المشروع الوطني الفلسطيني: بناء الدولة أم التحرر الوطني؟
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
لم تعد فلسطين تعاني من أزمة تمثيل أو إدارة فحسب، بل من أزمة تعريف وجودي أعادت صياغة السؤال الأول: ماذا يعني المشروع الوطني الفلسطيني، ومن يملكه، ولأي غاية يساق؟
منذ أوسلو انقلبت الغاية من تحرير الأرض إلى إدارة شعب تحت الاحتلال. لم يكن المأزق نتيجة فشل حكومة أو اتفاق أو جولة تفاوض، بل ثمرة تحول عميق مس الجوهر ذاته، حين جرى استبدال التحرر الوطني بـ"عملية سلام" مفتوحة بلا سقف زمني ولا معيار للعدالة.
كانت منظمة التحرير يوما التعبير الأصدق عن وحدة الشعب في الداخل والخارج، قبل أن تنزلق بشكل تراكمي من منطق حركة التحرر الشاملة إلى منطق "الحل المرحلي" واحتكار القرار والتمثيل، الأمر الذي مهد لاحقا لاتفاق أوسلو، ذلك الاتفاق الذي حول المنظمة ذاتها إلى هيكل رمزي ورثته سلطة بلا سيادة وأعادت تشكيله على صورتها.
هكذا انفصلت القيادة عن القاعدة، وصار المخيم والشتات على الهامش بلا تمثيل فعلي، وتحولت السياسة إلى فن "إدارة الواقع" لا الكفاح لتغييره.
السابع من أكتوبر/تشرين الأول شكل لحظة كشف سياسي وأخلاقي زلزل البنية القائمة كلها، وأعاد السؤال إلى جوهره، ليس سؤال السلطة وحدها، بل سؤال المقاومة والتحرر ومعنى المشروع الوطني ذاته. وفي الوقت نفسه عرى غياب البنية السياسية وحدود قدرتها على تحويل الصدمة إلى إستراتيجية، وتحويل التضحية والبطولة إلى مكاسب مستدامة.
لفهم ذلك، لا بد من الغوص في بنية السلطة الفلسطينية ذاتها. فالسلطة التي نشأت بوصفها ثمرة التفاهم مع من يحتلها أسست على وهم بنيوي؛ وهم الدولة الموعودة التي ستولد من رحم التفاهم مع الاحتلال لا من مقاومته.
بينما هي في جوهرها مجرد كيان إداري يمارس سلطة شكلية تحت سقف الاحتلال، ويدير شبكة معقدة من الأجهزة الإدارية والأمنية الممولة خارجيا، مهمتها الأولى ضبط الفلسطيني، وإعفاء إسرائيل من كلفة إدارة الاحتلال بشكل مباشر.
إعلانهذا النموذج بدأ بالاختناق مع انتفاضة الأقصى التي عرت حدود "الوهم التفاوضي". حين خرج الفلسطينيون في مواجهة شاملة للاحتلال، بدا أن مشروع أوسلو نفسه قد بلغ نهايته، سقطت فكرة "الاستقرار" مقابل المساعدات، فانكشفت هشاشتها المؤسسية، وبدأت ملامح إعادة هندستها تظهر بوضوح بعد اغتيال الشهيد ياسر عرفات عام 2004.
مع تولي محمود عباس مقاليد السلطة تحول الخطاب من "النضال التفاوضي" إلى "السلام الأمني". لم تعد مهمة السلطة إدارة الانتقال نحو الدولة، بل ضمان أمن الاحتلال مقابل استمرار التمويل والدعم الدولي.
أعيد بناء الأجهزة الأمنية عبر مشروع دايتون لإنتاج "الفلسطيني الجديد" الذي تقاس صلاحيته بقدر التزامه بأمن إسرائيل. تحت هذا الغطاء تحولت الأجهزة الأمنية إلى أداة قمع داخلي تلاحق العمل المقاوم بذريعة "حماية النظام"، وصار التنسيق الأمني جوهر العلاقة مع الاحتلال، ومبرر وجود السلطة، فغدا الاحتلال أكثر أمنا من أي وقت مضى.
في هذا المناخ، جاءت انتخابات 2006 كتتويج للأزمة لا كحل لها، حين قررت حركة حماس المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي لتنافس في لعبة وضعت قواعدها سلطة تستمد شرعيتها من الاحتلال ومن الاشتراطات الدولية المنحازة له.
فازت حماس بالأغلبية، لكنها وجدت نفسها بين خيارين أحلاهما مر، إما التخلي عن المقاومة والقبول بشروط "الشرعية الدولية"، وإما إدارة حكم محاصر في الداخل والخارج.
كانت النتيجة انفجارا داخليا داميا، لم يكن مجرد تنافس فصائلي، بل لحظة كشفت البنية العميقة للأزمة الفلسطينية: صراع بين مشروعين لا يلتقيان، أحدهما يرى في السلطة غاية بحد ذاتها، والآخر يحاول الجمع بينها وبين المقاومة.
منذ ذلك الحين صار الفلسطيني عالقا بين سلطتين بلا سيادة تتنازعان شرعية التمثيل في ظل احتلال واحد متحكم.
في الضفة احتكرت السلطة التمثيل السياسي، بينما تآكلت شرعيتها الشعبية؛ بسبب تعطيل الانتخابات وإفراغ الحياة السياسية من معناها، وبذلك صار التنسيق الأمني والانقسام عقيدة وشرط بقاء للسلطة، بينما تحصنت النخبة الحاكمة حول شبكة مصالح تغلف الجمود بخطاب "العقلانية" و"الواقعية".
وفي غزة صار الفعل سلطويا دفاعيا في مواجهة الحصار وجولات الحروب والمجازر المتكررة. ومع الوقت، استنزف الحصار الطويل المقاومة في عبء الإدارة اليومية، فتشكلت ازدواجية مرهقة بين ضرورة المقاومة ومقتضيات الحكم المكبل دوليا وقانونيا، وتدريجيا صار العالم يتعامل مع غزة ككيان قائم بذاته من زاوية تبعات أي فعل مقاوم على "أمن إسرائيل" لا كأرض محتلة، وهو ما سيوظف لاحقا في تبرير حرب الإبادة والتواطؤ الدولي تجاهها.
لم يكن السابع من أكتوبر/تشرين الأول وليد لحظته، بل حصيلة تراكم ثمانية عقود من النكبة والتهجير والاستيطان وتدنيس الأقصى والحصار والعدوان المستمر، وبسبب الانقسام وانعدام الأفق السياسي، وأيضا نتيجة انزلاق الإقليم إلى موجة تطبيع حاولت القفز فوق فلسطين وتحويلها إلى عبء إنساني مفرغ من مضمونه السياسي.
حطم ذلك اليوم السردية الأمنية الإسرائيلية، وهز ضمير العالم أمام صمود شعب محاصر، وعرى الاستثنائية الأخلاقية الإسرائيلية التي تهاوت على وقع الإبادة والمجازر التي نقلت على الهواء مباشرة.
إعلانلكنه كشف أيضا فراغ البنية السياسية المؤطرة؛ مقاومة تمتلك بندقية وإرادة القتال، لكنها غير مسنودة بإطار وطني جامع يراكم الإنجاز ويحوله إلى مكاسب سياسية، بل مكشوفة أمام سلطة عاجزة حتى عن الإدانة، أو متورطة في خطاب تبريري يلوم الضحية بدل مقاومة الجلاد.
صحيح أن الإبادة بصورتها الخشنة قد توقفت أو علقت مرحليا، لكن التحديات التي تواجه المشروع الوطني اليوم ليست أقل قسوة من الحرب ذاتها.
فالإبادة بمعناها الواسع لم تبدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولا يبدو أنها ستنتهي باتفاق شرم الشيخ. فالخطر الحقيقي يتجسد في مشروع سياسي جديد يسعى لتصفية القضية من جذورها، عبر تحويل غزة إلى "منطقة إنسانية" بلا مقاومة أو مضمون سياسي، تحت إدارة انتقالية دولية تقصي الفلسطينيين، وتمنح الاحتلال صلاحيات أمنية واسعة باسم "الاستقرار".
إنها صيغة مقنّنة لاحتلال جديد يهدف إلى تفكيك الجغرافيا الفلسطينية، وفصل غزة عن الضفة، وتجريد المشروع الوطني من معناه التحرري.
وفي الضفة تسير خطة الضم الزاحف بخطى ممنهجة عبر مزيج من إجراءات قانونية وميدانية تهدف إلى اقتلاع الفلسطيني من أرضه، حيث يجري تحويل الجغرافيا إلى كانتونات مقطعة الأوصال وإغراقها بالمستوطنات التي تتوسع بلا توقف.
بينما توظف سياسة هدم المنازل وعمليات الاعتقال والاغتيال والاقتحامات المتكررة للمخيمات والأحياء، وانفلات إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، كوسائل ضغط ممنهجة لفرض التطهير الديمغرافي تدريجيا، بحيث تصبح الضفة مساحة قابلة للضم الفعلي من دون إعلان رسمي.
وفي القدس لا يختلف المشهد كثيرا، إذ تتواصل عملية إعادة هندسة الوجود الفلسطيني على نحو شامل، قانونيا وديمغرافيا وثقافيا، في سياق خطة تهويد متكاملة يراد منها تقليص الوجود الدائم للفلسطينيين ومحو الطابع العربي والإسلامي للمدينة.
تترافق هذه السياسات مع مشروع تهويد عمراني يلتهم أحياء القدس الشرقية ويعزلها عن الضفة. أما المسجد الأقصى فيخضع لهجمة مركبة في محاولة لفرض واقع جديد يجعل السيادة الفعلية للاحتلال داخل أقدس فضاءات الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي.
ما تقوم به إسرائيل في غزة والضفة والقدس هو سلب الفلسطيني مركزه السياسي وتحويله إلى "ساكن" بلا قضية ولا أفق، وتجريد الشعب من أوراق قوته، وعلى رأسها المقاومة.
لكن الأخطر من ذلك هو القبول الضمني بهذه المعادلة. حين يتجاهل خطاب رسمي فلسطيني أو عربي أو إسلامي كل هذه التحديات الوجودية ويعيد إنتاج معادلة "الأمن مقابل الاستقرار أو الغذاء"، تختزل المعركة إلى بعد إنساني، وتفرغ القضية من معناها السياسي.
وحين تستثمر إسرائيل الانقسام لتثبيته واقعا دائما، وتتعامل مع بقاء الانفصال بين غزة والضفة كضمانة إستراتيجية، يصبح الدرس واضحا؛ الوحدة السياسية الفلسطينية خطر على مشاريعها؛ لأنها تحول "السكان" إلى كيان سياسي مؤهل لحمل مشروع التحرر.
لذلك يجب أن يتجاوز المشروع الفلسطيني أوسلو والتنسيق الأمني معا، وأن يعود إلى فضاء التحرر الوطني جامعا للمعنى والوسيلة.
يبدأ التحول بإعادة تعريف المشروع الوطني نفسه؛ لسنا في طور بناء الدولة، بل شعب تحت الاحتلال، وفي طور تحرر وطني طويل النفس.
هذا ليس تلاعبا لغويا، بل تحديدا وظيفيا يعيد ترتيب الوسائل وفق الغاية. وهذا التحديد يستلزم إعادة تعريف الشعب الفلسطيني كنسيج سياسي متعدد، لا كوحدات منفصلة تستنزفها همومها الخاصة، في الضفة وفي غزة وفي القدس، وفي الأراضي المحتلة عام 48، واللاجئين في المخيمات، والشتات في القارات الخمس.
هذه التعددية ثمثل رأس مالٍ تحرريٍ يسمح بتكامل أشكال النضال من المقاومة المسلحة إلى العصيان المدني والفعل القانوني الدولي، ودعم مالي وثقافي وإعلامي منظم، وشبكات ضغط نقابية وأكاديمية عابرة للحدود. غير أن هذا التعدد لا يثمر من دون مرجعية سياسية واحدة تستوعبه وتديره.
إعلانهنا يعود دور منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الإطار الطبيعي، لكن بعد تخليصها من البيروقراطية التي حولتها إلى ظل للسلطة. كانت المنظمة عنوان الوحدة الوطنية وإطار التحرر، ثم ابتلعتها السلطة وأفرغتها من مضمونها الثوري.
والسلطة لم تبتلع المنظمة فحسب، بل اختطفت حركة فتح نفسها، فصادرت تاريخها وحولتها من حركة تحرر وطنية إلى جهاز إداري تحركه الاعتبارات الحزبية والولاءات الاقتصادية.
في هذا السياق تبرز دلالة قضية القيادي الأسير مروان البرغوثي بوصفها مرآة تكشف عمق الخوف في بنية النظام القائم. فالسلطة الفلسطينية- كما الاحتلال- ترفض رؤيته حرا؛ لأن تحرره يعني تهديد المنظومة التي تحكم الخناق على المشروع الوطني.
البرغوثي هنا لا يعامل كأسير سياسي، بل كرمز لشرعية نضالية وتنظيمية ووطنية قادرة على إعادة توحيد حركة فتح وتجديد مشروعها، وأيضا مؤهل لبناء الجسر المقطوع بين مكونات الحركة الوطنية. لذلك يخشى منه بوصفه إمكانية لقيادة انتقال تحرري تعيد تعريف وظيفة القيادة؛ قيادة التحرير لا إدارة الواقع.
هذه المفارقة تفضح هشاشة السلطة وضعف حضورها الشعبي. فهي سلطة بلا قاعدة جماهيرية، تستمد بقاءها من هندسة الانقسام لا من شرعية الناس.
لذلك المطلوب إعادة بناء منظمة التحرير لتستعيد شرعيتها الشعبية والوظيفة المؤسسة لها، بحيث تعود إلى عهدها الأول وعاء لكل مكونات الشعب الفلسطيني وفعالياته، ويقتضي ذلك فصلا مؤسسيا وماليا حقيقيا بين المنظمة والسلطة، وإعادة الاعتبار للميثاق الوطني قبل أن تفرغه أوسلو من مضمونه، وبناء مجلس وطني منتخب حيثما وُجد الفلسطينيون على قاعدة مشروع التحرر لا وفق برنامج السلطة التسوَوِي.
لكن التغيير لن يأتي بقرارات فوقية، بل بفعل شعبي منظم يعيد السياسة إلى الشارع، داخل حركة فتح، وفي قلب الضفة، وفي غزة والمخيمات والشتات.
تتكون حاجة حقيقية إلى حراك وطني سياسي وشعبي وميداني فاعل، ومتصاعد يحرر الفعل السياسي من قبضة التنسيق الأمني، ويعيد للمشروع جذوره التحررية.
القضية لا يمكن أن تبقى رهينة الفيتو السلطوي أو إملاءات الاحتلال، أو ضغوط قوى إقليمية أو دولية تجرّم المقاومة. إعادة بناء المشروع تبدأ من هنا: من استعادة القيادة إلى الناس ومنح السياسة معناها التحرّري الأول.
وبخصوص البرنامج الوطني، ينبغي أن نتحول عن خطاب الدولة المزيف الذي يبرر العجز ويعطل الفاعلية الوطنية، وننتقل إلى برامج إجرائية محددة بأهداف قابلة للتحقق في ظل موازنات القوة الحالية وتفاعلات ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وأن يتحول مركز ثقل المقاومة بكل أشكالها إلى الضفة؛ لأنها بالمعيار القانوني الدولي- وهو معيار انتقائي على كل حال- أرض محتلة، وهي في الوقت نفسه عصب المشروع الصهيوني، وبؤرة استهداف المشروع الوطني الفلسطيني.
التركيز على الضفة لا يعني حصره فيها ولا يعني إعادة إنتاج منطق "المرحلية" الذي أوصلنا إلى أوسلو، ولا يعني إنتاج خطاب دولاتي جديد موضوعه الضفة، فتقسيم الوجدان الوطني نقيض مشروع التحرر؛ ففلسطين كل فلسطين للشعب الفلسطيني، والاحتلال والنكبة واللجوء لن تمحى- مع مرور الزمن- بدون استعادة الأرض والحقوق كاملة.
لكن هذا الوضع القانوني يجعل التركيز على الضفة أكثر من قرار تكتيكي، إذ يوفر أرضية قانونية وسياسية واضحة يمكن أن تستغل لإعطاء الفعل الوطني بعدا موحدا وقابلا للقراءة دوليا.
لا نقول إن النظام الدولي سيمنح تلقائيا حقا معترفا به لكل فعل مقاوم في الضفة، لكن القانون الدولي يحدد بوضوح أن الضفة أرض محتلة والاستيطان غير شرعي. وبناء على هذا الأساس، يصبح التركيز على الضفة فرصة لبرنامج ذي أولوية يربط الفعل الميداني بالشرعية السياسية والقانونية القادرة على جمع الشعب الفلسطيني، وإعادة توجيه الصراع نحو أفق وطني، ويشكل ضغطا سياسيا وإعلاميا يمكن أن يعري جمود السلطة، ويحرج المنظومة الدولية والأنظمة والدول التي تسعى لتطبيع العلاقات، أو التهرب من مسؤولياتها أمام واقع احتلال معترف به دوليا.
وفي المقابل يجب أن يحرص البرنامج الوطني على استعادة غزة وظيفتها كجبهة مقاومة لا كبقعة جغرافية محاصرة أو مجموعة سكانية مسلوبة للبعد السياسي والوطني.
وعلى الدول العربية والإسلامية تحمل مسؤولياتها في عدم تمرير المشروع الأميركي- الإسرائيلي الهادف إلى إعادة إنتاج الاحتلال وتأبيد السيطرة والهيمنة في غزة. المطلوب إدارة انتقالية مهنية محددة المدة والهدف، تركز على مداواة جراح الناس وإغاثتهم وإعادة الإعمار تحت إشراف وطني مشترك، دون أن توظف هذه الإدارة لتكريس الانفصال عن الضفة أو تثبيت قوة الاحتلال كأمر واقع.
إعلانإقليميا، ليست المسألة في انتظار عطف العواصم، بل في إعادة تعريف العلاقة بين فلسطين ومحيطها على أساس خطاب سياسي يتعامل مع الأمة العربية والإسلامية كفضاء عضوي متصل بالقضية الفلسطينية، لا منفصل عنها، وهذا الخطاب يجب أن يتأسس على بنية واقعية تنطلق من خطورة المشروع الصهيوني الذي يمتد إلى عمق المنطقة ويهدد مصالحها الإستراتيجية، وعلى سردية تاريخية تضع فلسطين في قلب الهجمة الغربية على العالم العربي والإسلامي، وينطلق من الخصوصية الدينية لفلسطين المترسخة في الوجدان العربي والإسلامي كأرض عربية وإسلامية مغتصبة تستدعي موقفا أخلاقيا وشرعيا وإنسانيا.
من هنا يصبح من الضروري نزع شعار "فلسطين قضية الفلسطينيين وحدهم"؛ ففلسطين قضية القضايا، مرتبطة بمصير الأمة ومستقبل نهضتها.
حين يملك الفلسطينيون مشروعا واضحا وبرنامجا متماسكا وخطابا سياسيا فاعلا، يصبح ممكنا الانتقال بالموقف العربي والإسلامي من رد فعل متردد إلى التزام سياسي؛ فالوحدة الفلسطينية تنزع ذريعة الانقسام التي اعتادت الأنظمة الاحتماء بها، وتخلق بيئة شعبية وسياسية وإعلامية ودبلوماسية تعيد فلسطين إلى قلب مشروع الأمة، بدل أن تحصرها في إطار محلي مفرغ من بعدها العربي والإسلامي.
وعالميا، ولدت من مأساة غزة موجة وعي غير مسبوقة: قضاء يحقق في الإبادة، جامعات تقاطع، نقابات تحتج، وشعوب تخرج إلى الشارع في مدن لم تكن تعرف أسماء مخيمات غزة.
لكن هذا الوعي سيبقى غضبا إنسانيا عابرا ما لم يلتقِ بمشروع فلسطيني موحد يترجم التعاطف إلى التزام. العالم لا ينخرط في قضية بلا وجه سياسي واضح. وحدة المشروع هي التي تنقل فلسطين من خانة المأساة إلى خانة الفعل، فعندما تتقدم فلسطين برؤية مكتملة للعدالة وحق تقرير المصير، يتحول التضامن من تعاطف أخلاقي إلى شراكة سياسية، فتصبح المقاطعة إستراتيجية لا شعارا، والمرافعات القانونية مسارا متواصلا بدل أن يتحول إلى مبادرات موسمية، ويتحول الضغط الشعبي من ردة فعل إلى برنامج منظم محدد الهدف.
الفرصة قائمة كما الخطر. تراهن إسرائيل على الزمن وتعب الناس والانقسام السياسي وغياب المشروع الواضح، لكن الاحتلال لا ينهار بالانتظار بل بالاستنزاف المنظم.
يمتلك الفلسطينيون اليوم أدواتٍ لم تكن متاحة بهذا التزامن: مقاومةً أثبتت فاعليتها، ورأيا عاما عالميا متغيرا، ووعيا شعبيا عربيا وإسلاميا متزايدا بخطورة المشروع الصهيوني، ومزاجا رسميا عربيا وإسلاميا انتقل من تهميش القضية الفلسطينية إلى المشاركة في وضع حل لها، وشبكة قانونية دولية تخضع إسرائيل للمساءلة لأول مرة. ما ينقص هو مركز قرار وطني يجمع هذه العناصر في رؤية واحدة.
لقد دفع الفلسطينيون أثمانا باهظة لإصلاحات شكلية لم تمس جوهر المشكلة. من السذاجة انتظار نتائج مختلفة بالأدوات نفسها. المطلوب استعادة المشروع روحَه المؤسسة، أن يعيد تعريف نفسه ليصير حركة تحرر شاملة تنظم السياسة والشعب والمقاومة في إطار واحد. عندها فقط يصبح الزمن حليفا لا خصما، ويصبح ممكنا نقل فلسطين من إدارة أزمة دائمة إلى مشروع تحرر فعلي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات السابع من أکتوبر تشرین الأول العربی والإسلامی المشروع الوطنی فی الضفة فی غزة
إقرأ أيضاً:
قوات الاحتلال تقتحم قرى في نابلس
اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الأحد، قريتي بورين وروجيب في محافظة نابلس.
وأفادت مصادر محلية بأن قوات الاحتلال اقتحمت بورين وروجيب وجابت شوارعهما، وأطلقت قنابل الغاز السام، دون أن يبلغ عن إصابات
وعلى صعيد آخر، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن قطاع غزة بات يسجل أعلى معدل لبتر الأطراف لدى الأطفال بالنسبة لعدد السكان عالمياً، حيث واجه أكثر من 5000 شخص عمليات بتر للأطراف خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وذلك وفقا لتقرير نشرته منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة مطلع أكتوبر الماضي.
جاء ذلك خلال إطلاق مبادرة وطنية شاملة لإعادة بناء وتطوير خدمات التأهيل في قطاع غزة من مؤسسة التعاون، ومؤسسة منيب وأنجلا المصري، ومعهد الصحة العالمية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وتحت رعاية وزارة الصحة الفلسطينية.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، اليوم الأحد، أنه سيجري إطلاق حملة تعبئة وتبرعات دولية لدعم صندوق مخصص لتأهيل مبتوري الأطراف وإعادة بناء نظام التأهيل في غزة نحو تعافٍ مستدام.
وأضافت أن هذه المبادرة تأتي استناداً إلى تقرير مشترك صدر حديثاً، كشف عن انهيار غير مسبوق في خدمات التأهيل في القطاع في ظل ما خلّفه العدوان على قطاع غزة من دمار واسع للبنية الصحية، وارتفاع غير مستوعب في أعداد المصابين، فقد تجاوز عدد الجرحى 170 ألف جريح حتى سبتمبر 2025، ويُقدر أن ما لا يقل عن ربعهم سيحتاجون إلى رعاية تأهيلية متوسطة وطويلة الأمد.
وتشير المعطيات إلى أن غزة اليوم تسجّل أعلى معدل لبتر الأطراف لدى الأطفال نسبةً لعدد السكان على مستوى العالم، ما يعكس عمق الكارثة الصحية والإنسانية في القطاع.
ومن جانبه، قال وزير الصحة الفلسطيني ماجد أبو رمضان "إن وزارة الصحة تؤكد التزامها بقيادة الجهود الوطنية لإعادة بناء منظومة تأهيل قادرة على الاستجابة لاحتياجات المصابين، وضمان حقهم في الوصول إلى خدمات علاجية وتأهيلية مستدامة"، داعيا كل المؤسسات العاملة في القطاع الصحي، محلياً ودولياً، إلى توحيد الجهود ضمن إطار وطني جامع يتقدم بخطة واضحة وشراكات فاعلة.