي ملاذ ومنفى لشخصيات تبحث عن خلاص كما جرى لجماعة اليوتوبيا الباحثون عن الذات.
وفي هذا الصدد يقول الناقد جوردان راندال في موقع فير" أن هذا الفيلم يجمع بين الفرضيات الأدبية والفكرية، مازجًا المحتوى الدرامي بمشاهد الرعب. كما أنه يعمل على مستوىً مجازي يُشبه أفلام الرعب الكلاسيكية ويترك للمشاهد مساحةً وافرةً للتفكير.
كما يُقدّم الفيلم من خلال سردٍ مُجزّأ، يُوظّف رمزية ماضي غريس وديناميكية عائلتها ثم يعود بالزمن إلى الوراء للكشف عن الشخصيات وعناصر الحبكة. وبسبب السرد غير الخطي، يزداد غموض القصة، حيث على الجمهور أن يربط الأحداث مع بعضها البعض، وهو ما لا يصب دائمًا في مصلحة الفيلم".
اما الناقد ميكائيل سيلز فقد كتب في موقع ميدلاند موفيز قائلا "أن الدمج بين الأحداث الحالية والماضية هي فكرة رائعة حقا. لكن التصادم مع المشاهد يُضعف القصة بدلًا من إضافة بنية سردية فريدة. وهكذا، لا شيء يُضفي زخمًا حقيقيًا للأحداث بينما نتوقف مجددًا عند حوارٍ جاف آخر. أشعر أنه ما لم تكن من أشدّ مُحبي هذا النوع تحديدًا، فلن يفوتك الكثير. وأودّ أن أقول إن مُحبي أفلام الرعب سيُصابون بخيبة أمل من هذه القصة المُتشعبة، على الرغم من نواياها الإيجابية العديدة نظرًا لميزانيتها المحدودة".
لا شك ان وجهات نظر العديد من النقاد في العديد من المواقع والمنصات قد تباينت بصدد هذا الفيلم بسبب اجتهاد المخرج في المزج ما بين الرعب وبين الحصار النفسي والفشل الاجتماعي كله مجتمعا يندرج في إطار يوتوبيا – مدينة فاضلة كانت غريس تتخيلها وقد دفعت مبلغا كبيرا للوصول اليها لا لشيء الا وفاءا لشقيقها الذي تاهت خطاه فدخل تلك الدائرة العدمية، هذا البناء المُتصدِّع كان في حد ذاته مشكلةً جوهرية وتحديا للشخصيات في نطاق بؤر ذلك السرد الفيلمي ومساراته.
ولعل من الملفت للنظر في هذا الفيلم أن محدودية عدد الشخصيات واختيار أماكن حقيقية للتصوير، كلها قد ساهمت في تقديم فيلم قليل او محدود التكلفة ومن جانب آخر كان ذلك بمثابة اختبار للقدرة على السيطرة على أداء الممثلين بما لا يتسبب بنوع من الملل بسبب تكرار نفس الوجوه وهو ما نجح فيه المخرج الى حد كبير بل ان الغموض الذي انطوت عليه شخصية غريس والتنقل بين ماضيها وحاضرها كان كافيا للاهتمام بمتابعتها.
خلال ذلك كان من الملفت للنظر الإمعان في الخروج على نمطية التصوير الثابت والكاميرا المتوازنة الى بديل هو شكل من الاهتزازات وعدم الثبات والكاميرا المحمولة باليد او على الكتف وكانت للمخرج في ذلك غاية مع تصاعد الاحداث ومع اكتشاف الأماكن ومع الغموض الذي كان يكتنف الاحداث مع بث مزيد من الحبكات الثانوية.
وبصدد غريس نفسها فلا شك انها بوصفها الشخصية المحورية كان من المهم معرفة دوافعها الحقيقية وموقفها من ذلك المجهول الغامض الذي ابتلع شقيقها وثلة من الشباب غيره، لكن المخرج ظل يتنقل بين الأزمنة والذكريات ويترك مساحة واسعة للمشاهد لكي يستنتج ويحلل.
هنالك في الجانب النفسي والوجداني، صدمة غريس المرتبطة بالماضي، تلك التي جعلت الثقة بعيدة المنال بالنسبة لها، ولهذا فإن قرارها بخوض رحلة محفوفة بالمخاطر للعثور على شقيقها مع السيد غرين المشكوك في أهدافه وغاياته، بدلًا من طلب المساعدة الرسمية، يبدو فعلها غير منط قي في البداية لكنه سوف يقودنا لرؤية تلك اليوتوبيا الافتراضية التي لم تكن في الحسبان كما ان البناء الفني المتميز الذي اشتغل عليه المخرج لم يتناسب مع بشاعة النهايات العنيفة والدموية التي شهدها ذلك المخبأ الغامض وسط الغابات.
...............
سيناريو واخراج/ جوزيف سيمز-دينيت
تمثيل/ ميغ كلارك في دور غريس، ليتون كاردنو في دور غرين.
مدير التصوير / سام باور
مونتاج/ اندرو بينيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الفیلم
إقرأ أيضاً:
فتاة تخرج «عجوزاً» بعد ربع قرن على احتجازها
البلاد (وكالات)
كانت ميريلا في الخامسة عشرة من عمرها فقط عندما خرجت آخر مرة من شقة عائلتها في جنوب بولندا. واختفت المراهقة بعدها من دون أن تترك لها أثراً، وعندما سألها الجيران عن مكانها، أصر والداها على أنها اختُطفت. وفي يوليو الماضي، عثرت السلطات البولندية على المرأة التي كانت قد بلغت من العمر 42 عاماً بعدما كان يعتقد أنها مفقودة منذ أكثر من 3 عقود، ولتكتشف الشرطة أنها محتجزة داخل غرفة نومها في منزل والديها طوال تلك السنوات. وفي تفاصيل القصة الصادمة، جاء اكتشاف ميريلا، بعد أن أبلغ الجيران الشرطة إثر سماع أصوات غريبة قادمة من الشقة في ساعة متأخرة من الليل. وقالت الجارة لويزا:” بدأ كل شيء بأصوات من الشقة، كان الوقت متأخراً جداً عندما قررنا الاتصال بالشرطة”. وعندما استُدعيت الشرطة في يوليو الماضي؛ صُدم السكان لاكتشافهم أن ميريلا وجدت”على وشك الموت” ومصابة بجروح بالغة بعد أن قضت 27 عاماً داخل شقة والديها. ووصفت بأنها “كالعجوز”. وظهرت المرأة في حالة وهن شديد؛ إذ كانت تسير منحنية ويكاد جسدها لا يرفع ذراعيها. وفتحت الشرطة تحقيقاً في هذه القضية المقلقة، التي أثارت صدمة في بولندا.